مايكل عطية .. إحدى علامات الرياضيات في قرننا

مايكل عطية .. إحدى علامات الرياضيات في قرننا

إنه واحد من أعظم العقول الرياضية في العالم، وهو أيضاً مستشار ملكة بريطانيا وحاصل على لقب سير .. فما هي ملامح صورته عن قرب؟

التقى (سندباد علمي) عالم الرياضيات مايكل عطية أول مرة إثر فوزه بجائزة الملك فيصل للعلوم في عام 1987. وتكررت لقاءاتهما بعد ذلك مرات عدة في أوكسفورد ولندن والرياض. وقضي (سندباد علمي) سنوات في رحلة شاقة عبر بحر الرياضيات قبل أن يقترب من مشارف عقل مايكل عطية, الذي نال أعلى الجوائز الدولية, ومنها جائزة (فيلدز), وهي الجائزة المعادلة لجائزة نوبل (لا توجد نوبل في الرياضيات). وعقل مايكل عطية في حجم علمه, الذي جمع بين رئاسة أعرق مؤسستين في بريطانيا, هما (الجمعية الملكية), التي تأسست عام 1731, وهي بمنزلة أكاديمية العلوم, و(كلية ترينيتي) في جامعة كمبردج, التي تعتبر أغنى الكليات في بريطانيا. ولايزال (سندباد علمي) لحد اليوم غير متأكد من أنه بلغ قلب مايكل عطية الذي مُنح لقب النبالة البريطاني (سير) في عام 1983, وهو حالياً واحد من سبعة أشخاص أعضاء في مجلس الحكماء الخاص بملكة بريطانيا. ما هوية السير مايكل العربي من جهة الأب, والأسكتلندي من جهة الأم? هل يشعر بالانتماء إلى وطن أبيه أو أمه? وما رأيه بمواقف بريطانيا الأم من العالم العربي? في البحث عن الأجوبة تصرف سندباد على غرار علماء الرياضيات الذين يعتبرهم مايكل عطية (أكثر المخلوقات فضولاً... تطرح أسئلة أساسية وتتطلع نحو أجوبة غير متوقعة).

أول شيء تعلّمه (سندباد علمي) من عقل مايكل عطية أن الرياضيات, التي يعتبر من أعظم علمائها في القرن العشرين موجودة في عقل كل إنسان.

وعرف سندباد أنه مثل كثيرين يخشى علم الرياضيات على رغم أنه وجميع الناس يستخدم طوال الوقت رموز وأشكال الرياضيات ويتعامل مع أعدادها وعملياتها على مدار الساعة, حساب الوقت واليوم والشهور رياضيات, ورموز وأشكال الرياضيات تحيط بالناس حتى في أعماق الصحراء العربية, التي تتكون من أجمل مناظر الرياضيات في الطبيعة, سطوح ومضلعات التلال والكثبان الرملية, وانكسارات السفوح ودائرة الأفق, والحركة الهندسية لزحف الرمال, إذ تنساب كأمواج البحر بخطوط متوازية, أو تتقاطع بزوايا حادة, أو تشكّل منحنيات ومثلثات ومضلعات وأقماعاً.

وأصاب (سندباد علمي) حظاً عظيماً بحضور خطبة الوداع, التي ألقاها مايكل عطية عند انتهاء فترة رئاسته لـ(الجمعية الملكية) في عام 1995. فاجأ عطية زملاءه العلماء بالخروج عن التقاليد في تكريس الخطبة ليس للحديث عن السياسات العلمية, كما هو المعتاد, بل للحديث عن الرياضيات, واعتذر السير مايكل عن ذلك بأنه يحس بـ(حكة) العودة إلى العلم الحقيقي بعد خمس سنوات من تولي مسئوليات رسم السياسات العلمية في بريطانيا.

لغة العلم

ولم يكتم السير مايكل ضحكة معابثة وهو يذكر أن أبرز العلماء القدماء كفرنسيس بيكون كانوا يشككون في أن تكون الرياضيات علماً, إلا أنهم كانوا مع ذلك يسلمون بأنها (لغة العلم). وعلى خلاف التصوّرات بأن الكمبيوتر قد يلغي الحاجة إلى علم الرياضيات, قال السير مايكل إن الرياضيات ستبقى في القرن الجديد 21 كما كان يصفها الأقدمون (لغة العلوم وبابها ومفتاحها).

