من رمزيات يوسف إدريس (3) «الحرام»

من رمزيات يوسف إدريس (3) «الحرام»

  يلجأ يوسف إدريس إلى الأسلوب السينمائي ليفتتح روايته «الحرام» كما لو كان يعرف مُسبقًا أنها ستصبح فيلمًا سينمائيًّا، فنرى الخفير عبدالمطلب المسؤول عن الري وهو يعثر في غبشة الفجر على جثمان طفلٍ مولودٍ ومخنوقٍ في الوقت نفسه، كما لو كانت الأم قد آثرت التخلص منه بخنقه وإلقائه في الطين على شاطئ الترعة. وتتوالى الشخصيات التي تُشارك الخفير في الاكتشاف، فها هو عطية الذي لا نعرف له عملًا معروفًا، والأسطى محمد المسؤول عن ماكينات التفتيش، ثم يظهر في المشهد مسيحة (الباشكاتب) ودانيال شقيقه، وتتوالى بقية الشخصيات التي تنتسب إلى العزبة، ومَن يسيطر عليها أصلًا من سكّانها والقائمين بالأمر فيها، ويتبعهم بالطبع، المأمور فكري أفندي الذي يعدّ نفسه أول المكتشفين والمُتعهد باكتشاف السّر.

  ‬تنقسم‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬فرقٍ‭ ‬متضادةٍ‭ ‬كأنها‭ ‬الفِرق‭ ‬المُتعادية‭ ‬أو‭ ‬الأعلى‭ ‬والأدنى،‭ ‬منطوية‭ ‬على‭ ‬ثنائية‭ ‬‮«‬التراحيل‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الغرابوة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬‮«‬الفلاحين‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سكان‭ ‬القرية‭ ‬الأصليين‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬النخبة‭ ‬التي‭ ‬تتمثّل‭ ‬في‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬أولاء‭ ‬وهؤلاء،‭ ‬وهي‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬السُّلطة،‭ ‬وتتمثّل‭ ‬في‭ ‬المأمور‭ ‬فكري‭ ‬أفندي‭ ‬وزوجته‭ ‬الست‭ ‬أم‭ ‬صفوت‭ ‬وابنهما‭ ‬صفوت‭... ‬إلخ،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الفئة‭ ‬العاملة‭ ‬ذات‭ ‬المكانة،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬مسيحة‭ ‬أفندي‭ ‬الباشكاتب،‭ ‬والست‭ ‬عفيفة‭ ‬زوجته،‭ ‬وابنتهما‭ ‬لندة،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬سلطان‭ ‬كاتب‭ ‬التفتيش‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الأبعادية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬تُسمى‭ ‬أحيانًا‭ ‬‮«‬الدايرة‮»‬،‭ ‬وزوجة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالوارث،‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬إليها‭ ‬عمّال‭ ‬التراحيل‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬سعيًا‭ ‬وراء‭ ‬الرزق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يجدونه‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬الأصلية‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬الشديدة‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬دلتا‭ ‬النيل،‭ ‬التي‭ ‬تنتسب‭ ‬إليها‭ ‬عزيزة‭ ‬بطلة‭ ‬الرواية،‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬دور‭ ‬البطلة‭ ‬وضحيّة‭ ‬الفقر،‭ ‬وسوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬السواء‭.‬

 

وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬عزيزة،‭ ‬فإننا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬البطلة‭ ‬والضحية‭ ‬في‭ ‬آنٍ،‭ ‬فهي‭ ‬زوجة‭ ‬فقيرة‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬عبدالله‭ ‬الأفقر‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬قريةٍ‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬القرى‭ ‬فقرًا‭ ‬في‭ ‬الوجه‭ ‬البحري‭ ‬بشمال‭ ‬دلتا‭ ‬مصر‭. ‬وتقع‭ ‬مأساة‭ ‬عزيزة‭ ‬الزوجة‭ ‬الجميلة‭ ‬والمُخلصة‭ ‬نتيجة‭ ‬مصادفة‭ ‬مأسوية،‭ ‬فزوجها‭ ‬مريض‭ ‬بالبلهارسيا‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الحركة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬ليعمل‭ ‬موسميًّا‭ ‬في‭ ‬التراحيل،‭ ‬فتتولّى‭ ‬هي‭ ‬عنه‭ ‬الأمر،‭ ‬فلولاها‭ ‬لمات‭ ‬وأولادهما‭ ‬جوعًا‭.‬

