المفكرة الثقافية
المفكرة الثقافية
على مدى أربعة أيام متواصلة استمتع الجمهور الجزائري في تلمسان بالعديد من الفعاليات الثقافية الكويتية المتميزة التي أظهرت الوجه الحضاري والتراثي لدولة الكويت، بلاد المحبة والسلام، وعرّفت الجمهور الجزائري بالموروث الثقافي والفني للكويت بصفتها بلد إشعاع حضاري متميز، وصاحبة أدوار بارزة في مختلف الجوانب الثقافية، والأدبية، والعلمية، والفنية. وجاء تنظيم الأيام الثقافية لدولة الكويت في إطار الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تشهدها تلمسان بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 1432هـ/2011م، حيث تمت إقامة سلسلة من المعارض الفنية التي أبرزت تراث وثقافة الكويت، وحرفها الفنية والشعبية، ورموز الحركة الأدبية والفكرية فيها، إضافة إلى عرض العديد من صور الكويت في القديم والحديث. كان افتتاح الأيام الثقافية الكويتية بالكلمة التي ألقاها الأستاذ عبدالهادي نافل العجمي؛ رئيس الوفد الثقافي الكويتي، الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، وقد ذكّر فيها بالعلاقة الجيدة التي تربط البلدين الشقيقين الجزائر والكويت، وأشار إلى أن المشاركة الكويتية في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ستكون كاملة، وتعمل على ترسيخ هذه العلاقة الجيدة. وتميز حفل الافتتاح بحضور مكثف للجمهور الجزائري، إضافة إلى عدد من المسئولين الجزائريين والكويتيين من بينهم سفير دولة الكويت لدى الجزائر الأستاذ سعود فيصل الدويش، ومدير إدارة الشئون الإدارية على مستوى المجلس الأستاذ متعب المهنا. وخلال حفل الافتتاح قدمت الفرقة الشعبية الوطنية الكويتية، والفرقة الكويتية للموسيقى، عرضًا فنيًا متميزًا أبهر الجمهور الجزائري، من خلال أدائه لرقصات وأغانٍ فلكلورية كويتية عريقة وحركات إيقاعية شعبية متنوعة تفاعل معها الجمهور الجزائري بشكل كبير. وبعد حفل الافتتاح تم تدشين معرض «الكتاب الكويتي»، الذي عُرضت فيه مطبوعات وزارة الإعلام بدولة الكويت، وفي مقدمتها مجلة العربي، والتي توصف بمجلة كل العرب، ويكن لها الجزائريون محبة خاصة، ودومًا يذكرون فضلها الكبير في التعريف بالثورة الجزائرية حيث احتفت في عددها الأول احتفاءً متميزًا بها، كما عُرضت بعض المخطوطات النفيسة التي تزخر بها المكتبة الكويتية، فضلًا عن مطبوعات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت. وتضمن المعرض مجموعة من الصور لدولة الكويت في القديم، والحديث، وقد توقف معها الجمهور الجزائري مليًا، ولاحظ عراقة الكويت وتميزها، كما توقف مع ما بلغته الكويت حاليًا من نهضة تجلت في العمارات العصرية الشاهقة، والمتميزة بهندستها المعمارية الجميلة، كما أبرزت بعض الصور المواقع الأثرية العتيقة التي تحوي كنوزًا تراثية تعود إلى العهود القديمة. وشهدت الأيام الثقافية الكويتية خلال الأيام المتوالية افتتاح عدد من المعارض الفنية للمنتوجات التقليدية جسدت حضارة ومهارة الحرفيين الكويتيين، واشتملت المعارض على مجموعة من اللوحات الفنية تجلت فيها جماليات الفن الكويتي، وعبرت عن مختلف التيارات الموجودة على