قضية.. الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي بين النظرية والتطبيق محمود الذوادي

قضية.. الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي بين النظرية والتطبيق

إن موضوع الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي هو أحد مواضيع الساعة في العلوم النظرية والتطبيقية. فأي رؤية يقدمها لنا القرآن الكريم حول ظاهرة كل من النوعين؟ وما مدى تناسب أو اختلاف هذه الرؤية مع ما تطرحه العلوم الحديثة في هذا المجال؟

مما لا ريب فيه أن مصطلح الذكاء intelligence هو مصطلح حديث اقترنت بداية استعماله اقترانا شديدا بعلم النفس المعاصر، فعالم النفس الفرنسي ألفراد بناي (1857- 1911) كان أول من نجح في قياس ظاهرة الذكاء البشري.

ونعود لنؤكد، ومن هذه الخلفية، أن القرآن الكريم استعمل مصطلحات وعبارات أخرى، وأبرز سمات خاصة للحديث عن ظاهرة الذكاء. جاء ذلك في إشارات غير مباشرة خاصة بظاهرة الذكاء عند الإنسان فنجد آية قرآنية واحدة في سورة الإسراء تبرز تميز الجنس البشري بظاهرة الذكاء الإنساني بطريقة لا لبس فيها ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فعبارات "كرمنا بني آدم" و "فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، تشير بكثير من الوضوح إلى الذكاء البشري باعتباره تلك القدرة المفكرة المتميزة التي ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية وغير الحية الأخرى.

التفكير تجسيد للذكاء الإنساني

من اللافت للنظر هنا أن هناك تشابها كبيرا بين التعاريف القديمة للذكاء الإنساني من ناحية، والتعاريف الحديثة من ناحية أخرى. فكل منها يبرز أهمية عملية التفكير كأكثر سمة مميزة للبشر عن غيرهم من الكائنات الأخرى. فالفلاسفة الإغريق وصفوا الإنسان بأنه كائن مفكر. وأن أكثر تعاريف الذكاء حداثة ترى أن القدرة على التفكير هي الأرضية الأساسية للذكاء، فالذكاء أصبح يعني تدريجيا عمليات التفكير ذات المستوى العالي في التجريد وذلك مقابل العمليات الحسية أو الإدراكية الأكثر بساطة.

أما الآية الثانية فهي تشير بطريقة أقل مباشرة إلى الذكاء البشري أو إلى مقدرة الإنسان المتميزة على التفكير لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (سورة التين) فوفقا للمصطلح الأنثربولوجي فإن عبارة "في أحسن تقويم" التي يتميز بها البشر عن غيرهم من الكائنات تتمثل في ملمحين: الأول القامة السوية للكائن البشري والثاني الحجم الأكبر لمخ الإنسان. ولكن تأثيرات دور هاتين الخاصيتين في الرفع من قيمة الإنسان ليست بتأثيرات متساوية، فكبر حجم مخ بني البشر هو العامل الحاسم والفاصل في التباين بين الجنس البشري وغيره من أجناس الكائنات الحية، إن نمو حجم المخ - كما يقول هوايت - هو أهم عامل يرجع إليه تطور الإنسان السريع والعجيب. فليس من المبالغة في شيء القول إن تاريخ الإنسانية هو تاريخ المخ البشري. وهكذا يكون استعمال القرآن لعبارة "في أحسن تقويم " يعني بدون أي لبس قدرة الإنسان على التفكير، فإن صفة "أحسن تقويم" لا تكتسب شرعيتها في دنيا البشر إلا بامتلاك القدرة على التفكير التي يجسدها الذكاء الإنساني في أعلى مستوياته. وعندما يفهم هذا الجزء من الآية بهذا الشكل، فإن معنى "في أحسن تقويم" يصبح ذا دلالة واضحة، لا ضمنية، تشير بالبنان إلى ظاهرة الذكاء الإنساني - عمليات التفكير - العقل البشري.

