السينما الإيرانية.. المسيرة مليئة بالجدل

السينما الإيرانية.. المسيرة مليئة بالجدل

ستظل السينما الإيرانية هى تلك المنطقة المجهولة، لا يكاد يعرف عنها أحد خارج بلادها، إلا تلك الحفنة المحدودة من الأفلام التى تخرج بشكل رسمى إلى المهرجانات فتحدث الصدى, ثم تعود مرة أخرى إلى بلادها.

هل كان يجب أن نذهب إلى طهران, وسط أول وفد مصري فنى, غير رسمى، لمشاهدة نماذج من الأفلام الإيرانية، الحديثة، للتعرف عن قرب على جانب من هذه السينما خصوصًا أن ما شاهدناه من عروض للأفلام لا يكفى أبداً لكي نتعرف على هذه السينما التى أثارت جدلاً، وحازت جوائز فى أنحاء متفرقة من المهرجانات؟

أم هل يجب متابعة ما يعرض باسم السينما الإيرانية فى مهرجانات سينمائية، عالمية وعربية، للتعرف على الوجه الآخر لهذه السينما الأفلام التى تحصل على جوائز، والتى يمكن النظر إلى بعض صانعيها على أنهم معارضون، أو يقدمون سينما أخرى، تختلف عن الأفلام التى يشاهدها الناس فى قاعات السينما بالمدن والقرى الإيرانية؟

كتالوج الأفلام الذى حصلت عليه فى هذه الزيارة، والذى يتضمن «مختارات» من أفلام إيران لعام 2011، يؤكد أن خمسة وسبعين فيلماً على الأقل تم إنتاجها وعرضها فى النصف الأول من هذا العام، وقد شاهدنا فى العروض الخاصة أفلاماً سوف تعرض بعد هذا التاريخ، تجعل العدد يزداد بكثير عن الرقم المذكور. والغريب أن هذه الأفلام التى يباع منها 12 إسطوانة دى فى دى، بمبلغ لا بأس به لا تعبر بشكل جيد عن هذه السينما، فهو عدد محدود جداً من الأفلام، وأيضاً أسماء بعينها، فلا شك أن الحديث عن هذه الأفلام لا يمكن أن يعبر عن «كل» السينما الإيرانية، بما لها وما عليها، كما أن تجاهل الأفلام الإيرانية التجارية، وقد شاهدت بعضها، فى أسبوع الفيلم الإيرانى الذى لم يحضره أحد، لا يجعل المرء يلم بأى شكل من الأشكال بالإنتاج السينمائى الإيرانى، فنحن نتكلم عن «سينما»، وليس عن «أفلام» إيرانية بعينها.

بدأت صناعة الأفلام الروائية الإيرانية فى فترات متقاربة مع صناعة هذا النوع من الأفلام، مثلما حدث فى مصر وسورية وتونس حيث عرض أول فيلم روائى صامت عام 1930 تحت عنوان «الحاج أغا» من إخراج أوفانس أوهانيان، وهو أمريكى إيرانى، قدم فيلمه الثانى «أبو روبى» بعد عامين, كى تتحرك الأمور بعد ذلك، ليظهر أول فيلم إيرانى ناطق فى العام نفسه، ويشاهد الإيرانيون فيلم «فردوسى» عام 1935، فى واحدة من أشهر القصص العاطفية الإيرانية، منها «ليلى والمجنون» عام 1937.

صناعة قومية

وقد تحركت هذه السينما ببطء ملحوظ، عكس ما كان يحدث فى مصر، على سبيل المثال، وأيضاً في الهند، ولم تلبث السينما أن تحولت إلى صناعة قومية، من خلال ما قام به اثنان من رجال الصناعة، هما إسماعيل كوشان وفروخ غفارى، بإنشاء مؤسسة الفيلم القومى الإيرانى عام 1949، فتم التعامل مع السينما الإيرانية على أنها صناعة قومية، وأيضاً فن راق له شعبيته، وكانت أبرز السمات فى هذه السينما، اعتمادها على النصوص الأدبية المكتوبة بالفارسية، وأيضاً استوحت الأفلام قصصها من الحكايات الشعبية القديمة، التى يحب الناس سماعها.

