«ذخيرة الدنيا» تعود إلى أرض الكويت: منيرة سالمين

«ذخيرة الدنيا» تعود إلى أرض الكويت: منيرة سالمين

تصوير: ميثم الدريع

على ضفاف الخليج العربي في ليلة مفعمة بالمحبة، ممزوجة بألحان موسيقية تحمل في طياتها عبق الماضي الأصيل وشذى الحاضر الجميل الذي يفوح عطرًا من باحة التراث، للتحدث عن تاريخ سجل بالأمس ليسطع كالبدر المضيء بسماء المركز الأمريكاني الثقافي، أسدل الستار على فعاليات الموسم الثقافي السادس عشر، بحضور كبار الشخصيات السياسية والأدبية والفنية والإعلامية المتميزة، برعاية سامية وترحيب كريم من الشيخة حصة صباح السالم الصباح المشرف العام على دار الآثار الإسلامية.

بلوحة تحمل عنوان «ذخيرة الدنيا .. فنون الصياغة الهندية في العصر المغولي» بدأت أولى مراحل استقبال زوار هذا المعرض الفني الفريد، الذي يضم مقتنيات دار الآثار الإسلامية من فنون الصياغة الهندية والذي اختارته الدار تحت إشراف الشيخة حصة صباح السالم الصباح، أن تختتم به موسم الفعاليات الثقافية والفنية لهذا العام.

وقد عبرت الشيخة حصة الصباح عن ترحيبها بضيوف الحفل من الفنانين والدبلوماسيين وكبار الزوار، وأكدت على أن المعرض يعد امتدادا لتاريخ دار الآثار الإسلامية على مدى عقود ثلاثة من الاهتمام بالفن الإسلامي ورعايته من قبل الدار، تعبيرًا عن فلسفتها ورؤيتها الجمالية للفن الإسلامي كفن جماعي بالدرجة الأولى، يجمع بين القيم الأخلاقية والقيم الجمالية معًا، ومؤكدة على أن الهدف الذي تسعى إليه الدار هو تفعيل دور الفنون الإسلامية، أو إعادتها إلى زمانها المفقود في مضمون زمانها القادم، كما تهدف إلى الربط بين عطاء المجتمع المرئي وعطاء الدولة وعطاء الجمهور والمتلقي, مشيرة إلى التقارب الفني العظيم بين الشرق والغرب في القرن التاسع عشر.

استقبال من القرن السابع عشر

تشير اللوحة التي تستقبل زوار المعرض إلى رسالة مؤرخة في 30 أكتوبر 1616م، وجهها توماس رو، أول سفير لإنجلترا إلى بلاد «المغول العظام» بين عامي (1615-1619)، إلى الأمير تشارلز الذي أصبح فيما بعد الملك تشارلز الأول، كتب فيها يصف الإمبراطور «جهانكير» قائلًا: «عندما يتسربل بالمجوهرات التي هي أحد مصادر سعادته وبركاته فهو «ذخيرة الدنيا»، إنه ليشتري كل ماتقع يده عليه، ويكدس الأحجار الكريمة كما لو كان سيشيد بها صرحًا لا ليتزين بها».

من هذه الفلسفة الجمالية انطلق الحضور لرؤية خريطة كبيرة على أحد جدران المعرض، وبجوارها كتبت نبذة تاريخية عن القرن الثامن الميلادي الذي شهد بداية التواجد العربي الإسلامي في بلاد السند (وهو الجزء الجنوبي من وادي الهندوس) ومنها نشأت إمارة إسلامية غنية، كما شهدت هذه الحقبة التغيرات والازدهار الذي أحدثته لإنتاج طرز جديدة وآفاق عالية لفتوحات وغارات سنوية وسلسلة من الأسر الحاكمة لتلك الفترة.

ضم المعرض العديد من التحف والمجوهرات، التي شهدت التنوع في الترصيع بالأحجار الكريمة على القوارير والخواتم والقلادات والخناجر والحلي، التي تعود جميعًا لتلك الفترة التاريخية.

وكذلك الأحجار شبه الكريمة، المطعمة بقطع تدل على تطور تقنيات متخصصة وأنماط فنية يتم بها تثبيت المعادن الثمينة، وقطع العاج أحيانًا، في الأحجار شبه الكريمة وفي أعلى مراحل تطور هذه التقنية التي أصبحت سمة مميزة لعصر المغول في الهند وخصوصا في المرحلة الكلاسيكية أواخر القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين والتي تدل على ذوق ومهارة الحرفيين والمدربين على تقاليد عريقة.

