سرّ صمته

سرّ صمته

عندما سألته عن سر صمته، لم يجب، كررت سؤالي، لا جواب، قلت وبصوت خافت، من دون أن أحرّك شفتيّ ولا لساني، قلت أكلّم نفسي لعلني أسمع صوتًا، في حالة الصمت التي أنا فيها، فإن الصدى يُسمع. كلمت نفسي، كانت إيجابية أجابت، قالت ما كنت أود سماعه، ارتحت لذلك، أنا غير عابئ لصمت الصامت، أنا لا أكترث له إن كلمني أو لم يكلمني، وجدت من يسمع وجدت نفسي سعدت لهذا، السعادة كلمة كبرى، كلمة لحالة ليست موجودة، ليست متاحة ليست سوى تمنٍ، سوى حلم سوى.. سوى.. عندئذ سوّيت مقعدي وجلست ثانية عليه، واضعًا رجلاً فوق رجل، مجلسًا ظهري، ناظرًا إلى الأمام ورحت.. أين رحت؟

لم أبرح مكاني، لم أرح إلى أي مكان، مكاني حيث أنا الآن، إلى متى؟ لست أدري إن كنت سأقوم من مكاني إلى مكان آخر.. ماذا سيحدث؟ هل ستبدّل الشمس مشوارها فتأتي ليلاً ويشرق القمر نهارًا؟! ماذا سيحدث، من مكان إلى مكان، إن بدّلت مكاني الذي أنا فيه الآن، هذا لا يهمني شخصيًا، من الممكن أن يهمّ سواي.. سواي الذي سوف يحزن لانتقالي من مكان إلى مكان. لسبب أنه يود أن أكون في مكان قريب من مكانه، هذا على ما أعتقد ولا أجزم بأنه يودّني أو يحبني أو يرتاح إلى قربي منه، أو أنه يفرح عندما أغيّر مكاني وأبتعد عنه، أو لسبب عدم مودته لي وعدم حبه لي وعدم راحته بقربي منه.

الحقيقة، سيّان عندي إن حزن هذا وفرح ذاك.. المهم أني أنا المهم، حريتي، حبي، أشواقي، موزارت ، هايدن، بتهوفن، باخ، الواسطي، بول كليه، ليوناردو، بيكاسو، ألف ليلة وليلة، حريتي، حبي، أشواقي، تنقلي من شط إلى سهل إلى جبل ولا ألتفت إلى مَن يريد أن أبتعد عنه، إذن ماذا بعد إذن؟ لنرى، بل لأرى، هو أنا وحدي المقرر بوضع كلمة أو فعل أو حبة رمل أو حبة رمّان أو أي شيء. هناك أشياء كثيرة أستطيع أن أجدها وأضعها بعد «إذن» وتكون هي التي تحقق أمانيّ في الحياة.. من يدري؟ أنا لا أدري من يدري إذن إن لم أدر أنا؟! لست أدري من يدري.. لكني أدري عندما أقول لا أدري، إني أدري ما لا يدريه غيري، وعندما طال بحثي، وجدت أني أدري أني لا أدري. هنا استراحة، وبعدها سمعت الصدى يقول: ما أدراك يا صامتًا، يا ساكنًا في أعماق الأرض وعلى سطحها بين أزهارها وأشجارها وصخورها، يا ساكنًا في أمواج السحاب القريبة من السموات السبع، هل مررت بسماء أولى وثانية ووصلت إلى سماء سابعة، ماذا رأيت.. ماذا وجدت؟ هل هي مسكونة من ناس وحيوان، هل رأيت امرأة تتمدد على سحب وردية تناديك، ماذا قالت لك؟ أهي المرأة التي أضعتها على الأرض فوجدتها الآن في إحدى السموات؟ هل مازال الحب ينخر في عظامك وفي شرايين قلبك ومعدتك؟ أتعلم أن المعدة أكثر حساسية من القلب؟ ومن اختار القلب ليكون ممثلاً للعاطفة والحب والجنون، أتدري؟ من؟ ألا تعلم أن القلب تتغلغل في شرايينه الهموم، ويختلط فيه الحزن بالفرح؟ هل وجدت المرأة التي أحببت وتبعتها إلى الأجواء، إلى السحاب.. إلى السماء؟ ماذا قالت لك؟ كيف كانت؟ ماذا قالت لك؟ قبلتها؟ هل قبلتك؟ هل قبلة السماء تشبه قبلة الأرض؟ هل تزعجك أسئلتي؟ هل تعتبرني حشريًا، ثم ماذا؟ هل رأيت المرأة التي أحببتها؟ عندما التقيت بها في منزل إحدى الصديقات، وكنت مغرمًا بإحداهن يومذاك، وانتقل حبك من الحبيبة إلى حب جديد.. تبحث عنها.. وجدتها في إحدى السموات السبع، ومن قال لك إن عدد السموات سبع فقط؟ أتدري أن في قلب كل إنسان سماء وأرضًا، أتدري أني أكلمك الآن ولا تسمع ما أقول، ولا تريد أن تسمع ما أقوله، أحدثك واثقًا بأنك لن تجيبني على أسئلتي التي تعتبرها خاصة بك، أنا أيضًا أعتبرها خاصة بي أيضًا. ومَن أنت لتصمت في وجهي.. وصمتك يضجّ في أذنيّ ولا يدخل في قلبي وعقلي?

وبعد، كما أنت، صامت، هذا يريحني.. أفضّل أن أسمع هدير الأمواج، وزقزقة الطير وحفيف أوراق الخريف، ونباح الكلاب، هاه.. هاه.. فتحت الآن فمك؟ هل تسمع نباح الكلاب؟ هذا يروق لك.. إذن سأتابع.. سأكمّل.
--------------------------------
* فنان تشكيلي وكاتب من لبنان.

 

 

 

أمين الباشا