قصص على الهواء

قصص على الهواء

قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
لماذا اخترت هذه القصص?
-------------------------------------------

قرأت أكثر من خمس عشرة قصة ترشحت للمسابقة وتمتعت بها كلها، بهذه الدرجة أو تلك، ولم أجد بينها ما يصرفني عن استكمال المطالعة منذ الأسطر الأُولى. لكن بما أن المطلوب مني هو اختيار خمس قصص منها فحسب، فقد كان علي أن أُعاود القراءة بنظارات مزودة بغربال.

 

  • قصة (سر المهنة) لعبدالصمد الإدريسي - المغرب

 

أحببت قصة «سر المهنة» لكاتبها عبدالصمد الإدريسي من المغرب لسببين؛ الأول أنها مبطنة بسخرية غير معلنة، والثاني أنها مخلصة لقاعدة قديمة من القواعد المستحبة في كتابة القصة القصيرة وهي ما يسمى بضربة الختام. وفي قصته، يتابع عبدالصمد شاعراً ممسوساً بالأجواء المناسبة لهبوط شيطان الشعر. إنه لا يمكن أن يسجل مطلع قصيدة جديدة، ولا أبياتها كلها التي تتهاوى على مخيلته، لأنه كان في بيته وليس في مقهاه البحري المفضل والبعيد. إن ذلك المقهى هو المكان السري الوحيد الذي يمارس فيه طقوس الكتابة، في منأى عن ضجيج المدينة وزحامها، بعد أن يكون قد أشعل «سيجاراً» ووضعه بين شفتيه. لكن ماذا يحدث عندما يهبط عليه فجأة، وفي مصادفة غير محسوبة، صديق اهتدى إلى ذلك المقهى؟

بلغة تصويرية جميلة نجح الكاتب في سحب قارئه إلى صميم التأزم النفسي للشاعر، لبلوغ ضربة النهاية، وختم قصته بشكل ذكي يدعو لأن نغفر له بعض الأخطاء الإملائية البسيطة.

  • قصة (أدراج) لمحمد عبدالقادر الهميم الشيخ - السودان

في قصة «أدراج» للكاتب محمد عبدالقادر الهميم الشيخ مفاجأة من نوع آخر. إنها حكاية معلم وحيد في مدرسة ثانوية ليس بين طالباتها ومعلماتها رجل غيره. وفي اليوم الأخير من السنة الدراسية، يجد الأُستاذ مراد نفسه - من دون قصد - داخل أحد الصفوف الدراسية. ويبدو أن الفراشة، الخالة فاطمة، نسيت أن تقفل بابه بعد انصراف الطالبات. لقد كان مشرفاً على ذلك الفصل ويعرف طالباته واحدة واحدة، لذلك راح يدور بين المقاعد والأدراج ويقرأ ما كتبته الطالبات على مناضدهن من حروف ورموز وعبارات. إن حرف «الميم» يتكرر فوق الأدراج ويتوسط القلوب المحفورة في زواياها. وحتى مكتب المديرة لم يسلم من ذلك الشغف. وهي قصة تكشف عن الظمأ الذي تشعر به البنات والنساء في مجتمع مغلق، حين يصبح المعلم الوحيد في المدرسة رمزاً لكل رجال العالم.

  • قصة (الْقِطار) لهناء عبد الجواد عبد الجواد جوده - مصر

قصة هناء عبدالجواد جودة، من مصر، قصة ساحرة بالفعل، موجزة في عباراتها وشاسعة في معانيها. إنها عن موظف ليس في حياته من أحداث سوى الذهاب من البيت إلى العمل والعودة من العمل إلى البيت. وعندما تسول له نفسه، ذات يوم، أن يغير خط سيره المعتاد ويمر بسوق المدينة لشراء بعض المستلزمات، تسقط السماء فوق رأسه. إنها قصة البشر في البلاد التي تحكمها قوى مستبدة، غير منظورة، تحصي أنفاس الناس وتراقب كل خطوة يخطونها وترغمهم على السير في طريق واحد لا مسار غيره. لقد كتبت هناء عبدالجواد جودة نصاً جيداً يليق بجيل الربيع العربي الساعي إلى حرية ثمينة غير متاحة.

  • قصة (الخبير والمحلل) لبسام الطعان

في قصة «الخبير والمحلل» لبسام الطعان، نبش في النفس البشرية التي هي أشبه بالقنبلة الموقوتة، لا أحد يدري ما الذي يمكن أن يخرجها من سباتها ولا أي قدح يدفعها إلى الانفجار.

  • قصة (الولد) لعمران مصطفى حمادة

قصة «الولد» لعمران مصطفى حمادة، هي نص لكاتب مكتمل ومتمكن من أدواته، يمتلك ناصية السرد ويعرف كيف يجتذب قارئه ويمسك بتلابيبه حتى السطر الأخير.

