الدخان أنواع.. والإقلاع عن التدخين ممكن جميل خباز

الدخان أنواع.. والإقلاع عن التدخين ممكن

ربما لأن ضرر التبغ يكمن في تيار دخانه، أسماه الناس دخانا، وصار هذا الضرر يتجاوز المدخنين إلى غير المدخنين، مما حدا بوكالة حماية البيئة الأميركية إلى إطلاق تحذير تقول فيه إن 450 ألف إنسان يموتون سنويا، بسبب الأمراض المتعلقة بالتدخين، منهم ثلاثة آلاف من غير المدخنين. وطالبت الوكالة إدارة الرئيس كلينتون برفع الضرائب على السجائر ومحاصرة "الدخان" والمدخنين. ومن لندن تصاعد تحذير مماثل يقول إن هناك 140 أنف إنسان غير مدخن يلقون حتفهم نتيجة لأمراض تصيبهم من جراء الاستنشاق غير المباشر للدخان. وهذه جميعا صيحات تحذير تأتينا من بعيد، فلا نملك ألا أن نؤازرها بإلقاء الضوء مجددا على هذا الخطر.. الدخان.. أنواعه، وأشكال علاجه.

أضرار التدخين أصبحت معروفة عند الجميع، فهو أحد عوامل الخطر المهمة في حدوث تصلب الشرايين خاصة الإكليلية، وذو تأثير رافع للتوتر الشرياني مثبت حاليا، كذلك لا يخفى تأثيره المحدث لسرطان المريء والمعدة.

وكثيرا ما ننصح نحن الأطباء مرضانا بوقف التدخين، وكثيرا أيضا ما يأتينا الرد: "كيف أفعل؟" "لا أستطيع"، "ولقد حاولت ولكن".. سوف نحاول خلال هذه الأسطر وقبل التطرق للوسائط العلاجية المتوافرة حاليا أن نشرح لقارئنا آلية الإدمان على التدخين أو بالأدق الاعتماد على التدخين، ذلك أنه ليس كل المدخنين معتمدين على النيكوتين، وهذه النقطة مهمة في العلاج، إذ إن أحد العلاجات - كما سنرى - هو إعطاء مادة النيكوتين بأشكال أخرى غير السيجارة، وأن إعطاءها لشخص غير معتمد عليها ذو تأثير ضار حتما.

ما هو الاعتماد؟

إن الاعتماد على مادة معينة يعني أن سحب تلك المادة من الجسم يؤدي إلى أعراض نفسية وجسمية تختلف مظاهرها وخطورتها حسب تلك المادة، هذه الأعراض تسمى بأعراض السحب أو الفقدان. وعندما نتكلم عن الاعتماد، فإن ذلك يعني بالضرورة ما يدعى بالتحمل، أي أن نفس الجرعة بعد فترة من الاستعمال لا تؤدي إلى نفس التأثير، أي أن المدخن على سبيل المثال يرفع عدد سجائره كل فترة للحصول على ذات التأثير.

إن الاعتماد على التدخين هو أولا اعتماد نفسي ناجم عن الخصائص المنشطة نفسيا لمادة النيكوتين، والتي تعطي شعورا بالمتعة وتنشيطا للحواس، وإنقاصا لحالة التوتر والقلق، كما أن المواقف الاجتماعية التي ساهمت بحدوث التدخين تلعب دورا مهما في هذا الاعتماد. أما بالنسبة للاعتماد الجسدي فإن الأمور تختلف حسب نوع التبغ.

التبغ.. قلوي وحمضي أيضا

في الدخان ذي الطبيعة القلوية (غليون - سيجار) يحصل امتصاص مادة النيكوتين عن طريق المخاطية الفمية والأنفية، واستنشاق الدخان ليس ضروريا، وبالتالي لا يوجد ارتفاع مفاجئ لنيكوتين الدم، إنما الارتفاع يكون بطيئا وتدريجيا. أما في حالة الدخان ذي الطبيعة الحامضية (معظم السجائر خاصة فاتحة اللون) واستنشاق الدخان مهم هنا، في حال حصوله - كما هو عليه الحال غالبا - فيحصل امتصاص سريع للنيكوتين عن طريق الحويصلات الرئوية، مع ارتفاع حاد لنيكوتين الدم خلال سبع ثوان، حيث يثبت فورا على مستقبلات دفاعية خاصة، وهي الآلية الأساسية لتحريض عملية الاعتماد.