وشعر سندباد علمي بأنه يتحرر رويداً رويداً من (عقدة الرياضيات) عندما بدأ السير مايكل يشرح أن (1و 2و 3) وغيرها من الأعداد الصحيحة بمنزلة أبجدية العلوم, فيما تكوّن مختلف صيغ النظريات العلمية آدابها.

والرياضيات ليست لغة واحدة بل لغات عدة, فالهندسة لغة المكان أو الحيز Space, والمثلثات كانت لغة علم الفلك الكلاسيكي, والجبر اللغة الملائمة لوصف القوانين بواسطة المعادلات, والحساب لغة تحليل الحركة. و (كما تمكننا اللغة المعتادة من صياغة الأفكار وتبادلها على مستويات متزايدة الإتقان, فإن الرياضيات تمكننا من صياغة نتائج التجارب العلمية والتحكم بها).

وقال إن (هناك علاقة دقيقة بين الرياضيات والعلم على غرار العلاقة الدقيقة بين الفكر واللغة. وكما تتطور مفردات اللغة المعتادة تبعاً للحاجات المتطورة, فإن الرياضيات تطوّرت وفقاً لحاجات العلم. فالأفكار في اللغة تقود إلى كلمات وتساعدنا الكلمات بعد ذلك في التعبير عن أفكار أكثر تعقيداً. إلى ذلك, فإن الكلمات يمكن أن تعني أشياء مختلفة في مواقف مختلفة وذلك تبعاً للمحتوى. يحدث ذلك أيضاً في العلاقة بين الرياضيات والعلم اللذين يغذي أحدهما الآخر. ويمكن للقطعة نفسها من الرياضيات أن تخص فروعاً علمية مختلفة وتحصل على تأويلات مختلفة). وانتهى السير مايكل إلى استنتاج علمي طريف يقول: (إذا كانت اللغة هي الصفة المميزة للجنس البشري, فإن الرياضيات هي الصفة المميزة لجنس العلماء)!

التكنولوجيا الذهنية

وإذ شعر (سندباد علمي) بألفة مع الرياضيات تذكر قول المفكر الفرنسي برنار فونتينيه: إن علماء الرياضيات كالعاشقين. (هب عالم رياضيات أصغر قاعدة وسيستخرج منها نتيجة عليك أن تهبها له أيضاً, ومنها سيستخرج أخرى). هذا ما فعله السير مايكل وهو يستخرج الاستنتاجات واحدة من الأخرى مثل الدمى الروسية المشهورة (ماتروشكا). أول استنتاج قال عنه إنه (أقل فلسفية), ومفاده: (أن الرياضيات تمثل التكنولوجيا الذهنية للعلم وتقدم الأدوات الذهنية للعالم). وتماثل الرياضيات في ذلك الأدوات التجريبية الأخرى التي يتسع نطاق استخدامها في العلوم, كالمجهر (الميـكروسكوب) الذي لا يمكن الاستغناء عنه في علوم المادة والكيمياء والبيولوجيا. يبدو في ذلك (الحساب التفاضلي) الذي أعيا (سندباد علمي) فهمه مثل المجهر أداة متعددة الأغراض, ويمكن بواسطته تحليل العمليات الحركية في أي قطاع من العلم, وهو كالمجهر لا يمكن الاستغناء عنه, وتعود أصوله إلى الهندسة والجبر. وفي تعليق ساخر يُذكر بقول فرنسيس بيكون (إذا أضاع المرء روح النكتة فعليه بدراسة الرياضيات), قال السير مايكل: (من حسن حظ العلماء وسوء حظ علماء الرياضيات أنهم لا يملكون براءات اختراع بنظرياتهم)!

لماذا لا يحق تسجيل براءات اختراع بنظريات الرياضيات, وهي في أقل تقدير (برنامج) كمبيوتر Software العلوم? ولكن موقف السير مايكل وعلماء الرياضيات من الرياضيات كموقف الشعراء من اللغة. فهو يرى مقارنة الرياضيات بالأدوات مناسبة في بعض الحالات إلا أنها تقلل من دور الرياضيات في حالات أخرى. (فاللغة أكثر من أداة: إن لها حياة خاصة بها).