الساحة الكويتية، كما أقيمت ورشة عمل عن الخط الإسلامي، وعرض الخطاط الكويتي المعروف جاسم محمد معراج الذي تحصل على العديد من الجوائز الدولية لوحات في منتهى الجمال والروعة، مما عكس مهارته وبراعته في ميدان الرسوم والتشكيلات الإسلامية. وفي الميدان الثقافي والتاريخي كان الجمهور الجزائري على موعد مع محاضرة قيمة للدكتور عبدالرحمن راشد الحقان حول «مساهمة الكويت في الحفاظ على نشر التراث الإسلامي»، تولى إدارتها الأستاذ سهل العجمي مدير إدارة الثقافة والفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، تطرق فيها المحاضر إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها دولة الكويت للحفاظ على التراث الإسلامي، والنهوض بالثقافة الإسلامية، وإحياء الكثير من المخطوطات النفيسة، وتحقيقها، وإعادة نشرها من قبل المؤسسات الحكومية بدولة الكويت في طبعات فاخرة. وقدم الباحث الكويتي سلطان مطلق الدويش محاضرة جاءت تحت عنوان: «المكتشفات الحضارية الإسلامية في دولة الكويت»، عرض فيها رصدًا للمكتشفات الحضارية التليدة في دولة الكويت، وتطرق لموقع كاظمة البحور التي كانت ميناء مهمًا على رأس الخليج العربي خلال العصرين الجاهلي والإسلامي، وازدهرت اقتصاديًا خلال الفترة ما بين منتصف القرن السادس ونهاية القرن السابع الميلادي تقريبا. وقد تخلل فعاليات الأيام الثقافية الكويتية بتلمسان تنظيم العديد من الأنشطة الثقافية والفنية المتميزة, من بينها لقاء شعري جميل، شارك فيه كل من الشعراء خالد الشايجي، ورجا القحطاني، وحيدر مرداس الهزاع بقصائد شعرية بديعة تغنت بالسلام، والمحبة والأخوة، مع وصلات غنائية للفرقة الوطنية الكويتية للفنون الشعبية، كما تم عرض فيلمين وثائقيين بقاعة العروض بقصر الثقافة بتلمسان هما: «صحراء الأمازيغ»، سيناريو وإخراج المخرج الكويتي عبدالله حمد المخيال، و«يوم في حياة مدينة» الذي كتبه عماد النويري، وأخرجه جابر المحمدي، وقد صور الفيلم حياة يوم في الكويت من بزوغ الفجر حتى إسدال ستائر الليل. واختتمت الأيام الثقافية الكويتية بعروض موسيقية متنوعة حيث نزلت الفرقة الوطنية الكويتية من «الركح» إلى الجمهور حتى تكون قريبة منه أكثر، واستقبلها الجمهور الجزائري بتصفيقاته الحارة، بعد أن اجتذبت اهتمامه في الأيام السابقة، وقدمت عروضًا مميزة من التراث الكويتي، ورقصات شعبية كويتية عريقة. الجزائر: محمد سيف الإسلام يبدو أن السينما لاتزال تحتفظ بقدرتها الفائقة على التسجيل وربما الاستباق في التعبير عن التأثيرات التي طالت وسوف تطول القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بسبب زلزال الثورات والتمردات الذي ضرب العالم العربي طوال هذا العام. وبسبب الطابع التقني الحديث للثورات العربية ظهرت ثورة موازية في مجال التصوير والبث الحي لما يحدث تقريبًا يوما بيوم، وبالتالي فقد كان بديهيًا، أو ربما متوقعًا، أن يظهر عدد من الأفلام الوثائقية التي تتناول قضايا الشباب العربي وارتباطهم بالربيع العربي. وقد وصل صدى الربيع العربي إلى العديد من الدول خارج المنطقة العربية، وبينها السويد التي تولي اهتمامًا كبيرًا إلى حد