وأما الآية الثالثة فهي لا تقتصر على الإشارة إلى ظاهرة الذكاء عند الإنسان، بل هي تحدد مصدر جذورها وطبيعتها وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (سورة الحجر). إن التأويل لمعنى "ونفخت فيه من روحي" قد تختلف فيه كثيرا أو قليلا، ولكن يبدو أن هناك إجماعا بين المختصين بأن "ونفخت فيه من روحي" ينبغي أن تشمل قدرة الإنسان التفكيرية - ذكاءه - مجموعة الرموز الثقافية الإنسانية (من لغة وفكر ومعرفة وعقائد دينية ومعايير ثقافية..) والتي تميز الإنسان لا عن بقية الكائنات الحية الأخرى فحسب، بل حتى عن الملائكة أيضا. ومن ثم جاءت دعوة الملائكة بأن يسجدوا لآدم.

ففي هذه الآيات الثلاث، يتضح أن ظاهرة الذكاء البشري هي العامل الحاسم الذي يجعل الجنس الإنساني يتفوق على كل من عالم الدواب الأخرى وعالم الملائكة. وبالتعبير الحديث فإن تفوق بني الإنسان يرجع إلى امتلاكهم قدرة عالية من التفكير على استعمال الرموز الثقافية بطريقة معقدة، فدعوة القرآن الملحة للإنسان على أهمية استعمال ما يمكن أن نسميه بالمهارات التفكيرية تمثل قطبا رئيسيا للذكاء الإنساني. وهي تتفق مع نتائج البحوث الحديثة المهتمة بدراسة ظاهرتي الذكاء الاصطناعي والإنساني. وعلى سبيل المثال، فإن أكبر تحد يواجه اليوم مختصي الذكاء الاصطناعي يتمثل في مدى قدرة عبقرية الإنسان ورصيد معارفه على تمكينه من صنع آلات وأدوات تستطيع أن تفكر مثل البشر.

علاقة الذكاء الإنساني بالتفكير

إن أسرار القدرة على التفكير عند الإنسان لا تزال تمثل لغزا معتبرا للعلم الحديث. فمعرفة طبيعة التفكير تمثل تحديا علميا للمختصين في السنوات والعقود التالية. إن شرعية أهمية البحث في ظاهرة التفكير عند الإنسان تأتي من الدور الأساسي الذي تلعبه عمليات التفكير في تحديد ظاهرة الذكاء الإنساني. ويتفق هنا كل من البحوث العلمية الحديثة والنص القرآني. ففي هذا الأخير يعتبر التفكير الإنساني قمة العوامل في الأهمية التي يقترن بها الذكاء الإنساني في أعلى مراتبه، فالاستعمال المستمر للتفكير من طرف الجنس البشري يعتبره القرآن مؤشرا من الصنف الأول على حضور ظاهرة الذكاء الإنساني. فالنص القرآني يحفل بالآيات التي تؤكد على الأهمية الاستعجالية للتفكير بالنسبة لمقام الإنسان الرفيع.

الذكاء الإنساني وعلاقته باللغة والتعلم

تؤكد البحوث العلمية الحديثة في ميداني الذكاء الاصطناعي والذكاء الإنساني أهمية مقدرتي التعلم واستعمال اللغة كعاملين حاسمين يمكنان بني البشر والكائنات الحية الأخرى والآلات ذات الذكاء الاصطناعي من كسب رهان الذكاء. وهناك في القرآن العديد من الآيات التي تشير بطريقة مباشرة إلى استعمال اللغة وقابلية التعلم كخاصيتين متميزيتين للكائن الإنساني. خلق الإنسان. علمه البيان (سورة الرحمن). ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين (سورة الروم). وعلم آدم الأسماء كلها (سورة البقرة). و علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم (سورة العلق).