وفي العلم تكون النظرية والتجربة شريكين متساويين, والنظرية أكثر من جهاز لتفسير وقائع التجربة إذ يفترض فيها أن تعكس مكنون الطبيعة.

ويصعب في بعض الحالات إدراك النظرية إلا في شكل رياضي, يظهر ذلك في قوانين الكهرومغناطيسية المتعلقة بموجات الراديو والضوء والتي لم يكن ممكنا وضعها من دون تطوير الرياضيات. واستشهد السير مايكل بعبارة (شعرية) مشهورة للرياضي الفرنسي هنري بوانكاريه: (العلم ليس مجموعة وقائع كما أن البيت ليس مجموعة أحجار), واستخرج منها تعريفا مبتكراً آخر للرياضيات اعتبرها (عمارة العلم).

أشكال الموجة

والتفكير بالرياضيات كعمارة وكلغة يطرح أسئلة عن صفاتها الرئيسية وكيف ولماذا تعمل? الجواب الذي يقدمه السير مايكل هو أن (الرياضيات تطوّر عن طريق عملية التجريد. ففي كل نموذج علمي يجري تبسيط الأشياء وتجاهل ما يؤمل بأن يكون غير ذي صلة أو يعتبر من العوامل القليلة الشأن من أجل التركيز على الملامح الرئيسية, وتمضي الرياضيات بهذه العملية إلى نتائجها النهائية حيث يتم تجاهل هوية اللاعبين والاقتصار على درس علاقاتهم المشتركة. هذا التجريد هو الذي يجعل من الرياضيات اللغة الشاملة غير المرتبطة بتأويل محدد. وتقدم الموجة (وهي شيء يتذبذب ويهتز) مثالاً جيداً على هذا التجريد والمفهوم الشامل).

وفي الماضي, كانت الرياضيات تعرّف بأنها دراسة الكميات وعلاقاتها المشتركة, مثل 1 زائد 1 يساوي 2. ثم أنشأت الرياضيات الحديثة غير الكمية - ويعتبر السير مايكل من أبرز علمائها - فروعاً جديدة مثل (النظرية التوبولوجية) التي لا تُعنى بشكل الأشياء أو حجومها بل بـ(ارتباطاتها) الهندسية فيما تظل هي ثابتة مثل قطرة الماء أو الموجة: يتغير شكلها عندما تنطوي وتمتد وتنثني لكنها تظل ثابتة مادامت لا تتحطم أو تتناثر. اهتمام الرياضيات الواسع هذا بالأنماط والنظام يفسر أهميتها للعلم, إلا أن دراسة اللانظام والفوضى, الذي يعتبر من قبيل السلوك العشوائي يعد أيضاً فرعاً مهماً من الرياضيات.

هل لهذا العقل قلب? هذا السؤال ظل يلاحق (سندباد علمي) سنوات وهو يتابع بحوث السير مايكل التي تحاول الدمج بين علمي الرياضيات والفيزياء. وفي كل صباح, تتوقع الأوساط العلمية في العالم أن تستيقظ على نبأ الاكتشاف العظيم لما يسمى (نظرية تفسّر كل شيء), وذلك عن طريق دمج نظرية النسبية العامة لأينشتاين التي تفسر الكون الأكبر, ونظرية (ميكانيك الكم) التي تفسر الكون الأصغر داخل الذرات. وفي أول لقاء بسندباد عام 1988 في جامعة أوكسفورد, قال السير مايكل إنه يعتبر نفسه جزءاً من التراث العلمي العربي العظيم الذي امتاز بهذا التداخل والتلاحم بين علوم مختلفة.

