تونس نافذة العرب على أوربا سليمان مظهر تصوير: فهد الكوح

تونس نافذة العرب على أوربا

يسمونها تونس الخضراء، غابة الزيتون، أرض التحديات، ملاذ الأباطرة، معبر الحضارات. وتتجمع هذه المسميات على مدى التاريخ في الأرض الطيبة الممتدة في موقع القلب من ساحل الشمال الإفريقي لتصبح.. الكل في واحد..!

وكما أن لكل شيء بداية، فقد بدأت حكـاية تونس بقصة يرويها التاريخ.

فحوالي عام 814 قبل الميلاد، أبحرت "أليسـار" ابنة ملك صور الفينيقية - على الشواطئ اللبنانية الحالية - في أسطول كبير بعد مأساة عائلية قتل فيها أخـوهـا وزوجهـا، وتبعها عدد كبير من الأعوان والأنصار. واستقرت بها عصا الترحـال على ساحل البحر المتوسط على مسافـة بعيدة من المواني المصرية والليبيـة. في ذلك الموضع .. اعتزمـت أليسـار - ويسميها اليـونانيـون ديدون - أن تنشئ مستعمرة جديدة. وأقامت على الرمال وبين الصخور مـدينة أطلقت الملكة الشريـدة عليها اسم "قارت هداتش" أي المدينة الجديدة بالفينيقية. وتداولت الألسنـة هذا الاسم جيلا بعد جيل، حتى أصبح "قرطاج" وهي المدينة التي قدر لها أن تهز الإمبراطورية الرومانيـة، وتزعزع أركـانها، وتدفع بها في وقت من الأوقات إلى حـافة الهاوية بقيادة القائد القرطاجني "هانيبال" وأسرته. ولكن الـرومانيين تمكنـوا في النهاية من تخريب المدينة وتحويلها إلى أطلال.

على أطلال "قرطاج" الممتـدة على مسافـة عشرين كيلومترا من العاصمة الحالية تونس، وقفنا نستعيد أحداث الماضي، ونتأمل صورة المدينة العظيمة التي أطلق عليها وما جاورها بعد انتصاراتها اسم "إمبراطورية إفريقيـا". وبن ما بقي من الأحجار والأعمدة التي لايزال بعضها قائما، نكـاد نسمع أصـوات قعقعـة الأسلحـة وهي تتبـارز في معارك القرطاجيين ضـد  الغزاة، وتتردد في آذاننا هتافـات المنتصرين وضربـات مجاديفهم وهم يمدون نفوذهم على طول الساحل الجنوبي للبحـر الأبيض المتوسط. وحن وضعوا أيديهم على إسبانيا استولوا على ذهبها وفضتها وحديدها ونحـاسها. وتحولت قـرطاج من مركز للتجـارة إلى أكثر مدائن البحر الأبيض، ثراء وقوة.

قرطاج وهانيبال

على مدى البصر مع إطلالتنا على المساحة الواسعة التي لم يعد يشغلها سوى الأطلال، نتذاكر ما قرأناه في "قصة الحضارة" عن ول ديورانت، وهو يصف مـا كان يعمرها من قصور رائعة وهياكل فخمة وحمامات عامـة، ويتحـدث عن موانيها الآمنـة وأحـواضهـا الواسعة التي تحيط بها الأعمدة الأيونية. أمـا السوق العامـة فهي في قلب ميدان ذي عمد تزينـه تماثيل يونـانيـة، وتقوم على جوانبـه المصالح الحكـوميـة والمكاتب التجـارية ودور القضاء والعبـادة، والبيوت التي ترتفـع في الجو إلى ستة طوابق. وفي وسـط المدينة كـانت تقوم ربوة عالية أو قلعة تسمى "البورصـة" تضم بيت المال ومضرب النقود والكثـير من المزارات والعمـد. ويحيط بـالمدينة من ناحيتها الأرضيـة غير البحرية سـور من ثلاثة جدران يرتفع خمسة وأربعـين قـدما في الهواء، ومن فوقـه أبراج وشرفـات. ومن داخل الأسـوار فضاء يتسع لأربعـة آلاف حصان وثلاثمائة فيل وعشرين ألف رجل.

رجع الصدى

وندور بين أطلال قرطاج.. تونس..

كل شيء هنا نشم فيه عبق التاريخ..

وعلى رجع الصدى وحفيف أمواج البحـر وانطلاق ريحه الـذي طالما حـرك السفن والقلوع على - شواطئ قرطاج. نتجول بين أنحاء المدينـة الدارسة ومعالم جـاراتها وفي رءوسنا دوامة تدور لتمزج بين الماضي والحاضر. هنا إلى الجنـوب، نقف عنـد "حلق الوادي" بحصنـه الذي وقـف صامدا مدافعا طوال خمسة قـرون، وإن كان لم يصمـد اليوم أمام عشرات المطـاعم التي غزته وعبقت المكـان بريح سمكهـا المشـوي. وعلى مسـافـة قصيرة تستلقي "صلامبـو" بموانيها. البونيقية وفيلاتها ناصعة البياض وحدائقها الغناء ومعهدها الأقيانوسي الذي يضم مجموعة من الكائنات البحرية وسط إطار عتيق.

وهناك إلى الشمال نزور مينـاء "سيـدي بوسعيـد" بأرصفته الواسعة ونقوش أبـوابه ونوافذه، وبدياره البيضـاء والـزرقاء ومئـذنتـه الشهـيرة وصخـوره الساحلية القانية الاحمرار. ونتجه إلى "المرسى" حيث قصور بايات تونس الصيفية التي تحول أغلبها إلى مزارات ومقاه تتردد بين جنباتها الموسيقى الراقصة والأنغام الشرقية الأصيلة.

عندما يحكي الحجر

ونتلمس بكل جـوارحنـا مجد تـونس حين نزور "كريكوان" ونتجول في معابرها الطويلة، أو نتنزه في معالم "دقة" الشهيرة، أو ننزل بمسرح "الجم" الذي صمدت جدرانه الشامخة أمام كل المحن، أو نتأمل لوحات فسيفساء "بوماجوس" البديعة، أو نتوغل في متاهات "بولاريجيا".

