إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

الجنة والنار

بالطبع هناك فروق كثيرة بين الجنة والنار، ولكن كيف يمكن تحديدها؟ هناك أكثر من طريقة وفقًا للمواصفات الغربية، فنظام الجنة يجب أن يكون كما يلي: رجال الشرطة من كندا، فمن واقع خبرتي هم شديدو الأدب وعلى كفاءة عالية أيضًا، فهم لا يظهرون في الشوارع إلا نادرًا، ولكن عندما تحدث مشكلة تجدهم فجأة وبأعداد كبيرة من دون أن تعرف من أين هبطوا، وأن يكون رجال البنوك من سويسرا، ولا أحد يجادل في دقة البنوك السويسرية، بالرغم من أنها تلتهم نقود الرؤساء السابقين، ويكون الراقصون من البرازيل، وليس أجمل من أن تكون الحياة في الجنة على إيقاعات السامبا، وأن يكون جرسونات المطاعم من فرنسا، فهم الأكثر أناقة وتهذيبًا ولا شيء يعلو على ذوق المطبخ الفرنسي، وأن تكون الماكينات من اختصاص الألمان، فهم أفضل مَن يتعامل مع الآلات، ويكفي أن نعرف أن منتخبهم القومي يطلق عليه لقب الماكينات الألمانية، وأن يكون العشاق من الإيطاليين حتى يصدحوا بأغنيات الأوبرا تعبيرًا حين تعتلج قلوبهم، والعاشق الإيطالي هو الأكثر أناقة وسحرًا، وقد احترف الكثيرون منهم هذه المهنة ويطلق عليهم لقب «جوكولو»، وهي مهنة أشبه بالبغاء الرجالي. أما إدارة الجنة كلها فيجب أن تكون بأيدي البريطانيين، ونحن جميعًا نعرف أنهم قد أداروا نظام العالم ذات مرة.. أما في الجحيم فالأمر مختلف، فرجال الشرطة من الألمان، بما عرف عنهم من صرامة وقسوة نازية، رجال البنوك من البرازيل، ويبدو أن الفساد ضارب الجذور في بنوك هذا البلد، ولعلنا نذكر أن هذا البلد قد وقف ذات مرة على حافة الإفلاس، أما الراقصون فهم من سويسرا، تخيل واحد من مديري البنوك وهو يرقص، أما الجرسونات فهم من بريطانيا، بكل ما فيهم من برود وتعالٍ، تطلب منه شيئًا فيرمقك بنظرة احتقار، والعشاق من كندا، وهم أسوأ أنواع العشاق، والمرأة الكندية تبحث عن الغرباء أولاً، ونسبة الطلاق عالية، وقد تخلت العديد من النساء عن نظام الزواج الذي يقيدها إلى شريك واحد، أما الماكينات فسوف تكون تحت إشراف الفرنسيين، أما إدارة الجحيم كله فستكون تحت إشراف الإيطاليين، وبهذا ندرك أن المافيا ستكون طرفًا في كل شيء.

هل يمكن تطبيق هذه المواصفات على عالمنا العربي، اجتهاد صعب، ونحن كعرب سريعو الغضب، نأخذ الدعابة العابرة كأنها اتهام لابد من الرد عليه، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى وغير ذلك من الترهات، وما سأقوله هو رأي شخصي يعتمد على خبرتي من خلال زيارتي لأقطارنا العربية، وربما كنت مخطئًا، فالشرطة في الجنة تشرف عليها «عمان» لأن رجال الشرطة بها هم الأكثر تأدبًا وانضباطًا، أما التجارة فمَن أجدر بها من أهل الكويت الذين جابوا العالم منذ وقت مبكر؟! أما الراقصون فمن لبنان، من يمكن أن يجاريهم في رقصة «الدبكة»؟! أما المشرفون عن المطاعم فهم السوريون، فهم يضعون أمامك

25 صنفًا من المقبلات في لمحة بصر، أما الماكينات فهي من اختصاص المصريين، وفيهم عدد لا يحصى من الحرفيين والصنايعية والمهندسين، أما العشاق فهم أهل اليمن الذين جاء منهم أشهر العشاق عبر التاريخ، والشعراء موطنهم العراق، وسيقودون حركة الشعر الحديث في الجنة، أما إدارة الجنة فسوف نتركها لإخواننا المغاربة ربما يكونون الأقل فسادًا بيننا جميعًا.

دعنا إذن من الحديث عن الجحيم العربي...
------------------------------
* كاتب من مصر.

 

محمد المنسي قنديل*