ظاهرة الذكاء والقدرة على الخلق

يعتبر القرآن الكريم القدرة على الخلق والإنشاء علامة قوية على وجود الذكاء. فتفوق الذكاء الإلهي على كل من الذكاء الإنساني وذكاء الكائنات الحية الأخرى، متمثلا في مقدرة الله على خلق ما يعجز عنه كل من الجنس البشري وأجناس بقية الكائنات الحية. فخلق الكائنات الحية من الأكثر بساطة إلى الأكثر تعقيدا يمثل خصوصية فريدة لا يشترك فيها مع الله أي كائن في نظر القرآن: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (سورة الحج)، تسخر هذه الآيات وتستهزئ ببشر أذكياء لا يتورعون عن عبادة أصنام جامدة. يمثل ذلك من وجهة نظر قرآنية وصمة عار في جبين الذكاء الإنساني.

ظاهرتا الحضارة والثقافة هما ظاهرتان يختص بهما الجنس البشري. إنهما حصيلة لعملية الخلق عند الإنسان. أما الكائنات الحية غير البشرية والآلات ذات الذكاء الاصطناعي فهي لا يمكن وصفها بأنها ذات قدرة على الخلق بالمعنى المشار إليه أعلاه. فما تقوم به من أعمال ضيقة الآفاق هو نتيجة لأوامر الغرائز أو البرامج الآلية. وبعبارة أخرى، فليس من الدقة في شيء القول إنها تقوم بأنشطتها وأعمالها بإرادتها بمحض اختيارها. أي أن قدرة الإنسان على عملية الخلق هي في الأساس حصيلة عوامل غير غريزية وغير وراثية، بالمعنى الحديث لكلمة وراثة. فعمليات الخلق والابتكار هي في نهاية المطاف نتيجة لفاعلية فعل الذكاء الإنساني. فخلافا للأهمية الكبرى التي أولاها القرآن إلى عملية الخلق عند الإنسان كمقياس لذكائه فإننا نجد صمتا شبه كامل لدى البحوث الحديثة حول الذكاءين الإنساني والاصطناعي، بخصوص عملية الخلق هذه، إذ إن تلك البحوث اقتصرت، كما أشرنا، إلى قياس الذكاء ببعض المؤشرات كالمقدرة على التعامل مع المفاهيم المجردة والمقدرة على التعلم والتكيف مع الأوضاع الجديدة.

فمن زاوية الرؤية القرآنية تعتبر إذن عملية الخلق عند الإنسان عنصرا رئيسيا وحاسما في تكوين ظاهرة الذكاء ذات المستوى الرفيع. إن الفهم الناضج للفروق بين الذكاء الإلهي والإنساني والحيواني والاصطناعي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء عملية الخلق وزنها الكامل.

موقف القرآن من الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي

تحفل آيات القرآن بالإشارة إلى موضوع الذكاء الإنساني. أي أن هذا الأخير موضوع رئيسي في النص القرآني. فأول آية لأول سورة من القرآن تتحدث بطريقة مباشرة عن العناصر المكونة للذكاء الإنساني اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم (سورة العلق).

فالقراءة والكتابة والتعلم هي مهارات خاصة بالجنس البشري وبالتالي مرتبطة شديد الارتباط بظاهرة الذكاء الإنساني. فالآيات القرآنية عديدة تلك التي تدعو الإنسان وتحثه على كسب رهان العلم والمعرفة، فهي تمثل ما يقرب من سدس النص القرآني. فإنه كان يمكن أن يكون ضربا من العبث واللا واقعية أن يوجه القرآن مثل تلك الدعوة إلى بني آدم لو أنهم كانوا لا يمتلكون درجة رفيعة من موهبة الذكاء. وفي نفس المساق، ما كانت لتكون هناك حاجة ملحة لدعوة القرآن الإنسان للتفكر والتأمل لو أنه. كان فاقدا للذكاء أو كان ذكاؤه من الصنف المتدني.

