تداعيات الثورة المعرفية

تداعيات الثورة المعرفية

على أعتاب عصر جديد سيتغير فيه إنتاج المعرفة ونشرها، وحفظها واسترجاعها، وفهمها وتطويعها، وتفسيرها وإعادة تفسيرها، ودمجها وصياغتها من جديد، وهي جميعًا أجزاء أساسية من الإرث الثقافي الوظيفي والمشهد الثقافي الديناميكي.
وإن صح هذا التفسير، فعلينا أن نفكر من الآن في كيفية تصميم البنية التحتية للمعرفة في مجتمعاتنا، وأعني بالبنية التحتية نظام التعليم من مرحلة ما قبل المدرسة حتى مرحلة الدراسات العليا، والمعاهد البحثية في الجامعات، والمعامل المستقلة في القطاع الخاص، والجهات الداعمة للمعرفة والثقافة- أي المكتبات والأرشيفات والمتاحف. ولكن الأثر الأبلغ سيكون على الكتاب في صورته التي نعرفها.

1- تداعيات الثورة المعرفية على الكتاب

تظهر أكبر تداعيات الثورة المعرفية على الكتاب- المخطوط الميت المُحلل، والذي يعتمد بالدرجة الأكبر على النص- في كونه الأساس المُستخدم في تسجيل ونقل المعرفة في القرون القليلة الماضية. ومنذ التحول من تخزين المعرفة المكتوبة على مخطوطات إلى تدوينها في كتب، صار الكتاب الدعامة الرئيسية للمعرفة. والكتاب المدرسي هو أداة تعليم الأطفال، وهو أيضًا عماد الأبحاث والتعليم العالي. وغالبًا ما يقاس النتاج الثقافي للمجتمع بعدد الكتب المهمة التي يصدرها ويستمر في إنتاجها. صحيحٌ أن الأفلام والبرامج التلفزيونية في القرن الماضي أصبحت هي الأخرى عناصر مهمة في قياس ثقافة المجتمع ومخرجاته الثقافية، بيد أن الكتاب مازال يحتل المكانة الأعلى؛ لكونه الأكثر قدرة على الاستمرارية والقيمة الباقية.

وسيبقى «الكتاب» وإن تَغَيَّر دوره. فمن الواضح أن الكتب الإلكترونية ستصبح هي الوسيلة المختارة لتوصيل المعرفة المُحللة والمنظَّمة، والتي سنظل في حاجة إلى استرجاعها في هيئة كتاب.

وتختلف طبيعة الجهاز الذي يستقبِل نسخة الكتاب الإلكتروني من الإنترنت، فهو إما في صورة أجهزة «Tablet» (مثل جهاز سوني «E-Reader»، أو جهاز «Kindle»، أو «Apple iPad»)، أو في أي شكل من عجائب التقنية المستقبلية التي لم نكتشفها بعد، أو في شكل أجهزة تحمل على اليد أو على شاشة الحاسب الآلي التقليدية. وسيتمكن العديد من الناس من الاختيار من بين تصميمات متعددة؛ حيث ستصبح المادة نفسها أكثر مرونة، مما سيتيح الحصول عليها من الإنترنت، وتحميلها على أنواع لا حصر لها من الأجهزة المتوافقة الآخذة في الزيادة. وستستمر اختيارات المستهلكين في الزيادة، ولكن بالنسبة للمعرفة فستبقى في صورة كتاب؛ إما لأنها وصلت لنا من الماضي في هذا الشكل، أو لأنها ستُكتب هكذا في الأزمان المقبلة، فمما لا أشك فيه أن هذا الكتاب سيكون في صورة إلكترونية، وهي الصورة التي ستسود سوق الكتب.

وسيظل البعض- وأنا منهم- على حبِّهم للكتاب باعتباره تحفةً فنيةً. وبالنسبة لهؤلاء- عُشَّاق الكتب الحقيقيين- فإن الكتاب سيبقى وسيستمر إنتاجه وتوزيعه وتقديره والاستمتاع به. ولكنني أعتقد أننا سنكون أقليةً حينذاك؛ فقد شهدنا أول «مكتبة بلا كتب» بكلية الهندسة في جامعة تكساس بمدينة سان أنطونيو.

ومن ثم، سيتعين إحداث تغيير جذري في صناعة الكتب التي تعتمد على الطرق التقليدية التي نعرفها عن إنتاج وتوزيع الكتب والمجلات. وهذا ما يحدث بالفعل في مجال الموسيقى، وسنراه قريبًا في إنتاج الفيديو والأفلام.

