فليكن الأبناء ما يريدون .. أمينة شفيق

فليكن الأبناء ما يريدون ..

ينظر كل منا إلى أبنائه وبناته على أنهم امتدادنا في الحياة. فهم الذين سيحملون أسماءنا وألقابنا ، وهم الذين سيعمرون هذه الدنيا من بعدنا. وهي نظرة طبيعية يحملها الآباء والأمهات تجاه أبنائهم وبناتهم ، بغض النظر عن الموقع الجغرافي الذي يسكنونه ، أو المستوى الاجتماعي الذي يعيشونه. يتساوى في ذلك كل الآباء والأمهات.

تنشأ هذه المشاعر الغريزية فور أن ننجب ، وتنو مع نمو الأبناء والبنات ، وتزدهر كلما تابعنا نموهم في دراساتهم أو علاقاتهم الاجتماعية العامة. وتتألق هذه المشاعر إذا ما لاحظنا أحدهم وهو يتمايز على زمالائه في الذكاء أو الاجتهاد أو التفوق الدراسي.

تمثل كل هذه المشاعر طموحات الأبوين تجاه أبنائهما ، وهي طموحات طبيعية وغريزية نحملها كلنا. تدفعنا هذه الطموحات إلى تقديم كل ما لدينا للأبناء ، سواء كانت في شكل احتياجات مادية أو معنوية. فعادة ما نحاول أن نقدم لهم التعليم الجيد والملبس الملائم ، وحتى في حدود التغذية ، نشدد على أهمية أن يتناول ما يفيدهم ويعود بالنفع على نموهم الجسماني.

وإذا كان لهذا التوجه أن يسود تلك العلاقة الأبدية بين الأبوين والأبناء إلا أنه قد تختلف بعض درجات من أسرة إلى أخرى بناء على الفهم الدقيق والمحدد للمدى الذي يفرق فيه الأبوان بين طموحاتهم لأبنائهم وفرض إرادتهم عليهم. والسؤال الذي يجب أن نطرحه دائما في علاقاتنا مع أبنائنا هو كيف يمكننا تحقيق هذه الطموحات الإنسانية التي نراها كأبوين ، وفي الوقت ذاته نعترف بالأبناء كبشر يمتلكون إرادة وذاتا وطموحات خاصة ؟

اختلاف الأجيال

ويمكن طرح السؤال في صياغة أخرى "كيف يمكن تقديم التوجيه دون فرض التوجيه ، أو كيف يمكن تقديم التسهيلات أو فرض النمو دون رسم الطريق ، أو كيف يمكن تقديم الخبرات والنصح دون فرض الإرادة ؟".

لا بد لنا من الاعتراف بأن الأبناء يختلفون عن آبائهم. نعم.. يعيش الجميع في بيت واحد وتحت مؤثرات واحدة وفي إطار من نسيج اجتماعي واحد ، لكن يبقى الاختلاف بين الإثنين. لأن الأبناء يمثلون جيلا وآباءهم يمثلون جيلا آخر. جاء جيل قبل جيل. يمتلك كل جيل من الجيلين عناصر اختلافه عن الجيل السابق له ، فالجيل الذي نشأ مع اختراع المذياع لا يمكن أن يتماثل مع الجيل الذي نشأ مع اختراع التلفزيون والفيديو والأقمار الصناعية.

لا بد من الاعتراف بوجود الاختلاف بين الأجيال. ومع الاعتراف علينا أن نحدد التوجيه الذي يرسمه كل جيل تجاه الجيل الآخر. ما يهمنا الآن هو تحديد توجهنا نحو أبنائنا. ما يهمنا هو مدى تدخلنا في توجههم العملي أو الدراسي.

طبيب أم فنان؟

بهذه المناسبة أود أن أسرد قصة صديق عزيز.

كان الابن الأول لأبويه. امتهن أبوه التجارة التي ورثها عن جده وانخراط في الحياة العلمية قبل أن يكمل تعليمه. وعندما أنجب الأب صديق هذا بدا يلقنه منذ الصغر أنه سيدرس الطب وسيصبح طبيبا. وأراد أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة ليدرس فن التصوير الزيتي.

ولما كان صديقي هذا على درجة من الذكاء والاجتهاد ، فإنه خضع لإرادة والده وحصل على المجموع الذي يؤهله لدراسة الطب ، ثم حصل على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة. وكانت المفاجأة الثانية عندما تبين له أنه من المتقدمين في ترتيب دفعته وأن في إمكانه أن يصبح أستاذا جامعيا في كلية الطب ، لكنه اتجه إلى والده وأبلغه أنه لن يمتهن مهنة الطب وأنه سيعود مرة أخرى لدراسة الفن .

أصبح صديقي من مشاهير الفنانين. ترشدنا هذه الواقعة إلى أن الآباء يسقطون طموحاتهم على أبنائهم. فالذي لم يستطيعوا تحقيقه بسبب من الأسباب يطالبون أبناءهم بإنجازه. لم يكمل هذا الوالد تعليمه لظروف متعلقة بعصره ، وهو العصر الذي كان الأبناء يرثون فيه تجارة آبائهم . وربما كانت إرادته الذاتية في تكملة تعليمه والالتحاق بكلية الطب. وعندما توقف طموحاته بسبب ظروف عصره اتجه إلى ابنه الأكبر ليحقق له هذه الطموحات. لذلك أجبره على الالتحاق بدراسة لم يكن الابن يريدها تجسدها هذه الواقعة الفارق بين طموحاتنا العادية لأبنائنا ، وبين ترجمة هذه الطموحات إلى فرض إرادتنا عليهم. كان الأفضل أن يتيح هذا الوالد فرص التعليم لأبنه ثم يتركه ليختار أي فروع العلم يريد أن يدرس ، وأي مهنة يريد أن يمتهن.

 

أمينة شفيق