البيت العربي: عرض للأزياء الكويتية والمغربية.. أطياف النخوة والدلال

البيت العربي: عرض للأزياء الكويتية والمغربية.. أطياف النخوة والدلال

بفضاء «قصر الثقافة» المطل على زرقة الأطلسي بأصيلة المغربية، أو بفضاء «قصر الريسوني» كما يطلق عليه نسبة إلى «أحمد الريسوني» الريفي الأصل والذي حسب ما تروي كتب التاريخ أنه بسط نفوذه على مدينة أصيلة المغربية والمناطق المجاورة مع بدايات القرن الماضي، كما عرف باختطافه للأجانب، من بينهم أميرة إنجليزية سخر فدية إطلاق سراحها لبناء هذا القصر الذي نقرأ في لوحة رخامية تزين بابه الرئيسي أنه: «أعيد افتتاحه بتاريخ 7 أغسطس 1998، بعد أن أعيد ترميمه وتوسيع مرافقه، بأريحية من الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، ليكون ملتقى للثقافات العربية والإسلامية مع ثقافات الشعوب والحضارات الأخرى، ومنبرًا للرأي الحر والحوار الخلاق ومقرًا يستضيف رجال الفكر والعلم والإبداع، وذلك إسهامًا من «مؤسسة منتدى أصيلة» في تعزيز قواعد التعارف والتبادل والتسامح».

بهذا الفضاء المضمخ بعبق التاريخ، كانت الذاكرة الحضارية الكويتية والمغربية تختال بتؤدة ودلال على سجادة مطرزة بوهج الألوان، بكامل نخوتها وبهائها ورنقها في عرض أزياء تقليدي كويتي ومغربي في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الـ33، حيث الكويت ضيف شرف المهرجان، في عرض أزياء نظمته مجلة «نساء من المغرب» المغربية، بتنسيق مع المصممة الكويتية رجاء البدر والمصممة المغربية سهام الهبطي اللتين أضفتا لمسات مخملية راقية على كل الأزياء، في هذا العرض الكويتي والمغربي كانت كل العيون تائهة حائرة بين تفاصيل وملامح الجمال في أبهى تجلياته، بين معمار تقليدي مغربي أندلسي يذكرنا بقصور الأندلس، وأزياء تقليدية كويتية ظلت تحافظ على عراقتها وروح البداوة وعبق الصحراء وإن رقصت أحيانا على إيقاعات عصرية بشكل أدهش الحضور المغربي، الذي انبهر بثراء الزي الكويتي الذي يعكس ثراء الإنسان الكويتي وعمقه التاريخي والإنساني، كما ظل الحضور مشدوها إلى أزياء تقليدية مغربية ظلت لزمن طويل مضى تقاوم بعناد وإصرار وفنية وإبداعية كل عواصف التغيير والتلاشي والتشويه، للبقاء والاستمرارية، حيث تعد أقدم الألبسة التقليدية، ويرجع بعض الباحثين أصولها إلى العصر المريني، كما انتشرت في الأندلس، حسب بعض الباحثين، بفضل الموسيقي «زرياب» في بداية القرن الـ 19 الذي اشتهِر بأناقته وعنايته بهندامه، وكان يرتدي هذا الزي حين انتقل إلى الأندلس.

كما تنوعت تصاميم الفنانة المغربية سهام الهبطي بين مختلف مناطق المغرب، ليتم التركيز على تصاميم من شمال المغرب وخاصة من أصيلة وطنجة وشفشاون، فكان العرض الكويتي والمغربي كتوليفة تقليدية متناغمة موشاة بتطريزات بديعة، منسجمة الألوان والإكسسوارات بألوان زاهية متوهجة تتلاءم وطبيعة وبشرة المرأة الشرقية العربية من الأحمر والموف والزهري والأسود..، وإن اختلف العرضان في التصميم والبيئة ونوعية القماش وخاصة القماش الكويتي المنسوج باليد من السدو والشانتون والقطن والحرير والشيفون والتول حسب ما أكدت المصممة الكويتية رجاء البدر، والقماش المغربي المصنوع من الدانتيل والمخمل والحرير و«الشبكة» المرصعة بالجوهر و«لورغانزا»، لكنهما يشتركان معا في روح الإبداع والابتكار والخيال، ويعكسان مهارة ورهافة وأناقة المصممتين الكويتية والمغربية، وحرفية الصناع التقليديين المتميزة بالجودة والإتقان والحفاظ على جوهرالصنعة في الزي التقليدي، عروض أزياء زادتها قدود العارضات المغربيات الحسان بهاء وروعة.

وما يميز هذه العروض التقليدية الكويتية والمغربية، هو استيحاء مادتها من الثرات والبيئتين المغربية والكويتية، مع إضفاء ملامح عصرية لضمان استمراريتها وتحبيبها لكل الأجيال وملاءمتها لروح العصر إرضاء لأكبر ذائقة، مغربية كانت أوعربية أو غربية. وبحضور الكويت كضيف شرف على موسم أصيلة الثقافي الـ33، أشرعت الذاكرة الثقافية والفنية والحضارية الكويتية أبوابها لكل عاشق للفن ولكل متعطش للثقافة والمعرفة، كانت فرصة سانحة للتعرف على الثقافة والتشكيل والموسيقى والزي التقليدي الكويتي والمغربي معا، وإن كان صدى الزي التقليدي المغربي يجلجل بقوة في أبهاء الوطن العربي والخليجي، حيث النساء الخليجيات وخاصة الكويتيات مغرمات بالزي التقليدي المغربي الطافح بالأنوثة والجمال والرقي، كما أن تظاهرة «قفطان المغرب» التي تنظم كل سنة، جذبت أنظار العالم للزي التقليدي المغربي، وجعلته موضع إشعاع وتألق، وإن كان ارتفاع الطلب على الزي التقليدي المغربي واختراقه لدور عرض الأزياء العالمية و«عصرنته» بشكل مبالغ فيه السبب أحيانا في مسخه وتحويله إلى منتوج أوربي بتصاميم خالية من ملامح الحشمة والوقار وفاقد لخصوصيته وهويته المغربية، بحيث أفادت الإحصائيات بأن 75في المئة من الإنتاج السنوي لمصانع شركات الملابس التقليدية في المغرب يتم تصديرها نحو الأسواق العربية والأوربية، لكن المرأة المغربية ظلت فطنة جدًا وواعية كل الوعي بمواطن الجمال والعراقة والأصالة في «التكشيطة» أو «القفطان» المغربي، لذلك فضلت أحيانا اللجوء إلى الخياط التقليدي بدلاً من المصممات الحديثات لقلة التكلفة المالية والقماشية، مؤثرة «التكشيطة المخزنية»، أي تلك الفضفاضة التي لم تمسسها مباضع التحديث ولا تنقرض موضتها بحيث تظل صالحة لكل المناسبات ولزمن طويل، وتسمى بـ«المخزنية»، نسبة إلى نساء العائلة الملكية المغربية اللائي يحافظن بقوة على الزي التقليدي المغربي في كل المناسبات الدينية الوطنية والعائلية، بحيث يعد الزي التقليدي المغربي الأصيل اللباس الرسمي للأميرات المغربيات سواء داخل المغرب أو خارجه.

وإذا كانت تصاميم الأزياء التقليدية الكويتية التي عرضتها المصممة الكويتية رجاء بدر غير محببة عند النساء الكويتيات في المناسبات والحفلات، وصممتها فقط حفاظا على التراث كما صرحت بذلك، فإن «التكشيطة» و«الجلابة» المغربية هما نخوة ورفعة ومفخرة المرأة المغربية في كل المناسبات الدينية والعائلية ومن جميع الطبقات الاجتماعية، وخاصة في شهر رمضان وفي الأعياد الدينية وحفلات العقيقة والزفاف والختان، حيث يسارعن للتباهي بأجمل ما لديهن من تصاميم وأثواب، إيمانا منهن بأن جمال المرأة المغربية لن يتفرد ويتألق إلا في جبة «التكشيطة» أو«الجلباب» أو «القفطان» المغربي.

والأزياء التقليدية تتألق عادة في الأعراس، وكلباس للعروس التي لم يعد يستهويها اللباس العصري ولا تجد للزي التقليدي بديلا، لهذا كان من المستحب أن يختتم هذا العرض بزفة للعروس الكويتية والمغربية، تخللتها فقرات موسيقية غنائية عرفت مشاركة المطربة المغربية ليلى البراق والمطرب الشعبي المغربي خالد البناني، موسيقى وأزياء وفضاء تاريخي جعل العرض أشبه بعرس حقيقي، تمازجت فيه ثقافتان وحضارتان كويتية ومغربية، وانصهرت فيه ألوان وتصاميم وأعلام البلدين، وذابت فيه كل الحدود والجغرافيات بحيث لا سلطة ولا سيادة ولا تألق إلا للغة الخلق والابتكار والإبداع.
---------------------------------
* شاعرة من المغرب.

 

 

 

إكرام عبدي