موكب المومياوات الملكية مشهد تاريخي لا يتكرر

موكب المومياوات الملكية مشهد تاريخي لا يتكرر

في موكب ملكي عالمي تغلّفه المهابة وتحيط بالعظمة والمجد والفخر والعزة، انتقلت مومياوات الملوك والملكات الفراعنة من المتحف المصري في ميدان التحرير إلى بيت المومياوات الجديد، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، في مشهد تاريخي لا يتكرّر كثيرًا في عمر الزمان وفي سجلّ المكان وفي رحابة وفضاء العالم. وقد استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مومياوات أجداده ملوك مصر العظام وجدّاته ملكات مصر العظيمات؛ ذلك الحلم الذي تحوّل إلى واقع جميل وحقيقة ملموسة مدهشة بعد مرور عشرات السنين، وذلك بعد أن تم افتتاح قاعة الحرف والصناعات بمتحف الحضارة منذ 4 سنوات.

حدث‭ ‬ذلك‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬افتتح‭ ‬الرئيس‭ ‬قاعة‭ ‬العرض‭ ‬المركزية‭ ‬بالمتحف،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬قاعة‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬بالمتحف‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬منه؛‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬احتفال‭ ‬مصر‭ ‬بيوم‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭.‬

وكان‭ ‬احتفال‭ ‬نقل‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬موسيقيًا‭ ‬غنائيًا‭ ‬استعراضيًا‭ ‬عالميًا‭ ‬لا‭ ‬يتكرر‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬عُمر‭ ‬الزمان‭ ‬وحضرة‭ ‬المكان،‭ ‬فقد‭ ‬أبهر‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬كما‭ ‬أراد‭ ‬الملوك‭ ‬الفراعنة‭ ‬لأنفسهم‭ ‬ولبلادهم‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭.‬

قدّس‭ ‬المصريون‭ ‬القدماء‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬ملوكهم‭ ‬العظام،‭ ‬أمثال‭ ‬مينا‭ ‬ومونتوحتب‭ ‬الثاني‭ ‬وأحمس‭ ‬الأول،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬ملوك‭ ‬التوحيد‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأسرة‭ ‬الأولى،‭ ‬والدولة‭ ‬الوسطى،‭ ‬والدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬بالترتيب،‭ ‬أو‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسون‭ ‬لوحدة‭ ‬البلاد‭ ‬والمعيدين‭ ‬لنهضتها‭ ‬والصانعين‭ ‬لمجدها‭ ‬التليد‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يوم‭ ‬افتتاح‭ ‬المتحف‭ ‬القومي‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬بالفسطاط‭ ‬يُعد،‭ ‬في‭ ‬رأيي،‭ ‬ميلادًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لمصر‭ ‬ونهضتها‭ ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬مجدها،‭ ‬وربطًا‭ ‬بماضيها‭ ‬القديم‭ ‬المجيد،‭ ‬وتطلعًا‭ ‬إلى‭ ‬مستقبلها‭ ‬الواعد‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية،‭ ‬ممثّلة‭ ‬في‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي،‭ ‬وكبار‭ ‬رجال‭ ‬الدولة،‭ ‬وضيوفه‭ ‬الكرام،‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬احتفاء‭ ‬مصر‭ ‬بحضارتها‭ ‬وتراثها‭ ‬وتقدير‭ ‬العالم‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬مصر‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬باشا،‭ ‬أو‭ ‬افتتاح‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخديو‭ ‬إسماعيل،‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيدة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭.‬

 

أدوار‭ ‬عظيمة

من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬التي‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬الأبدي‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الحضارة‭ ‬مومياوات‭ ‬أهم‭ ‬وأشهر‭ ‬الملوك‭ ‬الفراعنة‭ ‬من‭ ‬رؤوس‭ ‬وقادة‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬المصرية‭ ‬العريقة،‭ ‬أولئك‭ ‬الملوك‭ ‬الفراعنة‭ ‬العظام‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بأعمال‭ ‬جليلة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬الطيبة‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حدودها،‭ ‬بل‭ ‬وزيادة‭ ‬رقعتها‭ ‬الجغرافية،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬الامبراطورية‭ ‬المصرية‭ ‬المترامية‭ ‬الأطراف‭.‬