‭ ‬ويتصادف‭ ‬أن‭ ‬يشتهي‭ ‬الزوج‭ ‬البائس‭ ‬أكلة‭ ‬البطاطا،‭ ‬فتخرج‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬جذر‭ ‬بطاطا‭ ‬في‭ ‬غيط‭ ‬‮«‬قمرين‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عرفت‭ ‬بالمصادفة‭ ‬أنه‭ ‬باع‭ ‬محصول‭ ‬أرضه‭ ‬من‭ ‬البطاطا،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭ ‬قد‭ ‬أشبعوا‭ ‬أرضه‭ ‬حفرًا‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬جذر‭ ‬بطاطا‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مُخبّأة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وأخطأته‭ ‬فأس‭ ‬جامعها‭. ‬وبالفعل‭ ‬تحمل‭ ‬الفأس‭ ‬وتأخذ‭ ‬في‭ ‬فحت‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬شمَّرت‭ ‬ثوبها‭ ‬الأسود‭ ‬وربطته‭ ‬حول‭ ‬وسطها‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الرجال،‭ ‬إلا‭ ‬إنها‭ ‬تُفاجأ‭ ‬بمحمد‭ ‬بن‭ ‬قمرين‭ (‬صاحب‭ ‬الأرض‭) ‬ينهرها‭ ‬غاضبًا‭ ‬على‭ ‬جرأتها‭ ‬في‭ ‬اقتحام‭ ‬أرضه،‭ ‬فترجوه‭ ‬باكية‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬جذر‭ ‬بطاطا‭ ‬لزوجها‭ ‬المريض‭ ‬الذي‭ ‬يشتهيها،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنها‭ ‬صعُبَت‭ ‬عليه،‭ ‬فيرقّ‭ ‬لحالها،‭ ‬بل‭ ‬يتناول‭ ‬منها‭ ‬الفأس،‭ ‬ويخلع‭ ‬جلبابه،‭ ‬ويبدأ‭ ‬هو‭ ‬بالحفر‭ ‬ليبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬طلبها،‭ ‬وبالفعل‭ ‬يجد‭ ‬جذرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬البطاطا‭ ‬فيناولها‭ ‬إياه،‭ ‬فتشكره‭ ‬وتستدير‭ ‬ملهوفة‭ ‬لكي‭ ‬تأخذ‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬البلد،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أوشكت‭ ‬على‭ ‬الغروب،‭ ‬وأثناء‭ ‬لهفتها‭ ‬وفرحتها‭ ‬لم‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬الحفرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراءها،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬البطاطا،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تُفاجأ‭ ‬بنفسها‭ ‬وقد‭ ‬هوت‭ ‬مرّة‭ ‬واحدة،‭ ‬نصفها‭ ‬في‭ ‬الحفرة‭ ‬ونصفها‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬ولمّا‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قمرين‭ ‬إلى‭ ‬جوارها‭ ‬في‭ ‬الحفرة،‭ ‬بحجّة‭ ‬مساعدتها،‭ ‬إلا‭ ‬إنه‭ ‬أطبق‭ ‬عليها‭ ‬بذراعيه،‭ ‬فأصبحت‭ ‬في‭ ‬أحضانه،‭ ‬فحاولت‭ ‬أن‭ ‬تدفعه‭ ‬عنها‭ ‬بلا‭ ‬فائدة،‭ ‬فاستسلمت‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خشيت‭ ‬أن‭ ‬يلمّ‭ ‬صراخها‭ ‬الناس،‭ ‬وتصبح‭ ‬فضيحة‭ ‬ومضغة‭ ‬على‭ ‬ألسنتهم‭.‬

 