تتطرق القصة إلى معاناة رجل عجوز من ولد عاق رزق به بعد سبع بنات. وهــــذا الولد الكسول الذي لا تنفع معه التربية، يخطف إحدى بنات القرية ويغيب عن الأنظار، مع كل ما تتسببه فعلته من خزي لأبيه، ثم يعود، فجأة، بعد عدة عقود، مع زوجة ثرية أجنبية. إنها قصة قصيرة لا تحتاج لأن تلتزم بقاعدة ضربة الختام، فقد أجاد الكاتب في إشباع النص بما يكمل شروطه، دون ضرورة للفقرة الأخيرة التي تكتشف فيها الزوجة الثرية أن زوجها كان قد خطف - من قبل - إحدى بنات القرية وتزوجها، فتغضب منه. وسواء غضبت ساندي أم لم تغضب فإن «الولد» تبقى تستحق القراءة والاستعادة.

----------------------------
سر المهنة
عبدالصمد الإدريسي - المغرب

كعادته عند كل لحظة إبداع..سحب كرسيه المعتاد في مقهى «الكورنيش» الذي يطل على شاطئ بحر العاصمة.. وألقى بجثته عليه في كسل وتثاقل كأنه مكره على فعلته، ثم فتح معطفه وسحب من جيبه قلمًا وبضع ورقات بيضاء.. وضعها أمامه على الطاولة، ثم وضع رجلاً على أخرى.. وأرسل عينيه تتأملان البحر الممتد أمامه تحت الأفق، والشمس تتلصص بجبينها على الدنيا.. يسبقها خليط من ألوان داكنة سرعان ما تذوب على عجل.

كانت نسمات الصباح الأولى تلسعه برودتها في خديه.. فينكمش بين كتفيه.. كأنما يصارع شيطانًا يسكن داخله.. ومن حين لحين يُسرح شعره من خلفه بأنامله.. ثم يفرك يديه ويأخذ قلمه يناجيه جهرًا ويشرح بحركات يديه.. كأنما يفهمه ويفهمه... قطع عليه خلوته نادل المقهى الذي جاءه بقهوته المعتادة دون أن يسأله شيئا آخر، ثم وضعها أمامه بعد تحية الصباح.. وولى مدبرًا ولم يعقب..

أما المنظر من حوله فلوحة ساحرة.. لو تهيأت رؤيتها لغيره لقال فيها أجود ما قاله شاعر، لذلك فإنه يقطع مسافة ليست بالقصيرة، من بيته الواقع في وسط العاصمة وزحمتها ليخرج إلى هذا المنظر الآسر الذي لم يخبر به أحدًا من أصدقائه الذين يجالسهم في أي مقهى آخر، لا يخبر حتى زوجته حين يودعها في الصباح ولا يزيد عن إخبارها أنه ذاهب للكتابة!

هو يريد أن يحتفظ بهذا المكان لنفسه، ويدخره للحظاته الخاصة التي يخاف أن يطلع عليها غيره. يؤمن بأن الإبداع حالة وجدانية خاصة، تمتلك المبدع ولا يملكها، لذلك عليه أن يكتشفها شخصيًا. سأله يوما أحدهم:

- متى تكتب؟

رد بشيء من الضيق:

- أنا ليس في قاموسي «متى» يجب أن تغيرها بـ «أين»؟

- أين تكتب؟

- هذا هو السؤال؟

- فأين إذن؟

- ذاك سر المهنة!

ثم من ذلك اليوم لم يسأله أحد مرة أخرى عن هذا الموضوع لأنه لا يريد أن يبوح بذلك السر.

خطر على باله ذات مساء مطلع قصيدة جديدة.. بل أحس بجميع أبياتها تتهاوى عليه، لكنه كان وفيًا لطقوسه.. ضرب بقبضته على الأرض، وتأسف لأن الوقت ليس صباحًا، إذ لا يمكنه الكتابة إلا في مكانه المعهود وفي ذلك المنظر بالذات.

هاهو اليوم يمارس طقوس الكتابة، لكنه في هذا الصباح أحس بنبعه الشعري غير صافٍ وبأن قريحته ليست على استعداد للبوح.. وضع رأسه بين يديه كأنه يعصر ذهنه ليقطر شعرًا، ثم انتفض كمن به مسّ من الجان.. وبحركات سريعة أخرج من جيبه سيجارًا فاخرًا. زم شفتيه في غيظ.. كيف نسي أن يشعل سيجاره قبل بدء الكتابة؟ لم يذكر مرة أنه خط كلمة من دون أن يكون في فمه السيجار. هاهو يعانق الإبداع من جديد ويصنع لنفسه عالمه الفريد، وجذب نفسًا عميقًا ثم أتبعه بثانٍ وثالث دون انقطاع.. نفث دخانه دفعة واحدة في الهواء.. أحس بالمكان من حوله يمتلئ شاعرية. استوى في جلسته ورشف رشفة من قهوته ثم مطق. وفرك يديه في نشوة قبل أن يأخذ قلمه ويكتب:

ضفائر الشروق
حائرة كانت
تخط بمدادها العلوي
أشرعة الأفول
تفيق على إثرها غمامة الميلاد
لتغطس في لا مكان,,,,,,,,
حيث الخلود لا يدوم ساعة
ولا ظلال
كأنها قافلة بلا وتر
بلا انعتاق من غدائر العقول
في ذلك المساء
جنونها يفر كالخبال
كومضة تفور فوق
صفعة السفر
وأنا بينهما
مطأطئ الأوهام
............... كأنني أنام
............... كأنني أنام

وصفق بيديه كطفل في جنون. فجاء النادل مسرعًا، لم يرد أن يرده خاوي الوفاض فدفع ثمن قهوته ثم أخرج ورقة أخرى وقال للنادل:

- وهذه لك.. أيها الرائع.

وعاد إلى سيجاره يمتص رحيقه في نهم، ثم هب واقفًا وأخذ يقرأ بصوتٍ عالٍ:

ضفائر الش.. روووق
حائرة كانت
تخط بمد...ادها العلوي
أشرعة الْ...أفول

وإنه فرح يتلوى من فرط النشوة إذ تجمدت البسمة بين شفتيه وهو يبصر صديقه يبحث عن كرسي ليجلس بالقرب منه. وتخيل نفسه عاريًا اقتحم الناس عليه خلوته، وتذكر أن سرّه منذ اليوم لم يعد سرًا. وأن لحظة إبداعه المكانية قد سرقت منه. وقبل أن يسلم عليه صديقه خطف أوراقه ودسها في جيبه. انسحب مسرعًا وترك سيجاره يحترق في عبث..

بعد أيام ورد إلى بيت صديقه استدعاء للمحكمة، ففغر فاه من الدهشة عند مراجعة الدعوة.حين تبين أنه متهم بسرقة إبداع والسطو على ممتلكات الغير!.

----------------------------
أدراج
محمد عبدالقادر الهميم الشيخ - السودان

إنه اليوم الأخير في هذه السنة الدراسية, بقي أسبوع وتنطلق إمتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني, الهدوء يسود المكان في هذه الساعة من اليوم, جميع التلميذات غادرن إلى بيوتهن, حتى المعلمات غادرت آخرهن قبل قليل, إذا أنا الآن وحدي أتجول في ردهات مدرسة البنات الثانوية ، آه... لقد نسيت أن أقول لكم اني المعلم الوحيد في هذه المدرسة بين مجموعة من المعلمات, لم أختر أن أكون هنا ولكنه القدر وحده.., ما هذا..؟!!

يبدو أن الخالة فاطمة قد نسيت هذا الفصل مفتوحا ، إنه الصف الأول ، لقد كنت مشرفا على هذا الفصل ، كما أني كنت أدرس فيه مادة الكيمياء, بصراحة إنه الفصل المفضل لدي.

أنا الآن داخل الفصل, أوراق متناثرة هنا وهناك, أدراج ومقاعد تزاحم بعضها بعضا بغير ضيق ولا ضجر, ياه.. هذا الدرج قرب النافذة, إنه الدرج الذي تجلس عليه منال, لكم زجرتها عندما كنت اجدها تطيل النظر من النافذة وهي غير مدركة لما تفعل, ما هذا..؟! هناك بعض الخطوط على درجها, سأرى ماذا تكتب, (الحلم البعيد) ثم هناك رسم لقلب بداخله الحرف (M), هل هذا الحرف يرمز للحرف الأول من إسمها ؟ لا أعتقد ذلك...!.

كانت منال فتاة جميلة, ورغم حداثة سنها إلا أنها تتميز بالأناقة الشديدة والإهتمام بمظهرها.

ألقيت نظرة سريعة وعامة على بقية الأدراج في الفصل هناك الكثير من الخطوط والرسومات على الأدراج, يبدو أن الفتيات يعبرن عما بداخلهن على أدراجهن, إنها فكرة رائعة سأرى كيف يفكرن..!

هذا درج آخر وعليه بعض الكلمات, مكتوب هنا ((أستاذي الغالي)) . لم أفهم شيئا, من كانت تجلس هنا ياترى..!؟, آه.. إنها عائشة تلك الفتاة السمراء, لكم أعجبت بعينيها ذواتي الرموش الكثيفة, ولكن من كانت تقصد بتلك العبارة ؟! . يالغبائي لقد نسيت أني الأستاذ الوحيد في هذه المدرسة !, هل يمكن أن...؟ لا لا غير معقول ..!

هذا درج آخر يتوسط الصف الأمامي كانت تجلس فيه فتاة صغيرة في السن تفوق الجميع جمالا ومرحا وذكاءا أيضا, كما كانت تتميز بوعي فطري عالي, سأرى ماذا كتبت, يبدو الدرج نظيفا وخاليا تقريبا, ولا عجب في ذلك فهي نظيفة ومرتبة في كل شيء حتى ف كراساتها المدرسية, لكن لحظة هناك شيء في زاوية الدرج..! إنه رسم لقلب يتوسطه الحرف( (M, حتى أنت يا زهراء...!؟.

(أستاذ مراد)

صوت يناديني يقطع علي هوايتي الجديدة, إنها الخالة فاطمة جاءت لإغلاق الفصل .

- هل من مشكلة يا أستاذ..؟.

- لا أبدا كنت فقط أتجول في المدرسة . ثم حكيت لها بما رأيت وقرأت .

- لا تندهش ..!

- كيف...؟

- هناك ما هو أغرب..!, إتبعني .

- هل تعرف هذا المكتب ؟

- بالتأكيد إنه مكتب الأستاذة إلهام مديرة المدرسة.

- أنظر إلى هذا .

ثم أزاحت ساعة حجرية كانت على سطح المكتب, فكشفت عن كلمات مكتوبة بذلك الخط الذي لا أخطئه أبدا, وكانت المفاجأة..

----------------------------
الْقِطار
هناء عبد الجواد عبد الجواد جوده - مصر

خَرَج مِن الْعَمَل كَعَادَتِه لَم يكن ينوى الْعَوْدَة الَى مَنْزِلِه .... تَمَرَّدَا عَلَى الْتَّكْرَار الَّذِى اضْفِى رُوْح الرَّتَابَة عَلَى حَيَاتِه

قَرَّر ان يَتَمَرَّد . يُعْصَى . يُعْلِن الْرَّفْض وَلَو لِمَرَّة وَاحِدَه

فَتَرَك الْعِنَان لِقَدَمَيْه تَسِيْر بِه الَى الَّلا مَكَان

و لِعَيْنَيْه تَنْظُر عَبْر كُل شَىْء الَى الُلَا شَىْء

احِس انَّه فِى قَلْب الْسُّوْق الَاف الْوُجُوْه الْبَاهِتُه وَالاصْوَات الْمُتَدَاخِلَّه و الَّتِى لَا يَفْهَم مِنْهَا شَىْء اصْوَات تَعْتَرِض و اخْرَى تَتَّفِق صُرَاخ و هَمْس بُكَاء اطَفَال و ضَحَكَات

جَال جَوْلَة الْمُتَهَّيِب الْمُتَوَجِّس مِن كُل شَىْء

وَكَأَن كُل مَن هُنَاك يَنْظُر الَيْه يُرَاقِبُه احِس بِالْخَوْف

قَرَّر ان يُشْتَرَى بَعْض الْمُسْتَلْزَمَات وَعَاد الَى مَنْزِلِه

جَلَس عَلَى مَقْعَدِه الْمُعْتَاد تَنَاوُل الْطَّعَام قَرَا الْجَرَائِد الْيَوّمِيَه

اضْرَابَات اعْتِصَامَات انْتِخَابَات شَاهِد الْتَلَيْفِزْيُون .... دَاعَب زَوْجَتِه و اطْفَالُه ثُم اوْى الَى فِرَاشِه و نَام

فِى سَاعَة مُتَاخِرِه مَن الْلَّيْل ايْقَظْتُه طُرُقَات عَنِّيْفَه عَلَى الْبَاب فَزِع لَهَا كُل مَن بِالْبَيْت

صَرَخ و هُو يَتَعَثَّر فِى بَقَايَا نَوْمِه مِن بِالْبَاب؟

الْطُّرُق مُسْتَمِر بِعُنْف لَا احَد يُرِد ...فُوْجِىء بِهِم

مَاذَا تُرِيْدُوْن ؟ مِن انْتُم ؟

عَرَتْه عُيُوْنِهِم الْنَّارَّيه.. امْطَرُوه بَّاسْئِلّة حَادَّه... بِشَفَتَيْن مُرْتَعِشْتَيْن اجَاب

بَدَا انَّهُم لَم يُصَدِّقُوه عَبَث بَعْضُهُم بمُحْتَوِيَات بَيْتِه قَلْبُو الْمَكَتّبه

انْزِل احَدُهُم لَوْحة الْطِّفْل الْبَاكِى . مَسَح بِيَدِه الْجِدَار خَلْفَهَا

اعْتَرَض . جَذَبَه احَدُهُم و قَذَفَه بَعِيْدا فَاصْطَدَم بِالْحَائِط ... افَاق وَجَدَهُم يَفْتَحُوُن ادْرَاج مَلَابِسِه الْخَاصّه جِدّا و يَعْبَثُوْن بِمُحْتَوَيَاتِهَا

يُبَعْثِرُون مَلَابِس الَاطْفَال و كُتُبِهِم و ادَوَات الْزَّيْنَه

حَتَّى الكروّت الْمَلَوَّنَه و الْعُطُوْر

لَانَت مَلَامِحُهُم بَعْض الْشَىْء وَبَدَا كَأَن كَبِيْرُهُم قَد ابْتَسِم و اشَار الَيْهِم..

بَعْد خُرُوْجِهِم لَم يُفَكِّر كَثِيْرَا و لَم يَبْد اى اسْتِيَاء

بَل رَاح يُرَتّب مَا افْسَدَه هَؤُلَاء الْاصْدِقاء

وَقَرَّر ان يَعُوْد فِى الْغَد مِن الْعَمَل فِى نَفْس الْمَوْعِد وَمَن نَفْس الْطَّرِيْق.