وقام‭ ‬أولئك‭ ‬الملوك‭ ‬الفراعنة‭ ‬العظام‭ ‬بأدوار‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬أعز‭ ‬وأمجد‭ ‬وأغلى‭ ‬فترات‭ ‬التاريخ‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وأعني‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬أو‭ ‬عصر‭ ‬الامبراطورية‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والشرق‭ ‬الأدنى‭ ‬القديم،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬سيّدة‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭.‬

تلك‭ ‬الفترة‭ ‬الحضارية‭ ‬المدهشة‭ ‬من‭ ‬عمْر‭ ‬مصر‭ ‬الخالدة‭ ‬من‭ ‬ألمع‭ ‬وأروع‭ ‬اللحظات‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬مصر‭ ‬وعمر‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأصالتها‭ ‬وقِدمها،‭ ‬وقوة‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

إن‭ ‬أعمال‭ ‬وبطولات‭ ‬وإنجازات‭ ‬أجدادنا‭ ‬الفراعنة‭ ‬العظام‭ ‬الملوك‭ ‬المحاربين‭ ‬العظام‭ ‬أمثال‭ ‬تحتمس‭ ‬الأول،‭ ‬وتحتمس‭ ‬الثالث،‭ ‬وسيتي‭ ‬الأول،‭ ‬ورمسيس‭ ‬الثاني،‭ ‬ورمسيس‭ ‬الثالث،‭ ‬تعدّ‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬إسهامات‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭.‬

 

حضارات‭ ‬مصر‭ ‬عبر‭ ‬العصور

يعد‭ ‬المتحف‭ ‬القومي‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬أحد‭ ‬المشروعات‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬تنبتها‭ ‬مصر‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة‭ ‬والآثار،‭ ‬حاليًا،‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للآثار‭ ‬وصندوق‭ ‬إنقاذ‭ ‬آثار‭ ‬النوبة‭ ‬ومنظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬العالمية‭.‬

ففي‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬اعتزامها‭ ‬بناء‭ ‬متحفين‭ ‬جديدين،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬هما‭ ‬متحف‭ ‬النوبة‭ ‬بأسوان،‭ ‬ليضم‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬النوبة‭ ‬التي‭ ‬عُثر‭ ‬عليها‭ ‬أثناء‭ ‬حفائر‭ ‬الحملة‭ ‬العالمية‭ ‬للمنظمة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬آثار‭ ‬النوبة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1960‭ ‬و1980،‭ ‬والمتحف‭ ‬القومي‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬بأرض‭ ‬الجزيرة‭ (‬الأوبرا‭ ‬حاليًا‭).‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬أطلقت‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ - ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ - ‬حملة‭ ‬عالمية‭ ‬لتأسيس‭ ‬متحف‭ ‬النوبة‭ ‬بأسوان‭ ‬والمتحف‭ ‬القومي‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬بالقاهرة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬تنفيذية‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬العالميين‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الدولي‭ ‬للمتاحف‭ ‬والمجلس‭ ‬العالمي‭ ‬للمتاحف‭ ‬والمواقع‭ ‬الأثرية‭ ‬والمركز‭ ‬الدولي‭ ‬لدراسة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬وترميمه‭ ‬والاتحاد‭ ‬العالمي‭ ‬لمعماريي‭ ‬المسطحات‭ ‬الخضراء‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬أقيمت‭ ‬مسابقة‭ ‬معمارية‭ ‬دولية،‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬اختيار‭ ‬المشروع‭ ‬الفائز‭ ‬للمعماري‭ ‬د‭. ‬الغزالي‭ ‬كسيبة،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬منطقة‭ ‬الفسطاط‭ ‬لتكون‭ ‬مقرًا‭ ‬للمتحف‭ ‬القومي‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬تم‭ ‬عمل‭ ‬مسح‭ ‬أثري‭ ‬وحفائر‭ ‬بالموقع،‭ ‬وفي‭ ‬2002‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬المتحف،‭ ‬وفي‭ ‬2004‭ ‬تم‭ ‬البدء‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬المتحف‭.‬

 

عرض‭ ‬متحفي

في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬الآثار‭ ‬المختارة‭ ‬للمتحف‭ ‬إلى‭ ‬مخزن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عبدالتواب‭ ‬المتحفي‭ ‬بالفسطاط،‭ ‬لحين‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬وتجهيز‭ ‬مخازن‭ ‬المتحف‭ ‬الأساسية‭. ‬وتبلغ‭ ‬المساحة‭ ‬الإجمالية‭ ‬للمتحف‭ ‬حوالي‭ ‬33‭ ‬فدانًا،‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬مبنى‭ ‬الاستقبال‭ (‬الاستقبال‭ ‬والاستعلامات‭ - ‬الخدمات‭ ‬التعليمية‭ - ‬محال‭ ‬المتحف‭ - ‬الكافيتريات‭ ‬والمطاعم‭ - ‬صالة‭ ‬الاحتفالات‭ ‬ودار‭ ‬للسينما‭ ‬ومسرح‭ - ‬المناطق‭ ‬التجارية‭)‬،‭ ‬ومبنى‭ ‬صالات‭ ‬العرض‭ ‬المتنوعة‭ (‬صالات‭ ‬العرض‭ ‬الدائمة‭ ‬والمؤقتة‭ - ‬المخازن‭ - ‬معامل‭ ‬الصيانة‭ ‬وورشات‭ ‬العمل‭ - ‬إدارة‭ ‬المتحف‭ - ‬الخدمات‭ ‬المتحفية‭) ‬ومنطقة‭ ‬انتظار‭ ‬السيارات‭ (‬بسعة‭ ‬400‭ ‬سيارة،‭ ‬و45‭ ‬حافلة‭).‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬سيناريو‭ ‬العرض‭ ‬المتحفي‭ ‬في‭ ‬صالات‭ ‬عرض‭ ‬المتحف،‭ ‬فقد‭ ‬تمّ‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬مجموعات‭ ‬المتحف‭ ‬الأثرية‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مناطق‭ ‬هي‭:‬

 

1-‭ ‬قاعة‭ ‬العرض‭ ‬المركزية

تبرز‭ ‬هذه‭ ‬القاعة‭ ‬أهم‭ ‬إنجازات‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬تسلسلها‭ ‬الزمني،‭ ‬ويستطيع‭ ‬الزائر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يكوّنَ‭ ‬صورة‭ ‬سريعة‭ ‬وفكرة‭ ‬متكاملة‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬وأهم‭ ‬ملامحها‭ ‬الأساسية‭ ‬خلال‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬والعصر‭ ‬الفرعوني،‭ ‬واليوناني‭- ‬الروماني،‭ ‬والقبطي،‭ ‬والإسلامي،‭ ‬والحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬والتراث‭ ‬الشعبي‭.‬

 

2-‭ ‬قاعات‭ ‬العرض‭ ‬الموضوعي،‭ ‬وتشمل‭ ‬6‭ ‬موضوعات‭ ‬أساسية‭: ‬فجر‭ ‬الحضارة

يستطيع‭ ‬الزائر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬النواحي‭ ‬التفصيلية‭ ‬لقيام‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬عصورها‭ ‬المبكرة،‭ ‬والتحول‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬المصري‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬الاستقرار‭ ‬وتعلّم‭ ‬الزراعة‭ ‬والرعي،‭ ‬وتكونت‭ ‬الأقاليم‭ ‬والمدن‭ ‬حتى‭ ‬بداية‭ ‬تكوين‭ ‬ملامح‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭.‬

 

النيل

يتناول‭ ‬بالتحليل‭ ‬والعرض‭ ‬قصة‭ ‬نشأة‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية،‭ ‬ووفَّر‭ ‬لها‭ ‬نعمتَي‭ ‬الاستقرار‭ ‬والاستمرار،‭ ‬وحوّل‭ ‬الإنسان‭ ‬المصري‭ ‬إلى‭ ‬منتج‭ ‬للطعام‭.‬