درامية‭ ‬المشهد

  ‬تصف‭ ‬الرواية‭ ‬مشهد‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الخطيئة،‭ ‬أو‭ ‬مشهد‭ ‬الحرام‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المشهد‭: ‬‮«‬الواقع‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتبين‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭. ‬الأمور‭ ‬حدثت‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تدركها‭ ‬أو‭ ‬تتلافاها‭... ‬روّعت‭ ‬أولًا،‭ ‬لكنها‭ ‬استجمعت‭ ‬نفسها‭ ‬ودفعته‭ ‬وناضلت،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬نضالها‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬منه‭. ‬بل‭ ‬ليست‭ ‬تدري‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬سرّ‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار‭ ‬الذي‭ ‬أصابها‭ ‬حين‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬حضنه،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقاوم‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭. ‬تستميتُ،‭ ‬لكنّها‭ ‬يائسة‭. ‬تصرخ‭ ‬فيتجمع‭ ‬الناس‭ ‬وتصبح‭ ‬فضيحة‭ ‬ومضغة‭ ‬في‭ ‬الأفواه؟‭ ‬تسكت؟‭ ‬تعضّه؟‭ ‬حتى‭ ‬ملابسها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحتكم‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬مزَّقها‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬أنها‭ ‬ظلت‭ ‬تئن‭ ‬مذهولة‭ ‬مرعوبة‭ ‬حتى‭ ‬قام‭. ‬وشتمته،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬تفيد‭ ‬الشتائم؟‭ ‬لم‭ ‬يقُل‭ ‬هو‭ ‬حرفًا،‭ ‬فقط‭ ‬ظل‭ ‬ينظر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭. ‬الغيط‭ ‬خال‭ ‬تمامًا،‭ ‬والبهائم‭ ‬والناس‭ ‬تروح‭ ‬من‭ ‬بعيد‭. ‬وعاد‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬وتجري‭ ‬وتضربه‭ ‬بالفأس‭ ‬إن‭ ‬اضطرت،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭. ‬سكتت‭ ‬وظلت‭ ‬تئن‭ ‬أنين‭ ‬المظلوم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخلي‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬ظلمه‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬ينطق‭ ‬بدرامّيته،‭ ‬والصراع‭ ‬الخارجي‭ ‬بين‭ ‬أبطاله،‭ ‬والصراع‭ ‬الداخلي،‭ ‬داخل‭ ‬مشاعر‭ ‬البطلة‭ ‬عزيزة‭ ‬التي‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام،‭ ‬وترى‭ ‬نفسها‭ ‬لحظة‭ ‬السقوط،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقاوم‭ ‬اللحظة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬قدرٌ‭ ‬مقدور‭ ‬مكتوبٌ‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تُمارسه،‭ ‬وأن‭ ‬تقع‭ ‬فيه،‭ ‬وهي‭ ‬تقع‭ ‬فيه‭ ‬بالفعل‭ ‬وتستجيب‭ ‬له‭ ‬ليس‭ ‬كالاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬النداهة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬كالاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬المقدور‭ ‬المكتوب‭ ‬على‭ ‬العاجز‭ ‬الفقير‭ ‬المحروم‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ومن‭ ‬الجنس‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬ولذلك‭ ‬وفي‭ ‬جزءٍ‭ ‬ضئيلٍ‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬جاءت‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬الحرام‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ظلّت‭ ‬تقاومه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تستطيع،‭ ‬لكنّ‭ ‬الاستطاعة‭ ‬لها‭ ‬حدود‭. ‬وقد‭ ‬تجاوزت‭ ‬عاصفة‭ ‬الفعل‭ ‬ومفاجأته‭ ‬حدود‭ ‬قدرة‭ ‬عزيزة،‭ ‬ولذلك‭ ‬أسلمت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬لحظةٍ‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬تذكرها‭ ‬جيدًا‭. ‬وكلّ‭ ‬ما‭ ‬تذكره‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬جسدها‭ ‬وتحوُّل‭ ‬علاماتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجسد‭.‬

 

