نظرة من الخارج حول ما حدث في الكويت

.. بعد العاصفة
ربما كانت هذه هي المرة الأولىالتي تنشر فيها "العربي" استطلاعـا مترجما عن مجلة أخرى. فعلى مدى السنوات الماضية كانت "العربي " بحق هي عيون القارئ على العالم كله ووصل محرروها ومصوروها إلى أماكن نائية لم. تصل إليها المجلات المتخصصة. ورحلة اليوم ليست بعيدة. إنها إلى الكويت التي مازالت تعاني من آثار العدوان.ولعل هذا ما دفع مجلة National Giographic إلى أن ترسل محررها توماس كانبي ومصورها ستيف ماك كي يرصدا هذه الآثار.

بعد أن التففنا حول الملاجئ المحصنة المهجورة، محاذرين من خطر ملامسة الألغام العراقية المبثوثة هنا وهناك، أخذنا في التوغل داخل تلك المنطقة من الجحيم الممتدة بطول منطقة آبار " الأحمدي "، كانت نيران الآبار المفجرة، والتي تزأر مثل محرك نفاث، تحتدم من كل جانب.

توقفنا لالتقاط الصور وتسجيل ما نشاهده، كان هناك ثمانية وستون مصدرا للنيران يندفع منها الدخان إلى السماء الممتلئة بالسواد فوقنا، وفي كل أرجاء هذه الأرض المليئة بالحطام والخراب هناك أكثر من خمسمائة بئر مشتعلة تنفث السموم عاليا بلا انقطاع منذ أشعلها الغزاة العراقيون قبل ثلاثة أسابيع.

وسط هذا الجو المعتم والسريالي كان رذاذ السناج والزيت يلمع في ضوء مصابيح سيارتنا الأمامية ويلطخ قناع الشاش الواقي فوق وجوهنا. وفي السماء، كانت سحب الدخان السوداء تحجب خلفها شمس الضحى، تاركة هواء الصحراء الملوث اللاذع يبعث القشعريرة في الأجساد.

لقد جئت إلى الخليج بعد أن سكتت المدافع، عندما بدأ الاهتمام يتركز على الأثر البيئي للحرب. جئت إلى المنطقة مروعا بالحجم الهائل للكارثة وبالوحشية الغاشمة للعراقيين الذين صنعوها، وعلمت أيضا أن جهودا مكثفة من المراقبة العلمية والطبية لابد أن تبذل أولا قبل أن يصبح في الإمكان تقدير التكلفة الحقيقية لتلك الكارثة.

لقد جذبت حرائق البترول في الكويت، والعفرة الهائلة المنبعثة منها أنظار العالم بأسرة فكل يوم تلتهم النيران خمسة ملايين برميل من النفط، مولدة ما يزيد على نصف مليون طن من الملوثات الهوائية، ومن بينها ثاني أكسيد الفسفور، المكون الأساسي للأمطار الحمضية. وبعد أن ترتفع سحب الدخان السوداء إلى مسافة ميلين تمتطي الريح لتلطخ السحب الضبابية في أماكن بعيدة عن الكويت فتسقط أمطار سوداء في السعودية وإيران، ويتساقط ثلج أسود في كشمير على بعد 1500 ميل من جهة الشرق.

وقد تأثرت صحة الإنسان بالفعل، نتيجة للكارثة، بأشكال ودرجات ربما لن تتيسر أبدا معرفتها على وجه اليقين. ولوحظ تزايد نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، وأعرب الباحثون عن قلقهم من وجود مواد " مسرطنة " في سحابة الدخان الهائلة.

خبراء نفط.. لتفجير النفط

عندما وصلت إلى الكويت في أواسط مارس، كانت ثلاث فرق لمكافحة الحرائق من تكساس وفرقة من كندا تكافح من أجل نقل المعدات بالطائرات، وتناضل ضد الألغام الأرضية وصد البيروقراطية، وبعد مرور شهرين كانت مائة بئر مشتعلة قد تمت السيطرة عليها، لكنها كانت الآبار الأكثر سهولة، وربما تؤخر بحيرات البترول المتنامية والألغام المخفية تنفيذ المهمة لسنوات عديدة.

يقول حماد البطي، أحد العاملين بشركة البترول الكويتية في الأحمدى جنوبي الكويت، والذي شاهد العراقيين وهم يفجرون الآبار: " أرسل صدام حسين خبراء بتروليين من العراق، وقام هؤلاء الخبراء بدراسة نظام تشغيلنا، وإن لم تتعاون معهم يبادروا إلى قتلك فورا. وقبل الكارثة بشهر طردونا خارج غرفة التحكم حيث كنت أعمل ".

" ويوم السبت السابع عشر من فبراير، بدأوا يضرمون النيران في الآبار، وضعوا الديناميت في كل بئر، ووضعوا أكياس الرمل فوق كل شحنة لكي يتجه التفجير إلى داخل البئر، وقاموا بتفجير الديناميت بشحنة كهربائية، وكل عشر دقائق كانوا يفجرون بئرا أخرى. ، وسرعان ما امتلأت السماء بالنار والدخان ".

اقتادني السيد البطي إلى مكان غرفة التحكم، والتي تنظم تدفق البترول من الحقل إلى الناقلات عند الشاطئ، وأشار بيده: " كان مقعدي في ذلك الركن " كانت الغرفة ومحتوياتها من أجهزة التحكم التي تعمل بالكمبيوتر قد تفتتت إلى كسر صغيرة بفعل التفجير.

توجهنا بعد ذلك إلى منزله في المنطقة السكنية التابعة للشركة والتي لا تبعد كثيرا عن الآبار المشتعلة، كانت غمامة الدخان السوداء معلقة على ارتفاع خفيض فوقنا، تنشر الظلام والبرودة، وكان غثاء من الزيت المكسو بالسخام يكسو كل سطح، بما في ذلك بشرة وثياب أطفاله السبعة عشر، تجمع الأطفال حولنا وزوجتاه فاطمة وسعدة.

وسألت زوجته فاطمة: كيف تنظفين الأطفال؟ أجابت فاطمة: بالحك، ومع ذلك لا تنظف أبدا.

أكلوا.. ثم أحرقوا ما تبقى

اتجهنا بعد ذلك زيارة مكان على بعد ثلاثين ميلا جنوبي مدينة الكويت، كانت تشغله قبل الغزو محطة للتجارب الزراعية الحديثة، وهنا رأيت في صورة مصغرة تأثير الدخان على الأراضي الزراعية في أي مكان يقع تحت غمامة الدخان.

لقد عسكر الجنود العراقيون في المحطة خلال شهور الاحتلال، وعندما غادروها وضعوا الألغام في كل مكان، فحتى ماكينات التصوير فخخوها، يقول جمال محمد مهندس الري: " استخدم العراقيون مكتب الإدارة كمركز للقيادة والتحكم، وقد أبلغ مقاتلو المقاومة الكويتية الحلفاء بذلك، ويمكنك أن ترى النتيجة أمامك "، وأشار إلى دائرة من الدبش والحطام تحيط بحفرة أحدثها انفجار قنبلة، كشاهد على الدقة البالغة لقصف الحلفاء.

وفي حديقة الحيوان بالكويت لم يبق بعد الاحتلال سوى عدد محدود من الحيوانات وهذه القلة الناجية عانت كثيرا بسبب الإهمال، وبعض هذه الحيوانات أصيب بجروح نتيجة لإطلاق العراقيين الرصاص عليها سواء بغرض الأكل أو المتعة، كما اختفى بعضها- ويعتقد أنها نقلت إلى العراق- في حين كان عدد قليل منها محظوظا إذ تبناه كويتيون، ثم أعادوه عندما مرت عاصفة الحرب.

لقد أدرك الكويتيون من البداية أن بيئتهم قد أصيبت بأضرار فادحة، لكنهم افتقروا إلى الوسائل اللازمة لتقدير الأضرار. وقبل الحرب أسست الدولة معهد الكويت للتقدم العلمي، أحد أبرز المراكز العلمية في الشرق الأوسط. هذا الصرح الضخم أصبح الآن هيكلا متهدما بعد أن نهبه العراقيون ودمروه جزئيا، وقبل انسحابهم ترك العراقيون خلفهم " إهانتهم " الأخيرة المعتادة بالتبرز على أرضياته.

شجاعة الكويتيين

ورغم أن الكمية المراقة مفزعة بالفعل، فإن حجمها كان سيصل إلى ثلاثة أضعاف لولا أن أربعة من الكويتيين الشجعان نجحوا في خداع العراقيين.

ويروي خالد العثمان المشرف على التكرير بميناء الأحمدي، تفاصيل الواقعة كما يلي: " كنا نعمل بالليل لأن للعراقيين جواسيس، وكان قطر المواسير التي تحمل البترول من صهاريج التخزين إلى جزيرة التحميل يبلغ 48 بوصة، والكمية الموجودة داخل الصهاريج والتي يزمع العراقيون إطلاقها في الخليج كانت تبلغ 8.5 مليون برميل، أغلقنا سرا صماما لا يعرف العراقيون عنه شيئا. ولكي نخدعهم حولنا مؤشر الصمام من "مغلق " إلى " مفتوح "، وعندما فجروا محطة التحميل لإطلاق الكمية الرئيسية احتجز صمامنا ملايين البراميل داخل الصهاريج ".

لقد ضرب طوفان البترول الذي أراقه العراقيون نظاما بيئيا حيويا، فمياه الخليج تعج بالحياة، ويشرح جون ماك كين، الذي يعمل بمعهد البحوث التابع لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ذلك بقوله: " مياه الخليج ضحلة، فمتوسط عمقها لا يزيد على 110 أقدام، ونتيجة لذلك فقد عززت عمليات فيزيائية وبيولوجية فريدة نموا نشطا لأعشاب البحر وطحالبه في القاع، جنبا إلى جنب مع الكائنات الحيوانية والنباتية الصغيرة العالقة في المياه، وعبر ألوف السنين دعمت هذه الإنتاجية النشطة صيد أنواع من الأسماك مثل الماكريل والبوري والنهاش والقشر".

وعلى الجانب السعودي- الشريط الساحلي الذي وصله النفط- تؤدي هذه الضحالة إلى تكون مناطق واسعة من المياه الساكنة عند الشاطئ وهو ما يجعل الخليج منطقة مهمة للطيور المهاجرة والطيور المخوضة في فترة الشتاء، ومن بينها "الزقزاق " و " زمار الرمل "، وعلى مسافة أبعد داخل البحر تعيش اليرقانات والأسماك الصغيرة على مساحة واسعة من المروج البحرية.

وعلى البعد أمام الساحل السعودي تقع مجموعة من الجزر ذات أهمية حيوية بالنسبة للأحياء البحرية. فهناك نوعان من طائر غراب البحر يرتادان تدك الجزر وتزحف السلاحف البحرية إلى شواطئ الجزر لتضع بيضها، وأغلب الجزر محاط بمرجان هش.

ولمعاينة الحجم الهائل للكارثة على الطبيعة، رافقت عزيز العمري المسئول عن الاستطلاع اليومي بإدارة الأرصاد الجوية وحماية البيئة، في طائرة هليوكبتر أخذت تحلق فوق الساحل، كانت الشواطئ بالقرب من الكويت بيضاء، فقد أبعدت الرياح وحركة المد البقعة عنها، أما في اتجاه الجنوب فقد كان المشهد مروعا.

فعلى مسافة من الشاطئ، كان غشاء ضخم من النفط يلمع فوق مياه البحر وتنعكس على صفحته سحابة الدخان الداكنة المنبعثة من حرائق البترول الكويتي.

جزيرة أبوعلي

وميزت من مكاني في الطائرة جزيرة أبو علي، بطريقها المعبدالذي يربطها بالشاطئ، كان الشاطئ الشمالي للجزيرة مكسوا بطبقة رهيبة من النفط، لكن الشاطئ الجنوبي كان نظيف المياه. لقد أدت الجزيرة دور الحاجز الطبيعي، مانعة التيار الأسود المحمل بالنفط عن منطقة الجبيل الصناعية، وعن خليج طاروت وأسطوله من قوارب الصيد. وعن الميناء الصناعي الكبير في الدمام.

وفي ذلك المساء شهدت الاجتماع اليومي لفريق مكافحة البقعة بقيادة نزار توفيق في المقر الرئيسي لإدارة الأرصاد وحماية البيئة. تنبأ خبير الأرصاد وليد بكير باتجاه الرياح في اليوم التالي والأماكن التي يمكن أن توجه إليها البقعة النفطية، ووصف عزيز العمري البقعة النفطية الصغيرة الجديدة بالقرب من رأس التناقب والتي رأيناها من الطائرة الهليوكبتر. وجاءت أخبار مشئومة من جاي رودشتين أخصائي تحليل مسار البقعة: النفط يقترب من الساحل الشمالي للبحرين.

دمار موطن الأحياء المائية

عند طرف الشاطئ، كانت سرطانات البحر المغطاة بالنفط راقدة في كل مكان، وقال توني برين، وهو بيولوجي استرالي جاء لمعاونة السعوديين: " الموت كان راحة لها، منذ أيام قليلة كانت لا تزال تناضل ".