خلال الجولة في أرجاء المعرض لفت انتباهي من الوهلة الأولى بستان جميل التنسيق والاقتناء الزماني والمكاني، وروده من الأحجار والآثار التاريخية الإسلامية العريقة والمبهرة بفنها وتنوعها في شكلها، الذي نفذته أيادٍ فنية بخيال ساحر، فقد قسم المعرض إلى ثلاثة عشر قسمًا وفقا للموضوع والتقنية، تتبعا لمختلف فروع فن المصوغات لتسهيل الإشارة إلى الحقبة التاريخية والفنية. ويسبق كل قسم بوستر تمهيدي للقطع، ضمن سياقها عناوين مختلفة لاستشفاف مدى روعة المجموعة وأهميتها بالاتصال المباشر بهذه التحف من جميع زوايا وجوانب المعرض بوضوح لتشكيل صورة لرؤية شمولية عن المصوغات الهندية.

تاريخ المصوغات الهندية

ومن المعلومات المتاحة عن هذه الفنون الرفيعة نعرف أن أقدم مثال معروف لنموذج تطعيم الأحجار شبه الكريمة بالمعادن الثمينة ينسب إلى شرق بلاد فارس في القرن الثاني عشر الميلادي، وهذا له علاقة بنشوء مدرسة عظيمة ومؤثرة في تكفيت المشغولات المعدنية المصنوعة من سبائك النحاس بالفضة في هذه الفترة الزمنية.

يضاف إلى ذلك المقتنيات الجذابة اللون، التي اعتمدت على النقش النافر بالطرق على المعادن الثمينة، ومن أهم الخواص المميزة لها قابليتها «للطرق والكبس والاستطالة والسحب» بأي شكل يراد مع احتفاظها الدائم بهذا الشكل، وتعود هذه الطبيعة التي يمتاز بها النحاس أيضًا إلى جانب الذهب والفضة إلى خاصيتي الطرق والسحب اللتين تميزان هذه المعادن ولذلك نشهد تفوقها على المعادن غير الحديدية في الفترة التي سبقت العصر الحديث، وكان يستخدم عدد من السنادين ذات أشكال مختلفة بالحقبة الأولى في بلاد الرافدين برعوا في الصناعة الآنية الممشوقة والأنيقة وغيرهم من الفنانين الأوائل استغلوا قابلية هذه المعادن للتشكيل لعمل زخرفة نافرة وكانت في بعض الأحيان ناتئة عن الخلفية إلى درجة تصبح كأنها عنصر آخر نافر ذو أبعاد ثلاثية واضحة.

وقد استغل فنانو الهند عبر التاريخ المعروف خاصية التشكيل لهذه المعادن استغلالًا كاملًا فأنتجوا تحفًا فنية رائعة بدءًا من الأواني والتماثيل إلى أدق المشغولات المزخرفة بالنقش النافر والمفصلة بدقة وتقنية الطرق.

ولذلك شهد القرنان السادس عشر والسابع عشر ابتكارات وإنجازات عظيمة في هذا المجال خلال هذا العصر وبدأت عملية ادخال وحدات زخرفية وأساليب متنوعة المصادر، خصوصًا من إيران المجاورة ومن الصين، فضلا عن أوربا.

وقد اجتذبت الهند خلال هذه الحقبة ولأسباب تاريخية عديدة وبفعل توافر مستويات رفيعة من الرعاية في شبه القارة مجموعة من الفنانين الأوربيين المتخصصين في الحرف، ففي مجال المعادن الثمينة والمطروقة والطلاء بالمينا يمكن ملاحظة دخول مجموعة من عناصر الزخارف الأوربية من عصر النهضة أو العصر الباروكي وهي عناصر ليست بعيدة الصلة بتراث الهند العريق.

مجوهرات الذهب المنقوش بالحفر

وتعتبر من خصائص المجوهرات الهندية التي نالت شهرة واسعة وهي تلك الزخارف المنمقة الجميلة التي تنقش بكثافة على ظهر القطع وهذه الزخارف تنفذ في الغالب بالطلاء بالمينا.

