تعقيب.. حول المعارضة السياسية في الإسلام خالد طاهيري

تعقيب.. حول المعارضة السياسية في الإسلام

قرأت بشغف كبير مقال الدكتور محمد عمارة: "الإسلام والمعارضة السياسية" في العدد: 408 من مجلة "العربي". وقد تأثرت أيما تأثر للجرأة والصراحة اللتين تميز بهما الكاتب، إلا أن مجموعة من الآراء استوقفتني من بينها قول الكاتب إن مجموعة من الفقهاء "استندوا لأحاديث نبوية صحيحة لكنهم أخرجوها - بهذه التأويلات الفاسدة - عن سياقها أو معاني مصطلحاتها، كما عزلوها عن أحاديث أخرى وردت في الموضوع ذاته ومفسرة لها! فمثلا .. استندوا إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير، فقد أطاعني ومن يعص الأمير، فقد عصاني ونسوا الحديث الآخر - بل الرواية الأخرى للحديث ذاته - والتي وردت في الصحيح نفسه - صحيح مسلم - ونصها: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني فالحديث هو عن "أمير من الأمراء الذين اختارهم وعينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عن كل الأمراء على امتداد حياة الإسلام والمسلمين! بل ونسوا ما هو أكثر من ذلك وهو أن "الأمير" - في مصطلح عصر النبوة - هو أمير الجيش وقائد القتال وليس الوالي والعامل ورئيس الدولة.."

ومما لا شك فيه أن ما قاله الدكتور - أي أن الأمير في مصطلح عصر النبوة هو أمير الجيش.. - يحتاج إلى كثير من البحث والتدقيق قبل إطلاق الأحكام المطلقة، ولنبدأ أولا بالتعريف اللغوي:

فلم يكن المسلمون يطلقون لفظة الأمير على القائد - حسب ما توافر لدينا من نصوص - وإنما كانوا يسمون الذي يقود الجيش قائدا، وتفاديا للإطالة نحيل القارئ على معاجم اللغة ونقتطف بعضا مما جاء في لسان العرب حيث قال ابن منظور: تقول قدته فانقاد واستقاد لي إذا أعطاك مقادته وفي حديث علي: قريش قادة ذادة أي يقودون الجيوش وهو جمع قائد.

والبيعة أيضا:

جاء في المقال نفسه قول الكاتب: كما استند هذا النفر من فقهاء عصور التراجع الحضاري والتغلب السياسي - وهم قلة - بين فقهائنا - إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: من مات على غير طاعة الله مات ولا حجة له ومن مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلالة! ونسي هؤلاء الفقهاء أن "البيعة" التي يتحدث عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا هي البيعة التي بايعه المؤمنون بها.. أي البيعة على الإسلام، وبالإيمان بها ينتقل المبايع من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الضلالة إلى الهدى، فهي ليست البيعة السياسية لحاكم من الحكام.. أهـ.

وهذا لعمري تفسير مجانب للصواب من عدة أوجه! وسواء كان المقصود بالبيعة بيعة الرسول أو بيعة حاكم وهي المقصودة في الحديث فإن الحكم الشرعي فيها واضح، بل أكثر من ذلك إن من نازع الحاكم في هذه البيعة وأراد الخروج عن الجمعة جاز قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر (رواه مسلم).

معارضة الحاكم:

يقول صاحب المقال: كما نسوا (أي الفقهاء) أن المعارضة للحكام لا تعني الخروج على "الجماعة" لأنها موقف في سبيل "الجماعة" حتى ولو بلغت درجة "الخروج" على "الحاكم"! فالمعارضة الحقة هي - في الحقيقة انحياز "للجماعة" وليست خروجا عليها!" أه (التعجب من عنده).

يبدو من أول وهلة أن صاحب المقال يستسهل المعارضة ويرى الخروج على الحكام أمرا هينا. وقد يبدو للقارئ أننا من المدافعين عن الحكام والله وحده يعلم مدى معارضتنا لهم، ولكننا لا نعارض الحكام فقط، بل نعارض حتى الذين يفسرون آيات الله وأحاديث الرسول الكريم حسب هواهم وحسب الاتجاه السياسي وبورصة الأحزاب! وليس بيدنا إلا أن نبدي تعجبنا من هذا التفسير الذي جاء به صاحب المقال، ومن غريب المصادفات أنه هو نفسه يتعجب من تفسيره! ألا يعلم الكاتب أن الخروج على الحكام من القضايا الشائكة والخطيرة التي شدد فيها الإسلام، وأولاها العلماء عناية بالغة، نظرا لما يترتب عن هذا الخروج من نتائج سيئة بالغة الخطورة من إراقة الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض.. واليك حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذي رواه البخاري عن عبادة بين الصامت، رضي الله عنه قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وكما قال العيني في عمدة القارئ: "وقوله إلا أن تروا كفرا بواحا.. إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه في قواعد الإسلام". هذا هو النظام الإسلامي، الذي يعمل على حقن الدماء وتفادي أسباب الفتنة - إن الفتنة أشد من القتل - بعيدا عن الاندفاع والمزايدات ورفع الشعارات البراقة وهذا هو جوهر المعارضة في الإسلام والقائم على الشورى والأمر والنهي وإبداء النصيحة والمراقبة ومعالجة الأمر بكثير من الحكمة والتبصر عوض إغراق المسلمين في حمامات الدم وهذا مع الأسف الشديد ديدن كثير من العناصر الإسلامية في البلاد العربية!

 

خالد طاهيري