إلا أن تحولات أقل وضوحًا بدأت بالفعل في الظهور، ويجدر بنا ذكر اثنين منها في هذا السياق وهما: انتشار النشر الإلكتروني الذاتي، ونشأة البرامج التي تتيح ضبط التفضيلات (preference software).

أولاً: انتشار النشر الذاتي، والأمثلة عليه كثيرة في يومنا هذا؛ حيث يتجاوز عددٌ كبير من الكُتَّاب الأسلوبَ التقليديَّ للعمل من خلال وكيل للوصول لكبار الناشرين؛ حيث يقومون بتحميل الكتب مباشرةً بواسطة قارئ الكتب الإلكترونية "كندل" (Kindle)، والذي طرحه موقع (أمازون)؛ ومن المتوقع أن يتبعهم آخرون غيرهم. ويتزايد عدد هؤلاء الكُتَّاب بصورة كبيرة مع نمو هذا السوق غير التقليدي للكتب بشكلٍ مطَّرد؛ حيث وصل عدد الكتب في عام 2009 إلى 750.000 عنوان، أي بزيادة 181% عن العام السابق. وخمسة في المائة كتاب الأكثر مبيعًا على موقع أمازون قد نُشِرت ذاتيًّا، كما يحقق متجر أمازون للكتب الإلكترونية (Kindle Store) الآن مبيعات أكثر من مبيعات الطبعات الورقية. وتعد الطباعة حسب الطلب أحد آثار التكنولوجيا الحديثة الأخرى على نشر الكتب لأغراض تجارية؛ حيث ستعمل هذه العملية بمرور الوقت على ضمان عدم نفاد طبعات أي كتاب.

وعلى كلٍّ، فمن الواضح أن أصحاب السبق هم الذين قاموا بالتركيز على العلماء والدارسين، وسعوا إلى استخدام التكنولوجيا الجديدة مثل؛ مشروع جوتنبرج والمكتبة الإلكترونية «e-brary»، ومستودع الأصول الرقمية (DAR) بمكتبة الإسكندرية، وانضم إليهم أخيرًا الناشرون التجاريون الذين كانوا حتى وقت قريب مجرد مراقبين مترددين للثورة التي قامت بها «سوني» و»أمازون» و»جوجل» وحاليًّا «آبل» أيضًا.

والقضية الثانية هي ظهور البرامج التي تتيح ضبط التفضيلات «preference software»، وهي برامج تتيح للموقع الإلكتروني مساعدة المستخدمين على اختيار المنتج- وهو في هذه الحالة عبارة عن كتاب أو قطعة موسيقية. وتعمل أغلب هذه البرامج على الاستفادة من أنماط التسوق التي يظهرها المستخدمون. وأشهر هذه البرامج «Amazon.com» الذي يقدم لك عناوين إضافية عند قيامك باختيار صنف معين لشرائه بصيغ مثل: «الأشخاص الذين قاموا بشراء الكتاب الذي أنت بصدد شرائه (أو الذي اشتريته للتو) قاموا أيضًا بشراء الكتب التالية ....»، أو «الأشخاص الذين تصفحوا الكتاب الذي اخترته اهتموا بالكتب التالية». وعدد قليل من المواقع مثل «Pandora.com» في الموسيقى تقوم في الواقع بتحليل الموسيقى على أساس التحليل المفصل، ثم تبحث عن قطع لها النمط نفسه الذي قمت باختياره، ولكن «Pandora» بأسلوبه العلمي القائم على المادة لا على اختيارات الجمهور، يمثل الأقلية في السوق، ويرجع ذلك في الأغلب إلى تعقيد هذه العملية والحاجة لوجود خبراء لتحليل القطع الموسيقية.

وعلى الرغم من أن الكثيرين- ومنهم كاتب هذا المقال- يجدون هذه البرامج مفيدة، فإنه يجب علينا أن نعي الاتجاهات التي تقوم بتشجيعها؛ إذ تعمل هذه البرامج على دفع الجمهور نحو الكتب الأكثر مبيعًا بدلاً من إعلامهم بالدُّرَر التي قد تكون كامنة هنا وهناك. وتستفيد الكتب الأكثر مبيعًا بقوة من هذا الأمر.

كذلك، تميل محركات البحث مثل (جوجل) Google، (ياهو) Yahoo و(بايدو) Baidu نحو دفع المواقع التي تستقبل أكبر عدد زوار إلى أعلى قوائم نتائج البحث، مما يؤدي إلى زيادة عدد مرات تصفح هذه المواقع، ومن ثم تحتل المواقع مراكز متقدمة بين المواقع الأكثر شعبية.

