عيد الاستقلال الأربعون في ظل المشروع الإصلاحي بالبحرين

عيد الاستقلال الأربعون في ظل المشروع الإصلاحي بالبحرين

تحتفل مملكة البحرين يوم 16 ديسمبر 2011م بالذكرى الأربعين لعيدها الوطني، وهو عيد الاستقلال والدستور ومناسبة جلوس أميرها الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، مؤسس الدولة الحديثة. وقد ارتبطت ذكرى العيد الوطني، في أذهان شعب البحرين، بالاستقلال والدستور والديمقراطية.

كانت البحرين تعج بالأفكار الحديثة منذ بدايات القرن المنصرم، ويلاحظ الباحث في تاريخها بذور مجتمع مدني حديث بصورة مبكرة مدهشة كان يهتم بإدخال التعليم النظامي الحديث، وقد بدأ فيها التعليم النظامي الحديث بإنشاء مدرسة «الهداية» الخليفية للبنين في مدينة المحرق، عاصمتها التاريخية، عام 1919م وإنشاء مدرسة «خديجة الكبرى» عام 1928م في المدينة ذاتها للبنات.

وشهدت البحرين أول حركة وطنية حديثة عام 1923م للمطالبة بمجلس الشورى، أيده حاكمها حينئذٍ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، واعترض على وجوده المعتمد البريطاني. وقد تعرّض رجالات هذه الحركة الوطنية للنفي إلى الهند بعد ذلك، فاتجهوا إلى دعم التعليم النظامي الحديث. ووضعوا يدهم في يد الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة الذي أوكلت إليه مهمة الإشراف على الإدارة التعليمية، والشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، شيخ الأدباء في البحرين، وباعث نهضتها الأدبية، والمساهم في نهضتها التعليمية، (يراجع بذلك كتاب الأديب اللبناني أمين الريحاني الذي زار البحرين في تلك الأيام).

وكانت البحرين والكويت فرسي رهان في مضمار التقدم والتحديث في منطقة الخليج العربي، حينئذٍ وُجِدت شخصيات كويتية بارزة بعضها للمساهمة في الحركة التعليمية وإدارتها، كالشاعر عبدالله الفرج، وبعضها للدراسة في مدارس البحرين الجديدة.

ويعد حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة كسميه وابن حفيده الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة أول حاكم «إصلاحي» في تاريخ البحرين، حيث سهر على بناء «البنية التحتية» فيها، التي مهدت للمشروع الإصلاحي المعاصر الذي طرحه ملكها في الوقت الحاضر.

وقد باشر الشيخ حمد بن عيسى بن علي شئون الحكم في البحرين في العقد الأخير من حكم والده المسن الشيخ عيسى بن علي وكان العالم يشهد تمخضات الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وما صحبها من توجّهات تغييرية كثيرة، وعقد العزم على أن تدخل بلاده البحرين في غمرة هذه التوجهات. وكان رحمه الله في غمرة انشغاله ببناء المدارس والجسور والإدارات الحديثة، يفكر في الديمقراطية، وله عبارة شهيرة في ذلك تقول: «العرب ديمقراطيون بطبعهم». ولكن لم يمهله القدر لتحقيق حلمه الديمقراطي حيث توفي في فبراير 1942م، بعد أن افتتح الجسر الواصل بين أهم مدينتين في البحرين، وهما المحرق والمنامة.

وقد قام برحلة إلى لندن استغرقت شهورًا، لأنه لم تكن من طريقة غير البحر، كما شجع إخوانه على زيارتها للاطلاع على التحديث الجاري فيها وفي العالم. وكان وثيق الصلة بالكويت وحاكمها حينئذٍ الشيخ مبارك الصباح وتبادلا الزيارة مرارًا، كما استقبل في البحرين عددًا من المثقفين الكويتيين، كمؤرخها الكبير الشيخ عبدالعزيز الرشيد الذي كان يصدر حينها مجلة الكويت، والذي أراد إصدار أعداد منها من البحرين، حيث أقام بها في تلك السنين التي تميزت بالحريات الفكرية التي أفسحها حاكمها الشيخ حمد بن عيسى بن علي.