‭ ‬واستخدم‭ ‬المصريون‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬والصيد‭ ‬والنقل،‭ ‬وقامت‭ ‬على‭ ‬جانبيه‭ ‬ودلتاه‭ ‬أعظم‭ ‬حضارات‭ ‬العالم‭ ‬وأقدمها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭. ‬ويتعرّض‭ ‬لقصة‭ ‬تحوّل‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬آن‭ ‬لآخر‭ ‬وفروعه‭ - ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬فرعين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬7‭ ‬أفرع‭ - ‬بداية‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬الخزانات‭ ‬والسدود‭ ‬للإفادة‭ ‬من‭ ‬فيضان‭ ‬النيل،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬السد‭ ‬العالي‭.‬

 

الكتابة

يعرض‭ ‬أحدث‭ ‬الاكتشافات‭ ‬الأثرية،‭ ‬ويدحض‭ ‬المزاعم‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬الكتابة‭ ‬المسمارية‭ ‬أقدم‭ ‬الكتابات؛‭ ‬إذ‭ ‬أثبتت‭ ‬الاكتشافات‭ ‬الأثرية‭ ‬في‭ ‬أبيدوس،‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر،‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬توصلوا‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬المصرية‭ ‬قبل‭ ‬المسمارية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثمئة‭ ‬عام‭. ‬ويتناول‭ ‬براعة‭ ‬المصريين‭ ‬وتفوّقهم‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ريادة‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ويلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مجالات‭ ‬كان‭ ‬الفضل‭ ‬والبراعة‭ ‬والسبق‭ ‬والتفوق‭ ‬فيها‭ ‬للمصريين‭ ‬كالطب‭ ‬والفلك‭ ‬والرياضيات‭ ‬وعلوم‭ ‬التحنيط‭.‬

 

الثقافة‭ ‬المادية

يعرض‭ ‬الشواهد‭ ‬المادية‭ ‬الممثلة‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية،‭ ‬كالعمارة‭ ‬وتطورها‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أنواعها،‭ ‬كالعمارة‭ ‬المدنية‭ ‬والحربية‭ ‬والدينية‭ ‬والجنائزية،‭ ‬كما‭ ‬يتناول‭ ‬قصة‭ ‬الفنون‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬نحت‭ ‬وتصوير‭ ‬وحليّ‭ ‬وأدوات‭ ‬زينة‭ ‬والأدوات‭ ‬الموسيقية‭ ‬والتعبيرية‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬

 

الدولة‭ ‬والمجتمع

يتناول‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬المصري‭ ‬وتعايشه‭ ‬مع‭ ‬المجتمع؛‭ ‬إذ‭ ‬أثبتت‭ ‬الشواهد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬حكومة‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬نشأت‭ ‬بمصر،‭ ‬وقامت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭. ‬وساهم‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬ورقيّ‭ ‬حضارته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬سادت‭ ‬المجتمع‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬وأثّرت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬الشخصية‭ ‬المصرية‭.‬

وكان‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬عظيمًا‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬وحضارة‭ ‬مصر،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬للحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدّم‭ ‬الحضاري؛‭ ‬إذ‭ ‬شاركت‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تلك‭ ‬الحضارة‭ ‬العظيمة‭. ‬ويوضح‭ ‬أهم‭ ‬العادات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬والتعليم‭ ‬والقضاء‭ ‬والضرائب‭ ‬والجيش‭ ‬والشرطة‭ ‬والتنظيمات‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭.‬

 

العقائد‭ ‬والفكر

يعرض‭ ‬أهم‭ ‬المعتقدات‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬إيمانًا‭ ‬وتسامحًا‭ ‬مع‭ ‬العقائد‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أنهم‭ ‬أبدًا‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬عبَدَة‭ ‬تماثيل‭ ‬أو‭ ‬أفراد،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬إيمان‭ ‬قويّ‭ ‬بقوة‭ ‬الإله‭ ‬وقدرته‭ ‬التي‭ ‬تصوروها‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬عدة‭.‬

وجاءت‭ ‬فلسفة‭ ‬المصريين‭ ‬وتفسيرهم‭ ‬لنشأة‭ ‬الأرض‭ ‬متقاربة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭.‬

وتمسّك‭ ‬المصريون‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال‭ ‬بعقائدهم‭ ‬وإيمانهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغزو‭ ‬الأجنبي‭ ‬للأرض‭ ‬المصرية،‭ ‬وصارت‭ ‬مصر‭ ‬مأوى‭ ‬للمسيحية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬فيها،‭ ‬وتعايشت‭ ‬بسلام‭ ‬مع‭ ‬معتقدات‭ ‬المصريين،‭ ‬بل‭ ‬وجد‭ ‬المصريون‭ ‬فيها‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬معتقداتهم‭. ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬نفس‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬انتقل‭ ‬بها‭ ‬المصريون‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭. ‬ويتناول‭ ‬هذا‭ ‬القسم‭ ‬العادات‭ ‬والفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬المصرية‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بأسلوب‭ ‬يجعل‭ ‬المصري‭ ‬يعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ويجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تواصل‭ ‬كامل‭ ‬مع‭ ‬أجداده‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬مجد‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة،‭ ‬ويجعله‭ ‬يعي‭ ‬جيدًا‭ ‬ضرورة‭ ‬مواصلة‭ ‬هذا‭ ‬المشوار‭ ‬الحضاري‭ ‬الطويل‭ ‬بالحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬والارتقاء‭ ‬به‭.‬

 

3-‭ ‬قاعة‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية

تمثّل‭ ‬هذه‭ ‬القاعة‭ ‬محور‭ ‬الجذب‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬المتحف؛‭ ‬حيث‭ ‬يستطيع‭ ‬الزائر‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬ملوك‭ ‬وملكات‭ ‬مصر‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬ترددت‭ ‬أسماؤهم‭ ‬على‭ ‬مسامعه‭. ‬وقامت‭ ‬فكرة‭ ‬عرض‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬بتقديم‭ ‬18‭ ‬ملكًا‭ ‬و4‭ ‬ملكات‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مومياء‭ ‬الملك‭ ‬سقنن‭ ‬رع‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬الـ‭ ‬17،‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بمكانتهم‭ ‬الكبيرة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬عرضهم‭ ‬كمومياوات‭ ‬فقط،‭ ‬وصالات‭ ‬العرض‭ ‬مجهزة‭ ‬ومصممة‭ ‬لتأهيل‭ ‬الزائر‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬الملوك‭ ‬الفراعنة‭ ‬العظام‭ ‬خصوصًا،‭ ‬وكأنه‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬الملوك‭ ‬في‭ ‬البرّ‭ ‬الغربي‭ ‬لمدينة‭ ‬الأقصر‭.‬

 

سحر‭ ‬المومياوات

لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬يثير‭ ‬الخيال‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الفراعنة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مومياواتهم‭ ‬المحفوظة‭ ‬بعناية‭ ‬بالغة‭ ‬عبر‭ ‬عشرات‭ ‬القرون‭. ‬إنه‭ ‬لشيء‭ ‬بالغ‭ ‬الغرابة‭ ‬والدهشة‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬عينيّ‭ ‬إنسان‭ ‬عاش‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭!‬

ويلهب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المومياوات‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬خيال‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بصور‭ ‬شتّى،‭ ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬‮«‬هوليوود‮»‬‭ ‬بإذكاء‭ ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬وإغنائه،‭ ‬وتنوعت‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬بين‭ ‬أفلام‭ ‬الرعب‭ ‬والخوف‭ ‬والإثارة،‭ ‬وساهم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الشغف‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬صرعة‭ ‬الهوس‭ ‬بمصر‭ (‬إيجبتومانيا‭) ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭.‬

واهتمت‭ ‬السينما‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬‮«‬هوليوود‮»‬‭ ‬بالمومياوات‭ ‬المصرية‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬خبيئة‭ ‬المومياوات‭ ‬بالدير‭ ‬البحري‭ ‬عام‭ ‬1881م‭ ‬بفترة‭ ‬ليست‭ ‬طويلة‭.‬

