«الآي باد».. نموذج إلكتروني لقتل الإبداع

«الآي باد».. نموذج إلكتروني لقتل الإبداع

حاسوب محمول «Laptop»
هاتف ذكي «Smartphone»
مساعد شخصي رقمي «PDA»
كمبيوتر لوحي «Tablet PC»
كلها مجتمعة

الثابت أنه على هيئة لوحة صغيرة! سُمكه نصف بوصة, سطحه من الزجاج المتلألئ, ظهره من الألمنيوم. طرحت شركة أبل الأمريكية في الأسواق الأمريكية قبل عامين تقريبًا جهاز الآي باد. سوف ترهق عينيك في البحث عن أزرار, فلا يوجد إلا زر واحد كبير. صفحات الويب ظاهرة بأكملها: تنقر الشاشة بأناملك كما تفعل مع آلات التصوير الرقمية, تجر إصبعك لتنتقل من بقعة إلى أخرى. ومقارنة بوزن كيندل جهاز أمازون للقراءة اللاسلكية البالغ وزنه 10 آونسات تنوء الأصابع بعد هنيهة بحمل الآي باد و 1.5 باوند. ورغم أن أشكال الحواسيب اللوحية السابقة أخفقت في غزو الأسواق العالمية, فقد أعلن ستيف جوبز مؤسس أبل عام 1976 ورئيس مجلس إدارتها في 27 يناير 2010 أن الجهاز الجديد «يجمع بين خصائص الحاسوب المحمول والهاتف الذكي».

لم يختلف المولعون بالتكنولوجيا مثلما اختلفوا عليه: أهو جهاز سخيف «موجع للعينين» على حد قول الروائية المغربية ليلى لالامي (من العسير قراءة نصوصه في الشمس!) أم أنه «منتج سحري ثوري بسعر خيالي, 499 دولاراً أمريكياً» مثلما روج له موقع أبل؟ لقد غزا منذ ثلاثة أعوام الآي فون ثورة الهواتف الذكية من «أبل» الأسواق غزواً حتى إن ثلاث زيارات إلى أحد متاجر أبل في لوس أنجليس منذ عامين لم تؤمن لي الجهاز! «إنه صرعة الشباب»، حسبما أنهت إليّ البائعة. «عليك أن تطلبيه من خلال الإنترنت لتنضمي إلى قائمة طويلة من المشترين أو تنتظري على باب المتجر في انتظار الشحنة القادمة».

يعتمد «الآي باد» على اللمس من دون فأرة أو لوحة مفاتيح, أو بالأحرى من دون لوحة مفاتيح منفصلة, فحين تهم بالكتابة تبزغ كما الجني في النصف السفلي من الجهاز لوحة مفاتيح وإن لم تكن كاملة. هل ستفعل العادة فعلها ونألف مع الوقت لمس بل وتلويث شاشة الآي باد ببصمات أصابعنا؟! فمع انطفاء اللوحة البراقة تتراءى البصمات سافرةً لتستدعي إلى الأذهان مسلسل كشف الجريمة الشهير «سي إس آي!» ولكن جرِّب لمسة بعد الأخرى لتكبر الشاشة وتتضخم, وتهجم الصور والخرائط على المتصفح هجوم الشاشات ثلاثية الأبعاد! لو كنتَ تقضي جل وقتك مع الحواسيب تجوب الإنترنت وتخط الملحوظات القصيرة وتتصفح البريد الإلكتروني وتزور المواقع الاجتماعية وتتفرج على الصور وتلعب الألعاب وتشغل الملفات الموسيقية, فـ «الآي باد» خير جليس لك على الأريكة.