----------------------------
الخبير والمحلل
بسام الطعان

الساعة تجاوزت العاشرة بقليل ، والشمس التموزية لا تتعب من إرسال أشعتها الحارقة ، والرجل الخمسيني ، يرتدي ثوباً رمادياً ممزقاً من أطرافه، وسترة عسكرية سميكة وعتيقة، تنقصها الأزرار الذهبية والأوسمة والنياشين، يعتمر كوفية بيضاء مزينة بخرائط من الوسخ، وعقالاً ينتمي إلى أحزاب اليمين المتطرفة، ينتعل حذاءً بلاستيكياً بلا جوارب، يمتطي حماراً أبيض مجهول النسب، يسير في شوارع البلدة، وفي حضنه جهاز تلفاز عتيق ، يمسك به بيد، وبالأخرى رسن الحمار الذي يسير ببطء ويحن إلى قشر البطيخ.

مع هذا الديكور الذي تلبسته الشوارع ، اتسعت العيون ، انفتحت الأفواه، تعالى الضحك, وكثرت التعليقات.

الرجل لم يبال بشيء، وإنما راح يوعز إلى رفيقه أن يسرع وذلك بوكزات متلاحقة من كعبيه على جانبي بطنه المنتفخة.

وقف أمام ورشة لإصلاح الأجهزة الكهربائية في سوق البلدة، مسح نافورة عرقه بطرف كوفيته, أرسل نظراته إلى داخل الورشة، وحين شاهد شخصا جالسا خلف طاولته ويعبث بجهاز راديو، ناداه بصوت آمر:

ـ تعال يا معلم.. تعال ساعدني.

ترك" الخبير الاستراتيجي" ما بيده, نظر بدهشة إلى المنظر، ابتسم, هز رأسه, ثم تقدم باتجاهه:

ـ ماذا تريد؟

ـ هذا التلفاز معطل.. أصلحه بسرعة فأنا قادم من قرية بعيدة.

اقترب منه محاولاً حمل الجهاز إلى الداخل ، لكن الحمار أفرغ فجأة ما بداخل بطنه، فكاد يتقيأ وهو يتراجع مذعوراً إلى الوراء، لم يجرؤ على الاقتراب مرة أخرى ، فاكتفى بالصياح والاحتجاج ، الحمار لم يكترث وظل يفرغ ما بجوفه أمام الرصيف اللامع ، أما صاحبه فنظر إلى الخبير، حلل نفسيته وشخصيته، ثم ضحك بعذوبة وقال:

ـ إنه حمار.. هل تساوي عقلك مع عقله؟!

ثم أضاف بشيء من السخرية:

ـ يبدو أن الحمار أذكى منك.

ما إن سمع هذه الجملة حتى احمّر وجهه، انتفخت أوداجه، وقال كلاماً ما كان يجب أن يقوله، أما الرجل فتغيرت كل ملامحه، بدا مثل من يتسلح بكراهية الطيبة، وفجأة رشه بسيل من التوبيخات مع بعض الشتائم الرنانة.

ولما بلغ الحنق مرحلة متفجرة، والروث يخرج منه البخار ويلطخ رؤيته، قال بعصبية وغضب:

ـ اذهب من هنا.. لن أصلح جهازك.

فجأة نهق الحمار وكأنه يحتج مثل صاحبه ، فهو عكس كثير من البشر يفهم معنى الوفاء ، ولا يعرف السرقة ، ولا الرشوة ، ولا النميمة، ولا الحقد ، ولا الرياء، ولا النفاق، ولا الخوف ، ثم راح يهز ذيله, يحرك أذنيه كرادارين، ويقول في نفسه:" سأرفسه.. سأحطم أسنانه وحنكه إذا اقترب مني".

شعر الرجل بالإهانة ، فنزل عن ظهر الحمار ، وراح يسدد إلى صاحب الورشة نظرات صاروخية ، ثم بصق عليه وهو لا يزال يمسك بجهازه"الانتيكا".

حين تعالت صيحات الاثنين ، تجمع أمام الورشة كل أصحاب الدكاكين والعربات والمتسوقين، فبدت وكأنها الفرن المناوب في ليلة العيد.

جحافل الغضب سيطرت على صاحب الورشة ، فحمل سلاح اللسان البذيء ودخل بشجاعة أرض المعركة، فما كان من الآخر إلا أن خطف عقاله النائم فوق رأسه وحاول الهجوم، لكن التلفاز سقط على الأرض وتحطمت شاشته، نظر إلى الحطام المتناثر، أحس بأن قلبه قد انشطر إلى فلقتين ، بدا مثل حوت غاضب في موج صاخب، وبسرعة غير متوقعة, هجم على الخبير الذي لم يستطع أن يخلص نفسه إلا بعد أن انتشرت أياد كثيرة من حوله وسحبته بقوة إلى الوراء, غير أن الرجل لم يشف غليله ، ظل يهدد ويتوعد ويطالب بجهاز جديد بدلاً عن جهازه القديم.

حاول الهجوم مرة أخرى ، لكنه كان محاصرا بين الأجساد والأيدي، فرفع سبابته وقال موجها كلامه للخبير الذي كان جالسا على الرصيف ومشغولا مع أنينه:

ـ "وينك يا ... أنا رايح و راجعلك".

نهض دفعة واحدة وقال بغضب أقوى من غضبه:

ـ " روح بلط البحر".

فلم يرد هذه المرة، وإنما دفع كل من حوله ، امتطى حماره، ثم أرسل له شيفرته ففهمها بسرعة وانطلق باتجاه القرية, وظلت التعليقات ترتفع في سماء البلدة حتى اختفى.

