تعقيب: حول أدب الأطفال نزار نجار

تعقيب: حول أدب الأطفال

طالعتني مجلة العربي (عدد أكتوبر) بالحوار الذي جرى بين الكاتبين عبد التواب يوسف والدكتور محمد المنسي قنديل. وقد أثار هذا الحوار شجونا في نفسي لأنني من المهتمين بأدب الأطفال، والكتابة الإبداعية لهم.

ونحن نشهد اليوم اهتماما غير عادي بالأطفال وأدب الأطفال، ومع هذا وذاك يظل أدب الأطفال - كنوع فني - أدبا جديدا لم يكتسب تقاليده العامة بعد.

وقد هيأ هذا التفكير لكثير من الاجتهادات والأحكام المتعسفة أن تطرح في الساحة، وأن تلاقي بعض القبول، لا لسبب إلا لأنها تبدو معقولة، مع أن كون أي أمر معقول لا يعني أنه صحيح علميا، إذ لا بد من أن يخضع للتحليل والتدقيق كي يتقرر فيما إذا كان صحيحا أو خاطئا. وأضم صوتي إلى الكاتب عبد التواب يوسف لأسأل: هل هناك برنامج مدروس أو خطة عربية واضحة تقوم بما يحتاج إليه أدب الأطفال العربي؟

لا أعتقد أن ذلك موجود، على الرغم من كثرة المؤتمرات التي دعت إلى ذلك، وتعدد التوصيات، والمناداة في أي مناسبة بوجود تخطيط قومي قيمي لثقافة الأطفال وأدبهم.

والذي يظهر للعيان اليوم من كتب الأطفال وقصصهم لا يشكل قاعدة حقيقية في أدب الأطفال، وفي التوجه إليهم. وإن كنا بدأنا نفكر بهذه القاعدة بدلالة اهتمام المؤسسات الثقافية الرسمية، والمنظمات العلمية في الوطن العربي، فنحن نفتقد المنهج السليم في تقديم هذه الكتب ضمن توجه واع يخضع لخطة مدروسة، يشرف عليها مختصون في مجال الكتابة الإبداعية للأطفال العرب، وأقول بأسف: إنه حتى اللغة العربية لا يتم برها تقديم هذا الأدب. والذين يشهرون أقلامهم - كتابة وترجمة وإعدادا واقتباسا - لا يكتبون باللغة التي تناسب الأطفال، ولا يدركون، في الأعم الأغلب، ما يلائم أطفالنا العرب وما لا يلائم. لقد اختلطت الأوراق فعلا، فهناك من الكتاب من يميل إلى التسطح لا العمق، وهناك من يخلط بين العمق والتعقيد أو ينظر إلى عالم الأطفال على أنه عالم ساذج ينبغي أن يقدم له الطعام سائغا دون جهد، وهناك من يلح على موضوع القيم دون مراعاة لما يثير وجدان النشء، ويطلق خيالهم ويخاطب عقولهم.

إن كثيرين من الكتاب يستهينون بالأطفال، ويستسهلون الكتابة لهم ويهملون روح الطفولة، ولا يراعون جماليات الخيال الطفلي في انتقاء زاوية الموقف أو المشهد أو الانطباع أو الفكرة، ولا يهتمون بما يوقظ الدهشة البريئة، والمفاجأة الممتعة، بالإضافة إلى ضعف ما يقدمونه من معان مع تكرار في القيم والموضوعات، وبكلمة صريحة موجزة، هناك فوضى، وإذا كان لي أن أحدد أسبابا لها، فيمكن أن أوجزها هنا:

1- غياب الكتاب المتخصصين للأطفال، فالكتابة للطفل تتطلب رؤية فكرية وفنية لمراعاة المراحل النمائية للطفل ومعرفة الحياة النفسية لديه.

2 - عدم وجود وحدة متكاملة في الكتابة الموجهة للأطفال من كتاب ورسامين وخطاطين ونقاد.

3 - ليست هناك مراجعة نقدية جادة لكتب الأطفال التى تصدر، وهذه المراجعة المفقودة من شأنها أن تؤدي إلى الهبوط بسوية الكتب الموجهة للأطفال - إلى جانب ضعف التواصل بين الكتاب أنفسهم في أقطار الوطن العربي - مما يفضي إلى أن تضيع الأهداف والقيم، وتتشوه المثل ويتدنى الذوق الجمالي، ويغيب الإحساس المرهف بروح الطفولة الآسر الجذاب، ويمكن أن نتحدث من دون حرج عن الأخطاء الشائعة الكثيرة في كتبنا الطفلية.

وقل مثل ذلك في إهمالنا للتراث العربي، وعدم الإفادة منه، واللهاث وراء ما يصدره الغرب إلينا، فمازالت حكايات الأميرات والشعوذة والسحر تملأ أخيلة أطفالنا، والمطابع التجارية، ودور النشر المختلفة الراكضة وراء الربح باسم الطفولة، تغرق مكتباتنا وأرصفتنا، وإلا فأين رموز الأمة العربية، أين شخصياتها، أين أبطالها ومواقفها ووقائعها وأيامها المشهورة، أين سعي الكتاب لشد الأواصر بين جيل وجيل، إلى جانب ما يقدمونه من تربية القيم الجمالية، والذوق السليم، وتعزيز الرصيد اللغوي والثقافي والقومي والإنساني؟!

نحن بحاجة اليوم إلى مراجعة أنفسنا قبل كل شيء مراجعة طموحاتنا في أن يكون لنا أدب أطفال له خصوصيته، له منابعه الأصيلة، وكتابه المخلصون الجادون، الذين يحكمون ضمائرهم قبل أن يخطوا سطرا. والأدب - هذا الأدب بالذات - ليس لعبة، ولا تسلية، ليس تجارة، بل هو مسؤولية فوق كل المسؤوليات. والأطفال العرب هم المستقبل أولا و أخيرا.

 

نزار نجار