إنها كلها معالم أثرية خلفتها الحضارات المتتالية، وسطرت صفحـاتها على جدران مدينة قـرطاج التي دمرها الأعداء أكثـر من ثلاث مـرات في العهد البـونيقي، وفي العهـد الـرومـاني، ثم بعـد رحيل الصليبيين وقائدهم "سان لـويس". وإذا كانت بعض هذه الآثار قد تحولت إلى أطلال، فإن الحجـر مازال يتكلم، سواء بين بقايـا المواني البونيقية، أو مقبرة الأطفال الضحـايا، أو عند حمامات انطونين، أو على مدارج الأوديون المنتصـب على الهضبة، وبجواره مشاهد التاريخ وآثاره المعروضة في متحف "بوردو". في متحف الآثار نتابع حكـايـات الماضي ومعالم التاريخ ترويها مجموعة رائعة من لوحات الفسيفساء والمنحوتات والمجوهرات. وندور بين مجموعات من اللوحات وقطع من توابيت الموتى وجدت في مقابر بالقرب من موقع قرطاج.

ولعل أجمل ما نشاهده صـورة جميلة واضحة المعالم للربة "ثانيث" يـونانية الطابع في جوهرها، وتماثيل أخرى صغيرة استخرجت من القبـور القرطاجية من جـزائر البليار التي كـانـت تابعة للإمبراطورية القرطاجيـة. وإذا كان بعض هذه الآثار خاليا من الدقة، فإن بعضها يبدو بشعا لا تطيق العين رؤيته كأنه صنع لإرهاب الأطفال أو طرد الشياطين. أما ما بقي من الخزف فيدل على أن هذا الفن كان يقصد إلى النفع لا إلى الجمال الفني.، برغم ما يعرف من براعة الصناع القـرطاجيين وإبداعهـم نماذج رائعة من المنسـوجـات والحلي والنقش على العاج والأبنوس والكهرمان والزجـاج. ولا شك أن أروع ما يضمـه المتحف تلك اللوحات الفسيفسائية التي تعتبر أكبر مجموعة للفسيفساء في العالم، بين إغريقية ويونـانية ورومانية، لعل أبرزها ما يحكيـه هوميروس من أساطير الأوديسة ومغامرات هرقل وتيه أوليس في بحر الظلمات.

كل شيء في متحف بـوردو يحكي كيف كـانت تونس معبر الحضارات. فهي بلد عربي يرجع تاريخه إلى أكثر من ثـلاثة آلاف سنة، قبل عصر ما قبل التاريخ حتى وقتنـا الحاضر. وضعها الاستراتيجي وسواحلها الممتدة يسرا لها سبل الاتصال بالشعوب الأخرى، وجعلا منها أرضا للتلاقي وموطنا لإغناء الحضارات. وإذا كانت تأثيرات الحضارة الفينيقية قد وضعت لها جذورا في أرض قرطاج حتى عظم شأنها على مر الأيام، فإن تدمير قـرطاج قد مكن روما من بسط نفوذها على أنحـاء البلاد بـالرغم من مقاومة "الأمـازيج " سكـان البلاد الأصليين. وفي العهـد الروماني انتشر العمران والبناء كـما تشهد بذلك الآثار النفيسة التي رأيناها ماثلة حتى اليوم في الجم ودقة وسبيطلة ومكثر وغيرها. واستمرت مراحل التاريخ حتى كان القرنان الخامس والسادس بعد الميلاد حين استهدفت تونس لحملات الوندال ثم البيزنطيين. ولم يضع حـدا لكل ذلك سـوى الفتح الإسـلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، والذي عرفت البلاد من بعده باسم "تونس الخضراء".

لماذا.. تونس الخضراء؟

الحقيقة أن الخضرة في تونس هي أحد المعالم البارزة في كل أنحـاء البـلاد، في المزارع والمتنزهات وعلى جوانب الطرق والميادين، وفوق شرفات المنازل في المدن والقرى، حيث تختلط خضرة أشجـار الزيتون بكل أنواع الزهـور والورد والشجـيرات الـدائمة الاخضرار. وكل ذلك هـو مـا يجتـذب الـزوار والسائحين حيث يقولون "إن كل شيء في تونس الحديثة يترنم ألوانا وعبيرا وأنغاما، حيث عذوبة المناخ وصفاء الهواء وإشراقـة السماء ونعومة النسيم وانتعاشـة الأفق وهدأة الشواطئ وعطر الحقول وربيع الألوان وأريـج الهضاب ورحـابـة الطبيعـة وسحر الحياة".

لكن.. لماذا أطلق عليها اسم "تونس الخضراء"؟

يقولون إنه عندما كانت مدينة قرطاج في قمـة عنفوانها، لم ينس أهلها أصـولهم الفينيقية. لم يكتفوا بنقل تقـاليدهم وعاداتهم وأسـاليبهم في الحروب والغزوات والتجارة والصناعة والزراعة، بل انتقلت معهم أيضا طقوس عبادة آلهة فينيقية: بعل وملكارت وعشتروت وأدونيس. ولم يكن بد من أن يستدعوا الكـاهـن الأكبر "آزوداس" من صـور إلى قـرطاج. وحين أبحر ومعه ابنته "اسماتـا" بسفينته الفينيقية كان قـد حملهـا بكميات كبيرة من زيـت الزيتون أعدت خصيصـا في معاصر لبنان. كـانت هذه الكمية من الزيتون هي هديته الرئيسيـة إلى أهل قرطاج الذين كانوا يحتـاجون إليه لجيوشهم ومصـانعهم وهياكلهم في آن واحد للقتال وللعبادة.