حسنات لا تغفل

يتضمن الجهاز حسنات لا ينبغي إغفالها، حيث يعمل قرابة 10 ساعات متواصلة ليتفوق على أكثر الحواسيب المحمولة ومشغلات الأقراص الرقمية احتمالاً. ثمة تكهنات بأن برامج موقع هولو التلفزيوني سوف تكون متاحة من خلال «الآي باد». وقد يصبح إذن تلفزيوناً متنقلاً في المصعد والطابور والشاطئ. ويتسم الجهاز بقدر كبير من الجاذبية, إذ يضمر إحساساً بالحميمية. وتديره أفقياً أو رأسياً, فتلتف الصورة معك، وتُوَسِّع ما بين إصبعين على الشاشة فتتسع الصورة, والعكس صحيح! ولا توجد طريقة معينة لحمله, احمله كيفما تشاء. هناك أيضاً زر لتثبيت الصورة في حال أراد المستخدم أن يطالع نصاً وهو نائم على جنبه دون أن يخشى أن تلتف الصورة! وهكذا يصرح جوني آيف, نائب رئيس مجلس إدارة التصميم الصناعي في آبل, بأن «المستخدم ليس مضطراً لتغيير عاداته لتتناغم مع الجهاز. فالجهاز يتواءم من المستخدم, لا العكس».

ويتزود الجهاز ببرنامج لقراءة الجرائد والكتب الإلكترونية. تبدو الجرائد للعيان بأحجام الحروف الورقية وألوان الصور نفسها، إلا أن البرنامج لن ينافس صناعة النشر الورقي في الدول الغربية فالمستخدم لا يتمكن من كتابة أي تعليقات على النصوص, كما أن المجموعة المختارة من الكتب شحيحة 60000 عنوان حتى الآن - مقارنة بذخيرة كيندل المقدَّرة بـ 400.000 كتاب. وهي على العموم خاصية لن يلتفت إليها الشباب العربي العازف عن تجربة أشكال القراءة اللاسلكية. اللافت أن هناك مَن أراد أن يذكرنا بأن «الآي باد» ليس حاسباً محمولاً, فوضع برنامجاً رشيق التصميم, عندما تقلب الصفحات إلكترونياً, تتحرك الصفحة المرئية مع حركة إصبعك وسرعته شأن الكتاب الحقيقي.

ومع ذلك من العسير الانتهاء من المهام المعقدة كالبرامج المكتبية الجادة ومعالجة الصور بل واستخدام برنامج بي دي إف بواسطة هذا الجهاز, وليس من المتوقع من دون العديد من الإضافات الحيوية أن يحل محل الحواسيب المكتبية أو المحمولة. فالجهاز, مثله مثل الآي فون, ليس مصمماً لإنجاز عدة مهام في آن واحد. بيد أن الآي فون أولاً وأخيراً هاتف, وادعاء أبل أن «الآي باد» سوف يغدو مستقبل الحواسيب المحمولة يفتقر إلى الكثير من المصداقية، بل إن تطبيقات الآي فون العاملة عليه تبدو جميلة وهي صغيرة, كبِّرها, وستصير غائمة قليلاً شأن شاشات الحواسيب العادية! فلتحتفظ إذن بحاسبك المحمول, على الأقل في الوقت الحالي.

