تعقيب.. من المسؤول عن حرب الأفيون ضد الصين.. هل حرية التجارة الدولية أم الاستعمار؟ حيدر محمد غيبه

تعقيب.. من المسؤول عن حرب الأفيون ضد الصين.. هل حرية التجارة الدولية أم الاستعمار؟

ورد في العدد 409 (ديسمبر 1992م) من مجلة "العربي" مقال بعنوان: "حرب الأفيون وليبرالية التجارة" للدكتور رمزي زكي. ويستخلص من هذا المقال أن حرية التجارة (الدولية) - التي يسميها الدكتور زكي "ليبرالية التجارة" - مسؤولة عن حرب الأفيون التي أثارتا بريطانيا ضد الصين بين عامي 1840 و1842، وعن حرب الأفيون الثانية التي أشعلتها فرنسا بمؤازرة بريطانيا ضد الصين أيضا بين عامي 1856 و 1860 بمعنى أن الحرب كانت لفرض مبدأ حرية التجارة الدولية على الصين.

إن حربي الأفيون اللتين تزخر كتب التاريخ بحوادثهما وأسبابهما وقعتا فعلا في القرن الماضي وأصبحتا من معالم تاريخه التي يؤسف لها. وللدكتور زكي ملء الحرية، طبعا، في إعادتها للذاكرة لأي غاية يجد لها تبريرا. إنما الذي استوقفنا من مطالعة مقاله هو توجيه اللوم في هاتين الحربين وما لابسهما من أحداث إلى شعارات الحرية (الليبرالية) الاقتصادية بصورة عامة، وحرية التجارة (الدولية) بصورة خاصة، لا إلى التسلط الاستعماري الذي مارسته بعض الدول الأوروبية - وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا - في ذلك الحين.

وللرد على الدكتور زكي في ادعائه آنف الذكر، نقول إن علم الاقتصاد لا يقره على مقولته بأن حرية التجارة مسؤولة عن تدهور الوضع الاقتصادي في بلد ما، ومنعا لسوء فهم معنى حرية التجارة نبادر إلى القول إن موضوع التجارة يجب أن يكون سلعا ومواد نافعة ومشروعة (وليس المخدرات من هذه السلع) وأن حرية التبادل التجاري لا تتعارض مع التنظيم والتوجيه الذي تبرره الأحوال الاقتصادية في الدول المعنية، وإنما تقتضي إزالة العوائق التي تمنع هذا التبادل أو تمسخه إلى قدر ضئيل، وتحرفه عن توازنه الطبيعي. ومن هذه العوائق قرارات منع الاستيراد أو التصدير بصورة مطلقة، أو تحديد كميات التبادل بصورة إدارية من طرف واحد، أو فرض رسوم جمركية مرتفعة جدا إلى حد منع الاستيراد كليا. أما وجود رسوم جمركية معتدلة على الاستيراد فإنه لا يتعارض، عمليا، مع حرية التبادل التجاري مادام هذا التبادل قائما، ملبيا لحاجات الدول المتبادلة.

وفي إطار نظريات التجارة الدولية، أثبت ريكاردو أن التبادل التجاري الحر من كل المعوقات، بما في ذلك جميع الرسوم الجمركية، والمبني على تخصص الدول المصدرة في إنتاج السلع التي تتمتع بميزة مطلقة أو نسبية في إنتاجها (أي بكلفة مطلقة أو نسبية أقل من الدول الأخرى) مفيد لطرفي التبادل، إذ من شأنه أن يتيح لكل منهما كميات من السلع المستوردة أكبر من كميات إنتاجها محليا بنفس الكلفة، مقاسة بكمية العمل المستخدم في الإنتاج (والمقاس بدوره بالزمن). ويشترط لتحقيق ذلك عدم وجود عوامل إنتاج عاطلة عن العمل في الدول المتبادلة (وخاصة الدول المستوردة) وتماثل وحدات الإنتاج والأكلاف المستخدمة في الحساب، وعدم وجود حالة تزايد الكلفة مع تزايد كمية الإنتاج في الدولة المتخصصة. ومن المعروف أن هذه الشروط غير متوافرة بصورة كاملة وشاملة، ولكنها متوافرة بصورة تقريبية، وتوافرها هو الأغلب. ويستثنى من ذلك حالة حماية الصناعة الناشئة (الحديثة).

وإذا كانت الدول الاشتراكية/ الماركسية (الشيوعية) قد هاجمت هذه الحرية التجارية وسارت في عكس اتجاهها فيما مضى، فقد كانت هذه الدول هي الخاسرة، إذ أقامت صناعات كثيرة على أساس غير تزاحمي لا في الحال ولا في المستقبل، أي على أساس غير اقتصادي، مما ساهم في انهيار اقتصادها أخيرا، بل وأدى إلى انهيار أنظمتها السياسية والاقتصادية. استنادا إلى ما سبق، لا يمكن اعتبار حرية التبادل التجاري مسؤولة عن حرب الأفيون التي فرضت على الصين خلال القرن الماضي، حتى ولو تذرعت بها الدول المعتدية.

ولا شك أن سبب هذه الحروب هو استضعاف الدول الاستعمارية في ذلك الوقت، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، للصين وطمعها في خيراتها وتسلطها عليها من قبيل تسلط القوى على الضعيف، كما فعلت في الهند وعدد كبير من دول إفريقيا وآسيا. أما حرية التبادل التجاري فلا يمكن أن تكون مسؤولة عن تدهور اقتصاد الدول المستوردة، بل بالعكس، إذا ما خضعت لتوجيه معتدل ومعقول يتناسب مع أوضاعها الاقتصادية ومع شروط تعامل الدول الأخرى معها، فإنها تساهم في زيادة الإنتاج وفرص الإنماء.

 

حيدر محمد غيبه