وإذا كانت اللغة هي أم الرموز الثقافية الإنسانية (اللغة، العلم، التفكير، العقائد الدينية، القيم والأعراف الثقافية..) جميعا والتي منها يستمد الذكاء الإنساني معين مستواه الرفيع، فإن النص اللغوي القرآني البديع الجمال ينتصب كأحسن مثال قادر على مغازلة ومراشقة الذكاء الإنساني وتفتيق طاقاته بفنياته البيانية واللغوية الأصيلة والشهيرة في لغة الضاد أسلوبا وتعبيرا واستعارة وتشبيها وفصاحة. ألم يكن النص القرآني أكبر تحد لغة وأسلوبا وبيانا لأكثر شعراء جزيرة العرب فصاحة؟ قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله (سورة يونس). فالقرآن يتحدث بكل وضوح أن خلق آدم ما كان ليكون له معنى ذو بال، لو أنه جرد من ذكائه ذي المستوى العالي. وما كان الأمر يدعو إلى الاحتفال بمقدمه بدون وجود ذلك الرصيد الرفيع المستوى من الذكاء في حوزته فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فمن المنظور القرآني، فإن ظاهرة الذكاء الإنساني ليست وليدة مراحل تطورية عبر الزمان والمكان كما يدعي أصحاب النظرية النشوئية. وإنما هي ظاهرة كانت هناك مع خلق آدم. كان الذكاء الإنساني حصيلة لاختيار إلهي متعمد وقرار رباني تجسم في آدم أبي البشرية جمعاء. ومن ثم فكما يقال ففي البدء كان النور، يمكن القول أيضا ففي بدء خلق الكائن الإنساني كان الذكاء الإنساني. ومنذ لحظة إيداع الذكاء الإنساني في كينونة آدم أصبحت طاقة الذكاء الإنساني هذه هي العامل الحاسم الذي يتوقف عليه كل شيء على وجه الأرض، بما فيه وجود الجنس البشري نفسه. وهكذا فالتوجه القرآني الملح والمتكرر بالدعوة والمناشدة والنداء للذكاء الإنساني يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم(سورة الانفطار) هو توجه ذو شرعية قصوى.