كيف يمكننا تقدير هذا الاعتماد؟ هناك طريقتان: طريقة حيوية، وطريقة تعتمد على استمارات خاصة:

(1) طريقة المعلمات الحيوية وهي عديدة نذكر منها:

- معايرة كمية ثاني أكسيد الكربون في هواء الزفير.

- معايرة كمية النيكوتين في الدم والبول وإن كان ذلك لا يعطي فكرة إلا عن الجرعة الأخيرة (مدة حياتها قصيرة وطريقة المعايرة كذلك صعبة).

مقارنة الجرعات التي يتلقاها الإنسان في حالة التدخين
الإيجابي والتدخين السلبي
(أي استنشاق الدخان نتيجة مجاورة المدخن)

المواد المستنشقة

الجرعات المستنشقة بالمليجرام

التدخين الإيجابي
(لسيجارة واحدة)

التدخين السلبي
(لسيجارة واحدة)

غازات احتراق

18.4

9.2

أكسيد آزوت

0.3

0.2

الدهايد

0.8

0.2

سيانيد

0.2

0.005

أكرولين

0.1

0.01

نيكوتين

2.1

0.04

- عيار الكوتينين في الدم أو البول أو اللعاب، وهو عبارة عن ناتج التمثيل الغذائي للنيكوتين بعد أكسدته في الكبد ويعتبر من أفضل المعلمات، فهو دليل على تدخين ال 48 ساعة السابقة للمعايرة.

(2) استمارات "فاجرستروم"، وهي أكثر استعمالا وذات نتائج جيدة في تقدير الاعتماد وتنسب إلى السويدي Fagerrstrom.

وسائل عديدة للعلاج

الآن وبعد أن نقرر أن هذا المدخن هو معتمد على التدخين نتطرق إلى الوسائل العلاجية:

- أن يقرر المدخن الإقلاع عن التدخين. إذ إن الطبيب لا يمكن أن يقدم سوى المساعدة، والدور الأساسي يعود إلى المدخن.

- دعم نفسي طبي ويتم بشكل أساسي عن طريق زيارات دورية للطبيب أو المعالج النفسي، وهنا تكون لعلاقة الطبيب بالمريض أهمية بالغة.

- العلاج الدوائي:

(أ) مادة الكلونيدين وهي مادة خافضة للتوتر الشرياني من فصيلة مثيرات مستقبلات ألفا المركزية وقد أثبتت هذه المادة فاعلية في إزالة أعراض السحب.

(ب) معوضات النيكوتين: وهي ذات فائدة مثبتة وحتما أقل ضررا عن السيجارة، فإضافة إلى إلغاء مادة القطران وثاني أكسيد الكربون فإن كمية النيكوتين في الدم بعد استعمال هذه الأنواع لا تتجاوز 60% من الكمية المدخنة وهي متوافرة بأشكال مختلفة.

(ج) اللصقات (طابع النيكوتين) متوافرة بعيارات 30 - 20 - 10 ملليجرام تستعمل يوميا صباحا على الصدر أو البطن أو الذراع لفترة ثلاثة أشهر، حيث يبدأ بجرعة 30 ملليجراما ثم تخفض تدريجيا، ونسبة النجاح في هذه الطريقة 50 - 60%.

(د) علكة النيكوتين، وهي الأكثر شيوعا من سابقاتها، متوافرة بجرعتي 4 - 2 ملليجرام وتستعمل لفترة 6 أشهر إلى سنة، كذلك تخفض الجرعة بشكل تدريجي، ونسبة النجاح مماثلة للطريقة السابقة.

ختاما نعود ونؤكد أن على المدخن عدم انتظار ظهور المرض حتى يقرر الإقلاع عن التدخين وأنه هو وحده القادر على وقف التدخين. وأن الوسائط السالفة الذكر ليست إلا وسائل مساعدة. ويجب أن تترافق حتما مع وقف كلي (وليس أبدا تخفيضا) لتدخين أي من أنواع التبغ.

 

جميل خباز