مشينا فوق سطح غريب مشبع بالنفط متغضن مثل سجادة أو دثار غليظ، قال برين "هذه المنطقة الكثيفة الطحالب موطن هام للأحياء المائية، لكنها انتهت الآن بسبب النفط ".

مرت بالقرب منا أربعة جمال ترعى عشب المستنقع أخذت أرقب أحدها وهو يقرب فمه من حزمة أعشاب مغطاة بالنفط، ثم يتردد، ليتركها في النهاية ويمضي مبتعدا.

كان السمك الميت مبعثرا على الشاطئ، وكانت هناك أيضا أعداد من طائر " غراب البحر" وطائر " الغطاس " ميتة أيضا، وكانت هناك أنواع أخرى غمرها النفط لدرجة يتعذر معها تمييزها، قال ماك مورتري " شيء مفزع وغير ضروري أيضا " ملمحا إلى السهولة التي كان يمكن بها إنقاذ العديد من الخلجان باستخدام حواجز عائمة.

وكان توني برين يشعر بإحباط مماثل: " لقد تمت حماية كل المنشآت الواقعة على الساحل بصفوف متعددة من الحواجز، ومع ذلك فلم نستطع أن ننشر مترا واحدا من الحواجز لكي نحمي المواطن الطبيعية ".

بارقة أمل مع السلاحف

وسط هذا الجو الكئيب من الهزيمة البيئية، برق انتصار صغير ارتبط بسلاحف الخليج المعرضة للخطر، فموسم وضع البيض اقترب، وكان هناك قلق بشأن مواضع تعشيش السلاحف التي تبيض فيها وكانت الجزر ملوثة بالنفط وتبعثرت فوقها أنقاض بحيث يتعذر على الحيوانات البرمائية أن تتقدم ناحيتها وتحفر التجاويف. كانت هناك حاجة لمتطوعين، ولم يكن استخدام الهليوكبتر مجديا، وبدا أن الكارثة موشكة الوقوع.

وصلت رسالة بذلك إلى سلاح الجو الملكي البريطاني، الذي قدم طائرات هليوكبتر طراز شينوك وقدم مشاة البحرية البريطانية ونظراؤهم الأمريكيون مساندة قوية، وخلال ثلاثة أيام تمكنوا من تجهيز أربعة مواضع تصلح كأماكن تعشيش للتفريخ، وقال جون جرانتيجر من اللجنة السعودية للأحياء المائية وقد علا السرور وجهه: " في اليوم الذي أنهينا فيه العمل خوضت سلحفاة في المياه الملوثة بالنفط ووصلت لإحدى الجزر لتعشش ".

اجتزنا، ونحن نرتدي أحذية ذات رقبة عالية، منطقة كثيفة الطحالب حتى وصلنا إلى الأشجار. كان ارتفاع أطوالها في محاذاة ذقني، وقال دون كين " ليست عملاقة، لكنها تمثل بيئة طبيعية مهمة بالنسبة للسعودية "، وفي القنوات الفاصلة بين الأشجار تنمو مجموعات من السويقات الصغيرة التي تشبه نبات الهليون " هذه السويقات هي التي تمكن أشجار المنغروف من التنفس ". كان العديد منها قد اسود من النفط، بينما اصفرت أوراق الأشجار المجاورة، وسوف ينتهي أمر أغلبها بالموت ".

كذلك حدثت أشياء طيبة في مركز إعادة تأهيل الطيور في الجبيل، يقول يوسف الوليد مدير المركز: " استقبلنا حوالي 1200 طائر حتى الآن، وقد عالجنا عدة مئات منها وأطلقناها في البرية، وسوف نطلق 600 طائر آخر غدا ".

وفي غرف النقاهة كانت عدة مئات من الطيور تتحرك هنا وهناك في انتظار شفائها من حالة الجفاف التي أصابتها، ومن هناك يتم نقلها بعد ذلك إلى بركة قريبة وهي المحطة الأخيرة قبل إطلاقها. وفي ذلك اليوم كانت مجموعة من الطيور (97 طائرا) تتغندر حول البركة، مسترخية مثل حسناوات مستلقيات على الشاطئ.