الأحجار الكريمة على أرضية مزخرفة بالأزهار

تعتبر هذه الفئة من الأحجار واحدة من أهم الزوايا التي توثق تاريخ فنون الصياغة في تلك الفترة، ويعود ذلك لسببين اثنين، أولهما وجود قطع رئيسية يمكن تحديد تاريخها ومصدرها بدقة من حيث السياق أو الراعي الذي أمر بصنعها، والثاني أن هذه الفئة تنطوي على مجموعة من السمات تماثل إلى حد كبير أنواعا أخرى من القطع مما يساعد في تحديد موطن تلك الأنواع، كما تساهم في إلقاء الضوء على قطع الفئة نفسها. ولعل ما تتميز به هذه الفئة الخلفية الذهبية التي تحتل مساحة واسعة نسبيا والتي تتم زخرفتها في العادة بالنقش بالحفر والدق بإزميل. وتتألف الزخرفة في العادة من وحدات نباتية من الأوراق والزهور شديدة التفصيل وفي بعض الأحيان تصاوير لحيوانات وطيور بالأسلوب نفسه.

وهذه القطع المعروضة بهذا الجانب لا تنتمي تمامًا إلى هذه الدوائر الضيقة من التحف، إلا أنها أضيفت بسبب صلتها القريبة منها مما يساعد على تحديد المجموعة الرئيسية بدقة أكثر ولأجل توضيح صلات هذه الفئة بالفئات الأخرى التي تشبهها بدرجة متفاوتة.

تطور الطلاء بالمينا

على الرغم من معرفة الهند نوعا من الزخرفة البدائية بالمينا متأثرة بالحقبة الكلاسيكية التابعة للنفوذ اليوناني الروماني في الشمال الغربي من شبه القارة في تكسيلا مثلا، لكن لا يعتبر هذا الفن هنديا، بل يعتبر صياغة مستوردة من قبل الأوربيين الذين ارتحلو إلى الهند في القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر ولكن استطاع الصاغة الهنود الإبداع في هذا المجال وأثبتوا براعتهم التي زادت من أهمية تطوراتهم التاريخية.

ويوجد في مجموعة الصباح خاتم هندي خالص مستمد من النماذج التيمورية، إلا أن التصميم ونظام الألوان أوربي معروض لهذا النوع من الفن وهذا يبين لنا عملية التواصل الفني الهندي - الأوربي في تقنيات المينا، خاصة أن الدول المجاورة للهند لم يكن لديها هذا النوع من الفنون وأصبح هذا الفن راسخًا في الورش الإمبراطورية باسم الامبراطور أكبر والتي وصفتها «الوفود الفنية» وغيرها من وسائل الاتصال بين البلاط المغولي والجالية البرتغالية في مدينة جوا والتي كان أهمها في السبعينيات من القرن السادس عشر.

الفولاذ المزخرف بالذهب

هذا النوع من الفنون تفوقت به الهند وهناك تاريخ طويل في آسيا ومصر وأوربا أيضاوتشتهر بما يعرف بالأسلحة والدروع «الشرقية» بالأشغال الدمشقية.

وفي عصر المغول اعتبر هذا الفن استمرارًا لتقاليد شهدت بدايتها مدينة هيرات خلال القرنين الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر، وقد اشتهرت تلك الحقبة بتطعيم الأواني المصنوعة من سبائك النحاس بالفضة والنحاس الأحمر، وتعرض مجموعة الصباح مجموعة من الخناجر والسكاكين المتميزة بهذا الفن الجميل.

الأساليب التعبيرية الثلاثية الأبعاد

تميزت الهند في فترة الحقبة المغولية، التي تعتبر فرعًا من فروع الفن الإسلامي الذي تشكل وأظهر لنا تميزه في رسم المنمنمات الهندية، وفن النحت الذي أنتج لنا مجاميع متميزة من القطع المنحوتة بمستوى رفيع لم يوجد ما يضاهيها في أي زمان أو مكان، وظهر هذا التقليد في القطع المعدة للاستعمال اليومي كالأواني المصنوعة من مختلف المواد وأيضًا في العمارة والأزياء والحليَّ الشخصية.

لكن أثار فن صنع التماثيل اعتراضات دينية في بادئ الأمر خوفًا من الوثنية ولم يقتصر هذا الخوف على الإسلام في تلك الفترة، ولكن حتى في أقصى الحالات تشددًا وعندما أصبح الدافع النحتي من أكثر الدوافع الأساسية لقيام الفنون التشكيلية ظهرت لنا مجموعة مميزة وهائلة ومتباينة من المنحوتات التجريدية في الإسلام.