ومثل كل سينما فى العالم، فإن صناع الأفلام تعاملوا مع هذه الصناعة، على أنها عملية مربحة تدر الأموال الكثيرة، فامتلأت الصالات بالأفلام التجارية التافهة، التى تدر دخلاً طيباً على المنتج، وفى الوقت نفسه، كانت هناك أفلام تمثل المشاريع الطموحة لدى صناعها. وفى الستينيات من القرن الماضى كان يتم إنتاج قرابة خمسة وعشرين فيلماً كل عام، أغلبها من نوع الميلودراما التى يشغف بها المشاهد الشرقى، ويذرف الدموع عند رؤيتها، ولا ينكر أحد أن السينما مشروع اقتصادى كبير، وأن أفلاماً بعينها قد حققت إيرادات ضخمة، مثل فيلم «الكنز» الذى أخرجه سياماك ياسامى عام 1965، وفيلم «قيصر» لمسعود كيمياى، عام 1969، الذى تدور أحداثه فى الطبقات الشعبية، كان عرض هذا الفيلم بمنزلة نقطة تحول ملحوظة فى تاريخ السينما الإيرانية، وأيضاً فيلم «البقرة» إخراج داريوس مهروجى، وأطلق على الفيلمين تعبير «السينما البديلة»، وحسب المراجع الخاصة بهذه السينما، فإن النصف الأخير من الستينيات قد شهد أفلاماً يمكن اعتبارها علامات فى الأفلام الإيرانية، منها «عروس البحر» عام 1965، و«بيت الله» عام 1966، وذلك كى تبقى فترة قصيرة زمنياً قبل قيام الثورة، لتتحرك الأفلام على المستوى الداخلى بشكلها وصياغتها التجارية، بينما تتمكن بعض الأفلام الإيرانية من خلال مخرجيها، الموهوبين، الذين سيعرفهم العالم لاحقاً، من العرض فى مهرجانات السينما العالمية، وقد بدأت هذه الظاهرة التى لفتت أنظار العالم إلى أن هناك مبدعين استثنائيين فى إيران، من خلال فيلم يحمل عنوان «يحيا» للمخرج خسروا سينا، والذى فتح الأبواب لأقرانه أن يكونوا من الحاضرين دوماً فى قاعات عروض الأفلام بمهرجانات السينما العالمية، وأيضاً لصعود صناع هذه الأفلام إلى خشبة مسرح توزيع الجوائز للحصول على جوائز، سواء حدث ذلك قبل الثورة أم بعدها، وعلى رأس هذه الأسماء عباس كيار ستامى وجعفر بناهى، وصل الأمر بهذه الأفلام أن حصل ستامى على السعفة الذهبية عن فيلمه «طعم الفراولة» عام 1997 فى مهرجان كان.

أفلام للعالم وأخرى لأهل الدار

وقد لفت هذا التواجد السينمائى الإيرانى فى المهرجانات الدولية الأنظار للتعرف على هذه السينما، التى قيل إنها سوف تتعرض لانتكاسة بقيام الثورة، حيث يتعارض الفن مع ما ستأتى به الثورة الإسلامية، لكن الأمور سارت بما خالف كل التوقعات، مما دفع إدارة برلين إلى عرض بانوراما للسينما الإيرانية، المعاصرة عام 2006، عرضت فيها ستة أفلام من مختلف المدارس والأساليب، وكان هذا بمنزلة الحدث المهم فى تاريخ السينما.

يعكس هذا رؤية المسئولين الإيرانيين الجدد, لفن السينما من ناحية، وأيضاً الموهوبين الجدد فى إيران، وتم التركيز على السينمائيين المتميزين، الذين جاءوا من كردستان إيران وهى المنطقة التى أفرزت أسماء مهمة منها بهمان غوبادى وأسرته، وعلى رضا رضاى، وخوسرت رسول، والعديد من السينمائيين الشباب.

الآن مثلما فى الهند، هناك نوعان بارزان فى هذه السينما، الأفلام التجارية المنتشرة فى دور العرض، وهى أعمال ميلودرامية تحاول الامتثال لمقص الرقيب, بكل ما يفرضه على صناع السينما من ممنوعات، ولا يشاهد المتفرج الإيرانى الرسمى، أى الذى يذهب إلى قاعات السينما، سوى هذا النوع من الأفلام باعتبار أن إيران واحدة من البلاد القليلة فى العالم، التى لا تعرض صالاتها أفلاماً أجنبية، لكن من السهل أن تجد نسخاً إلكترونية من هذه الأفلام تباع فى أسطوانات مدمجة على الرصيف، بالإضافة إلى التحميل.

المتفرج العالمى لا يكاد يعرف أى شيء عن هذه الأفلام التجارية، وكأنها مصنوعة فقط للجمهور المحلى فلا يراها أحد سوى الإيرانيين فى الداخل، ومن بين هذه الأفلام ما يمجد الثورة التى قامت عام 1979، وقد وصل عدد هذه الأفلام إلى مائة وثلاثين فيلماً، يتم عرضها سنوياً، وتلعب دوراً اجتماعياً فى المقام حسب المسئولين، أو صناع هذه الأفلام، وهى أعمال موجهة أسوة بما كان ينتج فى الاتحاد السوفييتى وفى الصين إبان الثورة الثقافية، وهى أعمال تخلو من أى نوع من القبلات أو بث المشاعر الحارة، وتبدو شخصياتها أقرب إلى عرائس الماريونت.

ومثلما أن لكل نوع من الأفلام مخرجا يبرع فيه، فإن محمد على فردطين هو أبرز من يصنع الأفلام التجارية، سواء من حيث العدد أو الالتزام بالقوانين الرقابية، ومن خلال تجوالى فى الحياة الإيرانية، فلا تكاد ترى ما يحدث على الشاشة موجوداً فى الواقع، وقد سمعت أحد المسئولين يتحدث أن الفضيلة غير موجودة فى أى سينما بالعالم إلا فى إيران، ولم يستطع أن يعلق عندما أبلغته أن السينما المعاصرة فى أنحاء متفرقة من العالم خاصةً فى هوليوود، تتجه نحو الفيلم العائلى بقوة.

لا يمكن أن نقول إن السينما الإيرانية الطليعية والفنية، قد ولدت بين يوم وليلة فى نهاية القرن الماضى، فقد ظهرت الموجة الجديدة السينمائية فى طهران أوائل الستينيات من القرن العشرين، متأثرة بموجة مشابهة برزت فى فرنسا، وكان من أبرز مخرجى هذه المرحلة بهرام بياضى، وصهراب شهير سالس، وكانت أفلام هذه المرحلة مليئة بالشاعرية، والرؤى الفلسفية، وقد وجدت هذه الأفلام نوعاً من الصحوة فى السنوات الأخيرة على أيدى أبو الفاضل جليلى، وكيارستامى، وبناهى، وداريوس ماهروجى، ومحسن مخمبالف وابنته سميرة، ومن المهم التعرف على بعض هذه الأسماء وأفلامها.

صناع الأفلام ورائدهم كيارستامى

الاسم الأكثر شهرة وموهبة هو عباس كيارستامى، المولود فى طهران عام 1940، وهو مخرج وكاتب سيناريو، ومنتج ومصور، أى أنه «صانع فيلم» بكل ما في هذا المصطلح من معنى، وقد أخرج أفلاماً قصيرة ووثائقية وروائية، وهناك علامات سينمائية بارزة للغاية، منها ثلاثية كوكر (1987 1994)، و«طعم الفراولة» (1997) ثم «الريح ستحملنا».. عام 1999.

وقد مارس كيارستامى الكثير من المهن السينمائية مثل المونتاج والإنتاج الفنى، بالإضافة إلى قيامه بتصميم العديد من الإعلانات باعتباره فنانا تشكيليا، كما أنه أديب يكتب الشعر، وهو أيضاً مصمم جرافيك، وأحد أبرز الأسماء التى تمثل الموجة الجديدة التى ظهرت كما أشرنا فى بداية الستينيات من القرن الماضى، وتتميز أعماله بوجود تقنيات عالية فى مجالات عديدة منها المناظر، والتصوير، وموضوع الفيلم بالإضافة إلى الحوار الذى يتسم بشاعرية خاصة باعتبار أنه أمام شاعر متميز... وقد اتسمت أفلامه بأن الراوية فيها هو الشخصية الرئيسة من الأطفال، وهؤلاء الصغار قادمون عادة من القرى الإيرانية الصغيرة، كما أنه معروف باستخدامه لمفردات الشعر الإيرانى الحديث على ألسنة أبطال الأفلام.

بدأ كيارستامى كالعادة عمله بأفلام قصيرة، وفى عام 1974 قدم فيلمه الروائى «مسافر» حول الصبى حسن الذى يعيش فى مدينة إيرانية صغيرة، ويتمنى مشاهدة الفريق القومى الإيرانى لكرة القدم، ويذهب إلى الاستاد فى صحبة صديقة وجاره، وبعد العديد من المحاولات ينجح فى الوصول إلى الاستاد.