مشاكل ازدياد الحرارة

في ذلك اليوم نفسه وصلت أنباء سيئة من الإدارة الوطنية للمحيطات والأرصاد الجوية، فقد أبلغ الرادار بوصول النفط إلى سواحل البحرين، حيث تغذي الأعشاب البحرية الغزيرة أعدادا كبيرة من حيوان الأطوم البرمائي.

وقد بدأت درجة الحرارة تشكل مشكلة في الوقت الحاضر، وسوف تزداد المشكلة تعقيدا في الأيام القادمة، يقول كينيث كين الضابط بحرس السواحل محذرا: " قد تصل الحرارة في شهر يونيو إلى 130 فهرنهيت في الظل، وسوف يصاب العمال بالغثيان بسبب الغازات المتصاعدة من النفط إذا لم يرتدوا الكمامات، والكمامات تعوق الحركة، وبالتالي سيصعب عليهم العمل ".

وبسبب دواعي قلق مشابهة كانت هناك حركة دائبة في مكاتب د. توفيق وعدد من كبار المسئولين في الحكومة السعودية. وفي أواخر مارس، وقبل وقت قصير من مغادرتي للمملكة، جاءت رسالة تفيد بأن إدارة الأرصاد الجوية وحماية البيئة قد عينت شركة " كراولي ماريتيم " إحدى كبريات الشركات الأمريكية المتخصصة في مكافحة البقع البترولية- كمقاول رئيسي في عمليات مكافحة التلوث النفطي. وهكذا، وبعد طول انتظار وجدت طريقة لتعيين مقاولي باطن لتنظيف الشواطئ.

خلال الشص ين التاليين لظهور البقعة- حيث بدا أن الجهد المبذول في مكافحة البقعة محدود الفعالية- عقد الفريق الدولي لمكافحة البقعة مقارنات بينها وبين بقعة " اكسون فالديز " في ألاسكا. هذا الحدث وبالرغم من أنه كان أضيق نطاقا بكثير من بقعة الخليج تصدى له جهد في المكافحة يماثل عشرين ضعفا، فقد شارك عشرة آلاف عامل في وقت واحد، ما بين متطوعين ورسميين في تنظيف الشواطئ الملطخة بالنفط.

وطرحت سؤالا صريحا: ما مدى قوة الحس البيئي في السعودية؟ أجابني عبد الله دباغ مدير معهد الأبحاث: " تذكر أننا كنا في حالة حرب عندما حدثت البقعة، وكانت الموارد السعودية مجهدة لأقصى درجة، بل ومازالت ". وافقته على كلامه على الفور، فالمملكة لم تشن حربا فحسب، بل ولدت كهرباء ومياها تكفي لتزويد ثلاثة أرباع مليون فرد هم عدد القوات الأجنبية الموجودة على أراضيها. كانت المملكة مستنفدة ماليا، وقد منعتها ظروف الحرب من الاستجابة للقاعدة الأولى في التعامل مع البقعة النفطية: أوقف التدفق من منبعه.

البيئة.. ضحية الحرب الأولى

لقد أضفى الحجم غير المسبوق لنيران الآبار أهمية علمية عالية عليها. إذ حفز ذلك على مبادرات بحثية كبيرة من عدة مؤسسات وهيئات علمية عديدة منها المؤسسة القومية للبحث العلمي، وجامعة واشنطن وجامعات أخرى عديدة، والمركز القومي لبحوث الأرصاد الجوية، والجمعية الجغرافية القومية.

يقول وليام كوبر من المركز القومي لبحوث الأرصاد الجوية " إن حرائق الآبار لا تملك إمكان التأثير على مناخ المنطقة فحسب بل توفر أيضا فرصة لاختبار الجوانب المختلفة لفرضية الشتاء النووي والتي تتنبأ بحدوث برودة قارسة بسبب سحب الدخان التي تعكس ضوء الشمس، إنها يمكن أن توضح آثار التلوث على السحب نفسها، وهو ما يمثل منطقة غامضة في فهمنا للتغيير المناخي ".

ومع استمرار مكافحي الحرائق في إطفاء الآبار، سوف تصفو السماء بالتدريج فوق الكويت والأراضي الواقعة باتجاه الريح، وسوف ينحسر الجزء الأسوأ في الكابوس. وفي المياه الضحلة على طول الساحل السعودي سوف تعود النباتات والحيوانات إلى مواطنها الطبيعية، لكن عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية لن تكون كاملة أيضا، وسيظل كل من الحالين يذكرنا بأن البيئة هي الضحية الحتمية للحرب.