وعند انتخابه رئيساً للجمعية الملكية خلال حرب الخليج عام 1992, تحدث السير مايكل لسندباد عن تأثير أبيه عليه, وقال إنه يدين بإنجازه العلمي في الربط بين نظريات الرياضيات والفيزياء إلى أبيه الكاتب والصحافي إدوارد سليم عطية, الذي سعى دائماً إلى التوسط بين ثقافات مختلفة. ولم يفهم (سندباد) مغزى ما قاله السير مايكل إلا بعد سنوات عندما قرأ كتاب عطية الأب (عربي يروي قصته) المنشور بالإنجليزية عام 1946. (أرسلت الكتاب الباحثة الكويتية الدكتورة سحر هنيدي التي كانت تعمل آنذاك مديرة سلسلة كتاب (عالم المعرفة) في (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب).

وأدرك (سندباد علمي) قبل أن ينتهي من قراءة مقدمة الكتاب أن القلب معلم العقل لدى واحد من أعظم علماء الرياضيات في العصر الحديث. وسندباد يعرف بحكم أسفاره أن ليس للإنسان الذي يبحر بعيداً إلا أن يتشبث بقلبه. لأنه, كما كان يقول الفيلسوف الألماني نيتشه (إذا راح عنه قلبه فإنه سرعان ما يفقد السيطرة على عقله أيضاً).

وفيما يلي فقرات عن عطية الأب دوّنها (سندباد علمي) في دفتر أسفاره عام 1994:

عربي بين ولاءين

كتاب (عربي يروي قصته) An Arab tells his story يقدم وثيقة فريدة للأحداث الشخصية والنشأة الثقافية لمثقف عربي عاش في غمار العاصفة السياسية التي مرت على العالم العربي هذا القرن والتي تتحمل بريطانيا أكبر مسئولية عنها, ويتضمن الكتاب الذي يحمل عنواناً فرعياً (دراسة في الولاءات) قدراً كبيراً من المرارة, ويعبّر عن عمق الأزمة الأخلاقية التي عاناها أفراد من جيل إدوارد عطية تعاونوا مع بريطانيا بأمل تحقيق الطموحات العربية.

ويضفي الوعي الذاتي للكاتب على سرد الأحداث عمقاً روائياً يدركه عطية الأب الذي يبدأ كتابه بالسطور التالية: (أنا مسيحي سوري ولدت في لبنان وتعلمت في مدرسة إنجليزية في مصر وفي جامعة أوكسفورد. قضيت طفولتي بين سوريا والسودان في السنوات السابقة واللاحقة مباشرة للحرب العالمية الأولى. وقضيت حياتي العملية حتى آذار (مارس) 1945 في السودان حيث كان واجبي خلال 20 سنة تقريباً أن أنقل إلى الحكومة (البريطانية) أفكار ومشاعر المثقفين السودانيين. حافظت أيضاً طوال تلك السنوات على علاقة وثيقة بالحياة السورية والحركة القومية العربية عموماً, وقد عانيت في حياتي الشخصية كما في عملي - بأشكال مختلفة وعبر عدة تقلبات عاطفية - آثار صدمة الحضارة الغربية وبالأخص التأثير السياسي البريطاني على العالم العربي وتحفيزها وإثارتها مشاعر الاستياء والتصالح والمؤالفة التي يمكن بلوغها في الوضع الذي أنشأته (بريطانيا)).

ويصوّر إدوارد عطية التوتر الروحي للمسيحي العربي بين انتمائه القومي لوطنه العربي ومشاعر القربى الدينية إلى الغرب المسيحي, وهو يعي هذه المحنة الروحية منذ أوائل وعيه بانتمائه الديني إلى عائلة مسيحية أرثوذكسية في قرية سوق الغرب قرب بيروت, ونشوء وعيه العربي فيما بعد عند انتقاله مع العائلة للعيش والدراسة في السودان ومصر ومشاهدة الانتفاضات الوطنية فيهما ضد الاستعمار البريطاني.

قومي عربي

يصف عطية في فصل يحمل عنوان (قومي عربي) لحظة الانفجار الروحي التي حدثت في نفسه وهو خريج أوكسفورد وموظف في إدارة التعليم البريطانية في الخرطوم: (هكذا كنت قد تحرّرت ليس بسبب عملية فكرية, بل بقوة رد فعل عاطفي نجم عن مشاعري المجروحة وتخلصت من أغلال النظرة السياسية التي زُرعت فيّ. كلمات مثل (الحرية) و (المساواة) و (الاستقلال) التي كنت أنظر إليها بعدم ثقة باعتبارها هُراء ديماغوغيا اتخذت معنى جديداً وواضحاً في ذهني وتردد صداها مع واقع مشاعري الشخصية, وجدت نفسي أتفهّم وأتعاطف مـع ما يدعى بـ (اليقظة العربية), وأحس نحوها بحنين عارم نصف واضح ومختلط إلى حد كبير, لكنه حقيقي, وانقلبت حياتي كلها على عقبها, وأصبحت نفسي قومياً عربياً).