وبهذا ساهمت الهند في العصور الإسلامية المبكرة في إرساء تقاليد التصميم في الفن الإسلامي وشاعت مشاركتها في مناطق واسعة، وتطورت قبل الحقبة المغولية بوقت طويل، والتعبير النحتي في التحف الهندية فترة الحقبة المغولية ارتقى بالمستوى الفني نفسه من خلال البساطة في الأداء ونقاء الإحساس المتطور في صنع المنحوتات الحديثة التجريدية.

الزخرفة بالحفر النافر

تعتبر الهند منذ القدم موطن صناعة نقش الأحجار الكريمة الأكثر شهرة في العالم وتشهد المؤلفات الأدبية القديمة التي يعود تاريخها للعصرين، اليوناني والروماني على ذلك، وقد وصلت كميات كبيرة من القطع البديعة الصنع من البلور الصخري والزجاج المقصوص على العجلة، مشغولة بالحفر النافر من الحقب الإسلامية المبتكرة.

وقد استفادت هذه المدارس الفنية من التقاليد المصرية والساسانية الفارسية وكذلك الهندية ومجموعة الصباح تبين لنا نماذج تعود أصولها إلى شرق بلاد فارس من القرن العاشر، وبغض النظر عن الحقبة التاريخية، إلا أن الهند أنتجت مجموعة رائعة من الزمرد المزخرف بالحفر النافر المتميز بمستواه التصميمي في الشكل النهائي، ومن أقدم القطع المعروف أصلها الزمردة الكبيرة المسطحة والمثمنة الجوانب، البالغ وزنها 233.5 قيراط والمصممة بشكل غير متمايل الأشجار وهي شبيهة بالزخرفة المعمارية في «فاتح بور سيكري» عاصمة دولة الإمبراطور أكبر.

الأحجار الكريمة المنحوتة

هي مجموعة صغيرة تتميز بما تعرضه من أحجار كريمة، لكل قطعة منها رونقها وشكلها الخاص، ومن القطع المتميزة المعروضة مقبض عصا الجزر العلوي منه بشكل رأس التنين تعود إلى شخصية رفيعة المنصب، ويمتاز هذا المقبض بقمته الناتئة بشدة والمنحوتة من الياقوت الحر ونلاحظ دقة تفاصيل وجه التنين بالذهب، المرصعة بالياقوت والزمرد والعقيق بدءًا من الخدود إلى الأنف والحاجبين.

أشكال الأحجار الكريمة

فيما يخص الأحجار الكريمة يجب الاتفاق على أن هناك فرقًا بين أساليب معالجة الأحجار الكريمة وشبه الكريمة ومن هذا المرتكز أبدأ، فقد استطاع العاملون على قطع وصقل الأحجار إزالة الشوائب والأجزاء المصابة بتصدعات عميقة فقط، من خلال صقل القطعة وإنتاج أشكال ممتعة للنظر واستخدامها للتزين بها.

وفي غرب آسيا وشبه القارة الهندية عبر آلاف السنين كان التحكم الدقيق بالتناسق والبراعة في تحقيقه من أجل إنتاج أوجه مسطحة ومثالية سمة من سمات قطع الأحجار شبه الكريمة وظهرت هذه المهارات في حبات خرز من مدينة أور في العراق القديم في النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد، وذلك من تاكسيلا توجد حبات خرز متعددة الأوجه في الفترة الواقعة بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعد الميلاد وهي أشكال جميلة معقدة ومتعددة الأوجه في أحيان كثيرة.

كما انتشرت في شرق بلاد فارس في العصور الوسطى هذه الممارسات في صناعة التحف والتي ظهرت من خلال الأواني الزجاجية والبرونزية والصنج وتركيبات تشبه شغل الخرز.

الجدير بالذكر أنه لا يوجد تأثير غربي، إذ إن الأشكال والأساليب المتبعة في التنفيذ تعزز تواصل تقاليد المنطقة في المشغولات الإسلامية في القرون الوسطى إلى الأساليب المستخدمة في صياغة المجوهرات في بكتريا وكوشان، وحرص العاملين الشديد على عدم هدر أي جزء من الحجر الكريم دون داع وإحساسهم بالمسئولية أظهر لنا أشكالاً منسوبة إلى العصر الباروكي الذي تميز بالأحجار الكريمة الضخمة وغير المتناظرة.