لحظة‭ ‬الحقيقة

  ‬يأتي‭ ‬المنادي‭ ‬طالبًا‭ ‬عمّالًا‭ ‬في‭ ‬التراحيل،‭ ‬فتهرع‭ ‬مع‭ ‬جيرانها،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬وإلّا‭ ‬هلك‭ ‬زوجها‭ ‬والأولاد،‭ ‬فالعام‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬فيه‭ ‬رأوا‭ ‬نجوم‭ ‬الظُّهر‭ ‬وعاشوا‭ ‬على‭ ‬الطوى‭ ‬أو‭ ‬الجوع‭ ‬الخالص‭. ‬وهكذا‭ ‬ذهبت‭ ‬مع‭ ‬الترحيلة،‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تستغرق‭ ‬في‭ ‬العمل؛‭ ‬كي‭ ‬تنسى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بطنها،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬تُمحَى‭ ‬ولا‭ ‬تتبدد،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬لحظةٍ‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬بعد‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر‭ ‬تفرض‭ ‬الحقيقة‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الضحية‭ ‬المسكينة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تنتظر‭ ‬حتى‭ ‬ينام‭ ‬عمال‭ ‬الترحيلة،‭ ‬لتبتعد‭ ‬عنهم‭ ‬قَدر‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬وتلد‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفتضح‭ ‬أمرها‭ ‬بينهم،‭ ‬وظلت‭ ‬تمشي‭ ‬مبتعدة‭ ‬عنهم‭ ‬بالفعل،‭ ‬وتنتحي‭ ‬مكانًا‭ ‬عند‭ ‬حافة‭ ‬الترعة،‭ ‬لكنها‭ ‬تنتهي‭ ‬صارخة‭ ‬في‭ ‬الظلام،‭ ‬وتفرغ‭ ‬حملها،‭ ‬وتجد‭ ‬نفسها‭ ‬وحيدة‭ ‬أمام‭ ‬وليدها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عارها‭ ‬ومأساتها‭ ‬وفضيحتها‭ ‬وحرامها‭ ‬في‭ ‬آنٍ،‭ ‬فتتركه‭ ‬يسقط‭ ‬بين‭ ‬قدميها،‭ ‬لكنّها‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬النوم‭ ‬أو‭ ‬الصحو‭ ‬والغيبوبة‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬كتم‭ ‬أنفاسه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يفضحها‭ ‬صراخه،‭ ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬صراخه‭. ‬وتزحف‭ ‬عائدة‭ ‬خائفة‭ ‬مرتعشة‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬الزحف،‭ ‬وكل‭ ‬همّها‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬فراش‭ ‬قشّ‭ ‬الأُرز‭ ‬الذي‭ ‬تنام‭ ‬عليه‭ - ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬أحد،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬جيرانها‭ ‬وعمّال‭ ‬الترحيلة‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬نائمين‭ - ‬ولا‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬وعيها،‭ ‬فقد‭ ‬عصفت‭ ‬بها‭ ‬حُمَّى‭ ‬النّفاس،‭ ‬فتجمعت‭ ‬حولها‭ ‬رفيقاتها‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الاسترقاق‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بوفاة‭ ‬المولود‭ ‬الذي‭ ‬اختلط‭ ‬جسده‭ ‬بطين‭ ‬الترعة،‭ ‬فأصبح‭ ‬مُلقى‭ ‬على‭ ‬شطها،‭ ‬ينتظر‭ ‬من‭ ‬يكتشف‭ ‬جُثته‭. ‬ومن‭ ‬كلمات‭ ‬عزيزة‭ ‬المتناثرة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬حُمّى‭ ‬النفاس،‭ ‬وهمسات‭ ‬النساء‭ ‬وإضافاتهن،‭ ‬تكاملت‭ ‬حكايتها‭ ‬وأصبحت‭ ‬خبرًا‭ ‬ينتقل‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬الكائن‭ ‬خلف‭ ‬الاصطبلات،‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬عمّال‭ ‬التراحيل‭. ‬ولم‭ ‬توافق‭ ‬عزيزة‭ ‬على‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬مكانٍ‭ ‬مُظللٍ،‭ ‬وأن‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬تمامًا‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخبروها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يوميّتها‮»‬‭ ‬أو‭ ‬أجرها‭ ‬لن‭ ‬يناله‭ ‬سوء،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬خوفها‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬ينقطع‭ ‬أجرها،‭ ‬فيموت‭ ‬زوجها‭ ‬عبدالله‭ ‬وأولادها‭ ‬من‭ ‬الجوع‭.‬

