دعاء

 دعاء

لن يحدث أي حادث جديد، إن حدث فسيكون غير منتظر، كل ما يحدث يكون مفاجأة، والمفاجأة عادة تكون غير منتظرة، هذا سر المفاجآت، سر جمالها وسر بشاعتها. المفاجأة ملتصقة بالأشخاص، في الفرح وفي الحزن، هي حدث غير منتظر.. هي كما أردد مفاجأة تهز البدن فرحًا أو حزنًا.

في حياة كل منا حدث مهم أو أحداث، مهم في كمية الفرح الذي يحمله أو كمية الحزن الذي يأتي به، وكلاهما كما قلت يهزّان البدن هزّا مفرحًا ضاحكًا، أو هزًا محزنا باكيًا. الفرح إن لم تلتقطه وتمسك به وتعيش وإياه، فهو يفلت منك ويختفي، والحزن يسكنك لزمن ثم يُنسى مع مرور الأيام، الإنسان وجد ليفرح، إذا نظرت إلى الطبيعة، إلى سمائها وبحرها وأنهارها وأشجارها تراك منشدًا معها جمالها، جمال أشكالها وألوانها.. كلها تعبّر عن الجمال، عن الحب، عن الحياة.

ما هذا الحديث الممل المحزن؟ كفى ما بنا من يأس وحزن، تقول مفاجآت مفرحة، عن أي فرح تتكلم؟ ألا ترى؟ ألا تسمع؟ ينقصنا يا أخي اليأس العظيم.. البعد عن الحياة.. ولكن إلى أين؟ هل الانتحار هو السبيل إلى الخلاص؟

هنا شعرت بوجع في المعدة ودوخة وغبش في عيني ووجع في رأسي وطنين في أذني، ورأيتني أهذي وأحكي ولا أدري ولا أسمع ما أحكي، مثلاً: مسألة شكسبير «تكون أو لا تكون»، موجودة قبل وجود قائلها، هو السبّاق في قولها، هكذا يقال، وليس كل ما يقال هو الحقيقة، المسألة هي أن ترى الشيء قبل غيرك، تكون عندئذ شهرتك توازي شهرة الشيخ الإنجليزي، الشيخ «اسبر» وليم، المولود في جبل من جبال لبنان، هاجر مع جبران ابن جبران الذي اسمه جبران خليل جبران. والحقيقة أنهما هربا مع عائلتهما من لبنان، ليس بغضًا ولكن بسبب ما يحدث فيه من أعمال بنيه.. حفظهم الله وسامحهم.

«الشيخ اسبر» أنزل على شاطئ من شواطئ بلاد الإنجليز، عندما سأله شرطي المرفأ عن اسمه قال اسبر، سجّل الاسم، وقال لاسبر من الآن فصاعدًا اسمك وليم شكسبير، هل فهمت؟ هز اسبر (وليم شكسبير) رأسه إيجابًا، كان يقبل بأي اسم يعطى له وهو المهاجر من بلاد الأرز، أما جبران ابن جبران فلم يسمح لعائلته بأن تنزل في المرفأ الإنجليزي، فأجبروا على أن يتابعوا السفر على تلك السفينة العرجاء إلى مرفأ مدينة «النّورك».

وبقيت أتألم من وجعي في كل جسدي وسمعي وبصري، وأحكي ولا أسمع ما أحكي وأهذي، وبقي ما بقي من اللبنانيين في لبنان ومازالوا يتكلمون عن السماء، ينزلونها إلى الأرض، يدوسون عليها، يبصقون عليها، يعبدونها ويكلمونها ويمولونها ويطلعون إلى السطوح ويصوّبون عليها الرصاص صلوات لساكن الخيمة الزرقاء.. يحتفلون بزرقتها الجهنمية، هي خيمتهم, كما يقولون.

فجأة نظرت حولي، لم أر أحدًا ينشد للحب، لم أرَ امرأة أحبّت وتغنّت بالحب ولا رجلاً، هذا يأخذ وقتًا، والوقت ثمين.. الربح.. المكسب يا أخي.. يا صديقي.. يا عدوّي.. المال.. المال ثم الوقت المتبقي لعبادة الأرض العالية.. السامية.. أرض بين الغيوم.. السماء البعيدة.. ينزلونها إلى الأرض بدعائهم وبتصويب نارهم عليها فتسقط إلى الحضيض.. يعملون.. يسرقون.. يكذبون.. يناجون ثم يصلّون ويهدمون ويتلون ويفرحون، يلمسون السماء فيأخذون منها غيومها وسحابها وشمسها وقمرها، يلمسونها ولا يشعرون بها، هي لا تشعر بلمسهم.. طرية أصابعهم كأوراق مالية تملأ جيوبًا في ثياب سود وحمر.. جيوب مليئة بمال من هنا وهناك وهنالك.. الحمد لله في السموات، ليتقدّس اسمك، يا سماء قربيني من الساكن في أرجائك الواسعة، أنا أثق بحوار بيني وبينه، أنا أعبد كل ما خلق من بشر وشجر وحجر وحيوان. وأعبد المال.. أنت كريم.. أنا أعلم ذلك.. وأعلم أيضًا أنك تعطي المال والجمال.. يا الله.. أعبدك وأعبد كل ما ترسله لي من مال.. ألا أستأهل هذا؟ المال والجاه والسفر والمتعة والتمتع في أرضك الواسعة التي لا حدود لها وهي لك.. وأنا.. هل لي نصيب منها؟ وأنت كريم وأنت الذي سيسمع ندائي وأنت السميع المجيب.
-----------------------------------
* فنان تشكيلي وكاتب من لبنان.

 

 

أمين الباشا*