لم يكن زيت الزيتون وحـده هو ما اهتم الكـاهن الأكـبر بنقله معه إلى مقر كهـانته الجديـد، بل كـانت هناك في السفينـة عشرات من أجود أشجار الزيتون. ولقد كان حريصا على أن تزرع شجرة زيتون على قبره كـما هي عادة أسرته من كهنة صور، وحتى لا يختلف هذا القبر في شيء عن قبور من سبقوه إلى العالم الآخر فقد كان من عاداتهم أن يغرسوا شجرة زيتون على قـبر كل منهم لتكون نومتهم الأخـيرة في غابة من الزيتون انتشرت وامتـدت خلف أسوار صـور وعلى سفح الجبل، عنـد مصب نهر أدونيس، حيث مدافن الآباء والأجداد.

قبل أن تنقل أغراس الزيتون على ظهر السفينة انحنت "اسماتا" ابنة الكاهـن على أبيها لتقول له: قبل أن نزرع أغراس الزيتـون على قبرك بعد عمر طويل سأزرع واحدة منها بيدي في حديقة الدار التي ستقيم فيهـا يوم يحتفلـون هناك بـزفـافي، وسيكـون غرس الزيتون ذكرى لـزواجي، ولـزواج كل واحـدة من فتيات الأسرة يوم يتم زفافها.

ومع مرور الأيام، كانت أغراس الزيتون التي جاء بها الكـاهن معـه والتي أرسلت إليـه فيما بعـد من فينيقية، قـد زرعت في الحدائق والبساتين والمزارع في قرطـاج وما حولها، وانتشرت زراعة الزيتون منـذ ذلك الوقـت في تلك البقعة من الأرض الإفـريقية. التي لم تعـرف قبـل ذلك زراعة أشجـار الـزيتـون الخضراء.

بين أرجاء تونس العاصمة

وندع وراءنا قرطاج وأطلالها، أو تونـس القديمة المغـرقـة في التـاريخ، لننطلـق إلى العاصمة الحديثة لتونس التي ماتزال خضراء.

المدينة القديمـة للعاصمة التونسيـة أسسها العرب المسلمون في القرن الثـامن الميلادي، وكـان موقعها فوق ربوة على البحر المتوسط يؤهلها كي ترث جارتها قرطاج العاصمة الفينيقية. هكذا تحولت تونس القرية البربرية في العهود القـديمـة، ثم القلعة الدفـاعية الحصينة في العهود العربية و حكـم الأغالبة، إلى مركز إمارة محلية دام حكمها حوالي قـرن. وحين ضـم الموحـدون تونس عام 1160 إلى دولتهم الكبيرة المستقـرة بمراكش والممتـدة من الغـرب الأقصـى إلي طرابلس الغرب، جعلـوا منهـا عاصمة ولاية إفـريقيا. ومنذ ذلك الوقت لعبت دورا مهما على مستوى الحركة التجارية في حوض المتوسط.

هنا نشهـد الصورة الحديثة حين نتنقل بين الأحياء العصرية والمباني الجديدة والشوارع الواسعة والميادين المنبسطة والجسـور العلـوية، والمتنزهات العامرة بالزهور والورد وأشجار الساج، تزقزق من فـوقها آلاف العصافـير في متنزه البلفدير وأشجاره المتشابكة.

وحين نواصل الطريق إلى قلب المدينة نجد أنفسنا وسط مظـاهر ثقافية دائبـة الحركة، بين مجموعة من المتاحف وقاعات العرض وأروقـة الفن، تضم على صفحـات واجهاتها أسماء خلدت ذكـرها في دنيا البطولات والملاحم والعلـوم والمعارف والفنون، كأسماء ابن الجزار وابن شرف وأبي هـاني وابن رشيق وأبي القاسم الشابي.

ولعل أبـرز الأسماء اللامعـة التي نمـر بها اسم عبدالرحمن بن خلدون وهو ابن المدينة، حيث يقف تمثالـه صلبا شامخا. ونحس أن ابن خلدون مازال - وبعد ستمائة عام - يطل بناظريه إلى الأمام، وتتحرك أصابعـه وكأنها لاتزال حية تواصـل كتابة صفحات التاريخ.

المدينة العتيقة

ونستمتع بشغف وننظر بعيون مشوقـة إلى الكنوز الدفينة في القصور والمتاحف والبيوت العتيقة.

هنا "جامع الزيتونة" أول جامعة في العالم، نقرأ على واجهته لوحة تقول "جامع الزيتونة المعمور أسسه عبدالله ابن الحبحاب سنة 114 هجرية/ 732 ميلادية في المكان الذي أقام به حسان بن النعمان الصلاة عند فتح تونس سنة 77 هجرية/ 698 ميلادية وأعاد بناءه على شكله الحالي زيادة الثاني بأمر من الخليفة العباسي المستعين بالله. وتم إبـان الاستقلال ترميمه ودعم أركانة بأمر من فخامة الرئيس الحبيب بورقيبة".

هنا أيضا "دار الأصرم" و"سيدي محرز" بهندسته المستـوحاة من الفن التركي. وغير بعيد دار "سيدي قـاسم الجليزي" الزاخـرة بفنون زخـرفـة الأبواب والشبابيك المقـوسة والمزينـة صفحتها بالمسامير النحاسية. وفي الجانب الآخر نشهـد "دار ابن عبد الله" من القرن الثامن عشر والذي تحول إلى متحف تقليدي يضم أبدع الأزياء والأثاثات الشعبية الشرقية والملابس القديمة المعروضـة في إطارها الأصيل. وتبدو الغرف والقاعات المزينة جدرانها بالسيراميك والنقوش الشرقية حيـة عامرة وكأن الناس لايزالون يعيشون بين جنباتها يتسامرون ويجلسون والعروس في غرفتها التقليدية بكل ما فيها من أثاث أصيل.

