من المكتبة العربية: الخطاب الإعلامي في الحرب اللبنانية - الإسرائيلية سنة 2006م
من المكتبة العربية: الخطاب الإعلامي في الحرب اللبنانية - الإسرائيلية سنة 2006م
عرض: د. علاء عبد المنعم** هل يرتهنُ دعمُ الشعوب لقادتها - في قرارهم المصيري بالدخول إلى حرب ما - بثقة هذه الشعوب في قُدرة مؤسساتها العسكرية على تحقيق التفوق في المعركة؟ أم أن هذا الدعم يرتبط بما يطرحه هؤلاء القادة من مبررات أخلاقية تجعل من هذه الحرب ممارسة حتمية استوجبتها العقيدة الأخلاقية للشعب؟ أم أن الأمر يتعلق بإيمان الشعوب المطلق بصواب رؤية قادتها وزعمائها وبُعد بصيرتهم باعتبارهم أبطالًا ملهمين؟ قد تكون هذه العناصر كلها - مجتمعة أو منفردة - من عوامل تحقيق هذا الدعم الذي يريده القادة ويسعون إليه، ولكن المؤكد أن هذا الدعم يظل مرتبطًا في جوهره بالقدرة التأثيرية لهؤلاء الزعماء والقادة على شعوبهم، هذا التأثير الذي يتحقق بفضل طبيعة الخطابات اللغوية التي يستخدمها القادة قبل بدء الحرب وفي أثنائها بغية إقناع شعوبهم بما يقومون به ومن ثم ضمان حشد الدعم لقرار الحرب وتبريره، حيث يصاحب كل حرب خطاب سياسي وإعلامي، يقوم فيه رجال السياسة والإعلام بعرْض أفكارهم وآرائهم بهدف إثارة الشعور العام وتوجيه الرأي العام وإقناعه، فالجماهير لا تساند قادتها وجيوشها وقوّاتها المُحاربة إلا تحت تأثير هذا الخطاب الإعلامي الناجح الذي يستميل الرأي العام وجدانيًا وعاطفيًا، يضرب على مشاعره الوطنية والدينية، وقد يثير لديه مشاعر الخوف والغضب والتعاطف والحماس من ناحية، ويقنعه بسلامة موقفه ومبررات خوضه الحرب من ناحية أخرى. ويتوجه كتاب «الخطاب الإعلامي في الحرب اللبنانية الإسرائيلية سنة 2006م» للدكتورة هناء كامل - وبتقديم العالمة اللغوية المرموقة الدكتورة إيمان السعيد جلال، إلى دراسة طبيعة الخطاب الإعلامي الذي صاحب الحرب اللبنانية ــ الإسرائيلية عام 2006، وشاركت فيها قوّات حزب الله بقيادة أمينه العام (حسن نصرالله) وقوّات جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي (إيهود أولمرت). وهي حرب لم تدُم أكثر من أربعة وثلاثين يومًا، لكن أحداثها ونتائجها كانت بالغة الأثر في الدولتين المتحاربتين والمنطقة كلها. وقد قام الخطاب الإعلامي في هذه الحرب بدور لا يقلّ خطورة عن دور العمليات الحربية في المدن والبلدات وعلى الحدود وفي كل مكان، وقد تابع العالم كله هذا الخطاب، وليس الشعبين اللبناني والإسرائيلي فقط، وذلك لقوة السجال الإعلامي المتمثل في خطب زعيمي الطرفين المتحاربين (حسن نصرالله وإيهود أولمرت)، وذلك التراشق بالألفاظ النارية والعبارات الرنانة والجدليات البليغة التي حاول كل منهما فيها أن ينتصر على حجة خصمه، فاستخدام اللغة في وقت الحرب يختلف عنه في وقت السلم، وتزداد حميتها على قدر النيران المشتعلة في أرض المعركة. كما تابع القرّاء هذه المقالات الحماسيّة الساخنة التي كتبها مؤيدون للحرب من الجانبين أو معارضون لها مستعملين أبلغ العبارات وأقواها وأكثر الألفاظ حدة وتأثيرًا، وعرضوا وناقشوا كل الأفكار والاحتمالات التي يمكن أن تترتب على الحرب، ثم يأتي بعد ذلك دور الباحث اللغوي الذي يجد في هذه الخطابات (الخطب والمقالات) مادة خصبة للدرس اللغوي تستدعي الدراسة عن طريق تناول الاستعمالات اللغوية فيها ومحاولة تحديد سمات هذا الاستعمال اللغوي في ضوء معرفة مقاصد المرسِل. تحدد الكاتبة في التمهيد طبيعة المواد التي ستخضعها للدراسة، حيث تتكوّن مادة الدراسة من مجموعة من الخطب والمقالات التي صاحبت إنتاجها الحرب اللبنانية ــ الإسرائيلية 2006م على الجانبين اللبناني والإسرائيلي، فالخطاب الإعلامي اللبناني