صباحاً, استأجر شاحنة صغيرة من قرية مجاورة ، حشر فيها أبناء عشيرته الميامين الذين تسلحوا بالعصي الغليظة ، وما أن توقفت الشاحنة أمام الورشة ، قفز الواحد تلو الآخر كالقرود، هو وعلي وعمر وسعيد وحميد وسالم وحسن وماجد ومحمود وبدر وهلال وخميس وجمعة ورجب وشعبان ورمضان، ثم هجموا على الورشة وارتفعت أصوات التكسير وكأن زلزالاً قد وقع، وقبل أن ينتهوا من عملهم، ويرجعوا إلى ديارهم سالمين ، وصلت سيارة أخرى محملة بتسعة رجال وثلاثة شباب وغر واحد، وكلهم ينتمون إلى قبيلة الخبير، وأمام الورشة، وعلى الأرصفة، سارت جداول حمراء قانية، ولم تنته الحرب.

----------------------------
الولد
عمران مصطفى حماده - سوريا

وماذا تريدني أن أقولَ لك أيضاً يا أستاذ توفيق ؟ أنت تعلمُ جيداً العذابَ الذي تعذبتُه على هذا الملعونِ وتعلم أيضاً دمَ قلبي الذي صرفتُهُ عليه....ماذا ؟ لا تعلم !!.... ألم أحدِّثكَ عن قِصتي معه مئة مرةٍ !؟ لا بدَّ إذاً من أن أحدثك بها مرةً أخرى ...أرجوكَ لا ترفض ، فو الله النارُ التي في قلبي لا تُطفئها بحارُ ومحيطاتُ العالمِ كلِّه...حسناً لنبدأ:

ولدَ هذا المقرودُ لنا بعد أن حفيت أقدامُنا ونحن نركضُ من عندِ هذا الدكتورِ إلى عندِ هذا الكاهنِ إلى عندِ ذاك الدجالِ ، وأعتقدُ أنَّك لن تصدقَ مقدارَ المبلغِ الذي دفعناه لهؤلاءِ ولسواهم من الدجالين والمشعوذين والكذابين ، والحقُ معنا...أرجوكَ لا تخبئ وجهك عني وأنت تضحك ، أنا لا أعرفُ إن كنت تضحكُ معي أم عليَّ !؟ ولكنني أُؤَكدُ لك بأن الحقَ معنا ــ أنا وزوجتي ، فزوجتي ــ والحمدُ للهِ ــ ولدت لي سبع بنات على رؤوسِ بعضهن. كانت كلما حَمَلتْ نقول : " هذا هو الصبيُّ اللهم ارزقنا الصبي بجاه سيدنا النبي". ومع هذا ــ ولسبعِ مراتٍ ــ كانت تخرج الدايةُ أمُّ وليدٍ وهي تمسح يديها وتقول : " اللهم صلِّ على النبي ... بنتٌ مثلُ القمرِ ... الله يحميها بحماه يا رب .... ". وكنتُ ــ وفي المراتِ السبعِ ــ أُعطيها أُجرتَها والبشارة وذلك لأنني أحب أن يرزقني اللهُ بالبناتِ ولكنني أحبُ أيضاً أن يرزقني الله بصبي يحمل اسمي ويحفظُ صيتي بعد وفاتي.

ما لنا بالطويلة ... ولد الصبيُ فأقمتُ الدنيا و لم أُقعِدها ... وزعتُ الحلو على أهل قريتي كلهم, وعلى أصدقائي وصديقات زوجتي وكل معارفي سواء أكانوا أصدقاءً أم أعداءً ، حتى أنَّك لن تصدق إذا قلت لك بأنني بعثتُ بكيلو إسوارةِ الستِ إلى جورج بوش الأمريكي ليتحلى بمناسبة ولادة ابني الصغير ، و بعد هذا ذبحت ثلاثةَ خِرافٍ و وزعتُها على أهل النصيب ،وكلُّ هذا احتفالاً بابني ، ومن المؤكد أنك ستسألني : " كيف استطعتَ تأمين المبلغ الذي مكنك من فعل هذا كلِّه و أنتَ عندما تجدُ لقمة في منزلكَ تتساءلُ : هل نحن في العيد ؟" الله لا يذل عبداً لعبد يا أستاذ توفيق ... الله لا يذوقك ذلك الشعور و أنتَ تطلبُ من إنسانٍ نذلٍ ديناً لتسترَ به نفسكَ ، و لكنَّ الله يفعل ما يريد.