وعلى الصعيد السياسي، بات من الواضح أنه في ضوء الفرص الهائلة التي توفرها التكنولوجيا الحديثة لعرض الآراء المتعنتة، نجد قطاعًا كبيرًا يسعى وراء الكُتَّاب أو المعلقين الذين يغذون مشاعر التحيز لديهم بدلاً من توسيع أفقهم. حقًّا، إن الطيور على أشكالها تقع، والنتيجة المتوقعة هي احتدام القطبية السياسية.

فهل سيخلق كل هذا مجتمعًا أكثر اعتدادًا برأيه، وأقل تسامحًا، وأضعف تعليمًا، وأقل ثقافة؟ أم ستولد التكنولوجيا احتمالات أكثر، من شأنها تغذية الأفكار المضادة والجديدة؟ إن كلا الاتجاهين ممكنان، ومن الصعب التنبؤ بأيهما سيسود، ولكن الواضح أن عالم نشر الكتب (والموسيقى والفيديو) لن يكون كسابق عهده.

وهذه التحولات الكبيرة لن تحدث غدًا. فسيبقى القديم وسيتعايش مع الجديد إلى حين، ثم سيحل الجديد تدريجيًّا محل القديم. وفي المناطق النائية من العالم، سيمد الجديد جذوره دون المرور بالخطوات التي نشهدها في أجزاء العالم الأكثر تقدمًا، والتي شهدت هذه التحولات التكنولوجية.

2- تداعيات الثورة المعرفية على مجال التعليم والتعلم
المدارس والجامعات والمعاهد البحثية

سيتغير هيكل المؤسسات التعليمية التي تعمل على تنشئة الأجيال القادمة ونقل المعرفة عبر الأجيال، فلن تتطور الهياكل فحسب، بل ستتحول إلى شيء لا يمكن أن يتعرف عليه من يتخذ مدارس الأمس نموذجًا أو من يتطلع إلى تجربة التعليم الجامعي. كما ستتغير المعامل الحكومية والخاصة والمعاهد البحثية، أي تلك المؤسسات التي تساعد في إنتاج ونشر وتشفير المعرفة الحالية وخلق معرفة جديدة. بيد أن لحديث التغيير المتوقَّع للمؤسسات التعليمية والبحثية يومًا آخر. سأقول هنا فقط بضع كلمات عن النتائج الأكثر وضوحًا لتداعيات الأعمدة السبعة للثورة المعرفية الجديدة على المدارس والجامعات والمعاهد البحثية.

إعادة صياغة التعليم

أعتقد أنه علينا أن نفكر بجرأة أكثر ونحلم بإعادة صياغة التعليم كليًّا... فسيتقادم النموذج القديم للتعليم الذي يمر فيه الطالب باثنتي عشرة سنة من التعليم المدرسي، يليها أربع سنوات من التعليم الجامعي، يحصل الطالب بعدها على درجة علمية توثق دخوله ضمن القوى العاملة؛ ليمارس مهنة ما لمدة أربعين سنة يصل لمرحلة المعاش بعدها. وسيكون التعليم المستمر أكثر من مجرد شعار، سيكون ضرورةً اقتصاديةً. وسيتطلب السوق مهارات جديدة، وسيفرض العالم التنافسي الأخذ في التنامي على المشروعات تطويرَ قواها العاملة بصفة مستمرة.

وفي الأغلب سيتغير التعليم جذريًّا في العقود المقبلة من حيث المحتوى والمشاركون والمناهج المتبعة والإطار التنظيمي. ولنتناول كلاًّ منها على حدة:

فبالنسبة للمحتوى: يجب أن تُراجع المناهج والمقررات التعليمية؛ للتأكيد على المهارات الأساسية ومهارات حل المشكلات وتعلم كيفية التعلم. ويجب تدريب المعلمين بشكل أفضل ليكونوا "مُمَكَّنِينَ" يقومون بتشجيع الأطفال على تحقيق متعة الاكتشاف، واستخدام أساليب ومناهج التدريس التي تُمَكَِّن كل طفل من التعلم بحسب سرعته الخاصة.

