صياحُ الديك

صياحُ الديك

ذات صباح، صاح الديك، ككل صباح.. صياحه يوقظ الأحلام وتسطع الشمس.. يحدث هذا كل صباح.. كأن صياح الديك هو الإعلان عن انتهاء الليل.

ذات ليلة استغرب سكان الحي، إذ سمعوا صياحًا للديك وكان البدر ساطعًا في الأجواء.. تلك الليلة صاح مرّة واحدة.. وكأن الديك في ورطة أو في أرقٍ أو في شوقٍ لنور الصباح.. صاح مرة واحدة.. بعدها سمعت أصواتاً بعيدة.. ما لبثت أن اقتربت..عاد الديك يملأ الصباح صياحًا.. وأصوات تدخل من نوافذ البيوت تطوّرت صراخًا، خرجت الناس من نومها ومن أبواب بيوتها منضمين إلى أصوات غاضبة ملأت الشوارع.. «الحرية.. الحرية..» صعد الديك على سطح المنزل تلألأت ألوانه، نافخًا صدره، مركّزًا تاجه ومناديًا بصوته الذي لا يسمعه سواه: «أنا هي الحريّة.. أيها الشعب العظيم.. اسمعوا صوت العقل وليس وليس.. ولا صوت للعقل سوى صوتي.. ولم يسمعه أحد.. الأصوات الغاضبة تردد: «الحرية.. الحرية».. صمت الديك ونزل من السطح ودخل قنّه - قصرْ - محاطًا بالدجاج المدجّج بالسلاح.. جلس على أربع دجاجات وراح يصرخ بها:

السلاح.. السلاح.. صوّبوا على الزعران.. على صدورهم.. على رءوسهم.. لا أريد رؤية أحد منهم، اذهبوا.. اخرجوا.. أسرعوا.. اطلعوا على السطوح.. اصطادوهم كالطيور.. تقدموا نحوهم.. هاجموهم.. هؤلاء الزعران. يقولون إنهم ثوّار.. إنهم كفّار.. لماذا تقفون اخرجوا.. فخرجوا وهاجموا.. وسالت دماء حمراء وامتلأت الشوارع ببقع من الدماء.. البقع التصقت ببعضها وتحولت إلى جيش من الثوار.

لن يثنيهم المدججون بالسلاح.. ثوار قوتهم في طلبهم للحرية، أناشيدهم حبّهم الوطن.. الأعداء.. ثوّار على أعداء الداخل وأعداء الخارج.. ينشدون حرّاسًا لأرضهم لسمائهم لأشجارهم.. للتاريخ.. للماضي للحاضر للمستقبل.. يزحفون يلتحمون برجال الديك.. تتكسّر البنادق والمدافع.. عضلاتهم تحركها عقولهم الطوّاقة لتلك الإلهة.. الحرية.. التي مُنعت عنهم فافتقدوها.. ثاروا بعد صمت طويل.. صاح ديك هناك، أعلن حربًا عليهم.. يريدون الحرية.. خذوها من بنادقنا إذا شئتم.. فشاءوا.. وتقدموا.. وكثرت الديوك والدجاج وازداد العدد والعدة.. عدتهم أسلحة مدمرة.. دُمرت.. دمرتها إرادتهم.. أين أنتم يا شعوب العالم؟ هل تسمعون هل ترون؟ دقت الساعة.. لا سبيل لإيقافها. لا سبيل لإيقافنا.. زحفوا وزحفنا.. وبقع حمراء على التراب.. دم جَبَلَ التراب فصار إنسانًا.. ناسًا.. ثوارًا.
-------------------------------
* فنان تشكيلي وكاتب من لبنان.

 

أمين الباشا*