فإذا انتقلنـا إلى الدكـاكين العتيقـة في الأسواق المحاذية القريبة من جامع الزيتونة.، فوجئنا بأننا وسط شحنة من التاريخ، تتفجـر كأنها شحنة من النور ترسـل أضواءها على كـل ما هو مثير من معالم الصناعات التقليدية التي تحافظ على جودة الأصالة والذوق الشعبي الفريد. يبدو ذلك في الأردية ذات الخياطة الذهبية الرفيعة، وفي القفاطين والزرابي التي لا يضاهي تناسق ألوانها وأشكالها إلا دقة صنعتها. ونمر بصانع الجلود، يبتكـر ويخرج من بين يديه عشرات الصناعات الجلدية الزاهية. وطارق النحاس يشكل أطباقـا ومزهـريـات ومصابيح منقوشـة ومزركشة بشكل فني جذاب. وصانع الطرابيش أو الشاشيات مايزال يبتكـر ويزين أغطيـة الرأس الحمراء. وبائع المصـوغات والمرجـان وصانعات السجـاد والزرابي والقفاطين والدشاديش من شتى الألوان والأشكال والأصناف والأذواق.

وطوال مسيرتنا على الطرق الحجـرية العتيقة المسقوفة في المدينة العتيقة تتهادى إلى مسامعنا نداءات البـاعة المنغمـة مختلطة بضجيج السـوق المزدحم بالمشترين والمتفرجين والسائحين. لقد كانت الأسواق كـما هي العادة في المدن العربية العتيقة، تحيط بجـامع الزيتونة، كـالكتبيين والعطارين والشماعين وصنـاع الحرير والقماش عامة والجلد بمختلف أنواعه. أما الحرف التي تخل براحة السكان كالحدادين والجزارين والتبانين والحلفاويين وما إليها، فكانت الأسواق الخاصة بهم تنصب أمام الأبواب خارج سور المدينة. ومع سقوط السـور اختلط الحابل بالنابل وأصبحت أسواق المدينة كلها مختلطة بعـضها ببعض.

استثمارات كويتية

ونعـود من جـديـد إلى المدينـة الحديثة.. التركيز ينصب في تونس هذه الأيـام على الاستثمار الأجنبي. حتى أن عدد الاستثمارات الأجنبيـة ارتفع إلى 700 استثمار موزعة على مختلف القطاعات الإنتاجيـة من زراعيـة وصناعيـة وتجاريـة وسياحية أيضـا. وتطبق تونس في الوقت الحاضر سياسة طـويلة الأمد لتحرير اقتصادها واجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. وقامت وفود تونسية رسمية خاصة بجولات ترويجية إلى دول الخليج العـربي وألمانيـا وفـرنسـا وإيطاليا وبريطانيا بهدف تعـريف رجال الأعمال على تطورات الوضع الاقتصادي في تونس.

فما هو تأثير ذلك بالـذات على المجـال السيـاحي وهو ما يهمنا اليوم في هذه الجولة؟

لنسمع التفاصيل من وزير السياحة محمد جيغام.. قال لنا: إن قضية الاستثمار قضيـة مهمة في تونس، وبـالنسبة للاستثمار السياحي فقـد كـانت بدايـة انطـلاقتنا من الستينيـات، وبفضل القـوانين التي أرسيت تمت مراجعة التشريعات الخاصة بهذا المجال ومن خـلالها استطعنـا استقطـاب عـدد كبير من المستثمرين. نسبـة الاستثمار الخارجي تصل إلى 15% عن طريق بنوك التنمية، وعددها كبير في تونس، وقد تأسست بالتعاون مع دول الخليج، فلدينـا مثلا بنك تـونسي كـويتي وبنك تونسي سعـودي وبنك تونسي إماراتي. تقريبا كل المشاريع السياحية تقوم بإسهامات من هذه البنـوك لمدة معينة ثم يتم استرجـاع هذه المسـاهمة. وهناك أيضا قروض عربيـة. وقـد قمنا بتشجيع كل الإخوة العرب خاصة الكـويتيين الذين يهمنا وجـودهم في هذا المجـال كالصنـدوق الكويتي للتنمية وصنـدوق الإمارات. وقمنـا بتشجيع هذا الاتجاه كل الصنـاديق قـدمنا لها حـوافـز وتيسيرات اقتصاديـة للمساهمة في المشاريع الاستثمارية بقروض ومساهمات. وبدون مبالغة نستطيع القول إن أحسن تجربة في البلدان العربية هي التجربة التونسية الكويتية في مجال السيـاحـة. وقـد تأسسـت شركـة تسمى المجموعة التونسية الكويتيـة للتنمية، قامت ببناء عدد كبير من الفنادق في مـدن كثيرة. هذه الفنادق تضم أكثـر مـن 9000 سريـر وتعتبر من أحسـن وأفخم الأثـاثـات السيـاحيـة في تونس وصفـاقص، وفي الحـمامات وبنزرت هناك سلسلـة فنادق "أبي نـواس" وحتى في المناطق الصحراوية في برقة. وتصل الخدمة إلى أعلى مستوى حيث أسهمت المجموعة في تدريب العمالة، وهي عمالـة تـونسية محض، وهي خـاصيـة السياحة التونسية.

نسمع مثل ذلك أيضا من أحمد الإبراهيم مـدير مكتب المجموعة الاستثمارية العقـارية الكويتية في تونس. ونعرف منه أن المجموعة قامت بدور فعال في تحريك عملية التعـاون الثنائي بين تـونس والكويت. وقـد اتسم نشاطهـا الإنمائي بالمسـاهمة والمشاركـة مع مؤسسـات ماليـة وسياحيـة في عدد مـن المشروعات السياحية. وهكـذا أمكن المشـاركة في تـدعيم خطط التنميـة التـونسيـة وتحقيق الجدوى الاقتصـاديـة لاستثماراتها. ولا شك أن الصورة الماثلـة للعيان تبدو واضحة من إنشـاء أوسع شبكة فندقية في تونس مما ساعـد غلى تنشيط السياحـة. ولدينا الآن 12 فنـدقا، وهناك 3 فنادق تسهم فيهـا وكلها تحت مسمى واحد هو شبكة فنادق أبونواس.