ما بالشباب العربي والقيادات الشابة في الوطن العربي، كما تبدي حرصًا على التضامن مع حق حرية التعبير الكامل لهؤلاء الشباب. وتعتبر السويد عالميًا أول دولة تطرح قانونًا دستوريًا سنة 1766 يمنع الرقابة ويأمن حرية التعبير، فحرية التعبير لدى الدولة السويدية الإسكندنافية من أساسيات الثقافة والذهنية العامة لسكان السويد. وهذه الثقافة هي التي أثارت انتباه ودفعت المخرجين السويديين الثلاثة جافيريا ريزفي كاباني، وجوني فون والستروم، وألكسندرا ساندلس ليخوضوا غمار تجربتهم الإخراجية الأولى ليقدموا لنا الفيلم الوثائقي القصير «Zero Silence» الذي يعطي لمحة عن قصص شخصية لعدد من الشباب العربي قبل وأثناء الربيع العربي. هذا الفيلم الذي يمكن ترجمة عنوانه «لا للصمت» فيلم وثائقي قصير يحكي قصصًا مختارة عن مدونين وناشطين حقوقيين وفنانين في مصر وتونس ولبنان، ويسلط الضوء على شغف هؤلاء الشباب بتحقيق تغيير في بلدانهم من خلال نشاطهم الحقوقي والفني قبل وأثناء الثورات العربية. يتناول الفيلم الوثائقي قصصًا شخصية وأحلام عدد من الشباب في الوطن العربي الذين ثاروا على الأنظمة الفاسدة التي كانت تحكم القبض على حكم بلادها في الوقت الذي كانوا يصارعون كبت الحريات والرقابة منذ زمن طويل. يتناول الفيلم أيضا كيف أن الإنترنت كان إحدى الوسائل الأساسية للتعبير لدى الكثير من الشباب، خاصة في المجتمعات التي كانت تعاني من مقص الرقيب. ويكشف الفيلم خاصية مهمة تجمع بين هؤلاء الشباب وهي الرغبة الجامحة في إحداث تغيير بمجتمعاتهم والتخلص من الأنظمة الطاغية عن طريق حشد الرأي العام الداخلي ضد الأنظمة الطاغية. الفيلم وثائقي متعدد الطيات يلخص فكرة أهمية التعبير والكلمة عند العديد من الشباب في مختلف الدول العربية. «حرية التعبير، حرية الكلمة، حرية الرأي، حق التعبير، حقوق الإنسان، محاربة الرقابة» هي كلمات تتردد على مسمع المشاهد خلال الفيلم الوثائقي. وبإيجاز فإن محور الفيلم الأساسي هو عرض تحدي الشباب للرقابة وقمع حرية التعبير وكيف كافحوا ذلك بشكل سلمي باستخدام وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة كوسيلة للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم في مجتمعاتهم المقموعة. ما يلفت الانتباه في هذا الفيلم هو حسه التنبؤي، إن صح التعبير، فقد بدأ تصويره قبل اندلاع الثورات العربية بفترة بسيطة، وواكب العمل فيه اندلاع شرارة الثورة فدخل هذا الجزء في نسيج الفيلم.. تم التصوير في تونس ومصر ولبنان من شهر يونيو 2010 إلى يونيو 2011. فكرة الفيلم الوثائقي ولدت قبل عامين عندما شارك عدد من المدونين والناشطين العرب في البرنامج الثقافي التدريبي «زوار القيادات الشابة» الذي ينظمه المعهد السويدي سنويا منذ عام 2008. تقول جافيريا ريزفي كاباني، وهي واحدة من مخرجي الفيلم الثلاثة إن فكرة الوثائقي استلهمت من خلال التعرف على الشباب في برنامج «زوار القيادات الشابة» والتأثر بقصصهم، مضيفة: «تأثرنا بقصصهم وبأفكارهم، وطموحاتهم، في الفترة التي سبقت الربيع العربي، ففكرنا ماذا باستطاعتنا فعله؟ كيف نستطيع المساعدة؟ فتبلورت الفكرة بأنه من المهم ان نوثق صوتهم وقصصهم. خصوصًا أن وسائل االإعلام التقليدية لا تغطي هذه الأصوات الحقيقية والمهمة، وهكذا ولدت فكرة تصوير الفيلم. من جهته يقول والستروم، أحد المخرجين: «بدأنا بفكرة بسيطة قبل 3 سنوات وخططنا لمتابعة 3 دول عربية فقط وقلنا سنركز عليها فقط ولم نكن نعرف ما سيحدث لاحقًا أبدًا. الربيع العربي فعلاً فاجأنا، بل أذهلتنا الأحداث في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية والبحرين. عرضنا قصصًا من مصر وتونس ولبنان فقط لأنها كانت مركز الخطة التسجيلية للفيلم في البداية، ولم نقصد إطلاقا أن نتغاضى أو نقلل أهمية ما يحدث من ثورات في البلدان العربية الأخرى، وإنما أردنا أن نحافظ على القصص والشخصيات التي تابعناها من البداية». هكذا فسّر والستروم عدم ضم الثورات العربية الأخرى وكبادرة لتسليط بعض الضوء على الثورات الأخرى في نهاية الفيلم تم ذكر عدد كبير من القتلة في سورية. تم التصوير بمعدات بسيطة لأنه كانت هناك صعوبة في إدخال الكاميرات لتلك الدول نظرًا لحدة مقص الرقيب والمجال الضيق لحرية التعبير فكان أغلب التصوير بكاميرا 5 دي ومايك واير لس فقط، وهي معدات بسيطة جدًا في مجال معدات تصوير الأفلام الوثائقية. كما تم التصوير من دون إبلاغ السلطات في كل الدول التي تم التصوير فيها لأنه كان من المعروف أن السلطات لن توافق. تم العرض الأول لـ «Zero Silence» أو «لا للصمت» في مدينة استكهولم في السويد نهاية شهر أغسطس وسط حضور عدد من أبطال الفيلم الوثائقي، الناشطين الحقوقيين وائل عباس وميرال برينجي من مصر وليليا وصلاتي من تونس وبحضور سويدي كثيف. السويد: أفراح ناصر هل كان غيمًا ماطرًا؟ وإذا تحقق الفعل، فهل معناه أن تقطف المدينة ماء الغيم؟ هل كان غيمًا ماطرًا أم غيمًا فارغًا إلا من الشكل؟ حتى بعد انتهائي من قراءة الكتاب، لا أكاد أفسّر العنوان، ولا أتنبأ من أي رياح أتى به.. كنت أود الدخول إلى النص من منظور مكاني، لكنني عدلت عن ذلك، مؤثرًا التحدث عنه نقديًا، من حيث الأسلوب، وإن كنت سأعرّج إلى موضوع المكان خصوصًا في أزقة رام الله وحواكير رافات.. حسن عبدالله الكاتب والصحفي والقاص، والذي جرّب الكتابة في أكثر من جنس أدبي، وإعلامي معروف بالتزامه واتزانه، وصدقه الفني، وهو كاتب يأسرك بحميميته وبساطته.. سأحاول هنا التطرق إلى اللغة والشكل والأسلوب، والمكان واستدعاء محمود درويش، والشعور الإشكالي تجاه رام الله. اللغة والشكل والأسلوب: اللغة نثر فني جميل في أكثر من موقع، ويمكن أخذ الغلاف والإهداء عينة من هذا النثر البديع فعلا، والذي يرتقي ليكون لغة شاعرة، بل أزعم أن هناك نصوصًا تميزت بشعرية العبارة والفقرة، كما في حميد النرجس135، عندما تبكي الكاميرا 75، والتي تقترب لتكون لوحات شعرية. لكن بالطبع هناك تفاوتًا في مستوى اللغة في نصوص الكتاب، فلغة المقال تختلف عن لغة القصة عن لغة الخواطر القصيرة، وبشكل عام نستطيع القول إن الكاتب استخدم اللغة السردية الواضحة والخالية من التعقيد كعادته، وإن استخدم أساليب حيوية مشوقة في السرد. في المقال كانت اللغة تقريرية، بينما ارتقت لغته جماليًا في القصص، ومنها: «هو وثلج