ويحافظ عطية على الحسّ النقدي الذاتي للمثقف الرفيع معترفاً بأن كل التطورات التي مرت على فكره كانت ضمن الإطار الفكري للقرن التاسع عشر بما في ذلك ثورته ضد (الإمبريالية) البريطانية: (مجرد أن انتقلت من الجانب البريطاني للسياج إلى جانب الرعايا, ولكن هذا الجانب وتلك المفاهيم التي كنت أحملها والأهداف التي أسعى وراءها كانت كلها نتاج التقليد البريطاني الليبرالي).

فلسطين بيننا

ضمن هذا الإطار, كان إدوارد عطية الذي واصل العمل كموظف في جهاز الاستخبارات البريطانية في الخرطوم, يطوّر حسّاً نقدياً سياسياً واعياً بأخطاء بريطانيا تجاه العرب. وعلى رغم مرور أكثر من نصف قرن على كتابته, يملك الكتاب حيوية سياسية خاصة في موضوع فلسطين الذي يعتبره الحد الفاصل بين بريطانيا والعرب: (مصير فلسطين هو العامل الحاسم الذي سيحدد أكثر من أي شيء آخر اتجاه العلاقات الأنجلو - عربية في السنوات المقبلة), كتب هذه السطور قبل تأسيس إسرائيل بسنتين. كيف فكر إدوارد عطية في 1948 عند تأسيس إسرائيل, وما نوع الرسالة التي كان يمكن أن يوجهها لو كان حيّاً إلى بريطانيا وأوربا والولايات المتحدة, هل كان سيقطع آخر خيوطه المتصلة بالفكر والحضارة الغربيتين, وهل كان سيدفعه ذلك إلى العودة روحياً وربما جسدياً أيضاً إلى قريته (سوق الغرب), ويعتكف في الكنيسة التي بناها فيها عطية جده الأكبر قبل 300 سنة?

قد تشير إلى الجواب السطور الأخيرة التالية من كتاب إدوارد عطية الذي عمل في سنواته الأخيرة موظفاً في السفارة العراقية في لندن:(الصداقة الأنجلو - عربية تتوقف على أشياء أكبر تماماً من تبادل المنافع المادية, وليس أقل في الواقع من مسألة ما سيكون عليه الموقف النهائي للعالم العربي من الغرب والحضارة الغربية, وفيما إذا كان هذا الموقف سيصبح سلبياً أو إيجابياً بكل ما يعنيه ذلك لمستقبل السلام والتآلف في حوض البحر المتوسط, ففي هذا الحوض يعيش ما بين 50 و 60 مليون عربي على أقرب علاقة جغرافية واقتصادية بأوربا, وهم ينتمون في الواقع إلى عالم أوربا ومن أجلهم وأوربا ينبغي لهم وللأوربيين التكيّف مع بعضهم البعض والاندماج تدريجياً في تآلف ثقافي وروحي, ولاتزال العلاقة بصورة رئيسية تكمن في ممارسة القوة والعداء تجاه العرب وهي مضرة في جوهرها بمصالحهم, ولا يمكن إلا عندما تتغير كلية إلى علاقة صداقة ومساواة, وتعبّر عن احترام مخلص من جانب الأوربيين لحقوق ومشاعر العرب, آنذاك فحسب سيتجاوب العربي حقاً مع رسالة الحضارة الغربية).

***

القلب معلم العقل, لأن (كل المعرفة التي أملكها يمكن لأيّ كان الحصول عليها, إلا قلبي فهو ملكي كله), قال ذلك الشاعر غوته. والقلب هو كل ما ورثه عن أبيه العربي واحد من أعظم علماء الرياضيات في العالم.

 

محمد عارف