ويضيف أيضا باسل الأحمد نـائب مدير المكتب أن الجهد الاستثماري لا يتركز فقط على الفنادق بل هناك أمثلـة أخـرى مثل شركة لـلأسفار تنقل السيـاح من الخارج. وهنـاك مشـاريـع لتربيـة الأبقـار والمواشي ومنتجـات الألبان، كـما أن هنـاك مساهمات في إنشـاء عدد من المستشفيات، وأبرزها المستشفى الموجود في صفاقص، وهو يقوم بـإجـراء العمليات المتعـذر إجراؤها في الـدول المغـربية مثـل جراحـات القلب. والمستشفى لـديه الإمكـانات الطبيـة والأدوات والآلات التي تساعد على إجراء مثل هذه العمليات، وقد نجح في ذلك. الأطباء بالمناسبة كلهم تونسيون.

المرأة ومواجهة التحديات

طوال جولتنا في تونس العاصمة كنا نحس أن المرأة تلعب دورا كبيرا فعالا ومؤثرا في كل مجالات الحياة، إنها تشارك في كل مجالات العمل دون أي تفرقـة مع الرجل، وهي لا تزدد في اقتحـام الانتخابات العـامة مرشحة أو ناخبة، وتسعى دائما إلى تقنين حقوقها من خلال القنوات الشرعية وعلى رأسها الاتحاد الوطني النسائي. هذا ما تؤكده لنا فايزة الكافي رئيسة الاتحاد وهي تقول: إن العمل بـالنسبة للمرأة التونسيـة نوع من أنواع العبـادة، كل دقيقة من وقت العمل مقـدسة ولها ثمن. وقد حصلت المرأة على إصلاحـات جذرية بدلت منزلتها جوهريا بالمجتمع. وأهم ما في الأمر أنها لعبت دورا بارزا في تحدي الحركات المتطرفة التي كـادت تسيطر على المجتمع. فقـد وثقت في نفسهـا وأكدت كيـانها وأصبحت مسموعة الكلمة مستنيرة العقل فحـافظت على بيتهـا وأولادها وزوجهـا من شرور التطرف والإرهاب. نـاقشت الحجـة بالحجـة والـدليل بـالـدليل ووفـرت لأسرتها الحـمايـة من المعتقدات الخاطئة فكانت عنصرا فعالا ضد الإرهاب والتطـرف الـذي لقي شر هزيمـة في البيت والشارع التونسي.

تقول لنا الدكتورة نبيهة جدانة كاتبة الدولة لشئون المرأة: إن تحرير المرأة وتكريس مسـاواتها مع الرجل اختبار جـوهري في تـونس، فـالمرأة عنصر أساسي في الأسرة وفي توازن المجتمع المدني، وكـذلك في ضمان. التنمية الشاملة والمستديمة في مختلف القطاعات. إن المرأة التونسية سبقت كل نساء الـوطن العربي في نيل حقوقها، فمن حقها التقاضي أمام المحـاكم والمرافعة باسمها الخاص، بل إنها تولت أيضـا منصب القاضي حيث نجد أن حوالي 20% من مجموع القضاة هم من النسـاء، كـما أن عددهن يبلـغ 60% من قضاة محاكم العاصمة، وليس في محاكـم الأحوال الشخصية فقط وإنما في المحاكـم الجنائية أيضا. ومن المكتسبات التي حصلت عليهـا المرأة إلغاء تعـدد الزوجـات وإقرار عقوبات جزائية في حـالة عدم احترام هذا الإجراء. كـما أن الطـلاق التعسفي والغيابي مـرفـوض بحكم القانون حتى ولو كان أمام المأذون. وهناك قـوانين رادعة لاستخدام العنف في الحياة الزوجية، فالعقاب الذي يناله رجل ضرب امرأة لا تمت لـه بصلة زواج أهـون من عقاب زوج ارتكب نفس الـواقعـة مع زوجته.

ولقد صدر قانون صندوق النفقة، لحماية المطلقات من تلاعب وانتقام أزواجهن السابقين. ولم تعد المرأة التي حكم لها بـالطلاق أمـام القضـاء تبحث عن زوجها لتنفذ عليه حكم النفقة ولن تكون ضحيته وهو يلعب معها لعبة القط والفأر. إنها تستطيع أن تذهب يوم صدور الحكم إلى صندوق النفقة لتصرف حقها كاملا. ويتولى مجلس إدارة الصندوق أداء اللعبة مع مطلقها والحصول على كل حقوقها كـاملة ولا ينطبق ذلك فقط على المرأة المطلقة، بل ينصب أيضا على أبناء الوالـدين المنفصلين، وعلى النسـاء اللاتي مازالت قضاياهن منظورة أمام المحاكم للتطليق، أو الأشخاص الذين أسندت إليهم حضانة الأولاد غير الأبوين.

والاهتمام لا ينصب على المرأة فقط. وحين نلتقي الـدكتـورة نزيهة مزهود كـاتبة الـدولـة للشئون الاجتماعية نعـرف أن مهمتها أن تعتني بكـل ما يخص التنميـة الاجتماعية، والاهتمام بـالحالات التي تتطلب عناية خاصـة مثل المسنين والمعوقين والعائلات بدون سنـد من أرامل ومطلقـات والأحـداث. وتقـول الـدكتورة نزيهة: إن لكل من هـذه الفئـات بـرامج خـاصـة من مسـاعدات أو إدمـاج، وهـو العنصر الأساسي الـذي نود تحقيقـه. ونحن نعيش حـركـة إصـلاح اجتماعي كبير تهدف إلى إعـادة هيكلـة الاقتصاد، وإدخـال المؤسسات في مجال السـوق الحرة وتحرير الأسعار. وهذا يحتم ضرورة التدخل السريع والمنظم لمسـاعدة هـذه الفئـات الضعيفـة حتى لا ينعكس هذا الإصلاح سلبيا عليها.

