ذات الوجوه الأربعة

يبدو أنه لا مفر من أن يكون لكل شخص وجهان، وجه يقابل به نفسه، ووجه يقابل به الآخرين.

قالت لي وهي تبتسم: "أخلص لزوجي تمام الإخلاص، ولكن لا أستطيع أن أبوح له بكل شيء، كيف أقول له- على سبيل المثال- إن زميلا لي في الدراسة قد أعجبني، وأحببته عن بعد، وإن لم يتطور الأمر لأكثر من ذلك؟ كيف أقول له إنه- وهو يداعبني ويشاكسني ويغازلني- يذهب فكري لرجل آخر، أو لمشاغل أخرى وإن كان ذلك كله بريئا تمام البراءة؟لا أستطيع، ولذا فلا مفر من أن تكون ذاتي العارية أمام نفسي فقط، لا مفر من الوجهين يا صديقتي، وإن كان مع أقرب الناس".

ولم تكن الكلمات غريبة.

قبلها كنت أستمع لفتاة في العشرين عندما قالت لي: هل يزعجك كثيرا أن أبوح لك بالحقيقة وهي أنني أحتفظ لنفسي بأربعة وجوه، لا وجها أو وجهين أو ثلاثة؟

تعجبت. أضافت: نعم فهناك ما أقوله لأبي عن علاقاتي الخاصة، وهو أقل القليل وربما يهبط إلى الصفر، وهناك ما أقوله لأمي ويزيد قليلا على الصفر، وهناك ما أقوله لشقيقتي الصغرى وصديقاتي، وهو أكثر بالضرورة. أما ما أقوله لنفسي فيمتد لكل شيء بلا تحفظ. بيني وبين نفسي أقول: هذا رجل تافة، وذلك رجل طماع، وذاك فاتن وشجاع وأرغبه، ولكن هل أقول لهم ذلك؟. إن البعض لا يحتمل الحقيقة، وأنا لا احتمل المشاكل.

وتمضي النماذج لتقول شيئا أساسيا وهو أن النفس العارية لا تكون كذلك إلا أمام الذات.

الصراحة المطلقة غير موجودة.

البراءة الكاملة في الأحلام.

التفكير "على الهواء مباشرة" أمر نادر، فلابد من مصفاة اسمها "أنا والآخرون"، قد تكون المصفاة كثيفة، كما هي في مجتمعاتنا الشرقية حيث تزيد نسبة "العيب والحرام". وقد تكون أقل كثافة كما هو الحال في المجتمعات الأكثر انطلاقا.

ولكن لابد من المصفاة، وكلما كانت أكثر رقة، كانت الحياة أكثر نقاء وصحة. فإذا انعدمت المصفاة أو تبددت، أصبح الظاهر والباطن شيئا واحدا وتكون الحياة مثالية، حياة من وجه واحد.