وضمت‭ ‬هذه‭ ‬الخبيئة‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬مومياوات‭ ‬ملوك‭ ‬مصر‭ ‬الفراعنة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬والعصر‭ ‬المتأخر،‭ ‬ويرجع‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬إلى‭ ‬عائلة‭ ‬عبدالرسول،‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬في‭ ‬البرّ‭ ‬الغربي‭ ‬لمدينة‭ ‬الأقصر‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر‭. ‬كما‭ ‬انطلقت‭ ‬الشائعات‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬غرق‭ ‬السفينة‭ ‬تيتانيك‭ ‬بعد‭ ‬عرض‭ ‬فيلم‭ ‬السفينة‭ ‬الغارقة‭ ‬الذي‭ ‬لاقى‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬فقيل‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬غرقها‭ ‬وجود‭ ‬مومياء‭ ‬فرعونية‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬أنزلت‭ ‬اللعنة‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬المسافرين‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭!‬

ولعل‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬المومياوات‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬الأصل‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاد‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬الموت،‭ ‬وكان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الجسد‭ ‬أهم‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬لاستمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬

 

لعنة‭ ‬الفراعنة

تطورت‭ ‬عملية‭ ‬التحنيط‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬الأجساد‭ ‬المدفونة‭ ‬في‭ ‬حفرات‭ ‬بسيطة‭ ‬برمال‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬الأجساد‭ ‬المعتنى‭ ‬بها‭ ‬عناية‭ ‬فائقة‭ ‬بلفّها‭ ‬في‭ ‬اللفائف‭ ‬الكتّانية‭.‬

ويرجع‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بلعنة‭ ‬الفراعنة‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لوجود‭ ‬بعض‭ ‬النقوش‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬المقابر‭ ‬الفرعونية‭ ‬تصبّ‭ ‬اللعنة‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬يفسدون‭ ‬على‭ ‬الفراعنة‭ ‬أوقات‭ ‬راحتهم،‭ ‬ويسطون‭ ‬على‭ ‬المقابر‭ ‬بُغية‭ ‬السرقة،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬ستصيبهم‭ ‬اللعنة‭ ‬بمرض‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الأطباء‭ ‬له‭ ‬علاجًا،‭ ‬وسيموتون‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭.‬

وكثرت‭ ‬نصوص‭ ‬اللعنة‭ ‬الحامية‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬القديمة‭ (‬2191‭ - ‬2687‭ ‬ق‭. ‬م‭) ‬في‭ ‬محاكمة‭ ‬صاحب‭ ‬المقبرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭ ‬ضد‭ ‬الأعداء‭. ‬ففي‭ ‬مقبرة‭ ‬المدعو‭ ‬‮«‬ني‭ ‬كا‭ ‬عنخ‮»‬‭ ‬في‭ ‬طهنا،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬يعلن‭ ‬صاحب‭ ‬المقبرة‭: ‬‮«‬بالنسبة‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬سوف‭ ‬يُحدث‭ ‬فوضى،‭ ‬سوف‭ ‬أحاكم‭ ‬معه‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬كتلة‭ ‬حجرية‭ ‬من‭ ‬مقبرة‭ ‬مفقودة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬نفسه،‭ ‬يوجد‭ ‬نص‭ ‬يهدد‭ ‬بالعقاب‭ ‬الآتي‭: ‬‮«‬التمساح‭ ‬ضده‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬الثعبان‭ ‬ضده‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬الذي‭ ‬تسوّل‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬المقبرة،‭ ‬لن‭ ‬أفعل‭ ‬شيئًا‭ ‬ضده،‭ ‬إنّه‭ ‬الإله‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يحاسبه‭.‬

