اليهودية في ضوء العلم طارق خالد الحجي

 اليهودية في ضوء العلم

ماذا سيجد علماؤنا لو تجاوز بعضهم الأفكار المتوارثة والمتداولة وقاموا بإجراء الأبحاث والدراسات العلمية المتعلقة بالدين والتاريخ القديم مع التركيز على تاريخ اليهودية وتسليط ضوء العلم على ادعاءات اليهود، وبشكل خاص تلك الادعاءات التي ينسبون أنفسهم فيها إلى فلسطين وإلى الأنبياء الموحدين كسيدنا إبراهيم وذريته والنبي موسى وداود وسليمان؟

لو اجتهد علماؤنا ومفكرونا بمعالجة هذا الموضوع الجوهري - بشرط الابتعاد عن خرافات التوراة اليهودية - والتزموا المنهج العلمي وكل ما يفرضه العقل والمنطق، لوجدوا أن الأدلة العلمية والتاريخية تشير إلى أن يهود العالم ينحدرون من نسل مختلف الجماعات التي اعتنقت اليهودية كديانة عبر مختلف العصور، وأنه لا علاقة لهؤلاء المتهودين وأجدادهم بفلسطين أو الأنبياء من إبراهيم وذريته إلى موسى وداود وسليمان، أو حتى ببني إسرائيل أو العبريين.

كما أن البحث الشامل والعميق سيبين أن اليهودية ديانة عنصرية من صنع كهنة، لا تمت للتوحيد بأية صلة حيث يقدس أتباعها إلها خياليا خاصا بهم اسمه "يهوه"، وكتبها ليست وحيا، بل إنها كتب مزورة قام بتأليفها كهنة وكتبة منحرفون في عصور الجهل والتخلف، ويستحيل أن تصدر كعقيدة أو رسالة عن أنبياء الله المرسلين.

الادعاءات اليهودية

ولتوضيح ما نرمي إليه سنتعرض إلى بعض أهم الادعاءات اليهودية ونكشف بالأدلة القاطعة مدى الزيف فيها وتناقضها مع الحقيقة والمنطق، ثم سنقدم بعض الأمثلة على المؤلفات المتداولة بنوعيها: تلك التي تحتوي على الأخطاء الشائعة، وأخرى.. هي أقرب إلى الصواب والواقع، والتي نستطيع أن نستمد منها الكثير من المعلومات والحقائق التاريخية والدينية. ولكن قبل أن نتعرض لأهم الادعاءات الوهمية المستمدة من خرافات التوراة اليهودية وأساطيرها، تجدر الإشارة إلى أن الأدلة العلمية اليوم تكشف لنا أن اليهودية ظهرت في بابل خلال القرن السادس قبل الميلاد على يد جماعة من كهنة اليهود الذين لا علاقة لهم بالأنبياء الموحدين سواء إبراهيم أو أحد من ذريته، أو موسى وأتباعه، لا من ناحية العرق والأصل ولا من ناحية العقيدة والدين. والحقيقة هي أن أولئك الكهنة قاموا بأكبر عملية تزوير في التاريخ عند تدوين توراتهم المزيفة، التي هي مصدر العقيدة اليهودية، والتي لا علاقة لسيدنا موسى بها وبأباطيلها المضللة. ونستدل من تسلسل أحداث التاريخ أنه بعد نمو وتطور اليهودية في بابل بدأت هذه العقيدة في الانتشار على مدى قرون متتالية بين جماعات مختلفة تنتمي إلى شعوب وقبائل من مختلف الأجناس كان آخرها قبائل الخزر الذين اعتنق ملوكهم اليهودية خلال القرن التاسع الميلادي، والذين ينحدر من نسلهم يهود أوروبا الشرقية بعد انتشار اليهودية بينهم. ويعود أصل معظم يهود العالم اليوم إلى أحفاد الخزر في روسيا وبولندا. وغني عن الذكر أن العرب أنفسهم كان بينهم قبائل أو فروع من قبائل اعتنقت اليهودية في اليمن والحجاز كديانة، تماما كما انتشرت المسيحية في عدة أقطار قبل ظهور الإسلام. كما أن الفهم السليم للتاريخ المبني على أسس علمية يفرض علينا اليوم التمييز بين يهود العالم، أي أحفاد المتهودين، واليهود القدماء، وكذلك بنو إسرائيل والعبريون، كأربع مجموعات بشرية مختلفة عن بعضها البعض، لا روابط عرقية أو تاريخية مشتركة فيما بينها كما يتوهم اليوم من وقع في متاهات أفكارهم الملفقة، فالخلط بين هذه الجماعات المختلفة وجعلها شعبا واحدا ومن أصل واحد لا أساس له من الصحة، بل مصدره الكذب والتزوير.

اليهود والقرآن الكريم

نسب اليهود أنفسهم وأصلهم زورا إلى سيدنا إبراهيم وذريته وسيدنا موسى ورسالته دون أن ينتبه أحد إلى مدى الكذب والباطل في هذا الافتراء الملفق. ولو بادر العلماء العرب في سلوك المنهج السليم في أبحاثهم ودراساتهم لاستطاعوا التصدي لهذه الادعاءات اليهودية الكاذبة بسهولة. فقد كشف القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا زيف هذه الافتراءات في عدة سور وآيات، يكفينا هنا أن نقدم آية واحدة منها فقط وهي الآية "67 " من سورة آل عمران والتي تقول: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. وهذا تحذير واضح ونهي صريح يؤكد عدم ارتباط سيدنا إبراهيم عليه السلام باليهود أو اليهودية. وبناء على هذه الآية وآيات أخرى يتكرر ذكرها في القرآن الكريم نستدل على أن ما جاء ذكره عن سيدنا إبراهيم يشمل ليس فقط سيدنا إبراهيم، بل أيضا قومه وذريته وموسى وداود وسليمان، لأن جميع هؤلاء الأنبياء هم على دين التوحيد الذي نادى به إبراهيم من قبلهم، وينتمون إلى نفس العرق الذي ينتمي إليه سيدنا إبراهيم، وهو العرق العربي نسبة إلى الجزيرة العربية، التي خرجت منها جميع تلك القبائل القديمة التي استقرت في مختلف أنحاء منطقة الهلال الخصيب منذ آلاف السنين. ونبدأ بتكوين فكرة أقرب إلى الصواب عندما نتعرف من مجرى أحداث التاريخ وتسلسل مراحله المختلفة أنه لم يكن لليهود أو اليهودية وجود في عصر سيدنا إبراهيم وموسى أو حتى داود وسليمان. وسبب المغالطة هو أن كهنة اليهود الأوائل عندما دونوا أسفار توراتهم في عصور لاحقة في بابل وبعد قرون من زمن إبراهيم وموسى نسبوا أنفسهم زورا إلى هؤلاء الأنبياء الكرام لأغراض تتفق مع أهدافهم ومخططاتهم الهدامة والمضللة. والقرآن الكريم مليء بالآيات المتكررة التي تشير وتؤكد هذا التزوير والتحريف الذي مارسه كهنة اليهود على مدى قرون، وسيجد العلماء العرب في المكتشفات الأثرية الحديثة ودراسة المصادر القديمة المكتشفة ما يؤكد كل ما جاء في هذه الآيات القرآنية من تصريحات ومعلومات تكشف بطلان الادعاءات اليهودية الملفقة وتناقضها مع الحقائق التاريخية.

المتهودون بالاعتناق

وبناء على عنصرية العقيدة اليهودية يزعم هؤلاء المتهودون الدخلاء بأنهم من نسل بني إسرائيل، وأنهم شعب واحد قائم بذاته وله قوميته الخاصة. وتمادوا بعنصريتهم حتى زعموا أنهم "شعب الله المختار"، وأنهم يتميزون على جميع الشعوب بتفوقهم ونبوغهم، واعتبروا أنفسهم واليهود القدماء وبني إسرائيل والعبريين شعبا واحدا، بينما نستطيع اليوم بفضل العلم والأدلة التاريخية أن نفصل بين هذه المجموعات المختلفة التي عاشت في أوطان وأقطار مختلفة وفي عصور ومراحل مختلفة من التاريخ. وسنوضح بعد قليل الفرق بين هذه الجماعات الأربع، التي أدى الربط بينها دون وعي أو تمييز إلى ملابسات ومغالطات لا حصر لها، شوهت حقائق التاريخ.

وما يهود اليوم إلا يهود بالاعتناق، أي أنهم ينحدرون من نسل مختلف الجماعات التي اعتنقت الديانة اليهودية في الشرق والغرب. إنهم هؤلاء المتهودون الدخلاء الذين يتبجحون اليوم بأن لهم وطنا خاصا بهم في فلسطين وعدهم به "الرب" أي إلههم الوهمي "يهوه"! هذا ضمن مئات الادعاءات الباطلة المتعلقة بالدين والتاريخ والتراث الحضاري والفكري التي يستمدونها من خرافات وأساطير توراتهم المزيفة، والتي لا تستند إلى واقع أو دليل.

إن البحث العلمي اليوم يوفر لنا الأدلة القاطعة التي تؤكد انتماء اليهود من ناحية الأصل إلى عدة أجناس وقوميات، بعد انتشار اليهودية كديانة، تماما كما انتشرت المسيحية في مختلف الأقطار، وكما أنه لا توجد قومية مسيحية، فكذلك لا توجد قومية يهودية، ومن المستحيل اعتبار يهود العالم شعبا واحدا ومن أصل واحد. هذا هو الاستنتاج المنطقي للعديد من الأبحاث والفحوصات المختبرية التي أجريت على عينات من اليهود والتي تؤكد انتماء هؤلاء اليهود إلى نفس جنس الشعب الذي يعيشون في وسطه. فيهود إيران على سبيل المثال من الإيرانيين، ويهود اليمن من اليمنيين، ويهود الفلاشا من الأحباش الأثيوبيين، ويهود الغرب من الخزر والأوربيين.. وهكذا. وبالبحث العلمي نستطيع أن نستخلص الأدلة القاطعة التي تؤكد أنه لا علاقة لهؤلاء المتهودين الغرباء وأسلافهم بأرض فلسطين، التي كانت وطن الكنعانيين العرب، واستمرت هكذا على الرغم من كل ما تعرضت له عبر العصور المختلفة من غزو واستعمار نتيجة موقعها الجغرافي.

دلالة الأسماء

وعلى الرغم من التفسيرات المختلفة التي نسبت إلى اسم إسرائيل نرى أن أقرب معنى له هو يسر إيل، كما أن اسم يعقوب هو اسم عربي صميم مشتق من فعل عقب ويعقب. وهكذا حتى إذا أمعنا النظر في كلمات وتسميات أخرى مثل أورشليم وصهيون لوجدنا أنها تسميات كنعانية أطلقها سكان. فلسطين على مناطق سكناهم منذ آلاف السنين. بل قد نتوصل بعد البحث إلى نتائج تدل على أن اللغة التي يدعي اليهود أنها لغتهم - أي العبرية - هي عبارة عن خليط من لهجات اللغات السامية القديمة التي تعود في أصلها إلى شعوب الجزيرة العربية. كما سنكتشف أن كلا من العبريين وبني إسرائيل يعودون بأصلهم إلى قبائل عربية قديمة تعرضت للانقراض أو الذوبان في بوتقة الشعوب المجاورة، ولا علاقة لهم باليهودية كديانة أو اليهود وأسلافهم المتهودين بأي شكل من الأشكال.

لن يكون مستغربا لو بحثنا في أصل كلمة "يهوذا" التي اشتقت منها تسمية اليهود، أن نجدها في مراحلها الأولى تسمية كنعانية الأصل لمنطقة من مناطق فلسطين، مما أدى إلى تسمية سكانها باليهود، دون أن يكون لهذه الكلمة معنى عرقي أو ديني، وقبل أن يكون لليهود أو اليهودية وجود بالمعنى المتداول اليوم. ثم اكتسبت الكلمة معناها الحالي كاصطلاح بعد ظهور اليهودية في بابل نتيجة للسبي. وبعد انتشار اليهودية كديانة بين جماعات مختلفة من البشر، أطلق على أتباع هذه الديانة اسم يهود أينما وجدوا في مراحل لاحقة من التاريخ. وهكذا أصبح كل من اعتنق اليهودية مهما كان أصله أو جنسه "يهوديا" دون أن يكون له أدنى علاقة بإقليم بهوذا أو فلسطين، بعد شيوع هذه الكلمة كاصطلاح. هذه هي إحدى أهم الملابسات التي أدت إلى مغالطات فظيعة قلبت حقائق التاريخ وساعدت على تفشي خرافات اليهود.

اليهود والكتاب العرب

وقد تأثر كتابنا وعلماؤنا العرب وعلى مدى قرون بالروايات الوهمية المستمدة من كتب اليهود، كما تأثروا بما ينشره المؤلفون الأجانب من دراسات حول هذا الموضوع، وكثيرا ما يتم نقل الأفكار المتداولة دون أدنى تدقيق أو تمحيص. وسنقدم فيما يلي بعض الأمثلة بإيجاز شديد لتوضيح مدى فداحة الأخطاء الشائعة، والتي نأمل أن يعمل علماؤنا على تصحيحها حسب ما تمليه قواعد العلم والعقل والمنطق.

ومن أكثر المؤلفات انتشارا التي تعالج هذا الموضوع كتاب "اليهودية" للدكتور أحمد شلبي، وهو كتاب قيم ومفيد ولكنه يعود بأصل اليهود إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، ويفهم منه القارئ أن اليهود هاجروا مع النبي إبراهيم من العراق، وأن سيدنا إبراهيم عبري لأنه عبر النهر عندما هاجر إلى فلسطين! ولهذا السبب أطلق على اليهود اسم "عبريين". يقول الدكتور شلبي في كتابه "ص 30": "وأطلق أهل كنعان على إبراهيم ورفاقه العبريين، لعبورهم نهر الفرات.. أو لأنهم بدو متجولون يعبرون من واد إلى واد.." وفي كتابه يربط المؤلف بين سيدنا موسى واليهود وإلههم "يهوه" على أساس أنهم من بني إسرائيل دون الانتباه إلى الفرق بين اليهود وبني إسرائيل وقوم موسى. والخطأ هنا ليس فقط إهمال ما جاء في القرآن الكريم، بل كذلك اعتبار اليهود موجودين في جميع تلك العصور التي لم يكن لهم وجود فيها.

والكتاب الثاني الذي يمثل مؤلفات كثيرة كتبت حول نفس الموضوع هو "اليهود في القرآن" من تأليف عفيف عبدالفتاح طبارة الذي يبدأ بالآية "136" من سورة البقرة: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". وفي هذا الكتاب. يتحدث المؤلف عن سيدنا إبراهيم وذريته من الأنبياء والنبي موسى باعتبارهم جميعا يهودا كما فعل الدكتور أحمد شلبي في كتابه "اليهودية" ومئات بل آلاف آخرون من المؤلفين العرب والأجانب. وفي مقدمة هذا الكتاب التي كتبها الأستاذ شريف خليل سكر نجد العبارة التالية التي تشكل محور موضوع الكتاب "ص 8": "فإبراهيم هو أبو الأنبياء وجد اليهود والنصارى والمسلمين، وهو الصلة الروحية التي تجمع بين هذه الأديان الثلاثة". هذا هو الرأي الشائع على الرغم من تناقضه الفاضح مع الآية "67" من سورة آل عمران التي سبق أن أشرنا إليها والتي تؤكد أن سيدنا إبراهيم هو أول المسلمين، وتنفي علاقته باليهودية أو المسيحية بكل صراحة ووضوح. ولا ندري لماذا يهمل العرب هذه الآية بالذات!.

والكتاب الثالث الذي نريد الإشارة إلى بعض ما ورد فيه هو بعنوان "أمجاد إسرائيل" للدكتور جورجي كنعان، والذي يعتبر فيه المؤلف أن جميع الأنبياء مثل يعقوب وموسى وداود من اليهود ويصب عليهم جام غضبه. ويقدم فقرات من روايات التوراة اليهودية المتعلقة بسيرة هؤلاء الأنبياء كما جاءت في تلك الروايات الملفقة ويعلق عليها وكأنها روايات واقعية بكل ما تحتويه من آثام وجرائم ومخاز حيث يتم فيها تصوير هؤلاء الأنبياء كمحتالين ومجرمين دون أن ينتبه الدكتور إلى أنها روايات كاذبة وهمية من صنع خيال كتبة التوراة ولاتعدو أكثر من افتراءات باطلة نسبها أولئك الكتبة المنحرفون إلى هؤلاء الأنبياء الكرام الذين نعلم علم اليقين أنهم منزهون عن ارتكاب الرذائل ومعصومون من كل ما نسبه إليهم مدونو التوراة من أعمال مخزية كالكذب والسرقة والزنى. ولكن قارئ هذا الكتاب يفهم منه أن يعقوب وموسى وداود كانوا من أسلاف اليهود وأن هذه الروايات الكاذبة حقيقية وواقعية. ونورد على سبيل المثال بعض ما يقوله الدكتور عن يعقوب في صفحة "55" بعد سرد فقرات من سيرته الوهمية التي لفقها مؤلفو التوراة عند تعامله مع أخيه وخاله واحتياله عليهما وباعتبارهم جميعا يهودا، يقول: "ويعقوب الذي تسلح في معاملته لأخيه وخاله بالطبع الملتوي والخلق النهاز والحرص الأناني والعمل بالغدر والخديعة.." وينقل عن أحد الكتاب الأجانب قوله عن النبي يعقوب وما قام به من أعمال النصب والاحتيال التي يفخر بها كتبة التوراة اليهودية فيقول في ص "53 ": "هذه الحوادث في حياة يعقوب، التي تعبر عن طواياه السيئة، ونواياه الخداعة، وجشعه المطلق وتسلحه بالمكر والتلون، هي نماذج مما تحفل به حياته التي استوت على الغدر وازدهرت بفضله. وهو بدوره يعتبر نموذجا حقيقيا لأخلاق أتباعه. وعلى هذا تعتبر تسميتهم باسمه ميراثا دقيقا". ويخاطب المؤلف في موضع آخر القارئ قائلا "ص 50": "وهكذا يتضح لك أن بيت إسحق كل ما فيه قائم على النفاق والخداع والغدر والصراع".

... ونظرة أخرى إلى اليهود

بعد أن أوردنا ثلاثة نماذج من الكتب المتداولة وأوضحنا بعض ما تحتويه من أخطاء جسيمة وشائعة، نورد بإيجاز شديد ثلاثة نماذج أخرى من الكتب النادرة التي تحتوي على الكثير من المعلومات الصحيحة والتي يجد فيها القارئ كثيرا من الفائدة. ونبدأ بالإشارة إلى كتاب الدكتور الفرنسي موريس بوكاي وهو بعنوان "القرآن والتوراة والإنجيل والعلم" وموضوعه كما هو واضح من العنوان هو المقارنة بين هذه الكتب التي يعتبرها الناس مقدسة ومدى تطابق أو توافق محتوياتها مع معطيات العلم الحديث. ومما يؤكده الدكتور بعد القيام بالبحث والدراسة أن التوراة اليهودية تناقض الحقائق العلمية والتاريخية وتتعارض معها. فهو يقول بكل صراحة: "إن التوراة تحتوي على أخطاء ذات طابع تاريخي". ثم يضيف في موضع آخر أنه لاحظ في الأسفار اليهودية "أخطاء تاريخية وأمورا متناقضة وأخرى غير معقولة أو يستحيل أن تتفق مع المعطيات العلمية الثابتة". ويشير إلى أنه وجد في نصوصها تناقضا حتى في الموضوع الواحد. ويؤكد مثلا على أن المعلومات الواردة في سفر التكوين عن بداية خلق الكون والإنسان تتنافى مع الحقائق العلمية وتناقضها، ويشير إلى أن: "في سفر التكوين توجد أكثر المتناقضات وضوحا مع العلم الحديث".

أما صحة القرآن الكريم واتفاق ما جاء في آياته من معلومات مع معطيات العلوم الحديثة، فإنه يصرح بأنها أثارت دهشته، لأنه لم يكن يتوقع هذا التوافق بين كتاب ديني والمعارف العلمية، ويعترف قائلا: "بداهة يثير الجمع بين القرآن والعلم الدهشة، وخاصة أن المقصود في علاقة الجمع هذه هو التواؤم بين الاثنين وليس التنافر". ويؤكد في موضع آخر أن: "صحة القرآن التي لا تقبل الجدل تعطي النص مكانة خاصة.. ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة لا العهد القديم ولا العهد الجديد". ويقول عن الآيات المتعلقة بالظواهر الطبيعية "أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم.. "، ثم يضيف: "ومما يثير الدهشة ثراء الموضوعات المعالجة.."، ويؤكد أنه: "على حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ".

إن ما يعالجه الدكتور بوكاي في كتابه على الرغم من أهميته، إنما هو جزء بسيط جدا من الفرق الشاسع بين القرآن الكريم الذي هو وحي منزل، والتوراة اليهودية بأباطيلها وخرافاتها التي ألفها كهنة اليهود في الخفاء للانحراف بالدين عن رسالة الأنبياء والوحي الحق.

ولكن أليس من العجيب أننا نشرف على القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك يتمسك الملايين من البشر حول العالم بكتب مثل هذه التوراة اليهودية المليئة بالأخطاء والمتناقضات والأباطيل، ويصرون بكل عناد على أنها كتب مقدسة، ويزعمون أنها تحتوي على شريعة الأنبياء ووحي من الله، بينما هي في الواقع تتنافى مع أدنى قواعد وأسس العلم والمنطق!.

ولا بد من ذكر الكتاب الذي ألفه الدكتور أحمد سوسة تحت عنوان "مفصل العرب واليهود في التاريخ" الذي يحتوي على كثير من المعلومات المفيدة والذي يتناول فيه المؤلف الهجرات الكبرى التي خرجت من الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ والحضارات التي تأسست في المشرق العربي وتطور الأديان في المنطقة، ويشير إلى أن أصل سيدنا إبراهيم يعود إلى تلك الشعوب القديمة التي جاءت من موطن العرب، ويؤكد أن عقيدة التوحيد هي عربية الأصل منذ أقدم العصور. ويقول: "إن الإله الذي كان إبراهم الخليل يدعو لعبادته هو غير إله اليهود الذي تصفه التوراة، لأن دعوة إبراهيم الخليل لعبادة الإله الواحد كانت دعوة عامة موجهة إلى جميع السكان الوثنيين في عصره بلا استثناء، الإله الأوحد خالق السموات والأرض وجميع البشر، رب جمع المخلوقات بدون تمييز بين الأقوام". ويضيف قائلا: "ولم تخطر على بال إبراهيم فكرة الشعب المختار، وهي البدعة التي اختلقها مدونو التوراة.. بعد ربطها بإبراهيم الخليل. إذ لا يمكن أن تكون هذه الادعاءات منزلة من الإله خالق السموات والأرض الذي دعا إبراهيم الخليل إلى عبادته قبل أن يكون قد ظهر اليهود بعدة قرون. لذلك كله تعتبر دعوة إبراهيم الخليل إلى الوحدانية الخالصة أول دعوة عامة للتوحيد بالمعنى الدقيق لمصطلح التوحيد Monotheism في تاريخ البشرية، وهي عربية لغة ووطنا". ويضيف في موضع آخر قائلا: "لو استعرضنا تسلسل الأحداث التاريخية الواقعية لتوصلنا إلى أن إبراهيم الخليل لم يرتبط بأية صلة باليهود لا من حيث العصر ولا من حيث المبدأ أو العقيدة ولا من حيث اللغة أو القومية". ويشير الدكتور إلى فكرة التفرد أو التفريد التي هي أساس الديانة اليهودية العنصرية والتي تختلف جذريا عن عقيدة التوحيد التي نزل بها الوحي فيقول: "لما ظهر اليهود عبدوا إلههم الخاص بهم، الذي سمي باسم "يهوه" إلاله الذي لا يهمه من العالم والخلق سوى اليهود أو شعبه المختار.. وهكذا كان الإله الذي تصوره اليهود إلها قبليا خاصا بهم، وينافي آلهة الأقوام الأخرى ويحارب معهم".

وأخيرا نذكر كتاب المؤلف اليهودي آرثر كوستلر بعنوان "القبيلة الثالثة عشرة" للتأكيد على أن يهود العالم اليوم هم من المتهودين الذين لا علاقة لهم ببني إسرائيل أو العبريين أو حتى اليهود الأوائل حسب ما يدعون، مع تشدقهم بوجود جنس يهودي يتفوق على جميع أجناس البشر. يقول كوستلر في كتابه مخاطبا القارئ: "حاولت أن أظهر اتفاق الأدلة الأنثروبولوجية مع التاريخ في رفض الاعتقاد الشائع بوجود جنس يهودي منحدر من القبيلة التوراتية". ثم يضيف قائلا: "قمت بتجميع الأدلة التاريخية التي تثبت أن الأغلبية العظمى من اليهود.. "يهود أوروبا الشرقية" ويهود العالم، هي من أصل تركي - خزري وليست من أصل سامي".

ويحتوي هذا الكتاب - كما يشير مؤلفه - على مختلف الأدلة العلمية والتاريخية التي تؤكد أن يهود العالم لا يشكلون شعبا واحدا ولا تجمعهم قومية واحدة أو أصل واحد كما يدعون، فهم في الحقيقة خليط من المتهودين الذين ينحدرون من نسل جماعات اعتنقت اليهودية كديانة عبر العصور، ولا علاقة لهم بفلسطين أو الأنبياء والرسل وعقيدة التوحيد بأي شكل من الأشكال. وأخيرا لا يسعنا إلا أن نترك الموضوع بيد علمائنا، لعلهم يقومون بالواجب لكي تستفيد البشرية!.

 

طارق خالد الحجي