وسيشهد النظام التعليمي في المستقبل انفجارًا في المحتوى بصورة تفوق قدرتنا على التصور. سيخرج الناس من تعليمهم الأساسي- ويشمل ذلك التعليم الجامعي- وقد تعلموا كيف يتعلَّمون، وقد حصلوا على بنية تحتية أساسية من المهارات الأولية تشمل مهارات التواصل والقدرة على أداء الأدوار داخل المجتمع. وستكتمل هذه المهارات بعدد كبير من الخدمات في كل تركيبة ممكنة من الوحدات التي تغطي كل المجالات من التعبير الفني إلى علم الجينوم المتطور، ومن التذوق الموسيقي إلى الرياضيات. وستتيح هذه المرونة في التركيبات للناس التعلم المستمر مدى الحياة.

وستظهر مجالات تعلم جديد. وأهم الاكتشافات ستكون في النواحي التي تتداخل فيها المجالات التي نعرفها اليوم، ففي الماضي عرفنا علمي الأحياء والكيمياء، واليوم عندنا علم الكيمياء الحيوية بالإضافة إلى الأحياء والكيمياء. وها هي مجالات جديدة قد ظهرت مثل علم الجينوم والبروتيوميات، ووراء العلوم الطبيعية نكتشف الآن أهمية العمل عبر المناهج. إننا لفي حاجةٍ إلى حكمة العلوم الإنسانية ومعرفة العلوم الطبيعية، وإلى النظرة الثاقبة للعلوم الاجتماعية، للعمل على الخيارات الفنية التي يطرحها علم الهندسة.

وسيظل أولياء الأمور في المنزل، والمعلمون في المدارس أحد الأطراف المشاركة في المشروع التعليمي، ولكن سيلعب الطالب دورًا أكبر في عملية تطوره، وستخلق المجتمعات الافتراضية الموجودة على شبكة الإنترنت شكلاً جديدًا من مجموعات الأقران، التي تؤثر على النمو العقلي والعاطفي لأطفال ومراهقي المستقبل. أقول هذا وأنا على وعي تامٍّ بمزاياه وعيوبه، فيبدو أنه يجب علينا أن نكون أكثر انفتاحًا على ما سيقوله أطفالنا لنا .... فلنأخذ كلمات الشاعر الكبير (روبرت فروست):

الآن وقد تقدَّم بي العمر، صار الشباب يُعَلِّمُني،
وما لا يمكن تشكيله، لا يجب إلا كسره.
أبذل الجهد في أبسط الدروس،
وأتعلم الغد من الشباب.

وقد اقتصرت أساليب ومناهج التدريس في الخمسين عامًا الأخيرة على التعليم الرسمي في الفصل، وكانت المحاضرات والدورات والعمل الموجَّه أساس التعليم منذ قديم الزمان. وبدأنا بالكاد في اكتشاف التعليم الموجَّه عن طريق هذه الأدوات التي تشمل التعليم عن بعد والجامعة المفتوحة وفصول تعليم الكبار. وبالكاد بدأنا في استكشاف الإمكانات الكامنة في التعليم الذاتي، فهناك مساحة للمزيد في مجال التعلم الموجَّه، وللمساعدة في إحداث ثورة شاملة في التعليم الذاتي، على الرغم من إيماني بأن التعليم الرسمي سيظل عنصرًا مهمًّا يدعمه التعليم الموجَّه والتعلم الذاتي من خلال مجموعة كبيرة من الخدمات. وسيتبادل المتعلمون مدى الحياة توسيع مداركهم أو ممارسة هواياتهم من ناحية، والحصول على مهارات يمكن تسويقها من ناحية أخرى، مدفوعين في ذلك بالفضول والمصلحة الشخصية. وسيكون هناك خدمات تناسب كليهما.

أما عن الإطار التنظيمي، فإنه لن يتم استبدال المدارس والجامعات بأفراد يعملون على أجهزة كمبيوتر أو عبر أجهزة التلفون المحمول، أو أي من وسائل التكنولوجيا الأخرى من المنزل أو من أي مكان آخر؛ وهذا لأنهم يقومون بثلاث مهامّ: مهمة توصيل المهارة والمعرفة، ومهمة اعتماد الشهادات، ومهمة اجتماعية. فأما المهمتان الأوليان فستتغيران كما وصفت للتو، وأما المهمة الاجتماعية فستبقى كما هي.

يحتاج الأطفال إلى من هم في مثل سِنِّهم للتعلم والتفاعل مع أقرانهم، ولا مكان غير المدرسة يقدم المطلوب بالنسبة لهذا التواصل الاجتماعي، وهو خاصية مهمة للتطور العاطفي ولخلق مواطنين صالحين.

