واحة العربي محمد مستجاب

واحة العربي

البيت

تكوين تاريخي تمارس فيه الأحياء أقصى حالتها: ذكاء وغباء

البيت منشأة هندسية ظهرت في حياة الأحياء في عصور مبكرة، تستهلك عمرها فيه، وخلال ذلك تحلم وتفكر وتمكر وتغني وتتكاثر وتبكي وتفخر وتضحك وتصوغ الحقائق والقوانين والأهداف والدساتير بين جدرانه، قد تتسع فتصبح قصرا ذا حدائق وبساتين وملاعب وبحيرات ومطارات، وقد تضيق فتصبح منزلا أو شقة أو كهفا أو شرنقة أو عشا أو قوقعة أو ثقبا، وفي كل الحالات يفرز البيت - أي بيت - سيدين: الأول معلن والثاني مهيمن، ويفخر السيد الأول دائما أن تاء التأنيث لم تصبه ولم تلحق باسمه، وكثيرا ما يتألق البيت ليكون جنة أو يعمه الظلام ليمسي قبرا، أو يداهمه الفقر- فقر الفكر والملكية والتوجس والشر والرعب والاعتزال - فيكون سعيرا، وأكثر البيوت عددا بما يفوق بيوت الإنس والنمل، في الشعر، وقد تأثر بيت الشعر الحديث فتساقطت وحداته ليصبح غرفا متناثرة على السطور المنمقة، وأجمل البيوت وأحلاها نجدها في بيت النحل، وألذها "بيت الكلاوي"، وأثمنها في شرانق دود القز، وأكثرها جلالا في بيوت الله من مساجد ومعابد، وألعنها بيت العقرب، وبيت النار- الغرفة التي تحتوي على طلقات المدافع والبنادق ومؤخرات غرف الدفع الغازية في الصواريخ، وأوهاها: بيت العنكبوت، وأكثرها فنية وتألقا: دور الأوبرا والموسيقى والمتاحف.

والمعدة بيت الداء، والأقدام بيت النقرس - داء المترفين والكسالى، أما بيت العدل فهو المحاكم في حين أن بيت الحكمة هو المقر المركزي لنقابة الأطباء، وأبسطها عرين الأسد، وكذلك أقلها تكلفة، إن كان بها شيء سوى أسرة الأسد، وبيت لقمان: مبنى قديم أقام به الملك الفرنسي لويس التاسع بعد دحره وأسره في مدينة المنصورة المصرية خلال الحروب الصليبية، وبيت القاضي: بيوت أثرية قديمة متناثرة في كثير من العواصم العربية كبغداد ودمشق والقاهرة تكون قد أدت دورا في أنظمة القضاء والتحاكم، وبيت الطاعة: دار تجهز لاستعادة الزوجات الناشزات عند صدور أحكام لصالح الأزواج المكروهين، أما بيت الكرم - بالفتح - فالمقصود به الأثداء، فإذا سكنت الراء أصبحت العنب (الكروم)، وبيت الفكر: الجمجمة، في حين أن بيوت الأمعاء في البطن، وبيت الإيمان: المخ والقلب، أما بيت الحب والتراحم فهو القلب فقط.

وبيوت الليل: بيوت تقام للمتعة الليلية تنهار في أغلب الأحيان من وقع الموسيقى الصاخبة والهمسات المحرمة، وتحتوي - في العادة - على غرف وقاعات وموائد للميسر وفنون المقامرة، أما بيوت العز: فهي نفس البيوت السابقة مع مراعاة استبعاد ما يمارس فيها، وبيت لحم: مدينة بفلسطين ولد فيها السيد المسيح عليه السلام، وبيت الزواحف: موقع ذو جحور لعرض الزواحف من ثعابين وسحال، تنشأ في حدائق الحيوان بشكل يسهل به متابعة حياة هذه المخلوقات، وكذلك: بيت الأسد وبيت الفيل، أما بيت جحا فهو تكوين ذو سراديب متداخلة ومتقاطعة تصيب الزائر بالحيرة والاضطراب بقصد المتعة، أما بيت القصيد فهو ما يزعم النقاد أنه أهم بيت في القصيدة العمودية - ثم استخدم التعبير مجازا لما هو مقصود عموما.

 

محمد مستجاب