القيروان .. رابعة الثلاث

برغم كل الآثار المتميزة على مدى التـاريخ لتونس العتيقة، فـما تزال هناك معالم تونس الأصيلة الـدائمة التي بلغت أوج رشدها واكتملت شخصيتها الفذة في ظل العروبة والإسلام.

نستشعر هـذه الصـورة الفريدة حـين نواصل السياحة بين معالم تـونس الخضراء. ونأخذ طريقنا إلى "القيروان" "رابعة الثلاث" بعد مكة والمدينـة المنورة والقدس الشريف. وأقـدم وأول مـدينة إسلامية اختطها القائد العربي الملهم "عقبة بن نافـع" لتكون قاعدة لنشر الإسلام في المغرب العربي.

ونتذكر أحداث التاريخ..

كان عقبة يحث الخطأ وحوله جيشه الفاتح، حاملا لواء الدين الجديد في المغرب العربي.

وحين توسط البيداء حيث تونس الحالية، توقف عنـد منطقة وجـدها تصلح لأن تكـون مكـانا أمينا تعسكر فيه قواته، ومحطا آمنا لاستراحة القوافل التي تنتقل بين الشرق والغـرب الإفريقي. وحط عقبـة الرحـال. وأمسك بعصا راح يخط بها فـوق الأرض حـدود المعسكر. كـان اختياره للمكـان عن بعد نظر ثـاقب، فهو يقـع في جـوف الـروابي، على منتصف الطريق بين الحصون والشواطئ البيزنطية ومخابئ البربـر الجبلية، فهو مكـان مناسب لمحطة استراحـة ومحطة انطلاق لنشر الإسلام، لهذا أسماها "القيروان" وتعني حسب قـول اللغـويين "القافلة". وبدأت انطلاقتها المشرفة عام 670 م (50 هجرية).

البئر الواطئة

هيا بنا نـدخل القيروان المدينة الأثريـة الإسلامية، ونتتبع تاريخها الطويل حتى قبل إنشائها. فهناك عند مـداخلها يقوم مقـام عبدالله بن أبي زمعة البلوي الصحابي الذي كان مـع الرسول في المدينـة. دفن في هذا المقام سنـة 34 هجرية، بعد أن أدركته المنيـة في "جلولة" على بعد 30 ميـلا عن القيروان. وكـان قد دخل إفريقيا في جيش معاوية بن حـديج في خلافـة عثمان بن عفان، بعد أن شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص. يقول لنا مرافقنا: هنا يقولون إنه عند وصول عبداللـه بن أبي زمعة، كان العطش قد أخـذ بالجميع. ولكن فجأة تفجـرت الميـاه من "بئر بروته". فـدعا عبدالله ربه أن تكون البئر واطئة ومنخفضة، ولذلك يسمونها "البئر الواطئة" وقد جرى حفر البئر في نهاية القرن الثامن، وماؤها له قـدسية خـاصة عند أهل القيروان.

قصة مدينة

أنشئت القيروان بعيـدا عن العمـران وسط الصحراء، فكانت بذلك آمنة من هجوم الأعداء. ولم يمنعهـا انعزالها من أن تنمـو وتكـبر، وكـان أول ما اختط فيهـا هو دار الإمـارة، والمسجد الجامع، وكـان ساحـة فضاء ليس فيه بنـاء ويصلى فيه وهو كذلك.. وبعد تحديد محراب المسجد اقتـدى به الناس. وبعد بناء المساجد والمساكـن شد الناس المطايا إلى القـيروان من كل بلد وعظم قدرهـا. وكانت دار الإمارة خلف قبلة المسجد. وقد توقفت توسعتها فور إنشائها عندما عزل عقبة بن نافع، إلا أنها استعادت عظمتها بعودته عام 61 هجـرية. وظلت حـوالي 400 عام على رأس مدن إفريقيـة والمغرب. وكان لها سور له  أربعة عشر بابـا. وكان سوقها متصـلا بالمسجد من جهـة القبلة، وممتدا إلى باب باسم "باب الربيع". وكان لهذا السوق سطح تتصل بـه جميع المتـاجـر والصناعات. وقـد تعرض هذا السطح لبعض الهدم، وأمر الخليفة هشام بن عبدالملك بترميمه عام 105 هجرية.

وتختلف القيروان عن المدن العـربية القديمة في أن كل قبيلة نزلـت بها لم تكن تختص بمكـان معين من المدينـة كـما حدث في المدن الإسلامية التي سبقتهـا في بدايات فتوح الإسلام. ولم تحرص القبائل العربية التي اشتركت في فتحهـا على أن تظل بمعـزل عن القبـائل الأخـرى في سكنهـا كـما حـدث في المدن السابقة. أما بـالنسبة لتخطيطها فقد اتبع نفس تخطيط المدن الأولى حيث كـان يبدأ بتخطيط المسجـد الجامع ودار الإمارة. ويلي ذلك السوق والمساكن والطرق والزنقات.

حول المدينة أقيمت أسوار عالية تطورت على مدى التـاريخ لتكون قلعـة حصينـة تصد عنها حجـاراتها المرصـوصـة هجمات الغـزاة. ولم يكف أهل القـيروان عن إصلاح الأسوار مرة تلـو مرة. ذلك أن الهجمات كـانت تتكسر فـوق هذه الأسوار وإن كـان يصيبها الكثير من الهدم. من أمثلة هذا الهدم ما حدث حين ثارت المدينـة ضد حكـم الأغالبة عام 826 وهـو ما حـدث  أيضا عام 1057 عند الغزوة الهلالية. وقـد صمدت القـيروان في منتصف القرن الثامن عشر أكثر من خمس سنوات على الحصار المفروض عليها، بل أجبرت الحاكـم على دفع تعويضات لها.

ولم تسلم القـيروان وأسوارهـا من أطماع الألمان في الحرب العالميـة الثانية، إذ هدموا قسما منها لاستعمال. حجـر الطابوق لبناء مدرج للطائرات. ولم تفارق القيروان أسس تنظيمها على مدى التاريخ حتى اليوم. وقد حافظت على نسقها المعماري الأصيـل، لأن هذا النسق مطبوع في أهلها الواثقين من هويتهم.

المسجد الجامع

تعال بنا ندخل مسجد القيروان، أشهر مساجـد إفريقيا والمغرب العربي، ولندر بأنظارنا في كل جانب وعند كل حجـر. التصميم الأول الذي وضعـه عقبة بن نافع لم يسلم من التطوير على تتابع القرون، ولكل حجر في هذا المسجـد حكـاية، الأعمدة عديـدة ومتنوعة تعود لمعابد رومانية وكنائس بيزنطية. المنبر الخشبي من الساج العراقي وهو الأقدم في العالم. كل  وحـدة زخـرفية مختلفـة عن الأخرى. ومن العـراق جلب القيشـاني ذو البريق المعـدني. وهناك رخـام روماني ورخـام سماقي وعقيق بيزنطي. كل ذلك في صيغة معمارية تجعل منه أعرق وأهم المساجـد في المغرب العربي.

إن مسجـد القيروان "أبـا المساجـد" تحفـة معماريـة خالدة. وتقول الروايات إن موقع محرابه كشف لعقبة بن نافع في حلمـه فأقام من حوله مسجـدا. وقد أعيد بناء المسجد عام (67 هجرية - 690 ميلادية) ثم زيد فيه ما بين 106 و 127 هجرية (724 - 743 ميلادية) كـما أجـريت فيـه تجديدات كـبرى على مرور القرون حتى الوقت الحاضر.

سوسة جوهرة الساحل

حين نغادر القيروان نتخذ طريقنا إلى أقرب المناطق الساحلية، حيث مدينـة سوسة التي يعرفـونها باسم "جـوهرة الساحل" والتي تمتـد بشـواطئها الرمليـة الناعمة على عشرات الأميال من منطقة السـاحل التونسي على طول السواحل المحاذية للقسم الجنوبي من خليج الحـمامات.

هنا نجد أنفسنا وسط مساحات شاسعة من غابات الزيتون التي لا تبعد كثيرا عن الشواطئ الرملية وما توافر فيها من وسائل التسلية والترفيه، بحيث تجتذب الكثير من السـائحين الـذين يؤمـونها، ليس فقط من أجل التمتع بمناخهـا الطيب، ولكن أيضا لما تعرضه عليهم من معالم الأمجاد الغـابرة والأسوار والمسـاجد التي تتراءى للسـائح وكأنها غير عـابئة بـالمنجـزات العمرانية الحديثة.

في إطلالة رائعة من فوق منارة "برج خلف" نشهد منظرا رائعا خلابا للمدينة ومعالمها وأغـوار البحر المحيط بها. ونطل على "الربـاط" الذي شيـد في القرن التاسع في عهد الأغالبة وهو صورة من صور كثيرة مماثلـة على طول السواحل الإفريقية الشمالية أقيمت لحـماية السواحل وتعليم المحاربين المرابطين. ويمتد بنا البصر فإذا بأبراج كثيرة مستديرة عاليـة تشرف على مجموعـة غرف صغيرة كـان المرابطون يقيمون بها للدراسة خلال الفترات التي يخلـون فيها من القتال. الأسوار والأبراج تتميز ببساطة فائقـة في الهندسـة تكسب البناء كلـه هيبة وعظمة في الساحة الـداخلية للرباط تقام الآن تظـاهرات ثقافيـة عالمية وتقـدم مسرحيات وعروض غنائية وموسيقية يشترك فيها الفنانون من مختلف أنحاء العالم.

متحف الفسيفساء

وندخل متحف سوسة، هنا نشهد لوحات رائعة من الفسيفسـاء تمثل أجمل مجموعة في العالم من هذا النـوع من الفنون، وتشكل قـاموسـا رائعا من الآثـار التي تعـود إلي القرون من الأول إلى السـادس، كـما تعكس صورا من أساطير الديانة اليونانية والرومانية القديمة ومظاهر الحياة اليومية والملاهي الصاخبة.

ونتأمل أرضية المتحف الرئيسية، إنها مزدانة برأس تنين بـديع الشكل والألـوان، كـما رسمت صورة إلـه البحر "نبتون" على منوال شكل فينيقـي يذكر بصورة الإله سيـد الملاحين وحارسهم. أبرز هذه اللـوحات صـورة تمثل اختطـاف الإله للراعي "جـانيما" الـذي يبدو في إحدى اللوحات راضيـا باختطافه وعلى محياه بعض علامات الأنوثة، بينما يظهر في لوحـة ثانيـة متخبطـا غير راض بعـد أن تحول الخاطف إلى نسر كبير.

لا يكفي الوقت للمتابعة الـدقيقة لكل هذه الآثار، فـمازال أمامنا أن نزور أسواق سوسة العتيقة وندور في شـوارعها وأزقتها ونشهـد الطابع الإسـلامي في كل شبر وخـاصـة على واجهات المساجـد والبيوت القديمة، وعلى الرغم من ضيق الممرات والأزقة فإننا نحس متعة بمشاهد الرشـاقة وكثـرة الألوان ونحن ننتقل بين، لأسواق التي تعج بالحيوية والنشاط، مثل سوق الـربع وسـوق القائد. وتجتـذب أبصـارنـا واجهات المحلات التجارية العامرة بالبضائع المتنوعة من منسوجات متعددة الألوان كالأغطية من الصوف الخالص، والقطع الفنية المنحوتة من خشب الزيتون، والأواني النحاسية المنقوشة والمصنوعات الفضية التي تشتهر بها سوسة.

المنستير.. سيمفونية الألوان

ونقطع الطريق من سوسـة إلى المنستير مـارين بصفاقـص، هنا نلتقي بالقصر الرئاسي على الجانب الآخـر من الشاطئ الرملي الدافئ. يقع القصر في منطقة سكنية هادئة ويتميز برسومه البديعة وجدرانه المرمـريـة السـاطعة، ثم بحـديقتـه الغناء التي تمتد خلفها واحة "الدخيلة" الشهيرة منذ القـدم، ولكنها اليـوم تشتهر بـما تقـدمه من وسائل التسلية والترفيه للسائحين الراغبين في الريـاضات المائية من ركوب دراجـة البحر إلى الألواح الشراعية والتزحلق على الماء والرحلات البحريـة. كل ذلك بخـلاف الريـاضات الأخـرى مثل ركـوب الخيل ولعب التنس، إلى جانب الاستمتاع بآخر مـا تنتجه الموسيقى الغـربيـة، ومشـاهدة الرقصات المحليـة والشرقية والشعبية. المتع هناك لا تنتهي، ولكنها لا تعـوقنا عن المسير إلى المنستير لننطلـق بين شواطئهـا الذهبية اللامتناهية، ورمالها الحريرية.

التي تدعو إلى المشي على الأقـدام في طرف الدنيا. إن جـاذبيتها في الحقيقـة ليست فقط في الشـواطئ الناعمة أو زرقة البحر أو ذهب الرمال، ولكنها أيضا تمثل سيمفـونيـة من الألـوان تتنـاغم في ألحانها خضرة الطـرفـة والصبـار والـزيتـون والتين الهنـدي، ولهيب الجهنميـة والأحمر القـاني للخبيزة، واللقمـة البنفسجية لإبرة الراعـي وصفاء الياسمين.

إنها لوحـة فنية رائعة تعطي صورة مصغـرة للبلاد التونسية، حيث يتجانس العتيق والحديث، الموروث والمحـدث، في وفـاق منقطع النظير. ولعل أبرز مـا نحسـه طـوال جـولتنـا هـو مـدى نظافتها ونقاء ملامحها مما يزيد في بهاء طلعتها ويضفي عليها طابعا سحريا يميزها عن بقية المدن.

شيقة البحر

إذا كـان يعز علينـا أن نغادر المنستير، فإن ذلك لا يمنعنا من أن نستكمل جولتنـا السياحيـة وننطلق إلى الحـمامات. عشيقة البحـر. قـالوا لنا ونحن نتجـه إلى تونس: اجعلوا ختامها مسكا واجعلوا زيارة الحـمامات نهاية رحلتكم السياحية، فهنـاك ستجـدون كل متع الحياة، وتغسلـون متاعب رحلة الطريق. والحقيقة أن الحمامات بلا منازع أشهر وأجمل موقع سياحي في البلاد، بل وحتى في المغرب العربي كلـه، وهي ملتقى السائحين القادمين من كل مكان من المشرق والمغرب. من الأقطار القريبة ومن أقاصي الدنيا. وربما اكتفي بها بعضهم إذا لم يكن لديهم من الوقت مزيد. ويقولون إن من زار الحـمامات مرة حن إليها في كل عام، فهي لدى الكثير من الأدباء والفنانين والشعراء "الحـمام" الذي يغسل متاعبهم، وهي الملاذ الدافئ بأحضانها المريحة. ذلك أنه في ظلال هذه الحـمامات البيضاء القابعة على ضفاف البحـر المتوسط. شيء لا يطوله اللسان بالتعبير وإنما يحس به القلب من كل الأعماق. هنا في الحمامات، وفي كل ما يحيط بها مما يطلق عليه "الوطن القبلي" أو "الدخلة" نفحات من نعم السماء.

 

سليمان مظهر 






صورة الغلاف





احد شوارع تونس العتيقة





وجه باسم من تونس





خريطة تونس وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط





عناق الأرز اللبناني الفينيقي مع اكبر قدر من السيراميك في نابل





تمثال الربة الإغريقية ثانيت بمتحف آثار بودرو





صومعة جامع الزيتونة





سيدات من تونس بالزي الشعبي





ضريح آل بورقيبة في المنستير





القاعة الرئيسية لأكبر لوحة فسيفساء في متحف بوردو





ركن لتقديم المأكولات الشعبية من  المعجنات والكسكسي والزلابية





منظر عام لبيت الصلاة المحراب في مسجد سيدي عقبة بالقروان





يوم حفل الزفاف ترتدي العروس ثياب العرس لتصبح سيدة بيتها وراعية أسرتها





د. فايزة الكافي - رئيسة الاتحاد النسائي





د. نزيهة مزهود - كاتبة الدولة للشئون الاجتماعية





الصحفية التونسية مي الساحلي





د. نبيهة جدانة - كاتبة الدولة لشئون المرأة





أحد ملاعب الجولف في تونس والتي أسهم فيها المجتمع التونسي حتى أصبحت تجربة رائدة





وزير السياحة محمد جيغام يتحدث إلى العربي





باسل الأحمد نائب مدير مكتب تونس للمجموعة الاستشارية الكويتية





أحمد الإبراهيم مدير مكتب المجموعة الاستثمارية الكويتية





ألعاب الأكروبات ونافخ المزمار من أبرز ما يهتم به السائحون القادمون من أوربا





تم تشييد الرباط من طرف دولة الأغالبة في المستنير وكانت عبارة عن حصن عسكري معد لحماية البلاد من هجمات الغزاة القادمين من البحر





الرباط في أشكالها الجديدة الحديثة





الرباط في أشكالها الجديدة الحديثة





الرباط في أشكالها الجديدة الحديثة





الرباط في أشكالها الجديدة الحديثة





عروس تنوسية في زينتها والزي الخاص بمنطقة سوسة





المرأة البالغة من العمر 35 سنة هناك ضمانات لتحريرها وإعطائها الفرصة للعب دور مهم في المجتمع





تتمتع المرأة التونسية سواء في المدن او القرى بمكانة اجتماعية متميزة





صناعة الزرابي والنحاسيات والمزهريات وسائل لأكل العيش لكن الابداع يبقى جزءا من الصنعة





صناعة الفخار والجلود والسيراميك من أبرز المشغولات التقليدية التي تزيدها الخبرة تطورا