مطبخ: البايللا والكبسة والمجبوس والبيلاف تنويعات للبرياني

مطبخ: البايللا والكبسة والمجبوس والبيلاف تنويعات للبرياني

رحلة الأرز المطهو مع اللحم والتوابل
من إيران والهند لإسبانيا

  • «البايللا» الإسبانية تحمل جذورها من البرياني والمجبوس (المكبوس).
  • ينتشر البرياني في المناطق المسلمة بشرق آسيا وخاصة ماليزيا وسنغافورة والفلبين إضافة للهند
  • «البيلاف» هو الأرز المطهو بالمرق على طريقة البرياني لدى الأتراك وشرق أوربا

يقال إن الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان، لكن تتبع تاريخ بعض الوجبات التي تتناولها كلتا الثقافتين أحيانًا تشكك في هذه المقولة، وبينها طبق إسباني شهير هو «البائية» المكون من الأرز المضاف إليه أصناف من لحوم أو أسماك وخضراوات، ما يذكرنا - مثلا - بالبرياني المعروف في كل من منطقتي الخليج العربي والهند، فما قصة هذا الطبق الشهير وما رحلته بين الثقافات؟

كانت إيران والهند ودول شرق آسيا أول من عرف الأرز البسمتي طويل الحبة، وصنعت منه أطباقها المختلفة والتي تميزت بتنوعها خاصة مع استخدام مكونات كثيرة، منها اللحم والدجاج والخضراوات وإضافة التوابل الآسيوية ذات المذاق المميز. وبالرغم من ذلك تشتهر إسبانيا بطبق مشابه هو «البايللا» أو كما تنطق بالإسبانية « البائية»، والتي يقال إن أصول الكلمة مشتقة من اللغة العربية وهي تعني كلمة «البقية» أي بواقي الطعام. وهذا الطبق يتكون من الأرز طويل الحبة يطهى مع الخضراوات واللحم أو الدجاج أو السمك كالبرياني والكبسة وما يماثلهما من المطبخ الخليجي. فكيف كانت رحلة البرياني من آسيا إلى أوربا وكيف انتهت على ضفاف المحيط الأطلسي؟

أولا: يشتهر طبق البائية في جنوب إسبانيا وخاصة بلنسية في الأندلس والتي كان يحكمها العرب منذ الفتح الإسلامي لها إلى عام 1492م... فقد كان العرب هم أول من أحضروا معهم الأرز لإسبانيا في القرن الثامن الميلادي وأحضروا معه التوابل والبهارات كالزعفران والقرفة والتي تعرف أيضا بالدارسين والقرنفل وجوزة الطيب وكلها مكونات أساسية في البائية كما البرياني.

تعد «البائية» بثمار البحر أكثر أطباق البائية انتشارا في قوائم المطاعم العالمية وتعرف بالبائية من بلنسية. وبالرغم من أن البائية لا تصنع فقط بخليط من البحريات كالروبيان والمحار والحبار والسمك ولكن تصنع أيضا بالدجاج ولحوم الطيور كالأرانب. ويقال إنها كانت وجبة الفلاحين في المزارع الإسبانية في الجنوب، حيث كانت تطهى في الحقول في طنجرة واسعة ويوضع فيها الأرز والزعفران والتوابل المختلفة مع القواقع، التي كانت الأرخص ثمنًا ويتناولها الجميع من الطنجرة بالملاعق الخشبية. وفي بعض الأحيان كان يستخدم الدجاج والأرانب. وتطور الطبق وأصبح صنفا يطهى في المنزل في إجازة نهاية الأسبوع وتوضع فيه بقايا الخضراوات واللحوم والدجاج المتوافرة.

وقد عرف العرب الأرز البرياني من المطبخين الفارسي والهندي، فالبرياني طبق فارسي الأصل وتعني كلمة برياني في اللغة الفارسية «مقلي أو محمص»، وقد انتقل من بلاد الفرس إلى الهند. ويرجع أصل البرياني الإيراني لسلالة الصفويين التي حكمت إيران من القرن السادس عشر حتى الثامن عشر. ويذكر أنه كان يطهى في فرن التنور (الخبز الإيراني) وكان الدجاج أو اللحم ينقع طوال الليل في الزبادي والبهارات ثم يطهى مع الزبيب والقراصيا ويقدم بجانب الأرز المطهو على البخار أو على مرق اللحم.

أما البرياني الذي نعرفه اليوم بشكله التقليدي فهو البرياني الهندي، الذي تطهى فيه المكونات جميعها في طنجرة واحدة. وتختلف طرق طهي البرياني باختلاف المناطق في الهند، فالبرياني الذي يطهى في حيدر آباد يختلف عن بقية المناطق وإن كان أشهرها ويعرف باسم كاتشي آخني ويتم طهو اللحم مع الأرز معًا. وقد تخلص البرياني الهندي من القراصيا والزبيب حسب الوصفة الإيرانية، كما أنه لا يحتوي على الخضراوات كما في البائية الإسبانية.

ومن أشهر أنواع البرياني في الهند الباتكالي برياني وهو من أطباق المنطقة الساحلية لولاية كارنتاكا ويتميز بلونه البني لوجود نسبة كبيرة من البصل المقلي في مكوناته وهي الطريقة تقريبا التي تقدم في دول الخليج العربي. وهناك برياني كلكتا، تلك المدينة الشهيرة في الجانب الشرقي من الهند، وفي باكستان يطلق على البرياني «طاهري» ويحتوي على الخضراوات فقط، بينما يضاف إليه اللحم في بنجلاديش.

ويقدم البرياني أيضًا في العديد من الدول الآسيوية مثل ميانمار، حيث يسمى دانبوك ويحتوي على الكاشو والزبادي والزبيب والبسلة، بالإضافة إلى التوابل التقليدية كالزعفران والقرنفل والدارسين وورق الغار. ويعد البرياني طبقًا رئيسيًا عند مسلمي تايلاند ويعرفونه باسم خاوموك، ولدى مسلمي سريلانكا أيضا يصنع البرياني مع الدجاج ولحم العجل أو الغنم ولكن في نسخة حارة وبتوابل أكثر من البرياني الهندي. أما في ماليزيا وسريلانكا فيقدم في الأعراس وخصوصا لدى المسلمين ويسمى «ناسي برياني». وأخيرا يتواجد البرياني في الفلبين في بامبانجا وهي الجزء الشمالي لجزيرة لوزون، وأيضا في الجنوب بالمناطق المسلمة من الفلبين وهي مناداناو وأرخبيل سولو ويقترب في وصفته من «ناسي برياني» الماليزي.

البرياني ينضم للمطبخ الخليجي ويغير هويته أيضًا:

ولم يستقر البرياني كثيرًا في موطنه الآسيوي وإنما عبر الخليج العربي لينتقل لشبه الجزيرة العربية ودول ساحل الخليج، وقد احتل مكانة كبيرة في كل مطابخ المنطقة بالإضافة إلى اكتسابه لمسات محلية واسما مختلفًا من بلد لآخر. فبالرغم من أن البرياني بطريقة طهيه الهندية الأصلية يعد طبقا أساسيا من أطباق المطبخ الخليجي، إلا أن كل بلد غير في وصفته الرئيسية وأضاف له لمساته، الخاصة من التوابل (الابزار) ليصبح اسمه «القبولي» في عمان و«الكبسة» في السعودية و«المكبوس» أو كما تنطق «المجبوس» في الكويت و«المشبوس» في الإمارات والبحرين وقطر.

فالقبولي العماني يعد من أشهر أطباق الأرز في سلطنة عمان ويتم تحضيره بعدة طرق. ويعتبر في أغلب المناطق بالسلطنة الطبق الذي يتم إعداده في الولائم وخاصة حفلات الزفاف وبعض المناطق تفضله بالأعياد. ويحتوي القبولي في بعض المناطق على البطاطا والزبيب الأسود أحيانا وهو يطهى في الأغلب مع لحم الضأن. وفي المنطقة الداخلية يتم طهو القبولي مع الدجاج حيث يضاف إليه الحمص الأصفر والزبيب والزعفران وماء الورد والبهارات العمانية والقرفة والهيل. كما يقدم القبولي ومعه نوعان من الصلصة: المقشد وهو عبارة عن بصل مقطع إلى جوانح يتم تقليبه في قليل من الزيت ثم يضاف إليه الهيل الحب والفلفل الأسود الحب (اختياري) ورشة ملح وبعد احمرار لونه يضاف إليه الزبيب المنقوع بالماء والحمص المطبوخ ونتركه على نار هادئة حتى تمتزج المكونات جميعًا. وصلصة الطماطم وهي عبارة عن 4 حبات طماطم تطحن في الخلاط مع فصي ثوم وزعتر وليمون وفلفل أخضر حار وملح وهي تعرف في الكويت مثلا بالدقوس. أما المجبوس الكويتي والإماراتي فيمكن طهيه مع الدجاج أو الروبيان واللحم، ويتميز بتوابله الخاصة التي تختلف من بلد لآخر، بينما تقدم الكبسة في السعودية مع لحم الغنم أو الدجاج فقط.

البرياني يغزو أوربا عن طريق تركيا ويصبح اسمه «البيلاف»

البيلاف أو البيلاو هو الاسم الذي حمله البرياني عند انتقاله لآسيا الصغرى فعرف في التركية بالبيلاف وفي الكردية والأرمنية واليونانية بمشتقات للاسم نفسه، ومنها البيلاو. ويقدم في كل هذه البلاد بالطريقة نفسها تقريبًا وهو الأرز المطهو بالمرق قد يكون مع اللحم أو الدجاج ويتغير لونه فقد يكون بنيا بسبب البصل المقلي في السمن أو أصفر بسبب الزعفران.

وقد وصل البيلاف إلى تركيا بفضل الإسكندر الأكبر الذي ذاقه لأول مرة في ماراكندا التي عرفت بعد ذلك بسمرقند. وقد اصطحب جنود الإسكندر معهم هذه الوصفة إلى مقدونيا ومنها إلى أوربا الشرقية. كما انتقل هذا الطبق المتكامل في عناصره الغذائية إلى الإمبراطورية الروسية وحقق انتشارًا واسعًا في روسيا وجورجيا وأوكرانيا. وأصبح طبق الأرز المطهو مع اللحم وبالتوابل المختلفة طبقا شائعا في كثير من المطابخ الأوربية ويحمل عادة اسم بيلاف. وتختلف طريقة صنعه عن طريقة البرياني التقليدية، فالمطبخان التركي واليوناني يضمان أنواعا متعددة من البيلاف منها ما يدخل فيه الباذنجان الذي يعد مكونا رئيسيا في المطبخين ومنها ما يتكون من الأرز مع الزعفران فقط. ويعتبر بيلاف اسطنبول من أشهر الأنواع وأكثرها انتشارًا وهو يصنع من الدجاج وأنواع مختلفة من المكسرات مع المكون الرئيسي وهو الزعفران والأرز. كما يتضمن المطبخ اليوناني وصفات متعددة للبيلاف، كلها تعتمد على الأرز ومرق اللحم أو الدجاج ومن بينها بيلاف لحم الغنم والذي يشبه البرياني إلى حد كبير الا أنه مثلا يصنع بزيت الزيتون ولا يستخدم التوابل الكثيرة الموجودة في البرياني.

وفي النهاية قد تختلف المذاقات لكن يبقى الأصل واحدًا: الأرز البسمتي طويل الحبة والزعفران اللذان هما أساس أي طبق برياني، بائية، مكبوس، كبسة، قبولي أو بيلاف، ومهما تباينت وتعددت التوابل المستخدمة في هذه الأطباق ينتهي الأمر بطبق أرز باللحم أو الدجاج أو المنتجات البحرية، وسواء صاحبه دقوس أو صلصة أو لم يصاحبه يظل هذا الطبق وجبة غذائية متكاملة.
-----------------------------
* كاتبة ومترجمة من مصر.

 

 

 

هايدي عبد اللطيف*