قبل القرن الثامن عشر في المشرق كان قاطعو الأحجار الكريمة يقومون بصقل الأحجار الخام مع الاحتفاظ بأشكالها غير المنتظمة وهذا يؤكد لنا مهارتهم الإبداعية لاستغلالهم مجموعة الخيارات المتاحة لهم سواء كانت حجرًا كريمًا صلدًا على شكل هندسي معقد أو كتلة متوهجة من لون خلاب لحجر كريم شفاف أو ما يمزج بين الاثنين ومنها ألماسة الكولكندا ذات اللون الوردي الفاتح.

ومن الأشكال التي تمثل لنا التقاليد القديمة وميزاتها التي تحتوي على بلورة من الكوارتز التي تحاكي التعويذة والتي قطعت على أساسه قطعتا الألماس، وهما أكثر قطعتين روعة للقلادات المصنوعة من الأحجار الكريمة الإسلامية والهندية.

الأحجار الكريمة الملكية المنقوشة بالكتابات

منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد ظهرت النقوش الملكية على الأحجار الكريمة في بلاد الرافدين، والأحجار الكريمة في معظمها من العقيق الفاخر وشملت العقيق الخلقدوني واسمه نسبة إلى مدينة «خلقدونية» في آسيا الصغرى على شاطئ البوسفور الأزرق (Chalcedony) والفيروز.

وهناك مجموعات مهمة لا تختلف من حيث الجوهر عن النماذج القديمة، إلا أنها تشكل مجموعة متميزة لأحدث حقبة من الأحجار الكريمة الملكية المنقوشة وغالبيتها العظمى منقوشة بأسماء الأباطرة المغول، والتي ورثها المغول من أسلافهم التيموريين الذين واصلوا تقليدا معروفًا لدى أباطرة التتار منذ القرن الثالث عشر للميلاد، وأقدم توثيق من النقوش الكتابية لدى الباحثين في تاريخ الفنون أن حكام بدخشان وهي منطقة في تركستان الأفغانية ربما هم أول من ابتكر هذه الصناعة في القرن الثالث عشر للميلاد وربما ما قبله، خاصة أن منطقة حكمهم شملت مناجم «حجر البدخشي» أي حجر اللعل الأحمر وهو من الأحجار التي تتواتر عليها النقوش الملكية المعروفة.

وأقدم مثال معروف مازال باقيًا لمثل هذه النقوش ويسبق ماعداه بما يزيد على المائة عام هو الحجر الكريم المنقوش باسم الحاكم التيموري «ألغ بيك» (توفي عام 1494م- 853هـ) إضافة إلى ذلك يعرض هذا الحجر مثالا نادرًا يمثل هذا النقش باسم الحاكم الصفوي (الشاه عباس الأول، إذ إنه يحمل أسماء ثلاثة من أباطرة المغول (جهانكير، شاه جهانك، أورنك زيب) واسم الملك الأفغاني أحمد شاه وتواتر ذكر هذا الحجر الكريم في الأدبيات حتى قبل أن يرسله الشاه عباس الأول إلى جهانكير، وهو الحجر الكريم نفسه الذي اشتهر في المراجع الحديثة باسم «ياقوتة تيمور».

ومن حسن حظ مجموعة الصباح أنها تقتني هذا الحجر الكريم الذي يعود إلى العصر التيموري، إضافة إلى ثاني أقدم نقش من هذا النوع والمحفور على حجر لعل آخر، ضمن مقتنياتها أكبر مجموعة من أحجار اللعل المنقوشة بالألقاب الملكية في العالم ولا ينازعها سوى مجموعة الجواهر الوطنية في إيران التي عرفت سابقًا باسم جواهر التاج.

روائع مرصعة بالجواهر

هذا الجزء من المعرض يتضمن تحفًا رائعة مرصعة بالأحجار الكريمة والتي تضمنت مجموعة من الخناجر وأطباق وعلب حافظة ومجموعة حليات ودروع وحليات أذن وقلادات وخلاخيل تثبت عبقرية أياد فنية لصاغة المجوهرات الهنود الذين برعوا بتنسيقها لخلق روح جذابة من خلال قطع لها قيمة ذاتية وفنية متجانسة.