 

إدانة‭ ‬وتعاطف

‭ ‬ينتقل‭ ‬المشهد‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬عزيزة‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬خبرها‭ ‬معروفًا‭ ‬لبقية‭ ‬الأطراف‭ ‬الأخرى،‭ ‬فتهدأ‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خائفة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُتهم‭ ‬بما‭ ‬أصبح‭ ‬حقيقة‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬عزيزة،‭ ‬فيطمئن‭ ‬سكان‭ ‬القرية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحرام‮»‬‭ ‬مرتبط‭ ‬بوجود‭ ‬عمّال‭ ‬‮«‬التراحيل‮»‬‭ ‬أو‮«‬الغرابوة‮»‬،‭ ‬ويهدأ‭ ‬المأمور،‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اكتشف‭ ‬الجريمة،‭ ‬ويهدأ‭ ‬مسيحة‭ ‬أفندي‭ ‬بدوره،‭ ‬فقد‭ ‬تباعدت‭ ‬صفة‭ ‬الحرام‭ ‬عن‭ ‬ابنته‭ ‬لندة‭. ‬وهكذا‭ ‬تشعر‭ ‬القرية‭ ‬بالأمان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬أهلها‭ ‬أن‭ ‬جريمة‭ ‬الحرام‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬منهم‭ ‬ولا‭ ‬عنهم،‭ ‬وإنّما‭ ‬من‭ ‬الغرابوة‭ ‬أو‭ ‬عمّال‭ ‬التراحيل‭ ‬الذين‭ ‬نسبوا‭ ‬إليهم‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬البداية‭.‬

وهكذا‭ ‬ينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬مبدئيًّا‭ ‬بمعرفة‭ ‬الفاعل‭ ‬للجريمة‭ ‬والمرتكب‭ ‬لإثم‭ ‬الحرام‭. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬رأى‭ ‬الفلاحون‭ ‬أحوال‭ ‬عزيزة‭ ‬حتى‭ ‬تعاطفوا‭ ‬معها،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المساكين‭ ‬مثلهم،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لواحدةٍ‭ ‬منهم‭. ‬وهنا‭ ‬تنقلب‭ ‬الإدانة‭ ‬إلى‭ ‬تعاطفٍ،‭ ‬ونكتشف‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬الحرام‭ ‬فعلًا‭ ‬وكاد‭ ‬يقع‭ ‬فيه‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬القرية‭ ‬وليسوا‭ ‬من‭ ‬عمّال‭ ‬التراحيل‭ ‬أو‭ ‬الغرابوة،‭ ‬فسرعان‭ ‬ما‭ ‬نكتشف‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬تتولد‭ ‬بين‭ ‬أحمد‭ ‬أفندي‭ ‬منصور‭ (‬الكاتب‭) ‬ولندة‭ ‬المسيحية‭ (‬ابنة‭ ‬الباشكاتب‭)‬،‭ ‬وينتهي‭ ‬بهما‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الزواج،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يفرّا‭ ‬معًا‭ ‬ويتزوجا‭ ‬بعيدًا‭ ‬زواجًا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬مسلمٍ‭ ‬ومسيحية،‭ ‬وهو‭ ‬حرام‭ ‬أفظع‭ ‬وأشنع‭. ‬ويبدو‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يقول‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬شخصياته‭ ‬وأحداثها‭ ‬إننا‭ ‬أحيانًا‭ ‬ننسب‭ ‬الحرام‭ ‬إلى‭ ‬مَن‭ ‬لم‭ ‬يرتكبه،‭ ‬ونترك‭ ‬المرتكب‭ ‬الأصلي‭ ‬لفعل‭ ‬الحرام،‭ ‬مراوغة‭ ‬أو‭ ‬مداورة‭: ‬‮«‬فما‭ ‬بالك‭ ‬حين‭ ‬يكتشفون‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الحثالة‭ ‬قد‭ ‬صدر‭ ‬عنها‭ ‬شيء‭ ‬حرام‭ ‬كهذا‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬حاولت‭ ‬إخفاءه‭ ‬وإلصاقه‭ ‬بأهل‭ ‬العزبة؟‭ ‬الترحيلة‭ ‬أنفسهم‭ ‬كادوا‭ ‬يصبحون‭ ‬شيئًا‭ ‬حرامًا،‭ ‬وكأن‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬مخلوقات‭ ‬حلال‭ ‬وهم‭ ‬وحدهم‭ ‬مخلوقات‭ ‬حرام،‭ ‬أيّة‭ ‬بشاعة‭ ‬يصبح‭ ‬عليها‭ ‬الحرام‭ ‬إذا‭ ‬ارتكب‭ ‬حرامًا»؟‭!‬