وفي‭ ‬مقبرة‭ ‬المدعو‭ ‬‮«‬عنخ‭ ‬مع‭ ‬حور‮»‬‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سقارة‭ ‬الأثرية،‭ ‬من‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها،‭ ‬يقول‭ ‬صاحبها‭: ‬‮«‬بالنسبة‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬ضد‭ ‬مقبرتي‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬سوف‭ ‬يُفعل‭ ‬في‭ ‬ممتلكاتك‭. ‬أنا‭ ‬كاهن‭ ‬مرتّل‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى،‭ ‬أعرف‭ ‬أسرار‭ ‬التعاويذ‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬السحر‭. ‬بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬يدخل‭ ‬مقبرتي‭ ‬غير‭ ‬طاهر‭...‬،‭ ‬سوف‭ ‬أقبض‭ ‬عليه‭ ‬كأوزّة‭ ‬وأقذف‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يرى‭ ‬الأشباح‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بينما‭ ‬من‭ ‬يدخلها‭ ‬طاهرًا‭ ‬وسالمًا،‭ ‬سوف‭ ‬أكون‭ ‬حاميه‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الإله‭ ‬العظيم‮»‬‭.‬

 

قوة‭ ‬الكلمة‭ ‬المكتوبة

كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬التحذيرية‭ ‬هو‭ ‬منع‭ ‬اللصوص‭ ‬من‭ ‬اقتحام‭ ‬المقابر‭ ‬وسرقة‭ ‬محتوياتها‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬الثمينة،‭ ‬وعدم‭ ‬إعاقة‭ ‬رحلة‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الآخر‭ ‬حتى‭ ‬يُبعث‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وينعم‭ ‬بحياة‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬جنات‭ ‬النعيم‭.‬

لقد‭ ‬آمن‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬إيمانًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بقوة‭ ‬الكلمة‭ ‬المكتوبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬السحر،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يكتب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬واللعنات‭ ‬داخل‭ ‬مقبرته؛‭ ‬فالكلمة‭ ‬عنده‭ ‬تحمل‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬السحر،‭ ‬ولها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الفاعلية‭ ‬وإعاقة‭ ‬اللصوص‭ ‬عن‭ ‬اقتحام‭ ‬مقبرته‭ ‬وسرقة‭ ‬محتوياتها‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتزود‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬بعالم‭ ‬الآخرة‭.‬

 

  ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬لعنة‭ ‬الفراعنة،‭ ‬كما‭ ‬حاول‭ ‬البعض‭ ‬إشاعة‭ ‬ذلك‭ ‬عقب‭ ‬حدوث‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬الغريبة‭ ‬والمتتابعة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬جنوح‭ ‬السفينة‭ ‬إيفر‭ ‬جِيفين‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬بسبب‭ ‬قرب‭ ‬انتقال‭ ‬المومياوات‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬الأبدي‭ ‬بمتحف‭ ‬الحضارة‭ ‬بالفسطاط،‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬مهيب‭ ‬لا‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المرء‭ ‬منّا‭ ‬أبدًا‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬الحاضر‭ ‬بالماضي‭ ‬وتجدد‭ ‬دماءها‭ ‬باستمرار‭ ‬مدهش‭ ‬ومثير‭ ‬للإعجاب‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭.‬

كانت‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬عبارة‭ ‬جميلة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬وحم‭ ‬مسوت‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬تجديد‭ ‬الميلاد‭ ‬أو‭ ‬النهضة‭ ‬أو‭ ‬البعث‭. ‬وتلخّص‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬طبيعة‭ ‬مصر‭ ‬وشخصيتها‭ ‬الحضارية‭ ‬العصيّة‭ ‬على‭ ‬الانكسار،‭ ‬والتي‭ ‬تخرج‭ ‬متجددة‭ ‬دومًا‭ ‬تثير‭ ‬الإبهار‭ ‬والإعجاب‭ ‬والتقدير،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يظن‭ ‬بعض‭ ‬الشامتين‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭.‬

إن‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬تمرض،‭ ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تموت،‭ ‬وتُولد‭ ‬وتخرج‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مثيرة‭ ‬لدهشة‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬مبهورًا‭ ‬يشاهد‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المصريون‭ ‬المحدثون‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬وإعجازات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآثار،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قوة‭ ‬مصر‭ ‬الناعمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يخبو‭ ‬نورها‭ ‬أبدًا‭ ‬■

المتحف‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬بميدان‭ ‬التحرير

الأطباق‭ ‬البلورية‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬رع