الحريّة في شعر فدوى طوقان

الحريّة في شعر فدوى طوقان

منذ أن استخدم البشر الأحجار وفروع الأشجار كأسلحة للمقاتلة، وحتى الآن (العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين)، ما زال البشر يبتكرون الجديد من الوسائل القاتلة، والأكثر فاعلية! وقدّم العلم منجزاته في الانشطار النووي واستخدامات «السيلنيوم» في الأسلحة الإلكترونية المبتكرة، إضافة إلى السياسات العدوانية الظالمة إلى حد اغتصاب الأرض والأوطان. وبقي الأدب مخلصًا لفكرة الخلاص والحريّة، إذن للأدب دوره المعبّر عن مواجهة الآخر العدواني، وتحقيق قيم العدل والحريّة، من خلال إبراز القوى الذاتية وتنمية عناصرها، من «الانتماء» والرغبة في «الفداء» من أجل الجماعة والأرض/ الوطن. وقد شاركت القريحة الإبداعية العربية إنجاز تلك القيمة الإنسانية، كما في الإبداع الفلسطيني، ومنه ما أبدعته شعرًا فدوى طوقان.

عبّرت‭ ‬الشاعرة‭ ‬عن‭ ‬مفاهيم‭ ‬الانتماء‭ ‬والخلاص‭ ‬وفي‭ ‬بوصلتها‭ ‬الذهنية‭ ‬الفكرية‭ ‬تحقيق‭ ‬الحرية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفردي‭ ‬والوطني،‭ ‬حيث‭ ‬ترسّخ‭ ‬لقواعد‭ ‬الوجود‭ ‬‮«‬الأنطولوجي‮»‬‭ ‬الإنساني‭ ‬الحق،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الحياة‭ ‬المعيشة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬‮«‬العدواني‮»‬‭ ‬بدوافع‭ ‬الاقتناء‭ ‬والجشع‭ ‬والهيمنة‭.‬

وبعد‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الحب‭ (‬1917‭ - ‬2003م‭)‬،‭ ‬همد‭ ‬الجسد‭ ‬المجهد‭ ‬والذهن‭ ‬المتوقد‭ ‬والقلم‭ ‬الصادق‭ ‬للشاعرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان‭. ‬تشير‭ ‬كتابات‭ ‬الشاعرة‭ ‬في‭ ‬سيرتها‭ ‬الذاتية‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬الأسري،‭ ‬حيث‭ ‬المرأة‭ ‬فيه‭ ‬سجينة‭ ‬الجدران‭ ‬والأفكار‭ ‬الذكورية‭ ‬والتقاليد‭ ‬معًا،‭ ‬بينما‭ ‬عاشت‭ ‬تجربة‭ ‬هجرة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬المليون‭ ‬فلسطيني‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭.‬

يذكر‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬سوى‭ ‬3‭ ‬شعراء؛‭ ‬إبراهيم‭ ‬طوقان،‭ ‬وعبدالرحيم‭ ‬محمود،‭ ‬وعبدالكريم‭ ‬الكرمي‭ (‬أبوسلمى‭)‬،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬أنتجوه‭ ‬شعرًا‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬حمل‭ ‬دلالة‭ ‬‮«‬شعر‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬عبّر‭ ‬فيه‭ ‬الشعراء‭ ‬عن‭ ‬هويتهم‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومشاعرهم‭ ‬إزاء‭ ‬وطنهم،‭ ‬بالتشبث‭ ‬بالأرض‭.‬

 

رومانسية‭ ‬مبكرة

تعكس‭ ‬فدوى‭ ‬في‭ ‬أشعارها‭ ‬المبكرة‭ ‬مشكلة‭ ‬القلق‭ ‬النفسي‭ ‬والضياع‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه‭ ‬الجيل‭ ‬الصاعد‭ ‬المؤمن‭ ‬بالحرية،‭ ‬والذي‭ ‬تجلّى‭ ‬في‭ ‬اتجاهها‭ ‬نحو‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وتؤكد‭ ‬مدى‭ ‬تأثّرها‭ ‬بالرومانسية‭ ‬حين‭ ‬تعانق‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتذوب‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تبلغ‭ ‬حد‭ ‬الصوفية‭.‬

تقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬مع‭ ‬المروج‭:‬

هذي‭ ‬فتاتك‭ ‬يا‭ ‬مروج

فهل‭ ‬عرفت‭ ‬صدى‭ ‬خطاها

عادت‭ ‬إليك‭ ‬مع‭ ‬الربيع

الحلو‭ ‬يا‭ ‬مثوى‭ ‬صباها‭ ‬

عادت‭ ‬إليك‭ ‬ولا‭ ‬رفيق

على‭ ‬الدروب‭ ‬سوى‭ ‬رؤاها

‭ ‬كما‭ ‬تعبّر‭ ‬في‭ ‬فقد‭ ‬الأخ‭ ‬والصديق‭ ‬إبراهيم،‭ ‬الذي‭ ‬فقدته‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬بعيدة،‭ ‬تقول‭:‬

أهكذا‭ ‬بلا‭ ‬وداع‭ ‬يا‭ ‬حبيبنا‭ ‬ويا‭ ‬أميرنا‭ ‬الجميل‭ ‬

لا‭ ‬نظرة‭ ‬أخيرة‭ ‬تحملها‭ ‬زادًا‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬وحشة‭ ‬الفراق

ملامح‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬

 

مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1967

‭ ‬اتسمت‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬معه‭ ‬تقديمها‭ ‬على‭ ‬مجموعتين؛‭ ‬الأولى‭ ‬تلك‭ ‬القصائد‭ ‬الوجدانية‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفارها،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬فيها‭ ‬وكأنها‭ ‬تقدّم‭ ‬ملامح‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬وقضيته،‭ ‬لعل‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬لن‭ ‬أبكي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬شعراء‭ ‬المقاومة‭ ‬الشباب،‭ ‬حتى‭ ‬تحمّس‭ ‬لها‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬وعقّب‭ ‬بقصيدة‭ ‬أهداها‭ ‬إليها،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إليها‭ ‬كشاعرة‭ ‬للمقاومة‭.‬

 

فنية‭ ‬أشعار‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬

أولًا‭: ‬بدأت‭ ‬بما‭ ‬يوصف‭ ‬بالشعر‭ ‬الواقعي؛‭ ‬المعنى‭ ‬بالواقع‭ ‬المُعاش،‭ ‬معززة‭ ‬بالرؤية‭ ‬النقدية‭ ‬المحبة‭ ‬لخلاص‭ ‬البلاد،‭ ‬وبنقد‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬سلبية‭ ‬مثل‭: ‬بيع‭ ‬الأراضي‭ ‬إلى‭ ‬اليهود،‭ ‬الغفلة‭ ‬عن‭ ‬الخطر‭ ‬المتوقع،‭ ‬زيادة‭ ‬الشجار‭ ‬بين‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران،‭ ‬النزوع‭ ‬نحو‭ ‬اللهو‭ ‬ونساء‭ ‬اليهود‭... ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬نداء‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬تقول‭:‬

آه‭ ‬يا‭ ‬حبي‭ ‬الغريب‭ ‬لماذا؟‭ ‬وطني‭ ‬أصبح‭ ‬بابًا‭ ‬لسقر؟‭                      

ولماذا‭ ‬شجر‭ ‬التفاح‭ ‬صار‭ ‬اليوم‭/ ‬زقومًا،‭ ‬لماذا؟

ثم‭ ‬تتابع‭: ‬

وبلادِي‭ ‬كوز‭ ‬رمّان‭ ‬يفور‭ ‬الدم‭/ ‬فيه‭ ‬ويغمغم

وحياتِي‭ ‬تستمرّ‭/ ‬وحياتِي‭ ‬تستمر

ثانيًا‭: ‬فور‭ ‬النكبة‭ ‬شعرت‭ ‬بالأسى‭ ‬وبالحزن‭ ‬والخطر‭ ‬المحدّق‭ ‬بالناس‭ ‬والزرع‭ ‬والأرض،‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬الكارثة‮»‬،‭ ‬نجدها‭ ‬تتساءل‭ ‬فتقول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النفحة‭ ‬العاطرة‭ ‬كعطر‭ ‬برتقال‭ ‬يافا‭:‬

يا‭ ‬وطني،‭ ‬مالك‭ ‬يحني‭ ‬على‭/ ‬روحك‭ ‬معنى‭ ‬الموت،‭ ‬معنى‭ ‬العدم

أمضك‭ ‬الجرح‭ ‬الذي‭ ‬خانه‭/ ‬مأساته‭ ‬في‭ ‬المأزق‭ ‬المحتدم‭/‬

جرحك،‭ ‬ما‭ ‬أعمق‭ ‬أغواره

أما‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬اليهود‭ ‬وطغيانهم‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬كما‭ ‬عند‭ ‬نقاط‭ ‬العبور،‭ ‬فتقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬آهات‭ ‬أمام‭ ‬شباك‭ ‬التصاريح‮»‬‭:‬