 

مقارنة‭ ‬بعيدة

وعند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬نشعر‭ ‬بنوعٍ‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬عزيزة،‭ ‬وهو‭ ‬تعاطف‭ ‬يدفعني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أقارنها‭ ‬بمريم‭ ‬المجدلية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬المقارنة‭ ‬سوف‭ ‬تبدو‭ ‬بعيدة،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬منها‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التعجّل‭ ‬بإلقاء‭ ‬الاتهام‭ ‬على‭ ‬ضحايا‭ ‬الحرام‮»‬،‭ ‬فـ‭ ‬‮«‬الحرام‮»‬‭ - ‬رواية‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ - ‬ليس‭ ‬فعلًا‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬للفعل‭ ‬يضم‭ ‬الأخيار‭ ‬والأشرار،‭ ‬ويحيل‭ ‬الأخيار‭ ‬إلى‭ ‬مظلومين‭ ‬كما‭ ‬يُبرِّئ‭ ‬المظلومين‭ ‬من‭ ‬المتهمين‭ ‬به‭ ‬ليلقي‭ ‬التهمة‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭. ‬

والأمر‭ ‬هنا‭ ‬يذكرني‭ ‬بالثنائية‭ ‬الضدية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬قصة‭ ‬أكبر‭ ‬الكبائر‭ ‬لإدريس‭ ‬أيضًا،‭ ‬حينما‭ ‬نرى‭ ‬نحن‭ ‬بأعين‭ ‬الحقيقة‭ ‬النهائية‭ ‬المتجلية‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬الواعية‭ ‬أن‭ ‬مَن‭ ‬ارتكب‭ ‬أكبر‭ ‬الكبائر‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬الداعين‭ ‬إلى‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ومَن‭ ‬يبدو‭ ‬بريئًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬واقعًا‭ ‬فيها‭.‬

هكذا‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬الحرام‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬يقينٍ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬ارتكب‭ ‬الحرام‭ ‬ليس‭ ‬عزيزة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬القاسي‭ ‬الذي‭ ‬يهين‭ ‬البشر‭ ‬ويدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يهينوا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ويفقدوا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬شرفًا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬أي‭ ‬شيءٍ‭ ‬يقدّمونه‭ ‬طعامًا‭ ‬لمَن‭ ‬يرعونهم،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬المُقدَّم‭ ‬مجرد‭ ‬جذر‭ ‬بطاطا‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬أُشير‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬واقعٌ‭ ‬رمزي؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬إدريس‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بما‭ ‬ينفي‭ ‬زمنية‭ ‬الأحداث،‭ ‬فالرواية‭ ‬تستمر‭ ‬أحداثها‭ ‬عابرة‭ ‬زمن‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬لتواصل‭ ‬المُضيّ‭ ‬في‭ ‬استمرارها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬أمثال‭ ‬عزيزة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬المصرية‭ ‬وتستحق‭ ‬الانتباه،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬فيلمًا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬العربية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬قام‭ ‬المخرج‭ ‬المبدع‭ ‬هنري‭ ‬بركات‭ ‬بتعديل‭ ‬بعض‭ ‬أجزائها‭. ‬لكنّ‭ ‬القسم‭ ‬الأساسي‭ ‬منها‭ ‬والدلالات‭ ‬الأساسية‭ ‬تظل‭ ‬قائمة‭ ‬تُشير‭ ‬إلى‭ ‬قسوة‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬أمثال‭ ‬عزيزة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬زمن‭ ‬التراحيل‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬■