خواطر أب لأسير كويتي!

الزمان: أول رمضان يهل على الكويت بعد التحرير، بالتحديد في آخر يوم من الشهر الفضيل.

المكان: الساحة الخارجية لمطار الكويت الدولي: حيث تتم إجراءات السفر بالهواء الطلق لأن "الإخوة الأعداء" حين احتلوا البلاد: لم يوفروا شيئا من سلبهم وتدميرهم وقمعهم وممارساتهم الإجرامية اللا إنسانية. باختصار: كان العبدلله - كاتب هذه السطور - في طريقه إلى "القاهرة" حيث والده المسن طريح الفراش، وحيث تقيم "أم نواف" ولده البكر، فضلا عن أخواله وخالاته وغيرهم من بقية العشيرة "المخيمرية" الشرقاوية. ثمة هم ثقيل - يطحنني من الداخل، وهاجس مفزع يستحوذ على ذهني، بل "كلي".

كان الهم لهاجس يهاجمني شاهرا سؤاله قافلا: كيف - ياولداه - ستجابه والدك المسن المريض حين يسألك عن حفيده "نواف" ولم لم يحضر بمعية إخوته؟ عسى ما شر؟ و..؟، ويزداد الهم الهاجس وطأة حين أتخيل - مجرد تخيل - عدة سيناريوهات، مأساوية تجيب عن تساؤلات "أم نواف" وبقية أفراد أسرتها.

هل أقول للجميع الحقيقة المرة وأخبرهم بأنه أسير في "ضيافة" أحد سجون النظام العراقي؟! أم أنه من الأجدى صياغة أكذوبة مؤقتة، إلى حين حدوث الفرج وعودة الغائب في غضون الأيام القليلة القادمة، كما نأمل ونظن؟!

هكذا أمضيت ساعات الرحلة - بين الكويت وقاهرة المعز - في حوار صاخب ملعلع مع الذات. والحق أنني لا أعرف كيف ركبت الطائرة! ولا متى امتطيت التاكسي إلى شارع "قصر النيل" حيث شقة السيد الوالد! سائق التاكسي ابن بلد وعشري وابن نكتة وربما "ابن إيه"! راعه صمتي وحزني الذي لا يمكن أن يخفى على الإنسان المصري المترع بالتواصل والتراحم.

وهكذا وجدته يقتحم صمتي بعفوية شفافة مهذبة (الحاج - لامؤاخذة - منين؟) ابتسمت لتعبير "لامؤاخذة" فوجدتني أداعبه قائلا: (الحاج "لا مؤاخذة" كويتي!!) وامتد حبل "الدردشة" بيننا طوال الطريق. وكان حديثنا كله عن محنة احتلال الكويت من قبل قطر عربي "شقيق"!!

وقبل نهاية طريقنا أعطيته ميدالية صفراء مكتوبا في وسطها عبارة "لا تنسوا أسرانا" الأمر الذي حرضه على دحرجة العديد من علامات الاستفهام والتعجب والعجب العجاب عن محنة أسرى الكويت، الذين مازالوا يقبعون في سجون ومعتقلات النظام العراقي. (معقول الكلام ده اللي باسمعه منك يا حاج؟! أتتكلم جادا حين ذكرت لي بأن عدد الأسرى بالمئات وفيهم النساء والأطفال والولاد والمسنون والمرضى؟!).

وقفت السيارة أمام العمارة بينما مازال صاحبنا "يتساءل" ويستنكر، ويدعو بصوت عال: "الله يجازي اللي كان السبب، ربنا ع الظالم والمفتري، شد حيلك يا حاج، و.."، غادرني وهو مستمر في حالة الدهشة والغرابة بينما رحت أرقبه إلى أن غاب عن ناظري.

أين نواف؟

أتطلع صوب الممر المؤدي إلى العمارة، ها هو "عم رمضان" بائع الكتب والصحف والمجلات يقبع في نفس مكانه منذ أن عرفته إبان الدراسة الجامعية. كان أول واحد يلمحني. أشرق محياه بفرح غامر، واندفع نحوي ابن البلد المتابع للأخبار. وبعد العناق والأحضان والقبلات والسلامات. جرحني بنصل سؤاله الموجع: أين نواف؟ أصحيح أنه من ضمن مئات الأسرى الكويتيين والعرب والمسلمين الذين مازالوا مرتهنين لدى النظام العراقي؟!

هربت عن تساؤلاته، بسؤال مضاد: قل لي أولا ما هي أخبار والدي،؟ كيف حاله وصحته؟ أجاب: إنه فوق ينتظركم. ولا يكف عن السؤال عنكم طوال شهور المحنة.

تركت الشنط بمعية العيال، وهرعت صوب الأسانسير. أراني أقف أمام باب الشقة مترددا في قرع الجرس. تنتابني مشاعر شتى: حنين جارف، وأسى عميق، وحزن مثخن الجراح، وخشية على الوالد العجوز المريض. أخيرا: أقرع الجرس وأدق على الباب معا. خطوات ثقيلة تبدد السكون الذي يلف الشقة. راعني حال الوالد. فقبل غزو الكويت بشهرين كان عفيا إلى درجة أنه سافر بمفرده رغم أن سنه 97 عاما. لله كم حطمته المحنة واستنزفته. تحلق الأولاد - أحفاده - حوله، وكنت قد - حذرتهم من التصريح له بمسألة أسر أخيهم الكبير (25 سنة). وقلت لهم: حذار أن يخبره أحدكم بهذه البلية. إذ لا أخال سنه وصحته وحالته النفسية تسمح له بسماع مثل هذا الخبر المأساوي.

ومن هنا راح أحفاده يحدثونه عن معاناتهم إبان محنة الاحتلال، وراح هو بدوره يسألهم عن أحوالهم ومعيشتهم وحياتهم اليومية المأساوية.

وحين طفق يسأل عن أخبار وصحة الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران غبطته على ذاكرته الراسخة وحافظته القوية. ولم أقدر على مداراة توجسي منها، إذ بدا لي أن كل حديث وسؤال عن "الكويت المحتلة" سيفضي بنا إلى ذكر ولدنا الأسير وصحبه لا محالة.

ولم يطل بنا انتظار انفجار السؤال المفجع. فقد فاجأنا بسؤال معجون بالقلق والتوجس "وين أخوكم نواف؟" ران علينا الصمت قليلا خلته ساعات طويلة.

قال حفيده الأصغر الأثير إلى قلبه: (أخوي سيلحق بنا بعد العيد إن شاء الله. ثمة زحمة على الطيران، لكنه سيجد مقعدا). أردف لشقيقه - الذي يكبره - قائلا ( ربما يتأخر قليلا لأنه متطوع في الجيش، و..) وكان الوالد يصيخ السمع إلى هذه المزاعم والحكايا المؤلفة بأذني الريبة والشك! هو لم يتفوه بذلك صراحة. لكن عينيه المغرورقتين بالأسى تشيان بذلك. ولذا راح يقول: إن قلبي يحدثني عن أخيكم الغائب حديثا يخالف وينفي ما قلتموه! ثمة هاجس يستحوذ على وجداني وأحلامي، ويقول لي: بأن الولد حدث له مكروه. فقد سمعت من أهالي الكويت الموجودين في القاهرة بأن هناك المئات من الأسرى الكويتيين والعرب والمسلمين موجودون في سجون العراق. ومن هنا تراني أشاهد حفيدي، نواف، في المنام بين ليلة وأخرى. وكنت أسأل نفسي - على الدوام - لم هو بالذات دون غيره من إخوته الذي يزورني في أحلامي. وها أنتم الآن تأتون إلي جميعكم بدونه، وتروون لي روايات أسمعها وأنا بين المصدق والمرتاب والمكذب!