والتي تنتمي إلى الحقبة المغولية وهي نماذج أحدث تجسد استمرارية المعايير الرفيعة للفنان ومحافظته على التقاليد القديمة باستمراريتها الجذابة وروعتها في عرض ثقافة فنية تروي لنا قصة تاريخ حضاري لفنون الصياغة الهندية في العصر المغولي، التي وصلت إلى درجة عالية من الرقي بألوان جذابة وذوق رفيع لمنجزات هذا العصر، التي وصلت للعالم وأبهرته في بستان مجموعة الصباح الذي رسم لوحة إبداعية للعصر المغولي جسدتها دار الآثار الإسلامية باحتراف ودقة للتعرف على فنون إسلامية نشأت في حضارات قديمة وعريقة لنهضة الحضارة الإسلامية، لأنها جزء من تراث المعارف الإنسانية المشتركة التي حققت تواصلاً حضاريًا بين مختلف العصور الإسلامية في متحف «ذخيرة الدنيا» الذي استطاع أن يخلق حالة فنية متنوعة أكد فيها أهمية الفنون بخطى متناغمة مع رؤى القائمين على تنظيمه، ليتحول إلى كرنفال مهم يشكل لنا منعطفًا مهمًا في واقع الحركة الثقافية المحلية داخل الكويت، والخارجية على مستوى العالم.

رؤية تاريخية لدار الآثار الإسلامية

تبقى الإشارة إلى أن دار الآثار الإسلامية افتتحت في 23فبراير 1983م في مجمع متحف الكويت الوطني، كمؤسسة ثقافية لتقديم تحف فنية خاصة لمجموعة الصباح وتصل إلى أكثر من ثلاثين ألف قطعة فنية تاريخية مختلفة تعبر عن زمن فني إسلامي عريق ونادر على يد محترفين فنيين استطاعوا أن يشكّلوا لنا هذه المجوهرات والتحف الزجاجية والزخرفية والمشغولات المعدنية والعاجية، بإحساس مرهف وإتقان عالي الجودة والدقة لتعبر عن فكر الزمن الذي تنتمي إليه، ويرجع الفضل لأصحاب الفكر النير والمبدع لمجموعة الصباح، الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح وزير شئون الديوان الأميري وعقيلته الشيخة حصة صباح السالم الصباح.

وقد بدأت عملية اقتناء هذه التحف الفنية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وعلى امتداد العالم الإسلامي جغرافيا من إسبانيا إلى الصين وزمنيًا من القرن 1-31 هـ / 7-19 م.

وعلى الرغم من تعرض المجموعة للسرقة من المتحف ونقلها إلى بغداد خلال فترة الغزو العراقي الغاشم سنة 1990م، إلا أنه تم استردادها مع بقية مجموعة المتحف كجزء من قرار الأمم المتحدة عام 1991م بعد انتهاء حرب الخليج (التحرير)، وتعرض بعض التحف للتلف والبعض الآخر منها للدمار كان هدفًا في تضافر الجهود لإعادة بناء وترميم التحف وتأهيل متحف الكويت الوطني أيضًا.

لم تقتصر اهتمامات أصحاب المجموعة على ذلك بل تواصل الاهتمام بتطوير دار الآثار الإسلامية على تقديم جميع الفنون برؤى جمالية تدل على فلسفة أصحابها والرعاية والحماس، وقد انعكس ذلك منذ عام 1988م على الأنشطة التي تشرف عليها، فدار الآثار الإسلامية تقوم سنويًا بتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية تحديدًا المتصلة بآثار العالم الإسلامي، متزامنة بمحاضرات تخصيصية لأكاديميين ومحاضرين عالميين لعلوم الآثار والتاريخ والعمارة الإسلامية وفنون الخط العربي. وقد ارتفع مستوى الطموح وتطورت أنشطة الدار لتتمثل من العالمين العربي والأجنبي في أنشطة موسيقية كحفل عزف موسيقى للبيانيست سودي برايد، وعازفة البيانو الإيطالية كريستيانا بيجورارو والحفل الموسيقي للموسيقار الكويتي سليمان الديكان والموسيقار المصري رمزي يس وفرقة بروموس بوزوكي اليونانية والعديد من الفرق الفنية المختلفة التقليدية والكلاسيكية والحديثة.

كما تقوم الدار بتنظيم المعارض المتنقلة بين أرجاء العالم لعرض تحف مجموعة الصباح ومشاركتها في معارض بأوربا وآسيا وأمريكا الشمالية وباريس وموسكو وكوالالمبور، وعلى المستوى المحلي قامت دار الآثار الإسلامية بترميم وإدارة المركز الأمريكاني الثقافي وعرضت فيها مقتنيات مجموعة الصباح لتصبح أهم المتاحف الكويتية التاريخية على مستوى العالم.