الذكاء الاصطناعى لا يرقى لمرتبة الذكاء الإنساني

إن الاهتمام والانشغال الذي أولاه النص القرآني لموضوع الذكاء الإنساني، لا بد أن يستقبل بالتهليل والتكبير من طرف العلماء والباحثين المحدثين الدارسين لظاهرتي الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي. ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود خلاف بين الرؤية القرآنية من ناحية والرؤية الغربية العلمية من ناحية أخرى بخصوص موضوع الذكاء. ويمكن القول إن عدم الاتفاق بين الاثنين يرجع في معظمه إلى تباين ابستيمولوجي. فمن جهة يؤكد القرآن وبكل قوة أن مصدر الذكاء الإنساني هو الله الذي أودع موهبة الذكاء في آدم ونفخت فيه من روحي. ومن جهة ثانية، فإن موقف القرآن هذا يتناقض مع الاعتقاد الواسع الانتشار بين العلماء المعاصرين ذوي التوجه التطوري، فهؤلاء العلماء يرجعون الذكاء الإنساني، كما أشرنا سابقا، إلى عمليات التطور التدريجي الطويل النفس الذي تعرضت له أجناس الكائنات المختلفة،. ومن ثم يتضح أن الوفاق بين الرؤيتين مسألة شبه مستحيلة. إن انعكاسات هذا الاختلاف الابستيمولوجي يجعل موقف القرآن حليفا لهؤلاء العلماء والمفكرين المحدثين الذين يبدون تحمسا كبيرا بالنسبة لإمكان صناعة آلات ذات ذكاء اصطناعي يساوي أو يفوق مستوى الذكاء الإنساني. ومع ذلك فإن هذا التقارب لا يرجع إلى نفس الأسباب، فعلى سبيل المثال، يرى الفيلسوف جون سيرل أنه من غير الممكن صناعة آلات ذات ذكاء اصطناعي يتمتع بنوعية رفيعة مساوية للذكاء الإنساني بدون وجود بنى بيولوجية وكيميائية في هندسة وتركيبات الحاسوبات والروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي. فمن وجهة النظر القرآنية، فلا البني البيولوجية الكيميائية لجون سيرل ولا هندسة التركيبات ذات الأداء المنطقي والعقلاني للعالمين إدوارد فايجنباوم وهيوبرت سايمون قادرة على الرفع من مستوى الذكاء الاصطناعي عند الآلات إلى مستوى نظيره عند الإنسان. وبعبارة أخرى، فإن ظاهرة الذكاء الرفيعة المستوى لا يمكن أن تكون نتيجة مجرد بنى وتركيبات آلية ميكانيكية. فبدون عامل (النفخة الروحية الإلهية) في الإنسان، لا يمكن ولادة الذكاء الإنساني الحقيقي والأصيل على أرض الواقع. إنها تمثل بيت القصيد في الفرق بين الذكائين الإنساني والاصطناعي. وعليه، فإنه من قبيل الادعاء المحض زعم البعض أن مستوى الذكاء الاصطناعي سوف يساوي أو يفوق يوما ما مستوى الذكاء البشري. فمعشر البشر، في نظر القرآن، هم الوحيدون الذين يتمتعون بملكة العلم والمعرفة. وكما رأينا فالقدرة على كسب المعرفة والعلم هي مؤشر قوي على حضور الذكاء الإنساني. ولكن من وجهة الرؤية القرآنية، فإن تجمع الرصيد الإنساني المتزايد من المعرفة والعلم يبقى دائما محدود الآفاق يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (سورة الإسراء).

صحيح أن البشر قد حققوا تقدما كبيرا في مجال تحسين وضعية صحة الناس والتمديد في حياتهم، ولكن يبقى الموت المصير المحتوم لكل الكائنات الحية. فسر نبضات الحياة تمسك به قبضة يد الإله. وهكذا الشأن بالنسبة لأسرار الذكاء الإنساني كما يرى الأمر القرآن. فكلا الصنفين من الأسرار يقعان بعيدا عن تعرف القدرة البشرية عليهما بالكامل. وهكذا تعتبر الرؤية القرآنية حماس المتفائلين بمستقبل الذكاء الاصطناعي حماسا تغلب عليه السذاجة.

فالعلماء فايجنباوم وسايمون والموالون لهما يعتمدون على تصور ضيق وبسيط بالنسبة للعناصر المكونة لظاهرة الذكاء الإنساني، بينما يعد هذا الأخير بكل المقاييس ظاهرة معقدة جدا. هناك عوامل عديدة تشارك في تكوين ظاهرة الذكاء الإنساني، فبعض هذه العناصر سهل فهمه، والبعض الآخر صعب التعرف عليه والإحاطة به، والبعض الثالث تعجز المقدرة المعرفية البشرية على الاهتداء إلى إماطة اللثام عن كنه أسراره.

ففي التصور القرآني، هناك حدود فاصلة بين الله ومخلوقاته بما فيها الجنس البشري. ومن ثم فلا يجوز خلط الأوراق وينبغي تحاشي بلبلة الأذهان والعقول. عالم الإنسان ليس أكثر من عالم الممكن والمحدود والقاصر والنسبي. فالرفع من مستوى الذكاء الاصطناعي يندرج إذن في نطاق الممكن الإنساني الضيق. أما طموح بعض العلماء الراغبين في رفع مستوى الذكاء الاصطناعي إلى مستوى نظيره الإنساني أو أكثر فهو ضرب من المحاولات اليائسة. إذ إن معرفة أسرار ظاهرة الذكاء الإنساني كاملة تبقى حكرا على الذات الإلهية في منظور الرؤية القرآنية.

 

محمود الذوادي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات