يا سيدي النهر درويش الأسيوطي

يا سيدي النهر

شعر

ومستسلماً للمقادير- يا سيدي النهر-
تمشي الهوينى
كأن القرى ألبستك التمهل
تمضي خجولا
وتدفع بالعشب والجثث الطافيات
تجاه الشمال..
كأنك لم تسق تكعيبة الكرم
أو ذهب الحقل..
أو جنة البرتقال..
...................
كأنك ما انساح شريانك الخصب
بين الحقول وتحت الظلال
ولم تعشق الأغنيات الصبايا
ولم تحضن الفلك والاحتفال
كأنك يا سيلي لست أنت الذي
من صخور الجنوب
اجتبى هذه الأرض..
من ذا الذي...
قد أتى للرمال المباحة بالموت
مس الثرى بالحنو
فكانت هنا الأرض
سمراء في لون جبتك العربية
من جاء للأرض بالضفة الغرينية
صارت بها الأرض
خضراء في لون دغل
يمر بذاكرة الموج
حين تلملمه بين كفيك
تمسح عنه الكلال..
ومستسلما للمقادير يا سيدي النهر
تضحك تحت نوافذهم..
نائما بين شطيك كالمرأة الساقطة
كأنك ما كنت في موسم الفيض
تهدر بالطمي والموج...
والزبد المبتغى..
كأنك البلاد التي خافت الفيض
قد أغرقتها الرمال..
كأنك من خشية العسس المتربص
تكتم أنفاس موجك..
تسري ووجهك مرآة ماء
تقلب فيها العمائر شرفاتها.
والسماء...
تساقط فيها النجوم الحزانى
وبدر الشتاء المسهد
والأغصن الذابلة...
إنها المهزلة..
كأنك لست الذي ضاجع الرمل
واستنبت المستحيل...
وأنبت أهرامها والمسلات والأمة الهائلة!!
فكيف ارتضيت الركون إلي الصمت
يا سيدي النهر
فض من جديد...
ومزق شطوطك إن شئت واصنع بيوتا لكل البنين
فلست الذي ينحني للدخيل...
ولست الذي عبدته الجنود..

 

درويش الأسيوطي