سميتُ الصبي محمداً على اسم سيد الخلائق محمد (صلى الله عليه و على آله وسلم ) ، وأدخلتُه إلى المدرسة الابتدائية في القرية ، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية ليتابع دراسته ونجح في التاسع ،ولكن لا تسألني " كم كان مجموعه ؟ " لأنني سوف أُضيعُكَ وأُغيرُ الموضوعَ ... سجلتُه في مدرسةٍ خاصةٍ في المدينة لأن علاماته لم تكن تُؤهلهُ ليدخلَ أي مدرسةٍ حكوميةٍ ، درس فيها العاشرَ والحاديَ عشرَ وعندما وصل إلى البكالوريا حدثت الطامةُ ، فهو لا يستيقظُ قبلَ الساعةِ الواحدةِ يتفطرُ فُطوراً مُلوكياً أحلمُ إلى الآن أن أتفطر مثلَهُ ، ثم ينطلقُ إلى الأراضي القريبةِ من القريةِ ليحفظ ، و أحياناً كثيرةً كان يمرُّ بجانبنا ونحن نعملُ في الأرضِ ــ أنا وأمُّه وأختاه اللتان لم تكونا قد تزوجتا بعد ــ ولا يرمي السلامَ أو يقولُ : " الله يعطيكم العافية ... الله يعطيكم صاعقةً تمحيكم من الوجود " ما كان يقول أي شيءٍ يا أستاذُ توفيق بل كان يمر بنا وينظر إلينا وكأنه البيكُ وكأننا فلاحون نعمل في أرضه ، و لا تقل لي يا أستاذ توفيق : " لماذا لم تكلمه بهذا الخصوصِ ؟ " لأنني كلَّمتهُ أكثرَ من مرةٍ و حدثتُهُ وناقشتُهُ ولكنه كان كال.... يظلُّ ينظر إليَّ إلى أن أنتهي من حديثي ثم ينفرُ مني نفور السليمِ من الأجربِ ولا ينبسُ ببنت شَفَة.

في يومٍ من الأيام ــ وبعد أن نبهتُهُ وكلمتُهُ كثيراً ونصحته ــ كان يسير على الطريق الذي تتوزع الأراضي على جانبيه وعندما اقترب من أرضنا سلم علينا ودخل الأرض واستلقى تحت شجرةِ زيتونٍ زرعها المرحومُ والدُ جدي علي الأزهر ... ألا تعرفه؟ ... كيف لا تعرفه !؟ القريةُ كلها تعرف والد جدي علي الأزهر ... لا بأس ، بقينا على هذه الحالة فترةً طويلةً ، كلما مرَّ بنا ابني محمد كان يسلم علينا ويذهب ليجلس تحت زيتونة والد جدي ، ولكن الذي أخذ يثير انتباهي هو جلوسه تحت الزيتونةِ دون أن يفتح الكتاب ويحفظ ،بل كان يجلسُ ويفكرُ ويبتسمُ ويسرحُ .... أنا لم أسكت عن الوضعِ يا أستاذ توفيق بل نبَّهتُ أُمَّهُ وقلتُ لها : إذا بقي هذا الولد على هذه الحالةِ فسيكون مصيره كمصير عبدو بن صالح الطاوجي أو خير بن عبد الله الكاري ، وأظنُّك يا أستاذ توفيق تعرف من هما ، إنهما المجنونان اللذان يقضيان جميع وقتهِما مربوطين بالجنزيرِ والحبالِ ، لذلك قلت لها : ابحثي لابنك عن بنت الحلال التي تسرهُ وتسترهُ.

الحقُّ يقال يا أستاذ توفيق ( أم محمد ) لم تدَّخر جهداً ولم تتلكأ ولم تتباطأ بل انطلقت من صباح اليوم التالي لتبحث عن العروس لبدر الدُجى ابنِنَا ، وفي نفس الوقت كانت الابتسامة على وجه ابني محمد تتسعُ وتَكبرُ لتصبح ضِحكةً مجلجلةً سجلها لنا على شريط كاسيت مع رسالة سخيفة لم نستطع أن نستمع إليها عند اختفاءه بسبب ــ وكما تعلم يا أستاذ توفيق ــ العِصي التي استخدمها آل مرحوصٍ في ضربنا والتي حققت إصاباتٍ مباشرةً جعلتنا نَلُّفُ رؤوسنا وكانت آذاننا مشمولةً باللف ، وأنتَ تعرف تماماً لماذا ضربنا آل مرحوص ؛ لأن ابنَنَا المصونَ قد خطف ابنتهم وهرب معها إلى المجهول.

بعد أن تماثلتُ إلى الشفاء أخذتُ أنزلُ إلى المدينة لأبحث عن ابني وعن خطيفتِهِ ،والعجبُ أنه لم يخبرنا في رسالته السخيفة التي سجلها على الكاسيت أين سيذهبُ وأين سيكون بيتُهُ ،بحثتُ وبحثتُ وبحثتُ واستأجرتُ أدلاءَ ومرتزقة ليساعدوني في البحث عن ابني الضائع ، فالمدينة كبيرة وإذا بقيت أبحث فيها كل عمري فلن أجدَه ، وما الذي يضمن لي بأنه موجود في هذه المدينة لعله موجود في مدينةٍ غير هذه وأبعد من هذه بكثير. أقسمُ بالله لك يا أستاذ توفيق بأنني قد عطلتُ نفسي عن العمل ونذرتُ نفسي للبحث عن هذا المغضوبِ ولم أجِدْه وكأنه فُصُ مِلحٍ وذاب ، وكأنك يا أستاذ توفيق تبحث عن إبرةٍ في أكوام قشٍ ، ومع هذا بقيتُ أبحثُ ، ولكنني في النهاية استسلمتُ .. يئستُ .. سمِّ الذي حصل لي بالاسم الذي تريده ، وتوقفت عن البحث وسلمتُه لربي ليحفظَهُ متمنياً أن أخباره ستصلني عما قريب ، فليس من المعقول أن ينسَ أهله ويتركهم ، فقد كنت أعتقد أنه ينتظر لتهدأَ الأحوالُ ثم يعودَ إلينا.