واليوم يعلن متحف «ذخيرة الدنيا» استقراره في مبنى المستشفى الأمريكاني كمقر مؤقت وهو مبنى عريق يمثل أول ما عرفته الكويت من مشافٍ على أرضها وله قصص تاريخية تعود للعام 1909م.

بدايات العمل الطبي الإرسالي

الموقع الإستراتيجي لمدينة الكويت جعلها محط أنظار البعثة الإرسالية بالخليج، فجاءت ضمن أولى الدول العربية التي قامت الكنيسة البروتستانتية الهولندية في الولايات المتحدة بتأسيس الإرسالية العربية لتقديم الخدمات الصحية الحديثة، خارجة عن نطاق الطب الشعبي الذي كان يمارس ويصيب تارةً ويخطئ تارةً أخرى في تشخيص وعلاج بعض الحالات المرضية.

بدأت المراكز في البصرة والبحرين ومسقط ثم الكويت وقطر والزبير فنجحت في إدخال مبادئ الطب وفشلت في الهدف التبشيري للإرسالية.

المستشفى الأمريكاني

الفضل يعود لحاكم دولة الكويت آنذاك المغفور له بإذن الله الشيخ مبارك الصباح والذي تبرع بقطعة أرض في الطرف الغربي لجون الكويت مقابل البحر على التل، بعد تقديره لأهمية الدور الذي ستقوم به لتطوير الجانب الطبي ولخدمة أهل الكويت بعد أن أجرى د. آرثر بنيت عمليات ناجحة أكسبته ثقة لدى الشيخ مبارك وشهرة خارج وداخل الكويت، تكلل هذا النجاح بزيارات عديدة للدكتور بنيت عام1910م، حيث قدم خدماته في مستوصف بسيط وهو أحد بيوت الأهالي في الكويت.

في عام 1911م طلب الشيخ مبارك من المستشفى الإرسالية الأمريكية بناء مستشفى في الكويت وحضرت لجنة للمدينة لاختيار المكان المناسب لها، التي تبرع بها وكانت بداية عمل البناء حتى عام 1912م وكان أول مبنى من الحديد والأسمنت في الكويت وتولى المشروعين مهندسان أمريكيان من (آن أربور ولاية ميتشجان).

وتم الافتتاح عام 1913م وكان المستشفى عبارة عن دور واحد يحتوي على غرفة عمليات في الوسط وست غرف على جوانب المبنى وكان يقدم النساء والرجال معًا، وبعدها أمر الشيخ مبارك بتوسيع دائرة المستشفى الإرسالية بزيادة أرض لتتسع مستوصفًا للنساء بناه بناؤون كويتيون وإيرانيون بإشراف الدكتور ستانلي ماليري والقس كالفري وهو المبنى الأصغر الذي يتكون من غرفتين متلاصقتين وباحة صغيرة لها مدخلها المستقل والتي افتتحت في أكتوبر عام 1914م، فقامت بإعداده والإشراف عليه د. إليانور كالفرلي التي اشتهرت باسم «خاتون حليمة» كأول طبيبة في الكويت ووثقت عملها هذا وحياتها الطبية والإنسانية مع أهل الكويت في كتابها «كنت أول طبيبة في الكويت» منذ عام 1912.

ولكن بعد وقوع الحرب العالمية الأولى غادرت الدكتورة كالفري إلى الولايات المتحدة وبقيَ الدكتور ماليري طبيبًا لعيادات الرجال والنساء والذي كتب كتابًا عن الكويت قبل النفط وقصة إشرافه على العمل الإرسالي في الكويت، وكانت تساعده زوجته في المستشفى والتي اكتسبت شعبية بين النساء وسميت «خاتون سعيدة»، واستمرت في عملها حتى عادت الدكتورة كالفري عام 1917 م وتواصل العمل وأصبحت تساعد الدكتورة بالمستوصف حتى شرع ببناء أول مستشفى نسائي بجانب مستشفى الرجال عام 1919م ، وكانت الممرضة الهندية رفموني أول ممرضة نزلت سكن الممرضات، وبخطوات ناجحة للمستشفى تم تعيين أول أمريكية مدربة على التمريض وهي ماري فان بيلت وأطلق عليها ماري أوخاتون مريم للإشراف على القسم النسائي والرجالي بالمستشفى الإرسالية بالكويت، ولا ننسى أيضًا قيادة الدكتور ماليري للمستشفى منذ استقراره في الكويت، واستمر العمل الطبي الرجالي أيضًا بمجموعة من الأطباء، على سبيل المثال الدكتور بينت وهاريسون وتومس وستورم ونيكرك وبنيجر وهوسفنكند ولويس سكدر ومنهم من عمل بشكل متقطع والآخر مستمر في الكويت وأدخل أول جهاز أشعة في الكويت لفحص المرضى كخطوة تثبت نجاح العمل الطبي فيها، وتطور الطب في الكويت بإنجاز عمليات جراحية مختلفة وإبراز أهمية حملات التوعية الصحية بالتطعيمات من الأمراض المعدية وانضمام العديد من الطبيبات، على سبيل المثال لا الحصر: الدكتورة بارني والدكتورة ماري آليسون والدكتورة روث كروف وفان بلت. ولهذا التطور الطبي الذي شهدته الكويت تقرر بناء مستشفى ثان للنساء في مكان المستشفى الأول بمارس عام 1939 تحت رعاية الشيخ أحمد الجابر، وبإشراف الطبيبات الجدد.