رام الله والمجنزرة، وحميد النرجس، ورامي يقود حلقة الدبكة». وقد برع الكاتب في اللغة بشكل خاص حين كان يتناول مكان القرية باللغة، فكانت لغته أكثر جمالاً، انسجم جمالها مع جمال النص القروي، وجمال التشوق والخيال الذي جعلنا نسير معه في حواكير رفات. الأسلوب في الاجتياحات كان انفعاليًا، استخدم تعبيرات جمالية سريعة، بجمل قصيرة، بدت كشعر، كما لعب باللغة في خبر عاجل، فكانت نصوصًا قصيرة، امتاز فيها بالمهارة اللغوية، لكن تأثيرها الشعوري كان محدودًا. تقنيات السرد كانت لديه فانتازية، حيث استخدم الكاتب أسلوبًا مشوقًا، أما استدعاء الشعر وذكرياته ووعيه وأيام الدراسة كطالب جامعي مناضل، فقد منح النص حيوية، حيث يشكل القص أكبر عوامل التشويق في النصوص على اختلاف أجناسها. لقد جمع الكاتب في «المتنبي يزور رام الله سرا» غسان كنفاني ودرويش وعرفات في «الآخرة»، كما فعل أبو العلاء المعري في «رسالة الغفران»، ودانتي الييجري في «الكوميديا الإلهية». الشكل الأدبي أعلن الكاتب عن هوية كتابه بإضافة كلمة «نصوص» تحت اسم الكتاب «رام الله تصطاد الغيم»، وهي نصوص فيها قصص قصيرة، ونصوص قصيرة تلائم الحالة الوجدانية كما في نصوص الاجتياحات، التي لا يكون الكاتب مهيأ لكتابة نص طويل، حيث يلائم قصر النص الحالة الشعورية الانفعالية. وأزعم أن الكاتب في مقالاته لم يتخلص من الحس القصصي، كما لم يتحرر في قصصه من الحس التقريري المقالي، وأظن أنه لو كان لدى حسن الوقت الكافي لعمل بعض التحرير في فقرات محددة على بعض النصوص. المكان: لو سماها رفات المكان حاضر بقوة، كما يحضر عادة في الأدب، إلا أننا نستطيع الزعم أن المكان هنا في هذه النصوص (من المقالة والقصة والخاطرة) كان أيضا مميزًا، لا تلمحه بل تعايشه، وخصوصا حين تناول أماكن في القرية والمدينة. بدت رفات قرية الكاتب متألقة في نص «درويش وحواكير قريتي» بجغرافيتها وطقوسها كطقوس الذهاب الى إحضار الماء وندوة النساء وعالم الطفولة، وذكره لأماكن محددة كالبئر، وزيتونة شداد، والبيت القديم، وجدته والحكايات، والتوتة والمغارة.. التي ذكرته باختباء رفات قرويين فيها أيام حرب 1967. محمود درويش والأدباء في نص «رام الله ومحمود درويش وشرفة منزلي» ونص «درويش وحواكير قريتي»، وحتى نص «العصافير تنتحب في البقعة» عن المساحات المصادرة من رفات للمعتقل والمعسكر، والذي يذكرنا بعنوان مجموعة درويش الشعرية التي صدرت عام 1969 «العصافير تموت في الجليل»، في هذه النصوص شعرنا برحيل الأدباء المادي وبقائهم المعنوي الخالد (القبر-البيت)، حيث لمسنا أثر درويش في الوعي لدى الكاتب القارئ، وعلى شعوره بالمكان/الوطن، فكان الكاتب ذكيا في التناول والاقتباس. لقد دل ذكر درويش على وفاء الكاتب للشاعر من جهة، ووفائه لوطنه من جهة ثانية، كما دل ثالثا على شخصية الكاتب الأدبية. وبحق، يمكن أن يكون التعرض لدرويش هنا بمنزلة شهادة أدبية للقارئ والكاتب عن أثر الشاعر الكبير عليه منذ إلقائه قصائد درويش، طالبًا حتى غدا كاتبًا معروفًا. إشكالية الحب والنقد تجاه رام الله لقد ذكر الكاتب الحب والانتماء في أكثر من مكان، لكنه ذكر انتقاداته لهذه الإشكالية في أماكن محددة من النصوص، فهو يذكر الناس والشهداء عبر المفارقات باتجاهات نقدية للتطور الاجتماعي-الاقتصادي لها، مستخدمًا «التحليل الاجتماعي السياسي الثقافي» باتجاهات ناقدة للمجتمع الجديد. وبعد، هل كان غيمًا ماطرًا هو ما اصطادته المدينة؟! أم هو غيم الندى أو الأسئلة؟ لعلها الأسئلة التي تجعل من رام الله رمزًا للوطن، بما يتأسس فيه من وعي وشعور، ونقد فكري وسياسي واجتماعي!. القدس: تحسين يقين «إذا كان الفن الآن معترفًا به، وتشجعه السلطات الرسمية، فإننا ندين في ذلك لمختار ولن ينسى له هذا الفضل أحد، فهو دائمًا نابغتنا»، ربما كان هذا المقطع من المقال الذي كتبه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، قبيل وفاة الفنان محمود مختار، وقد نشر بالفرنسية بعد وفاته في مجلة «أفور» عام 1935 تحت عنوان «مختار ومصر»، أفضل ما يمكن أن نستهل به حديثنا عن النحات الرائد محمود مختار، أول من التحق بمدرسة الفنون الجميلة في مصر.. الفنان الذي انفرد بين الجميع بالزعامة الفنية الوطنية القومية في ساحة الفنون التشكيلية. وتاريخ مختار - على الرغم من رحيله المبكر عن عمر يناهز 43 عامًا - حافل بالعطاء، فلا يكاد يذكر اسمه إلا وينتبه الجميع إلى «نهضة مصر» تحفته الفنية العملاقة.. التي أسهم بها كنوع من المقاومة للاحتلال في زمنه، وتعتبر حتى الآن رمزا لوحدة الهدف والمصير والتطلع إلى النهضة والمستقبل. ربما كان هذا ما شغل بال الفنان د.أحمد نوار، رئيس مجلس إدارة جمعية محبي الفنون الجميلة، وهو يحتفي بالذكرى العشرين بعد المائة لميلاد نحات الثورة محمود مختار، الذي كتب مقدمة لكتاب صدر عنه مؤخراً في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية، من إعداد الناقد والمؤرخ التشكيلي د.صبحي الشاروني وحمل عنوان «محمود مختار.. ذاكرة الأمة»، وفيه قدم الشاروني توصيفًًا لأبرز أعمال رائد النحت في مصر التي تحمل الكثير من الدلالات القومية والوطنية والتاريخية، التي استلهمها مختار وعاد بها إلى جذور تاريخنا العريق. ويؤكد د. أحمد نوار أن محمود مختار ربط شريان حياتنا المعاصرة بشرايين الأرض في الريف أولاً، ثم في المدينة، فقد عاشت القرية المصرية في شرايينه منذ الطفولة، بمجرد أن تفتح وعيه بين قريتين، حتى لحق بأمه في صباه في حي شعبي بالقاهرة. وقد قسم الشاروني كتابه إلى قسمين؛ الأول لمختار، والثاني لمتحفه. وعلى صفحات هذا الكتاب، الصادر في لغتين، يركز المؤلف على ملامح العصر الذي عاش فيه مختار، موضحًا أنه أحد القلائل الذين حققوا لبلادهم ذاتية قومية، فكان أثره في مجال الفنون كأثر الشيخ محمد عبده في مجال الإصلاح الاجتماعي، وأثر سعد زغلول في مجال الزعامة السياسية، وأثر طلعت حرب في المجال الاقتصادي، وأثر د.