ويتراءى لي أن «أبل» تحاول محو أكثر التجارب التقنية شيوعاً في الوقت الحالي، إذ يَعجز الجهاز عن تشغيل برنامج شركة آدوبي, فلاش فيديو, تحت دعوى أنه غير آمن ويستنزف البطارية مما يَحرم الجهاز رواجاً لا يستهان به بين الشباب العربي المغرمين بمشاهدة مقاطع الفيديو. ولكن حين تقرر «أبل» أن تبدل صيغة رقمية ما, يلهث الآخرون لمجاراتها، إذ حرص موقع يوتيوب وموقع مؤسسة التكنولوجيا والترفيه والتصميم وموقع المحطة التلفزيونية سي بي إس على تحويل صيغ مقاطع الفيديو على مواقعهم لتتواءم مع «الآي باد» و«الآي فون». وربما ستنقضي سنوات قبل أن تتخذ المواقع الأخرى الخطوة نفسها. كذلك لا يحوي الجهاز مخارج «يو إس بي» مما يحد من قدرته على تناقل المعلومات, كما يتعذر على المستخدم تكبير سعة الذاكرة وسعة التخزين. والأسوأ عربياً عدم إمكانية توصيله بكاميرا، مما يقضي على غرف الدردشة المرئية, ويتسبب في قطيعة نهائية بين «الآي باد» وبرنامج التواصل «سكايب»! وهكذا يعلن ديفيد بوج في جريدة «ذا نيويورك تايمز» أن الآي باد «مجرد آي فون ضخم» رغم توافر حوالي 1000 تطبيق متاح للاستخدام، وخصوصاً على «الآي باد». وعلى الجانب الآخر تحتفظ «أبل» بالحق في السماح بتشغيل أي تطبيق على جهازها أياً كان الغرض منه، ليس لك الحق إذن أن تختار أي التطبيقات ستعمل عليها، مما يذكرني بألعاب الأطفال محكمة الغلق. سوف تسلمك «أبل» جهازاً يحوي الآلاف منه, فما الداعي إلى الاستقلالية والابتكار؟! وداعاً إذن لبرامج المصادر المفتوحة. بل إن تغيير البطارية يتطلب زيارة إلى متجر «أبل». هل يتذكر أحدكم مقولة «إن كنتَ لا تستطيع فتحه, فلستَ مالكه؟!» إن طبيعة التفاعل مع «الآي باد» هي أن تجلس مستريحاً في مقعد المستهلك؛ لن تضيف شيئاً إلى الجهاز ولن تأخذ منه شيئاً!

أن تتسلح بالثالث!

والآن, في محاولات «أبل» أن تدمج كل الأجهزة في جهاز واحد, هل أخفقت في القبض على أي منها؟ أم أنها ببساطة تستثني بعض التطبيقات والمزايا لتضيفها في نماذج الجهاز المستقبلية؟ المؤكد أن «الآي باد» ليس في كفاءة الحاسب المحمول ولا يتفوق على الهواتف الذكية في شيء. والغريب في الأمر أنك لو تَحمل بالفعل حاسوباً محمولاً وهاتفاً ذكياً, فما حاجتك إلى «الآي باد»؟! تخميني أن «أبل» لا تطمح بالقطع إلى سحب حاسوبها المحمول ماك أو هاتفها الذكي آي فون من الأسواق, «أبل» تريدك أن تتسلح بجهاز ثالث! ها هي الأجهزة الرقمية تتنافس, أيها سيقضي بالضربة القاضية على وسائل القراءة والتواصل التقليدية. وإن كنت لا أشارك ولتر موسبيرج ناقد في جريدة «وول ستريت جورنال» الرأي بأن «الآي باد» سوف «يغير أصول اللعبة». فبخصائصه الحالية لا يمكن لهذا الجهاز الفضي الجميل أن يغَير من مستقبل العقول الإلكترونية أو ينال من منزلة الحواسيب المحمولة. يستحضر الجهاز إلى ذهني اعتقاد الناقد الإنجليزي أولدِس هاكسلي أن دماراً سيلحق بالإنسان على يد ما يحب. والدمار هنا كما أفهمه أن ينقلب مذعناً بكل أريحية إلى التلقي السلبي للمعطيات. فهو أداة مغرية مخصصة للاستهلاك السلبي لمواد لا يد له في اختيارها. والحق أني لا أجد عظيم الجدوى من تغيير عادات القارئ من استخدام الفأرة إلى استخدام أطراف أصابعه على الشاشة. فالكثير من الحواسيب المحمولة لا تخلو من لوحة تعمل باللمس على أية حال. وعلى «أبل» أن تثْبت أن «الآي باد» بديل قابل للتطبيق للحاسوب المحمول، وتبرهن من خلال النماذج الأحدث أن الجهاز بالفعل «ثورة» مثلما تزعم, وليس شكلاً آخر من أشكال العقول الإلكترونية لايعدو كونه تَجربة ترفيهية تشبع الحوَاس.
-----------------------------------
* كاتبة ومترجمة من مصر.

 

هالة صلاح الدين حسين*