مرَّت الأيامُ والأشهرُ والسنواتُ يا أستاذُ توفيق دون أن يصلنا خبر عنه ودون أن يخبرنا هو نفسه عن أحواله. مرت السنوات وصِرتُ جداً وصار عندي أحفادٌ وأبناءُ أحفادٍ ، والحمدُ لله كلُّهم والله يحبونني ويحترمونني وأنا أيضاً أحبهم حباً شديداً من كل قلبي.

أعتقدُ أنك تذكرُ جيداً يا أستاذُ توفيق ذلك اليومَ الذي جاء فيه مستثمرون ورجالُ أعمالٍ كبارٌ ليطلعوا على قريتنا التي أصبحت ناحيةً ، وليطلعوا على أراضيها وجبالها ومياهها ليستثمروا أموالهم فيها. هل تعلم من الذي كان قائدَ الوفدِ وأكثرهم مالاً وأملاكاً ؟ إنه ابني محمد ، أجل لا تستغرب يا أستاذ توفيق ... ابني محمد كان يسير أمامهم ويتزعمهم ، والحقيقةُ أنني لم أصدق فكرة كونه ابني ، وذلك لأنه كان غنياً ويركب سيارةً آخر موديلٍ وحوله حراسةٌ ، ولكن الذي جعل شكوكي تتأكد هو أحد الصحفيين الذي قال له : " يا أستاذ محمد ". عندها صعقت ابني الصغير محمد يصبح رجلاً غنياً ثرياً. أقبلتُ نحوه بسرعة لاحتضنه ، كنتُ أفكرُ بالكلمات التي سأقولها له وبالعتاب الذي سأعاتبه به ، لكنني فوجئت بيد ضخمة تدفعني إلى الخلف ، نظرت إلى صاحبها فإذا هو أحد مرافقي ابني، فقلت له : أبعد يدك .. يا محمد أنا أبوك ألا تتذكرني !؟ ، فقال لي محمد ــ بعد أن نظر إليَّ نظرة المستغرب ــ : أنت .. من أنت ؟ ..أبعدوا هذا الرجل من هنا. عندها بدأ مرافقوه بدفعي وإبعادي. رجعت إلى المنزل يومها مكسورَ الخاطرِ أبكي وأبكي و أبكي وأنا أتذكرُ الأيامَ والأموالَ التي صرفتُها عليه ، وأنا أتذكر الحرمان الذي عشته أنا وأمه وأختاه اللتان لم تكونا قد تزوجتا لأجله ... هذا كله يضيع في لحظة واحدة.

إن قلتُ لك من طرقَ البابَ عليَّ في مساءِ ذلك اليوم فلن تصدق ... إنه ابني محمد ، لقد جاء إلى عندي مساء وطرق الباب ، فَتح له أحدُ أحفادي ــ اللذين كانوا عندي في البيت يواسونني ويطيبون خاطري ــ أخبرني حفيدي بأنه موجود في الخارج وسألني إن كنت أريد طرده ولكنني أمرتُه بالسكوت واتجهتُ نحو الباب. رأيته واقفاً في الخارج ، فسألته ساخراً : نعم ماذا تريد؟ لماذا لم تحضر رجالك معك كي يعملوا لي كفين وسط منزلي ؟ قال : آسف يا أبي ولكن حياتنا ــ نحن رجال الأعمال ــ كلها أشكال ومناظر و واجهات وفهمك كفاية ، ولكي تعرف أنني أحبك وأريدك أحضرت زوجتي لأعرفك عليها ساندي...تعالي يا ساندي !!. عندها خرجت ساندي من السيارة وتقدمت مني وسلمت علي ، قلت له : هذه ليست شفيقة بنت سعد مرحوص ، هل تخليت عنها أيضاً ؟ قال : يا أبي أرجوك يكفي هذه لا تعرف شيئاً عن شفيقة. فقلت له : آه ، حسناً ... طلقت شفيقة وتزوجت هذه لمالها ، سأقول لك آخر كلمة : انصرف من أمامي وإذا رأيتك مرة أخرى هنا فسيكون ذلك اليوم يوم منيتك ، انقلع ......

انتفضت ساندي فجأة كالدجاجة المذبوحة وقالت : من هذه شفيقة يا خائن يا كاذب !! ركبت السيارة فانطلق وراءها و ركب معها ، ومن يومها لم أره يا أستاذ توفيق ... يا أستاذ توفيق ... كل مرة يفعل بي هذا ، يتركني أتحدث وينام ... أستاذ توفيق ... فيق يا أستاذ توفيق .......
---------------------------------
* كاتبة من العراق.

 

إنعام كجه جي