تمثله في عينة الدراسة خطب الأمين العام لحزب الله (حسن نصرالله) المسجلة صوتيًا على الموقع الرسمي للمقاومة الإسلامية (www.moqawama.org)، ومجموعة من المقالات الصحفية المنشورة في عدد من الصحف العربية: «السفير اللبنانية، الديار اللبنانية، أخبار الخليج البحرينية، السياسة الكويتية، الأهرام المصرية، البيان الإماراتية، الوطن الكويتية». والخطاب الإعلامي لدولة الاحتلال الإسرائيلي تمثله في عيّنة الدراسة خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي (إيهود أولمرت)، وهي مترجمة إلى العربيّة ومستمدّة من موقع رسمي إسرائيلي، هو الموقع الرسمي لوزارة الخارجيّة لدولة الاحتلال الإسرائيلي (www.altawasul.net)، وهو موقع يوجّه مادته إلى الشعوب العربيّة ويتولـّى ترجمة الخطب والمقالات العبرية وفقا للسياسة الرسمية للحكومة دون أن يتدخل قلم عربي في عملية الترجمة فيغيّر مصطلحًا أو لفظاً له طبيعة يهوديّة، كما تشمل عيّنة الدراسة من الخطاب الإعلامي الإسرائيلي مقالات منشورة في الصحف الإسرائيليّة التالية: «هآرتس، يديعوت أحرونوت، معاريف»، وقد ترجمتها إلى العربية المنظمة العربية لمناهضة التمييز.وتختتم الباحثة التمهيد بتناول تاريخ الصراع اللبناني ــ الإسرائيلي وجولاته، وتعرض لخلفيات هذه الحرب وأسبابها وأبرز أحداثها وما انتهت إليه، كما تتناول مفهوم «الخطاب» وتحليل الخطاب، ومحاولة تحديد الفرق بين مفهوم النصّ ومفهوم الخطاب، ثمّ ينتقل إلى نظرية تحليل الخطاب. لغة الخطاب الإعلامي بين التعبير والتأثير في الفصل الأول من الكتاب المعنون بـ «القدرة التعبيرية للغة الخطاب الإعلامي». تتناول الكاتبة القدرة التعبيرية لبعض الألفاظ والتعبيرات التي يستخدمها مرسِل الخطاب لغرض بلاغي اتصالي، وقد رأت الكاتبة أن الألفاظ الانفعالية هي الأكثر وفرة في الخطاب الإعلامي للعينة المختارة، ويرجع ذلك إلى أن هذه الخطابات قد أُنتجت والحرب قائمة، فحمَّلها مرسِل الخطاب حرارة النيران المشتعلة في الحرب. ولم يكتفِ بإيرادها مفردة، بل صاغها في صورة سلاسل لفظية تزيد من حدَّتها، وبينما وُظفت الألفاظ الانفعالية في خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لأغراض هي: «إظهار بشاعة العدوان الصهيوني على لبنان ـ كشف الوجه القبيح للعدو وإظهار ضعفه، في مقابل شجاعة رجال المقاومة ـ استمالة شعبه إلى جانبه ـ السخرية والتهكم» كما وُظفت في خطابات أولمرت للأغراض التالية: استمالة شعبه عن طريق مواساتهم في قتلاهم، تشويه صورة حزب الله والاعتداد بشجاعة دولة الاحتلال الإسرائيلي. كما في المقالات اللبنانية المُؤيِّدة للحرب لأغراض: «التنديد بدولة الاحتلال الاسرائيلي وأمريكا وذمّ موقف العرب المتخاذلين عن لبنان، والسخرية والتهكم»، واشتركت معها المقالات الإسرائيلية المعارضة للحرب في الغرضين الأول والأخير. أما المقالات اللبنانية المُعارضة للحرب والمقالات الإسرائيلية المُؤيِّدة للحرب فقد وُظفت الألفاظ الانفعالية فيها للتعريض بحس نصرالله والمقاومة الإسلامية. وبالنسبة للألفاظ التي تحمل دلالات هامشية بهدف المغالطة من جانب طرف في مواجهة طرف آخر، فقد استخدِمت لترسيخ مفاهيم (مغلوطة أحيانًا)، وللتعبير عن وجهة نظر كل طرف، وللمراوغة في مواجهة الجمهور المتلقي، فالذي يراه حسن نصرالله «نضالاً ومقاومة» ينظر إليه أولمرت على أنه «إرهاب» والعكس بالعكس. وتنتقل الكاتبة فيما بعد إلى عنصر التعبيرات المجازية التي وردت عند حسن نصرالله في مجالات مدح رجال المقاومة وذمّ جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفي المقابل وظفت التعبيرات المجازية عند أولمرت في مجال التعريض برجال المقاومة وتأليب