وقفتي‭ ‬بالجسر‭ ‬أستجدي‭ ‬العبور‭/ ‬آه،‭ ‬أستجدي‭ ‬العبور

‭ ‬اختناقي،‭ ‬نفسي‭ ‬المقطوع‭ ‬محمول‭ ‬على‭ ‬وهج‭ ‬الظهيرة‭/ ‬سبع‭ ‬ساعات‭ ‬انتظار‭/‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬قص‭ ‬جناح‭ ‬الوقت‭/ ‬من‭ ‬كسح‭ ‬أقدام‭ ‬الظهيرة؟‭/ ‬يجلد‭ ‬القيظ‭ ‬جبيني

ثالثًا‭: ‬بمضيّ‭ ‬الأيام‭ ‬وجلاء‭ ‬الصورة‭ ‬وتبيان‭ ‬حقيقة‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭ ‬المؤلم،‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬نداء‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬المغتصب،‭ ‬وتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬شباب‭ ‬فلسطين؛‭ ‬إلى‭ ‬الفدائي‭... ‬قصيدة‭ ‬الفدائي‭ ‬والأرض،‭ ‬حيث‭ ‬تتحاور‭ ‬الأم‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مع‭ ‬ولدها‭ ‬المناضل‭ ‬تقول‭:‬

يا‭ ‬ولدي‭/ ‬يا‭ ‬كبدي‭/ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭/ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬ولدتُك‭/ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬أرضعتك‭/ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬منحتك‭ ‬دمي‭ ‬وكل‭ ‬النّبض‭/ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬تمنحه‭ ‬أمومة‭/ ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬يا‭ ‬غرسة‭ ‬كريمة‭/ ‬اقتلعت‭ ‬من‭ ‬أرضها‭ ‬الكريمة‭/ ‬اذهب،‭ ‬فما‭ ‬أعزّ‭ ‬منك‭ ‬يا‭/ ‬بنيّ‭ ‬إلّا‭ ‬الأرض

رابعًا‭: ‬تتسع‭ ‬الرؤيا‭ ‬وتبحث‭ ‬الشاعرة‭ ‬عمن‭ ‬حولها،‭ ‬فتخاطب‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الشرق‭:‬

أيّها‭ ‬الشرق،‭ ‬أي‭ ‬نور‭ ‬جديد‭ ‬لاح‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الليالي‭ ‬السود‭ ‬

لفّ‭ ‬شمّ‭ ‬الجبال‭ ‬والسهل‭ ‬والحزن‭ ‬وهام‭ ‬الربى‭ ‬ورمل‭ ‬البيد

وإذا‭ ‬أنت‭ ‬يفتح‭ ‬النور‭ ‬عينيك،‭ ‬فتصحو‭ ‬على‭ ‬الضياء‭ ‬الوليد

وتمطيت‭ ‬من‭ ‬طويل‭ ‬خمود‭ ‬ومسحت‭ ‬الجفون‭ ‬بعد‭ ‬هجود

‭ ‬وتطلّعت‭ ‬في‭ ‬حماك،‭ ‬حمى‭ ‬الأمجاد،‭ ‬ربع‭ ‬العروبة‭ ‬الممدود

خامسًا‭: ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أشعار‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان‭ ‬تعي‭ ‬الهدف‭ ‬والمقصد،‭ ‬فتتردد‭ ‬كلمة‭ ‬الحرية‭ ‬كثيرًا‭ ‬فتقول‭:‬

حريتي‭!/ ‬حريتي‭/ ‬حريتي

صوتٌ‭ ‬أردّده‭ ‬بملء‭ ‬فم‭ ‬الغضب‭/ ‬تحت‭ ‬الرصاص‭ ‬وفي‭ ‬اللّهب

وأظل‭ ‬رغم‭ ‬القيد‭ ‬أعدو‭ ‬خلفها،‭ ‬وأظلّ‭ ‬رغم‭ ‬الليل‭ ‬أقفو‭ ‬داعيًا‭ ‬خطوها

وأظلّ‭ ‬محمولًا‭ ‬على‭ ‬مدّ‭ ‬الغضب‭/ ‬وأنا‭ ‬أناضل‭ ‬داعيًا‭ ‬حريتي

سادسًا‭: ‬مرحلة‭ ‬الحيرة‭ ‬والتساؤل‭                              

خلال‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والستينيات،‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحيرة‭ ‬الفكرية‭ ‬والقلق‭ ‬الوجداني‭ ‬غير‭ ‬المنفصل‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الوطن‭ ‬المحتل‭... ‬تقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬أردنية‭ - ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬إنجلترا‮»‬‭:‬

طقس‭ ‬كئيب‭/ ‬وسماؤنا‭ ‬أبدًا‭ ‬ضبابية‭ ‬

‭-  ‬من‭ ‬أين؟‭ ‬إسبانية؟‭ ‬

‭- ‬كلا‭... ‬أنا‭ ‬من‭... ‬من‭ ‬الأردن‭/ ‬عفوًا‭... ‬من‭ ‬الأردن‭... ‬لا‭ ‬أفهم

‭- ‬أنا‭ ‬من‭ ‬روابي‭ ‬القدس‭... ‬وطن‭ ‬السّنا‭ ‬والشمس

سابعاً‭: ‬نقلة‭ ‬من‭ ‬الوجدانية‭ ‬الشعرية

تلك‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬النقد‭ ‬بانتقال‭ ‬طوقان‭ ‬من‭ ‬الشعرية‭ ‬الوجدانية‭ ‬فقط،‭ ‬إلى‭ ‬الشعرية‭ ‬الملتزمة‭ ‬أو‭ ‬المقاومة‭ ‬أو‭ ‬المجتمعية‭ ‬وغلبة‭ ‬قضية‭ ‬الجماعة،‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الوطن،‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬ما،‭ ‬كما‭ ‬تلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تختفِ‭ ‬الوجدانية‭ ‬من‭ ‬أشعارها،‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬لن‭ ‬أبكي‮»‬‭:‬

على‭ ‬أبواب‭ ‬يافا‭ ‬يا‭ ‬أحبائي‭/ ‬وفي‭ ‬فوضى‭ ‬حطام‭ ‬الدور‭/‬

بين‭ ‬الردم‭ ‬والشوك‭/ ‬وقفت‭ ‬وقلت‭ ‬للعينين‭: ‬قفا‭ ‬نبكِ‭ ‬على‭ ‬أطلال‭ ‬مَن‭ ‬رحلوا

‭ ‬

أشعار‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1967

لعلّ‭ ‬نتائج‭ ‬معارك‭ ‬1967‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬تغيُّر‭ ‬في‭ ‬تعاطي‭ ‬الشاعرة‭ ‬مع‭ ‬المأساة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬جليًا‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الطاعون،‭ ‬تقول‭:‬

يوم‭ ‬مشى‭ ‬الطاعون‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭/ ‬خرجت‭ ‬للعراء‭/ ‬

مفتوحة‭ ‬الصدر‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭/ ‬أهتف‭ ‬من‭ ‬قرارة‭ ‬الأحزان‭ ‬بالرياح‭/‬

هُبّي‭ ‬وسوقي‭ ‬نحونا‭ ‬السحاب‭ ‬يا‭ ‬رياح‭ ‬وانزلي‭ ‬الأمطار‭ ‬تطهِّر‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬مدينتي

كما‭ ‬تجلّت‭ ‬ملامح‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬الظواهر‭ ‬الفنية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الديوان‭ ‬التالي‭ ‬للنكسة‭ ‬‮«‬الليل‭ ‬والفرسان‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬حيث‭ ‬التوظيف‭ ‬الغالب‭ ‬لضمير‭ ‬الجماعة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قولها‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬الاحتلال‭:‬

ويوم‭ ‬رأينا‭ ‬الموت‭ ‬والخيانة‭/ ‬تراجع‭ ‬المدّ‭/ ‬

وأغلقت‭ ‬نوافذ‭ ‬السماء‭/ ‬وأمسكت‭ ‬أنفاسها‭ ‬المدينة

وهي‭ ‬لهول‭ ‬الصدمة‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬لمدينتها‭ ‬كان‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭:‬

أواه‭ ‬يا‭ ‬مدينتي‭ ‬الصامتة‭ ‬الحزينة‭/ ‬أهكذا‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬القطاف‭/‬

تحترق‭ ‬الغلال‭ ‬والثمار‭/ ‬أوّاه‭ ‬يا‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف

وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬أخرى‭ ‬تقول‭:‬

لكنت‭ ‬إلى‭ ‬جنبك‭ ‬الآن،‭ ‬عند‭ ‬شواطئ‭ ‬حبّك‭ ‬أرسي‭ ‬سفينة‭ ‬عُمري‭/ ‬

لكنّا‭ ‬كفرخي‭ ‬حمام

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬النكسة،‭ ‬بدت‭ ‬الشاعرة‭ ‬متفائلة‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الطوفان‭ ‬والشجرة‭:‬

ستقوم‭ ‬الشجرة‭/ ‬ستقوم‭ ‬الشجرة‭ ‬والأغصان‭/ ‬

ستنمو‭ ‬في‭ ‬الشمس‭ ‬وتخضَّر‭/ ‬وستورق‭ ‬ضحكات‭ ‬الشجرة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الشمس‭/ ‬

وسيأتي‭ ‬الطير‭. ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬سيأتي‭ ‬الطير‭... ‬سيأتي‭ ‬الطير

لم‭ ‬تتخلّ‭ ‬فدوى‭ ‬عن‭ ‬المواجهة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مضي‭ ‬الوقت‭ ‬وتعدُّد‭ ‬الأحداث،‭ ‬فنشرت‭ ‬ديوانها‭ ‬‮«‬قصائد‭ ‬سياسية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬أسوار‭ ‬عكا،‭ ‬شكّل‭ ‬قفزة‭ ‬جديدة‭ ‬لها،‭ ‬قصيدة‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الدنيا‭ ‬وحيدًا،‭ ‬تمجيد‭ ‬للشهيد‭ ‬وائل‭ ‬زعيتر‭:‬

‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬شمس‭ ‬القضية‭/ ‬نَم‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الحاني،‭ ‬فأنت‭ ‬الآن‭ ‬فيه‭/‬

يا‭ ‬بعيدًا‭ ‬وقريبًا‭ / ‬يا‭ ‬فلسطيني‭ ‬أنت‭!/   

‭ ‬أيها‭ ‬الرافض‭ ‬للموت‭ ‬هزمت‭ ‬الموت‭ ‬حين‭ ‬اليوم‭ ‬مت‭!‬

ربما‭ ‬نجمل‭ ‬الملامح‭ ‬الفنية‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بالتالي‭:‬

أولًا‭: ‬الحزن‭ ‬النبيل‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬مدينتي‭ ‬الحزينة،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭:‬

أواه‭ ‬يا‭ ‬مدينتي‭ ‬الصامتة‭ ‬الحزينة‭/ ‬أهكذا‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬القطاف‭/ ‬تحترق‭ ‬الغلال‭ ‬والثمار‭/‬

أوّاه‭ ‬يا‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف

ثانيًا‭: ‬رصد‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬للعدو‭ ‬على‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الطاعون‭:‬

يوم‭ ‬مشى‭ ‬الطاعون‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭/ ‬خرجت‭ ‬للعراء‭/ ‬مفتوحة‭ ‬الصدر‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭/ ‬أهتف‭ ‬من‭ ‬قرارة‭ ‬الأحزان‭ ‬بالرياح‭/ ‬هُبّي‭ ‬وسوقي‭ ‬نحونا‭ ‬السحاب‭ ‬يا‭ ‬رياح‭ ‬وانزلي‭ ‬الأمطار‭ ‬تطهِّر‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬مدينتي

المُلاحظ‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعرة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬67‭ ‬كانت‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية،‭ ‬كما‭ ‬رصدتها‭ ‬في‭ ‬القصائد‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬طفلين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الشّرقية‮»‬،‭ ‬و«لن‭ ‬أبكي‮»‬،‭ ‬و«آهات‭ ‬أمام‭ ‬شباك‭ ‬التصاريح‮»‬،‭ ‬و‮«‬حمزة‮»‬‭... ‬وغيرها،‭ ‬وكلها‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية‭ ‬في‭ ‬المعاناة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية،‭ ‬فإنها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬عموم‭ ‬الهمّ‭ ‬الفلسطيني‭.‬

 

ثالثًا‭: ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬انتصارات‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973

مع‭ ‬بداية‭ ‬المعارك‭ ‬عام‭ ‬73‭ ‬قالت‭:‬

واستنفرت‭ ‬خيوط‭ ‬الشهامة‭/ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬القيامة‭/...‬

السنين‭ ‬العجاف‭ ‬طالت،‭ ‬تآكلت‭/ ‬ووجهي‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬وجهي

‭ ‬وصوتي‭ ‬في‭ ‬السنين‭ ‬العجاف‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬صوتي‭/ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬القيامة

‭ ‬لعل‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرصد‭ ‬حول‭ ‬أشعار‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان،‭ ‬أن‭ ‬قصائدها‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬والتحدي‭ ‬غير‭ ‬زاعقة‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬حمراء،‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬راصدة‭ ‬إنسانية‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والسلام‭ ‬وتسوّق‭ ‬لفكرة‭ ‬الخلاص‭ ‬والحرية‭ ‬■