3- تداعيات الثورة المعرفية على المتاحف

إن تداعيات الثورة المعرفية على المكتبات والمتاحف لَجَسِيمَة. فكل شيء، من حفظ المعلومات إلى استرجاعها، يواجه مشكلة التقادم التقني والمادي. فعلى الرغم من فوائد التكنولوجيا الكبيرة، وقدرتها على توسيع قدراتنا العقلية والمادية للتوصل بعدة طرق مبتكرة، فإن التكنولوجيا الرقمية الجديدة تتقادم بسرعة كبيرة.

سيكون من الضروري أن تكون المتاحف أكثر من مجرد مكان لتخزين القطع الأصلية النادرة وأدوات لنقل المعرفة. نعم، دائمًا ما ستكون هناك متعةٌ فريدة وشعور خاص بالرهبة عند الوقوف أمام قطعة فنية أصلية أو نادرة اعترف الخبراء بكونها تستحق أن تكون «قطعة متحفية». وبالنسبة للمتخصصين؛ قد تكون هناك أفكار إضافية وعميقة لا يمكن الوصول إليها دون فحص العمل الأصلي ودراسته. إلا أن المتاحف تتعامل كذلك مع غير المتخصصين، حيث تعمل على تلبية احتياجات الجمهور العام ورغباته؛ علمًا بأن شبكة الإنترنت ستقدم موادَّ ممتازة ثلاثية الأبعاد، تبدو حقيقيَّةً للغاية، كما ستتيح العديد من موارد المعلومات. ومن ثم، فإن أسلوب العرض المتحفي سيتغير في المستقبل؛ بحيث يكون أشبه بالعروض المنسقة، دائمة التغير، مع محاولة المؤسسة الوصول للجمهور بطرق شتى. وستظهر مهارة المنسِّق في جودة العروض التي ينظمها، فبدلاً من التذكرة العادية، نتوقع أن تكون متاحف الغد متغيرة المعروضات، محقِّقةً بذلك أفضل استخدام للتكنولوجيا الموجودة، ولكن مع إضفاء المزيد من الإبهار بمقدار حجم المعرض وتميز المساحة وجاذبية المكان والأسلوب المثير الذي يقدم به المبنى إحساسًا بالمكان.

المتاحف العالمية: واقعٌ جديد

يمكن تصميم متحفٍ افتراضيٍّ يسمح لزوَّاره برؤية ومقارنة القطع الموجودة حاليًّا في عدد من المتاحف حول العالم. وفي حقيقة الأمر، هناك ما يمكن القيام به في العالم الافتراضي ولا يمكن القيام به فعليًّا في المتاحف مع قطعة أثرية فعلية، مثل تحريك القطعة في كل الاتجاهات لرؤيتها من جميع الجوانب.

وفي المستقبل، ستكون قدرة العرض ثلاثي الأبعاد أفضلَ من أي شيء اليوم، وأفضل بكثير من التكنولوجيا الحديثة من الصور التجسيمية (الهولوجرام) للتحريك ثلاثي الأبعاد.

وكما هو الحال مع المكتبة الرقمية العالمية (WDL)، نرى بالفعل بداية هذا التغير في المتحف المصري العالمي (GEM) الذي يديره مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية؛ حيث تم جمع قطع أثرية مصرية قديمة من سبعة متاحف بصورة يمكن استرجاعها ومقارنتها على شاشات الحاسب الآلي في كل مكان. وهذه مجرد لمحة مما يحمله المستقبل في طياته.

وستحتوي المتاحف المادية على مجموعات من العروض الرقمية لتكملة تجربة مشاهدة القطع الفنية عن طريق وضعها في سياقها الذي صُممت من أجله، وتوضيح الدور الذي لعبته في الماضي. وسيتيح الدمج بين المتحف الافتراضي العالمي المستقبلي، والعروض الرقمية الجديدة القوية للدارسين والجمهور ككل، أن يجدوا المتعة والمعرفة أثناء زيارتهم المتحفية.
----------------------------------
* مدير مكتبة الإسكندرية - مصر.

-------------------------------------
هَل بِالطُّلولِ لِسائِل رَدُّ
أَم هَل لَها بِتَكَلُّم عَهدُ
أبلى الجَديدُ جَديدَ مَعهَدِها
فَكَأَنَّما هو رَيطَةٌ جُردُ
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ عَلى
عَرَصاتِها وَيُقَهقِهُ الرَعدُ

دوقلة المنبجي

 

 

إسماعيل سراج الدين