كيارستامى أخرج أفلاماً فى ظل النظام، نظام الشاه والثورة، وقد اهتم بتصوير أفلامه فى المدن الصغيرة والقرى، مثل «ثلاثية كوكر»، حيث صور ما أصاب بعض المناطق من زلزال أتى على أربعين ألف شخص، وقد لاقى هذا الفيلم المزيد من النجاح خارج إيران.

وقد فاز المخرج بجائزة السعفة الذهبية عن فيلم «طعم الكرز» فى مهرجان كان كما أشرنا عام 1997، وهو يروى قصة سائق يدعى بديع، فى منتصف العمر، يقود سيارته فى العاصمة باحثاً لنفسه عن وظيفة، إنه يتمنى لو مات أثناء جولته، ويبحث عمن يدفنه بعد وفاته، ويلتقى بالعديد من الشخصيات، منهم جندى كردى، الذى يرفض أن يقتله، وأشخاص آخرون يسعون لمساعدته، لقد تجول الفيلم فى أنحاء طهران، وشاهدنا كيف يعيش الناس، وبدا الفيلم أشبه ببانوراما لما يدور فى المدينة.

وقد توج الكاتب نجاحاته فى فيلمه التالى «الريح ستحملنا» عام 1999 الذى حصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى فى مهرجان فينيسيا حيث تدور الأحداث أيضاً فى المناطق الريفية الكردية، وقد بدا إلى أى حد يعطى المخرج لأفلامه البعد السياسى والاجتماعى فى إيران، ونحن هنا أمام امرأة تقود سيارة فى شوارع طهران لعدة أيام، تقوم بعمل حوارات مع عشرة ركاب، من بينهم أختها وعاهرة وابنها الصغير.

وقد زادت أهمية المخرج على المستوى العالمى، لأعماله العديدة التى قدمها حول ما يحدث فى العالم من حولنا، مثل الفيلم الوثائقى الذى صوره فى أوغندا عام 2001 حول الفقراء الأفارقة، ومعاناتهم وقد كان كيارستامى أول مخرج إيرانى يقدم فيلماً خارج بلاده، ففى عام 2010 قدم فيلماً فرنسياً باسم «نسخة شخصية» قامت ببطولته جولييت بينوش، وعرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان فى العام نفسه، وهو يدور حول موضوع أوربى عن أديب يلقى ندوة حول روايته، وهو يرى أن كل شيء هو نسخة من شيء آخر, يتعرف على امرأة تشترى نسخة من كتابه، ويدور بينهما حوار حول ما جاء فى الرواية وتتغير وجهات نظر كل منهما حسب الحوار.

مخرج ممنوع من الإخراج

المخرج الثانى الذى كان حديث الأوساط العالمية فى الشهور الماضية هو جعفر بناهى، الذى حكمت عليه محاكم بلاده بمنعه من الإخراج عشرين عاماً، وهو مولود عام 1960 فى ميانه شرق آذربيجان، وقد ظهرت موهبته فى سن مبكرة، حين نشر كتابه الأول وهو فى سن العاشرة، وهو كتاب حصل على إحدى الجوائز الأدبية، وفى السن نفسه أخرج فيلمه الأول القصير، وقد شارك فى الحرب الإيرانية - العراقية بالعمل كمصور لأفلام تسجيلية طوال ثماني سنوات، درس فن السينما وتخرج عام 1988, وأخرج العديد من أفلام التلفزيون قبل أن يعمل مساعداً لعباس كيارستامى فى فيلمه «عبر شجرة زيزفون» عام 1994، ثم فازت أفلامه الروائية بجوائز عديدة فى مهرجانات سينمائية عالمية، حيث قدم فيلمه الأول «البالونة البيضاء» عام 1995، الذى فاز بالكاميرا الذهبية فى مهرجان كان، أما فيلمه الثانى «مرآة» فقد فاز بجائزة الفهد الذهبى فى مهرجان لوكارنو. ومن اللحظة الأولى بدا أن بناهى يقدم أفلاماً انتقادية، لما يحدث فى بلاده، مثل «الدائرة» عام 2000، الذى يتحدث فيه عن أحوال المرأة فى الحياة الإيرانية، وهو الفيلم الذى فاز بجائزة مهرجان فينيسيا، وفى مهرجانات أخرى عديدة، وتدور أحداث فيلمه «أوفسايد» الذى شاهدته فى مهرجان برلين عام 2006، حول مجموعة من الفتيات يسعين لمشاهدة المباراة النهائية المؤهلة لكأس العالم بين الفريق الإيرانى وفريق آخر، وقد واجهت البنات ضغوطاً عديدة لمنعهن من حضور المباراة، حيث إنه ممنوع على المرأة أن تختلط بالرجل، وتحضر هذه المباريات إلا أنه فى نهاية المباراة، وعقب فوز إيران بالمباراة، فإن الناس كلها تختلط ببعضها بعضا والبنات فى هذا الفيلم بلا أسماء، كما أنهن يتخفين فى زى الصبية، ورغم هذا فإن رجال الأمن يقبضون عليهن ويضعوهن قيد الاعتقال، إلا أنهن يتمكن من الهرب، وتنفجر مدينة طهران بالاحتفالية والبهجة.

وفى أثناء الأحداث التى ارتبطت بالانتخابات الأخيرة فى إيران تردد أن بناهى ينوى عمل فيلم ضد السلطة الحاكمة، وقد أنكر المخرج هذا الأمر، وتوالت محاكماته، وأدين بالسجن ست سنوات، مع منعه من العمل فى مجال السينما لمدة عشرين عاماً.

بيضائى ومجيرى ومخملباف

المخرج الثالث الذى نقدمه هو الأكبر سناً وهو بهرام بيضائى، وبالإضافة إلى عمله بالسينما مخرجا وكاتبا مسرحيا، وكاتب سيناريو، مولود عام 1938 فى إيران وهو ابن لشاعر معروف فى إيران، كما أنه من عائلة أنجبت العديد من المثقفين البارزين فى القرن العشرين، وهو أيضاً من الموجة الجديدة، بدأ عمله عام 1960 حيث درس الأدب فى جامعة إيران. وفى عام 1969 بدأ إخراج الأفلام القصيرة، وأخرج فيلمه الأول عام 1971، وحتى الآن قدم ثمانية أفلام، منها «الغريب والضباب» 1974، و«مرثية تارا» عام 1980 و«باشو الغريب الصغير» عام 1986، و«مسافران» عام 1992, وقد قوبلت أعماله باستحسان من النقاد، حيث تميزت أعماله بإعمال العقل، وحسب المعلومات المتوافرة عنه فإنه أقل حظاً فى عرض أفلامه خارج إيران خاصة فى المهرجانات.

تدور أحداث فيلم «باشو» حول صبى من خوذستان، فى جنوب إيران، أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، حيث مات أبواه فى إحدى الغارات، فقام بالهروب نحو الشمال، وأوى إلى بيت سيدة تربى ابنيها، والتى تعطف عليه وتعامله كابنها، رغم اختلاف اللغة فيما بين الطرفين عقب الحرب يعود الزوج بعدما فقد السلاح، ويعامل باشو على أنه ابنه.

المخرج مجيد مجيرى مولود عام 1959، وهو مثل أغلب السينمائيين الإيرانيين، يكتب السيناريو ويمارس الإنتاج، ولد فى طهران فى أسرة متوسطة الحال، عمل ممثلاً فى المسرح وهو صبى ثم درس فى معهد فنون الدراما بطهران، وقد رشح فيلمه «أبناء السماء» للحصول على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 1998، لكن الجائزة ذهبت إلى الفيلم الإيطالى «الحياة حلوة» ومن أشهر أفلامه «لوم الفردوس» عام 2000, و«مطر» عام 2001.

يعتبر محسن مخملباف وأسرته المولود عام 1957، من أشهر الأسماء فى السينما الإيرانية، وهو أيضاً كاتب ومونتير ومنتج، وهو معروف فى المهرجانات الدولية كما تم اختيار فيلمه «قندهار» عام 2001، كواحد من أهم مائة فيلم فى زمن السينما.

عرف المسئولية العائلية فى سن صغيرة، فمارس العديد من المهن، وقد عارض النظام ودخل السجون، وترجمت إبداعاته، خاصة الروائية إلى العديد من اللغات، من أهم أفلامه «مقاطعة» 1985، و«الدراجة» 1987، و«زمن الحب» 1990، و«كان ياما كان السينما» 1991, و«ممثل» 1993, وهو بذلك أغزر أبناء جيله من السينمائيين الذين ينتمون إلى الموجة الجديدة، ومنها «الصمت» 1997، و«إبر من النار» 2005 و«الرجل الذى جاء ومعه الجليد»....

المرأة فى السينما الإيرانية

من المهم التعرف على مكانة المرأة فى هذه السينما، فقد تواجدت المخرجة فيما قبل الثورة وبعدها، ومن هذه الأسماء من أجيال مختلفة فروخ فرخزاد، ومنيرة حكمت، وسميرة مخملباف التى تعتبر المخرجة الأصغر سناً فى العالم الآن، ومن المهم أن نتعرف على سميرة مخملباف ابنة المخرج التى ولدت عام 1982 فى طهران، وهى أيضاً كاتبة تنتمى إلى الموجة الجديدة فى السينما الإيرانية.

فى سن السابعة قامت بالتمثيل فى فيلم أبيها «الدراجة»، وقد تركت المدرسة الثانوية وهى فى سن الرابعة عشرة كى تدرس السينما فى بيت مخملباف للسينما لمدة خمس سنوات، وفى سن السابعة عشرة كانت قد أخرجت فيلمين من إنتاج الفيديو، ثم اتجهت لإخراج فيلمها الأول «التفاهة» عام 1989، وفى سن الثامنة عشرة اعتبرت سميرة أصغر مخرج فى العالم تشارك فى مهرجان كان السينمائى بفيلمها هذا، وقد دعى الفيلم للمشاركة فى مائة مهرجان عالمى طوال عامين، وعرض فى أكثر من ثلاثين دولة.

فى عام 1999، أخرجت سميرة فيلمها الروائى الثانى «التختة»، وللمرة الثانية شاركت بفيلم لها فى مهرجان كان فى قسم المخرجين الشباب، وفى العام الثانى فازت بجائزة لجنة التحكيم، ثم سافرت إلى كابول مثلما فعل أبوها مع فيلم «قندهار»، وأخرجت فيلمها «فى الخامسة بعد الظهر» ثم قدمت «حصان بقدمين» عن سيناريو كتبه أبوها محسن مخملباف، وقد فازت عام 2002 بجائزة اليونسكو فى مهرجان فينيسيا عن الجزء الذى صورته حول سبتمبر من الفيلم العالمى المعروف، وقد سميت سميرة فى عام 2003 بين أحسن أربعين مخرجاً فى العالم حسب جريدة «الجارديان» وفى الفقرات الخاصة بالمخرجة فى مواقع شبكة المعلومات، هناك قوائم عديدة بالجوائز، وليس هنا متسع لذكرها.

فى فيلمها «فى الخامسة بعد الظهر» نرى قصة امرأة إيرانية مليئة بالطموح، تحاول أن تدرس فى أفغانستان بعد سقوط «طالبان» على أيدى القوات الأمريكية، والصعوبات التى تواجهها المرأة. أما فيلم «التفاحة» فيحكى قصة أختين صغيرتين، يحبسهما أبوهما بعيداً عن الناس، الأب عاطل عن العمل، والأم عمياء، وذلك لمدة أحد عشر عاماً، مما يدفع بالجيران إلى إبلاغ السلطات المحلية لدراسة الموقف، مما يتيح الفرصة للأختين أن تتعرفا على الحياة، وقد كتبت المخرجة السيناريو مع أبيها، وذلك عن قصة حقيقية، سمع الناس عنها فى البلاد.

بينما تدور أحداث فيلم «حصان بقدمين» حول طفل صغير، يعيش مع أسرته الثرية فى حياة رغدة صدمه محرك سيارة، وهو فى حاجة إلى العون كى يتم وضعه فى قرية أفغانية، حيث إن المقعد المتحرك يمكن إخفاؤه، هذا الطفل يلتقى بطفل آخر مشلول تماماً، ولكن بسيط الروح، وهو يكسب ما يعادل دولاراً فى اليوم، الشاب البسيط سوف يعرف التعب والإذلال تحت قيادة الطفل الشرير الذى يسيطر عليه, ولكن سرعان ما يتوصلان إلى أنهما من الصعب أن يبلغا الحياة المرتقبة. لا شك في أن السينما الإيرانية تمتلك المزيد من المخرجين الموهوبين، وقد سعت فى السنوات الأخيرة إلى ضخ أموال كثيرة لإنتاج أفلام ضخمة، وهى تمر بمرحلة المخاض والتحول، ورغم العقبات الرقابية، فإن ما حدث فى الانتخابات الأخيرة سوف يفتح آفاقاً أكثر رحابة أمام الموهوبين فى هذه السينما.
---------------------------------
* كاتب من مصر.

 

محمود قاسم*