وجاء من بعده ابنه الشيخ سلمان الذي عُرف بموقفه الصلب من الوجود الأجنبي في البلاد، كما عمل على التوسع في التعليم وفي الإسكان وفي الإدارة الحكومية، حيث نشأت في عهده بفعل التطور الذي أحدثه، حركة وطنية تمثلت في هيئة الاتحاد الوطني التي قادها المرحوم عبدالعزيز الشملان، والمرحوم عبدالرحمن الباكر ، والمرحوم الشيخ كمال الدين، غير أن هذه الحركة الوطنية، لم يكن مصيرها أفضل من حركة 1923، حيث نفى الإنجليز قادتها إلى جزيرة «سنت هيلانه» واحتضنت دولة الكويت بقية رجالاتها الذين وجدوا في الكويت ترحابًا أخويًا وحياة كريمة، مازال بعضهم يتذكرها، ويشيد بها.

وتوفي الشيخ سلمان بن حمد بعد خمس سنوات من انتهاء الحركة الوطنية في البلاد، وتولى الحكم ابنه الأكبر الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الذي سارع إلى إصدار دستور الاستقلال، على غرار الدستور الديمقراطي الكويتي، برحيل الإنجليز وموافقة شعب البحرين قاطبة، في مدنه وقراه، على استقلالها وعروبتها، بدعم عربي ودولي شامل، وكان يؤازره في هذا المسعى شقيقه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، الذي لا يمكن إغفال دوره التاريخي في تثبيت كيان البحرين الحديثة والمعاصرة.

توفي الشيخ عيسى بن سلمان، أمير البحرين الراحل، صباح يوم 6 مارس 1999. وكان قد ذهب إلى مكتبه في دار الحكومة بالمنامة للعمل، كأي بحريني، ونودي بابنه وولي عهده الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة أميرًا لدولة البحرين، قبل أن يصبح ملكًا، وتتحول البحرين إلى مملكة طبقًا لميثاق العمل الوطني الذي صوّت عليه شعب البحرين بالموافقة بنسبة 98.4%.

وتأكيدًا لإيمانه بالتعددية وحرصه على استمرارها في عهده، خاطب شعبه في خطابه الأول، مذكرًا الجميع، بأنه ابن عيسى وحافظ عهده، وبأنه سيحترم «تعددية» البحرين، التي تميزت بها عبر التاريخ، وخاصة في تاريخها الحديث بين مختلف الملل والنحل والثقافات.

وطوال عام أو أكثر ظل حمد بن عيسى يعد لمشروعه الإصلاحي وكيفية تحويله إلى واقع مؤسسي.

وكان الشيخ حمد قد ظل وليًا لعهد البحرين طوال ثلاثين سنة وأصاخ السمع لكل ما أراده شعبه، كما وطد علاقاته مع شخصيات عربية مهمة. وتفرغ لتأسيس «قوة دفاع البحرين» ووضع قوانينها وأنظمتها كمؤسسة وطنية لا كدائرة حكومية. وفي عام 1986، أصدر كتابه المهم، «الضوء الأول» الذي رأى فيه المراقبون تأييده للديمقراطية والإصلاح ودعمه لفكرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

كانت الخطوة الأولى في المشروع الإصلاحي للشيخ حمد بن عيسى صياغة ميثاق عمل وطني يصوت عليه شعب البحرين، وتشكلت لذلك لجنة وطنية تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي الوطني من 50 شخصية بحرينية. وأُفسحت الحرية لمغادرة تلك اللجنة أو الانضمام إليها حسب إرادة الأعضاء.

وكان الرأي السائد أن التصويت الشعبي العام على ميثاق العمل الوطني مسألة محفوفة بالمخاطر، حيث لم يتعود مواطنو البحرين ذلك منذ أمد بعيد. ولكن الشيخ حمد تحمّل المسئولية، وقرر إجراء التصويت الشعبي العام، بالرغم من ظهور أصوات متطرفة في نقاشات الأندية، قبل ذلك كانت بمنزلة «تنفيس» و«أبخرة» عن الكبت في الماضي. وكانت مدهشة النتيجة التي أسفرت عنها عملية التصويت الذي كان يجب أن يتم - حسب القانون في مراكزه المقررة.