طه حسين في المجال الفكري. في حي «درب الجماميز» القريب من منزله، افتتح الأمير يوسف كمال عام 1908 مدرسة الفنون الجميلة، فكان مختار أول طالب يتقدم للالتحاق بها. وكان الغرض الأساسي من إنشائها خلق جيل من الفنانين المصريين يحلون محل الأجانب في تزيين القصور والمباني التي يقيمها الأمراء، ولكن التطورات السياسية واشتعال الحركة الوطنية في مناهضة الاستعمار الإنجليزي جعلا مختار يتجه بفنه إلى هدف آخر وهو مقاومة الاحتلال بإقامة تماثيل للزعماء السياسيين وأبرزهم مصطفى كامل ومحمد فريد. فكانت تتصدر مواكب الشباب، وتحمل على الأعناق في المظاهرات والجنازات، هذا إلى جانب استعادته لمشاهد الريف التى استلهمها في كثير من منحوتاته، فضلاً عن براعته فى التهكم وإثارة روح الدعابة عبر تجسيده شخصية ابن البلد، أو وجوه زملائه. وكانت هذه الروح المرحة هي التي لفتت الأنظار إلى موهبته باعتباره متمكنًا وقادرًا على تجسيد أي فكرة تخطر على باله في هيئة تمثال. وبعد التأكد من نبوغ مختار من خلال المعرض الأول الذي أقيم لأعمال الطلبة وشارك فيه بتمثال كاريكاتيري لابن البلد، باع منه ثماني نسخ من الجبس، تقرر عام 1911 سفره إلى باريس، فأدرك أن هذه فرصته الذهبية لتحقيق أحلامه، واحتفالاً بهذه المناسبة أنشد بيتين من الشعر كشعارٍ لجهاده يقول فيهما: أعلل نفسي بالمعالي تخيلاً وفي باريس فاز مختار بالمركز الأول على أكثر من مائة فنان جاءوا من شتى بقاع العالم، في المسابقة التي نظمتها مدرسة «البوزار» للفنون الجميلة، فحظي بتقدير واحترام الأوساط الفنية الفرنسية الرسمية، لاسيما بعد فوزه بجائزة «صالون باريس» كأول فنان عربي يحصل عليها، وأعقبها بالميدالية الذهبية لمعرض الفنانين الفرنسيين الذي يقام سنويًا في الـ «جراند باليه» عن نموذج مصغر لتمثاله الأشهر «نهضة مصر»، الذي يستقر حتى الآن في حجمه الطبيعي أمام جامعة القاهرة، ما أهله ليصبح أول فنان عربي يقام معرض شخصي لأعماله في عاصمة النور. ويشير الشاروني إلى أن أعمال مختار تمثل نقطة البداية لحركة فن النحت الحديث، ليس في مصر وحدها ولكن في العالم العربي كله، لأنه يعتبر أول من أعاد الحياة إلى فن النحت المصري بعد أن توقف مئات السنين، كما أنه أول مثال معاصر تحتضن أعماله ميادين مصر، فضلاً عن أنه أول نحات مصري تضم القاهرة متحفاً خاصًا به في مقابل دار الأوبرا. ويرى الشاروني أنه لا يوجد تناقض بين كون مختار فنانًا ثائرًا في مصر، ومحافظًا في باريس، فهذا يرجع إلى الفارق الزمني بين الثورة الفرنسية وثورة 1919 الذي يربو على مائة وعشرين عامًا؛ ففي الوقت الذي باتت فيه مبادئ الثورة الفرنسية مجرد حبر على ورق، بعد أن تحولت الرأسمالية هناك إلى طبقة استغلالية فظهرت قوى ثورية جديدة في جميع المجالات بما فيها الفن تناوئها وتناهضها، كانت مصر تتحرك نحو تحقيق الثورة البرجوازية؛ وهكذا كان المحافظون الفرنسيون أنصارًا للثوريين المصريين في كفاحهم ضد الاستعمار الإنجليزي. وقد استطاع مختار أن يوجد صيغة ملائمة لتزاوج هذين التراثين العالميين حين جمع بين مقاييس الجمال الفرنسية في الفن «المحافظ», الذي يستمد جذوره من التراثين الإغريقي والروماني، ومن الطابع المصري المحلي النابع من التراث الفرعوني. وبعد وفاة مختار أنشأت هدى شعراوي جمعية، أطلقت عليها اسم «أصدقاء فن مختار» كان الهدف منها جمع تراثه النحتي، وإقامة متحف لحفظ تراثه ومقبرة لضم رفاته. القاهرة: مصطفى عبدالله
فياليت آمال الخيال تكون
سأرفع يوماً للفنون لواءها
ويبقى لذكراها بمصر رنين