واستمر العمل الطبي بدقة وتفانٍ وإخلاص وقام الشيخ سالم المبارك - رحمه الله - بتكريم المستشفى بمنحة مالية عام 1954 ومع ازدياد أعداد المراجعين قرر العاملون بناء مستشفى جديد للرجال أيضًا. وضع حجر الأساس لمستشفى ماليري التذكاري في نوفمبر عام 1954، والذي توفي في الكويت ودفن فيها عام 1952م و افتتح عام 1955م، واحتفل أهل الكويت بذلك ورعى الحفل أمير دولة الكويت في تلك الفترة الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله. وكان للمستشفى الأمريكاني دور فعال في علاج المواطنين وشهد أحداثًا مهمة وخطيرة مثل: سنة الهدامة وانتشار الأوبئة ومرض الطاعون والجدري عام 1932م ومعركة الجهراء عام 1920م ومعركة الرقعي عام 1928م وساهم في علاج الجرحى والمصابين ولم تقتصر الخدمات بالمستشفى وإنما وصلت لبيوتهم في المدينة، ولا ننسى إشرافهم على الحملات الوقائية بإحضار الأمصال والتطعيمات لأهل الكويت.

وأصبح هذا المشفى من أهم المراكز الصحية والطبية في الكويت حتى مطلع الستينيات، والتي شهدت خلالها الكويت تطور الرعاية الطبية والصحية، حيث افتتحت آنذاك عدة مراكز صحية ومستشفيات، وقد تم إغلاق المستشفى في عام 1993 ليتحول هذا الصرح ضمن إدارة دار الآثار الإسلامية التابعة لوزارة الإعلام وتحت رعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولا يزال قائمًا كأحد الرموز التي تمثل حقبة مهمة من تاريخ الكويت.

زيارات المعرض العالمية:

  • متحف الفن الإسلامي في كوالالمبور ماليزيا
    من (2 يونيو 2010م إلى 31 ديسمبر 2010م).
  • متحف الحضارات الآسيوية سنغافورة
    من (8 نوفمبر 2009م إلى 1 فبراير 2010م).
  • متاحف الكرملين جمهورية روسيا الاتحادية
    من (20 فبراير 2009م إلى 20 مايو 2009م).
  • متحف اللوفر في باريس فرنسا
    من (6يوليو 2007م إلى4 سبتمبر 2007م).
  • متحف الفن الإسلامي مارتن غوربيوس في برلين ألمانيا
    من (28 يناير 2005م إلى 20 إبريل 2005م).
  • متحف القصر الملكي في مدريد أسبانيا
    من (15 أكتوبر 2004م إلى 9يناير 2005م).
  • متحف سانت لويس للفن ميسوري الولايات المتحدة الأمريكية
    من (8 نوفمبر 2002م إلى 27 إبريل 2003م).
  • متحف الفنون الجميلة في هيوستن ( تكساس) الولايات المتحدة الأمريكية
    من (30 يونيو 2002م إلى 27 أكتوبر 2002م).
  • متحف كليفلاند للفن في أوهايو الولا يات المتحدة الأمريكية
    من (24 فبراير 2002م إلى 19 مايو 2002م).
  • متحف ميترو بوليتان للفن في نيويورك الولايات المتحدة الأمريكية
    من (15 أكتوبر 2001م إلى 13 يناير 2002م).
  • المتحف البريطاني
    من (16 مايو 2001م إلى 2سبتمبر 2001م).

 

 

منيرة سالمين