الشعب اللبناني ومؤيدي حسن نصرالله عليه. كما جاءت بعض التعبيرات مألوفة شاع استعمالها في الخطاب السياسي والإعلامي المعاصر، مثل: «القنابل الذكية» وبعضها ولدت في فترة الحرب مثل «استيلاد الشرق الأوسط الجديد»، كما وظفت القدرة التعبيرية بعض الشعارات لذلك. وقد ختم الفصل بالحديث عن المفارقة التي استُخدمت باعتبارها وسيلة للتعريض بالضحية، والتي مثـلت في العيِّنة في: (حسن نصرالله، أولمرت، وزيرة الخارجية الأمريكية، قادة جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي، القادة العرب). وتنتقل الباحثة في الفصل الثاني لدراسة وسائل التأثير والإقناع المنطقية - اللغوية في الخطاب الإعلامي في الحرب اللبنانية - الإسرائيلية سنة 2006، وقد شكلت بنية التكرار أحد أهم هذه الوسائل حيث اشتملت النماذج في العينة على نوعين من التكرار هما: «تكرار الشكل، وتكرار المضمون». وورد تكرار الشكل على ثلاث صور هي: «تكرار المكرر بذاته، تكرار الجذر اللغوي، التكرار بالتغيير في البنية التركيبية»، وانقسم تكرار المكرر بذاته إلى نوعين هما: «المكرر بذاته لفظ مفرد، المكرر بذاته جملة أو عبارة». أما تكرار المضمون فقد ورد متمثلاً في نوعين هما: «تكرار المضمون على مستوى اللفظ المفرد، وتكرير المضمون على مستوى الجمل والعبارات». بلاغة التناص في الخطاب الإعلامي وتخصص د.هناء كامل الفصل الثالث لدراسة التناصّ في ذلك الخطاب الإعلامي، وقد صنّفت الدراسة نماذج التناصّ التي وردت في العينة تحت نوعين، هما: التناصّ الخارجي، والتناصّ الداخلي، وقد اتضح من نماذج التناصّ في العينة أن المرسِل في التناص الخارجي يورد النص الجديد على صورتين، الأولى يحتفظ فيها المرسِل بالنص الأصلي، والثانية لا يحتفظ فيها المرسِل بالنص الأصلي، بل يفيد من بعض تعبيراته بإدراجها في نسيج النص الجديد وقد جاءت الصورة الأولى بنسبة أكبر من الثانية. وتمَّ من خلال الصورتين معالجة أنواع التناصّ الواردة في العينة، وهي: التناصّ الديني، التناصّ مع الشعر، التناصّ مع الأمثال، والتناصّ مع مقولات قديمة أو حديثة. وقد اقتصر وجود التناصّ الداخلي في عينة الدراسة على الخطابات المنطوقة، ويتمثل في تداخل خطابات المرسِل فيما بينها. وبالنسبة للتناصّ الديني فقد شغل مساحة كبيرة من العينة بمقارنته بأنواع التناصات الأخرى، ويرجع ذلك إلى أن الاستشهاد بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو نصوص من العهد القديم يزيد من مصداقية ما يقوله المرسِل، لِما يحيط بالنص الديني من قدسية، يُسلّم بما فيه، فهو يحمل الحُجَّة التي لا يعترض عليها أحد، فكل من الفريقين يعتمد على الخطاب الديني اعتمادًا أساسيًا، ينطلق اللبناني من حركة مقاومة ترفع شعارًا إسلاميًا شيعيًا، وينطلق الإسرائيلي من فكر دولة جعلت المرجعية الدينية التوراتية أساسًا لتأسيسها وتدعيمها. ويحمل الفصل الرابع عنوان «الخطاب الإعلامي في الحرب اللبنانية ــ الإسرائيلية 2006 بين اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة»، ويحاول أن يستجلي السمات اللغوية والأسلوبية المميّزة لكل من الخطاب الإعلامي المنطوق والخطاب الإعلامي المكتوب، والتي تتمثل في النقاط التالية: طريقة استخدام الضمائر، استخدام بعض العناصر الحوارية أو الديالوجية، طول المنطوقات وقِصَرها، الربط في الخطاب المنطوق والخطاب المكتوب بين أجزاء الخطاب من ناحية والجمل في الخطاب الواحد من ناحية أخرى، واستعمال جمل غير محكمة النظم، استخدام الكلمات المالئة، الاسترسال في مقابل التركيز، المطالع، تكرار التركيب النحوي، التعليقات الماوراء لغوية.
--------------------------------
* أكاديمية من مصر
** كاتب من مصر