الشهداء، خارج الوطن

المهم أن الرجل لم يكف عن السؤال عن حفيده، طوال فترة مرضه، التي دامت حوالي ثلاثة أشهر، إلى درجة أن جميع الأطباء والممرضين والممرضات في المستشفى الذي يعالج به حفظوا اسم الحفيد، وعرفوا سر غيابه. ومن خلال ذلك: أحسب أنهم تعرفوا على محنة أسرى الكويت جميعهم، بكل ما فيها من ألوان المعاناة. الأمر الذي دفعهم إلى إحاطته بالرعاية الفائقة: العامرة بالحب والتراحم والتعاطف مع محنته، محنة مئات الأسر الكويتية والعربية والإسلامية، عل ذلك يخفف من وطأة معاناته. لكن تقادم الأيام، وطول غياب الحفيد، وتواتر الحديث عن أسرى الكويت عبر أجهزة الإعلام أكد هواجسه وحدسه، المعجون بالخشية والريبة. فتدهورت صحته. فأخذ يذوي ويذوب ويتقطع ويتمزق ويحترق، ثم يذوي ويذوي، حتى توفاه الله سبحانه وتعالى، وووري جثمانه "بمقبرة الكويتيين" في "مدينة نصر" بمصر الجديدة. قريبا من مثوى نجله الثاني الملازم الثاني الشهيد "علي صالح فهد" الذي أكرمه المولى سبحانه وتعالى بالشهادة مع نخبة مباركة من أبناء الكويت في حرب "رمضان" أكتوبر 1973. والذين تحتضنهم "مقبرة الشهداء" قرب "مدينة الإسماعيلية".

قبل غزو الكويت واحتلالها من قبل "الإخوة الأعداء، استشهد جميع شهداء الكويت خارج حدود الوطن الصغير، كم يغبطهم الواحد على هذه الشهادة! ذلك أنها للدفاع عن ديار العروبة والإسلام. أقول ذلك - بخاصة - لأولئك الذين يظنون - آثمين - بأن الكويت مجرد مال وثروة يختزنهما برميل نفط! فهذا البعض، لا يعرف أن ديرتنا الصغيرة اختارت ألا تعلن عن عطاياها المعنوية والمادية على حد سواء. ليقينها أنها تقوم بواجبها - بل حقها - بدون منة. حتى أنني أخشى القول بأن الكويت "نسيت" أن لها أبناء استشهدوا في مصر المحروسة، إبان حربي 67 و 73 ضد العدو الصهيوني. (ملحوظة: حتى لا يتهمنا أحد بتخريب العلاقات العربية العربية، وتعويق مسيرة السلام"، نضع جملة اعتراضية تقول: بأن العدو الصهيوني عدو حتى إشعار آخر!).

ما علينا، فالحديث ذو شجون. وتداعيات العبدلله تترى كما شريط سينمائي "بدون مونتاج" فها أنذا في حي مصر الجديدة حيث تقيم "أم نواف" الشاب الكويتي الأسير. فإذا كنا تمكنا من احتواء توجس الوالد وتساؤلاته الموجعة رحمه الله وغفر له فهل يكون في مقدورنا - بداية - الالتقاء بأمه المصراوية الشرقاوية "المخيمرية" (والدها: الشاعر الكبير: أحمد مخيمر رحمه الله وغفر له). زد على ذلك لقاء إخوة الأسير من أمه واجتماعهم بأشقاء أخيهم، فضلا عن لقاء بقية أفراد الأسرة في مصر المحروسة.

الإهداء، إلى الأسير

أيامها كنت قد دفعت إلى المطبعة بالجزء الأول من كتابي "شاهد على زمان الاحتلال العراقي في الكويت" وكان الصديقان العم "بهجت عثمان" فنان الكاريكاتير الفذ والأخ "محمد مستجاب" الأديب القاص والكاتب الصحفي المعروف قد اطلعا على مخطوطة الكتاب، لمعاونتي على مراجعته وتصنيفه، وقد قام المهندس الفنان "هشام بهجت عثمان" بتصميم الغلاف جزاه الله خيرا. وكان في نيتي أن أهدي الكتاب إلى عمنا "الجبرتي" شيخ المؤرخين الشعبيين في عصره وزمانه. إلا أن أخانا "بن مستجاب" ألح "بدماغه الناشفة" وعناده الصعيدي الصلب على أن يكون الإهداء (إلى نواف، جرحنا الأعمق، حيا أو شهيدا).

الحق أفحمتني بلاغة الإهداء، ومعناه ودلالته. الأمر الذي جعلني لا أفطن إلى أن محتواه وسياقه سيقوض معمار كل "السيناريوهات" التي "ولفتها" وسفحت من وقتي أياما وليالي لأخفي عن الجميع مسألة أسرى الكويت هذه. فقد كنت - آنذاك - موقنا بأن جميع الأسرى عائدون، وخاصة العرب والمسلمين. فالعبدلله يصعب عليه أن يبدل قناعاته العروبية والإسلامية التي رضعها طفلا (ولم يفطم عنها بعد!) رغم الخوازيق، والطعن من الظهر، والتنكر للجميل وكل الممارسات المأساوية التي تجسدت في محنة احتلال الكويت.

"رب ضارة نافعة" هكذا قلت لنفسي معزيا حين صدر الكتاب، يتصدر صفحته الأولى الإهداء السالف الذكر.

وقبل أن تسألني كيف ولم هي "ضارة نافعة"، سأعود بك إلى الوراء قليلا. إلى الفترة التي سبقت صدور الكتاب، مستخدمين تقنية "الفلاش باك" كما يقولون في لغة السينما. وبالعربي الفصيح: سأعود بك إلى اليوم الذي قابلت بمعية عيالي أم شقيقهم الأسير وإخوته من أمه، بصراحة شديدة يصعب على العبدلله وصف الموقف وما اكتفنه من معاناة. أشعر أن المحنة ذاتها وما تنطوي عليه من مفارقات وأوجاع وأسى، وكل ما يعبر عن واقع الحال أبلغ من الكلمات، ومن باب الاستطراد أقول إن محنة احتلال الكويت وتداعياتها المأساوية على جميع الأصعدة تبز خيال أي مؤلف روائي. كما أنها ستكون معينا لا ينضب للأدباء والشعراء والمبدعين، يغرفون منه سنين عددا، وربما إلى ما شاء الله.

فمن كان يتخيل - مهما طوح وشطح به الخيال - أنه سيقرأ رواية أو يشاهد فيلما ينتميان إلى دراما الخيال "العلمي" أو إن شئت إلى دراما اللا معقول، هل كان يتصور بأنه سيأتي عليه يوم يتحدث فيه العالم عن أسرى الكويت؟! ولو أن روائيا تجرأ وارتكب فعلة تخيل احتلال الكويت، وآثارها المدمرة على الإنسان والعمران والوجدان والبيئة والقيم والآمال والأحلام، أقول لو تخيل روائي عربي أو مسلم "محنة احتلال الكويت" ومأساة الأسرى والمفقودين، فأجزم بأن الرواية ستصادر وتمنع من دخول جميع الديار العربية والإسلامية!! أما الكاتب مؤلف الرواية: فحدث عما سيحدث له ولا حرج! فقد يجلد بسياط التخوين،. وربما يقبر مع روايته! وإن كان محظوظا أودع مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بتهمة الجنون .. كما هي عادتنا العربية الأصيلة التليدة!!

أما وقد وقعت محنة احتلال الكويت، وانكوى بنارها؟ وكابد ويلاتها المأساوية شعبا العراق والكويت بخاصة، والديار العربية والإسلامية بعامة. فلا مجال لأن يتهمنا أحد بمجافاة الحقيقة إذا كرسنا هذه السطور لمحنة الأسرى والمفقودين، لا سيما أن الكاتب نفسه والد لأسير - كما هو واضح من سياق خواطره - كما أنه معني بالمحنة كهم وطني عربي إسلامي أنساني،  كقضية عامة تتجاوز محنته الذاتية. اختياره الحديث عن ولده الأسير هو من قبيل المثال والرمز، لأن معاناة كل أب وأم وشقيقة وزوج وشقيق وجد لأسير.. تضاهي ما عاناه العبد لله. ومن هذا المنطلق، أراني في بيت "أم نواف" وأراها تسأل بعينيها وخلجاتها ودموعها "فين نواف؟" ومن ثم غمرتني بسيل من علامات الحنين والشوق "الغائب" ووجدتني وسط هذا المناخ المأساوي أعيد على مسامعها الرواية الممجوجة التي هذرت بها على الوالد رحمه الله. لكنها هي الأخرى لم تبلعها البتة!. ولعل انشغالنا بمرض الوالد دفعها إلى "تصديق" الرواية على مضض! إلى أن وقع في يدها الجزء الأول من كتابي  المذكور، وقرأت - بالطبع - الإهداء المكرس لولدها الأسير.

وأترك لك تصور وتخيل فجيعة الأم ومعاناتها، حين علمت بأن ولدها هو واحد من مئات الأسرى والمفقودين، الذين مازالوا يكابدون ويلات الأسر في سجون النظام العراقي!

وأسرى الكويت كانوا آلافا مؤلفة. عاد جلهم إلى للكويت وديارهم العربية والإسلامية وغيرها. وبقي منهم حتى كتابة هذه السطور 650 أسيرا ومفقودا.

ولن نجادل هنا في ادعاء النظام العراقي وزعمه بأنه "ماكو أسرى" مرتهنون لديه! لأنه أولا اعتاد وألف إذاعة أسطوانة ال "ماكو" هذه إثر كل محنة تمر بها الأمة العربية. فقد لعلع بها النظام العراقي القائم إبان حرب 1948 بين العرب والصهاينة وصارت عبارة "ماكو أوامر" نكتة سمجة يتندر بها العرب بلسان الضاحك الباكي. لن نجادله لأنه يلعب بالمحنة المأساوية بعدة الساسة والسياسية، فلا يحفل بالنظر إليها كقضية إنسانية، ربما لأن إنسانية هذا النظام كما مطرة الصيف (على ناس وناس). فالأسرى الأجانب عادوا جميعهم إلى بلادهم وذويهم إثر تحرير الكويت يوم 26 فبراير، ولم يبق منهم سوى المئات القليلة من الأسرى والمفقودين الكويتيين والعرب والمسلمين فقط لا غير! و "ماكو أسرى" تعني: لا يوجد أسرى. وهي المقولة النشاز التي يلعلع بها إعلام النظام العراقي. ولا يحتاج المرء إلى عناء كبير ليكتشف بأن هذا النظام يلعب بالمحنة ويحتفظ بالأسرى كورقة "جوكر" سياسية. ومع ذلك كله لا يجد غضاضة في مناشدة الضمير العالمي ومطالبته بالضغط لفك الحصار عن الشعب العراقي المنكود! متناسيا هذا النظام بأن فك الحصار بيده، لأنه صانعه. ولو أنه انصاع لقرارات الشرعية الدولية جميعها - وعلى رأسها قضية "أسرى الكويت" - لزال الحصار، وربما النظام نفسه!

ومن هنا تجده يتاجر بمحنتي الشعبين العراقي والكويتي على حد سواء!

الخطاب الإعلامي العراقي بشأن محنة الأسرى يخرسه ويلجمه وجود وحضور أهالي الأسرى. والمفقودين. فحسب القارئ العربي أن يطالع ويتأمل. في معاناتهم عند ظهورهم في أي خبر تلفزيوني ليكتشف ويؤمن بأن محنة الأسرى حقيقة واقعة مضرجة بالمأساة. ولو أنه أنعم النظر مليا في الطلعات المنكوبة لأهالي الأسرى والمفقودين فسوف يشعر بصدق المعاناة.. وقد يؤمن معي بأن هذه المحنة المأساوية عار يلطخ جبين العرب المسلمين والأميركان ودول التحالف وكل البشرية!!

