مساحة ود

مساحة ود

كلُّنا مُقصّرون!

اليوم وأنا أرتّب مكتبتي عثرتُ بين صفحات أحد الكتب على بطاقة زرقاء اللون يدوية الصّنع، لهثَ قلبي وأنا اقلّبها ، صنعتها يداك الصغيرتان ذات عيد أمٍ قريبٍ بعيد رسمت على أحد وجهيها قلوباً ملونةً وعلى الجهة المقابلة «ماما أحبكي»، كتبتَها بخطٍ متعرِّج وبخطأ إملائي، لكنّها بالنّسبة لي أجمل من لوحة الموناليزا فناً وإتقاناً، ياه... تذكّرني وتحملني على أجنحة الصّور التي باتت بعيدة، أم صغيرة، حولي أطفالي، تأتيني البطاقات فأضعها هنا وأضيّعها هناك، لم أدرِِ كم هي ثمينة إلا بعد مرور السّنوات وتغيّر دفة العمر، أجدني أعثرُ على بعضها ويتعثّر قلبي بها كمن يتلقّى هبة لا تُقدّر بثمن.

يا حبة القلب «زيد» لكم أسعدتْني كلماتُك ورسوماتُك اليوم، سعادة لم أعرف قيمتها إلا بعد ما يزيد على العقد من الزمان! لكم فجرّت في نفسي ينابيع البهجة، آه يا بعضا من روحي، أحضن البطاقة وأطويها بحرص وألثمها بقلبي.

****

أمهاتٌ كثرٌ تبلل دموعُهن الوسائد وتجفّ أرواحهن وتذوي في قلوبهن البهجة، فيما الابن الذي صار شاباً يمضي ساعات فراغه الطويلة يضحك على «الشات» مع أصحابه ولا يرفع عينيه عن شاشة الحاسوب إلا لينظرَ للسّاعة استعداداً للخروج، فالولدُ الذي أصبح شاباً تأخذه فورة الشباب ودوامة الحياة ينسى أن يرطّب قلبَ أمه ويُشعرها بحبه، لا يخطر بباله أن يوجّه كلمةً طيبةً أو لفتة لأمه أو قبلة سريعة على الجبين، من دون أن يتربّص خلفها مطلب أو تحريض بالتّدخل الحنون مع الأب، ينسى أنّه جار القلب ولا يتذكّر كيف حبا ومشى وتجشأ بين يديها، وكيف ظلّت طبعات أصابعه الصغيرة الملوثة بالشوكولاتة ذات طفولة عالقةً بجدار الروح... كلام كثير لا يتسع له الورق وتفيض به النفس، يتعامل مع أمه كأنها تحصيل حاصل ومصدر لتلبية الحاجات والمتطلبات، لا يدري أنّها قلبٌ كبيرٌ يحبه ويشتاق لكلمة حلوة منه، ينظر إليها ولا يراها، يلوِّح لها مزهواً بشبوبيته معلنا بعنجهية وبصوتٍ غادرَ نعومةَ الطفولة إلى خشونة الرّجال «لا تظلي تتصلي فيّ... أنا بطّلت صغير».

يذكّر أمه بأنه لم يعد صغيراً؟! وهي أدرى الناس به، وهو النبتةُ التي روتها بماء الروح ساعةً بساعة ويوماً بيوم، تطوي لحظات غيابه آملة ألا يتأخرَ في العودة وألا يغلقَ هاتفَه وقلبَه في وجه أمه!

****

توجيهاتٌ ونصائحُ ودروسٌ وحملةُ توعية يحتاج إليها بإلحاح جيل الشباب، يحتاجون إلى من يقدمها لهم ويبثّها في عروق وعيهم ويحييها في ضمائرهم ويزرعها في نفوسهم لكن ليس بشكلٍ مباشرٍ فجّ جامد ينفّر المتلقّي ولا يصل إليه ولا يلامس القلبَ، ويصبّ في الروح، ويسعى لأن يحيي مفاهيم إنسانية نحتاج إليها جميعاً وبتنا نفتقر إليها بشكل ملحوظ ومؤسف, منها: برّ الوالدين والنأي عن الأنانية وتفرّد الإحساس والتّفكير والاندفاع للحياة بنظرة ذاتية خالصة.
------------------------------
* كاتبة من الأردن.

 

حنان بيروتي*