ولكن المسنين الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى تلك المراكز، كشاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض اتصلوا بالشيخ حمد ورجوه السماح لهم بممارسة حقهم الانتخابي، وتضمّن ميثاق العمل الوطني - الذي صوت عليه شعب البحرين، «رجالًا ونساء» بالموافقة - الكثير من الحقوق والانجازات التي كانت تبدو مستحيلة في السابق. وتمثّل جوهرها في الحرية والمشاركة السياسية.

وقد تحول كثير من المعارضين للنظام إلى مشاركين فيه، ولم يجد كاتب هذه السطور، مبررًا للبقاء معارضًا، حيث تحققت معظم مطالب الشعب. وأيد زعماء المعارضة التاريخية، وهم المرحوم أحمد الذوادي والمرحوم عبد الأمير الجمري والمرحوم عبدالرحمن النعيمي، مقومات ذلك الانفتاح السياسي.

ومنذ عقد من الزمن والبحرين تعيش في أجوائه، وجاء مجلس الشورى كصمام أمان لاستمرار المجلس النيابي المنتخب. وجرت ثلاثة انتخابات بين عام 2002 وعام 2010، وختمت بانتخابات تكميلية عام 2011م.

وخلال الشهور الماضية من العام الحالي، كان العالم يسمع عن عكس ذلك! غير أن ما حدث لا يعكس حقيقة الأمر.

ولكن الإعلام الخارجي تحول إلى موقف مضاد، بعد أن كان يشيد بتجربة الإصلاح بالبحرين، ومبادرة ملكها إلى ذلك. ولم يتمكن الإعلام الداخلي من نقل الصورة الحقيقية التي غدت مشوشة بفعل استعداد منابر الإعلام الخارجية إلى تبني الصورة المضادة.

أو كما قال ميشيل بيلفر محرر مجلة سنترال يوربيان للدراسات الدولية والأمنية الصادرة عن جامعة براغ ميتروبوليتان التشيكية في مقالته المنشورة بصحيفة وول ستريت الأمريكية بتاريخ 6 / 10 / 2011م: «عندما نقرأ تاريخ الربيع العربي في المستقبل فسيكون فصل البحرين هو الفصل الأكثر إثارة ودهشة بالنسبة للقارئ العادي. وبالرغم من إلغاء الأحكام العرفية في يونيو الماضي، فإن وضع البحرين لايزال يشوبه عدم فهم عميق عندما يتعلق الأمر بالربيع العربي». ويضيف بيلفر موضحًا: «هناك ارتباك في فهم الربيع العربي من قبل صانعي القرار، حيث وُضعت الاحتجاجات العربية تحت مظلة واحدة، وهي أن الشعوب العربية ثارت ضد قامعيها وتطالب بالديمقراطية والإصلاح. هذا التعريف صحيح جزئيًا، ولكنه في حالة البحرين لا ينطبق عليها البتة. على القادة وصانعي القرار ألا يروا ما يحدث في البحرين اليوم بصفة مجردة، بل عليهم أن يعودوا إلى تاريخ البلاد ويستوعبوه».

ويقول عضو الكونجرس الأمريكي ورئيس لجنة آسيا والباسيفيكي بلجنة الشئون الخارجية بالكونجرس النائب ايني فالاومافيجا «إن الإجراءات التي اتخذتها البحرين لتطبيق العدالة هي موضع تقدير، خاصةً فيما يتعلق بالمبادرة الملكية لتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، وتضم عددًا من الخبراء القانونيين ممن يتمتعون بالكفاءة، والنزاهة والمصداقية، على مستوى العالم.. مبينًا أن العديد من الحقائق بشأن البحرين بدأت تظهر تدريجيًا والتي لم تقم بعض وسائل الإعلام العالمية بتغطيتها بشكل منصف..».

ومع ذلك، فإن الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد أكد أن اليد ممدودة للحوار لدى افتتاحه المجلس الوطني في مطلع أكتوبر الماضي. وقد صار في المجلس النيابي أربع نساء بعد الانتخابات التكميلية لعام 2011م.
-----------------------------------
* أكاديمي وكاتب من البحرين

 

محمد جابر الأنصاري*