لا تنسوا أسرانا

ومن هنا أيضا: فإن خطابنا الوجداني لكل العالم والبشر يقول: (لا تنسوا أسرانا).

وخطابنا هذا نقوله - بداية - لأنفسنا، قبل أن نهتف به للآخرين، فما دامت المحنة حاضرة في وجداننا تؤرق مضاجعنا وترافقنا في حلنا وترحالنا، فلن "ننساهم" لا سمح الله. وهل في مقدور الإنسان نسيان جرحه الوطني الذي ينزف ويستنزفه ليلا ونهارا وكل حين؟! والعبدلله (بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن أهالي وذوي الأسرى والمفقودين)، يناشد كل قراء "العربي"، بذل مساعيهم المعينة على فك قيد أسرى الكويت ومعرفة مصير المفقودين منهم، لا أقول ذلك من أجل الأسرى فحسب، بل لرأب الصدع والتشرذم والتمزق التي اقتحم وسكن وجدان الأمة العربية وديارها منذ حدوث محنة احتلال الكويت وآثارها وتداعياتها المأساوية. إن محنة الأسرى والمفقودين صار لها أزيد من عامين! ولو أنهم - أي الأسرى - كانوا في إسرائيل لقلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولكنهم - وهنا المفارقة المأساوية - في "بلد عربي جار شقيق!" اسمه العراق!

أتلومونني إذا قررت بأن "دراما" محنة الكويت وآثارها المأساوية، تبز الدراما الفنية الأدبية: مفاجأة وإثارة ومفارقة، وغرابة ولا معقولية مدججة بالموت والخراب، وكل الممارسات الإجرامية الشاذة. ولست بهذه النعوت بصدد السب والشتم والعياذ بالله، بل إن الصياغة منحوتة من أرض الواقع، وخارجة من رحم المحنة. أي أنها من قبيل تحصيل الحاصل ليس إلا!! إن للقارئ العربي الذي يقرأ مجلة "العربي" وسط عياله وأهله وأسرته، أحسب أنه صار يعرف الآن أن هناك 650 أسرة كويتية وعربية وإسلامية - في الكويت وخارجها - ينتظرون على مدى سنتين كاملتين "حلا عربيا" لمحنة آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم الأسرى المرتهنين لدى النظام العراقي. كما أن الكويتيين جميعهم يعتبرون هذه القضية هي قضيتهم الأولى وجرحهم الوطني الأهم. فتراهم يحملونها معهم حيثما كانوا.

إن إخوتنا العرب الذين كانوا يعولون كثيرا على "الحل العربي" لمحنة احتلال الكويت، مدعوون اليوم إلى القيام بدورهم العربي الإنساني، لوضع نهاية لمأساة الأسرى والمفقودين، ومعاناة أهاليهم وذويهم. ذلك أن استمرار هذه المأساة كل هذه المدة يفضي - بالضرورة - إلى استمرار وتفاقم التشرذم والتمزق، وكل الآثار المأساوية لمحنة احتلال الكويت.







لقد طال انتظاري لوحيدي الغالي فهل من مجيب؟.. أنه نداء هذه الأم الحزينة





يحدق في الصور لعله يعثر على ذويه بين تلك الصور





خواطر أب لأسير كويتي





جنود الاحتلال العراقي يداهمون بيتا في مدينة الكويت





الأسرى الكويتين العائدون بعد التحرير





أب عائد مع ابنته في مركز تجمع  الأسرى قاعة شيخان الفارسي





ابن الكويت يشارك حملة الإفراج عن الأسرى





عائد من الأسر





بنات الكويت في حملة تذكير العالم بأسرنا لدى نظام صدام