صناعة الإعلام.. وكالات الأنباء العالمية في قفص الاتهام إدوين دياموند

صناعة الإعلام.. وكالات الأنباء العالمية في قفص الاتهام

عرض: جيهان الشناوي

أصبح العالم الذي نعيش فيه الآن، على اتساعه هذا، كالقرية الصغيرة، وهذا يرجع إلى التقدم العلمي والتكنولوجي الممثل في الأقمار الصناعية ووكالات الأنباء العالمية. يستطيع أي شخص الآن أن يفتح جهاز التلفزيون الموجود في منزله ليشاهد سبلا من البرامج المتنوعة، الإخبارية والثقافية والفنية، نتيجة لهذا البث القادر على أن يغطي مساحة اليوم على امتداد ساعاته. ولكن ما هي الأسس التي تقوم عليها هذه الصناعة الإعلامية، وما هي الصفات التي يجب توافرها في الإعلامي لكسب مشاهديه وقرائه؟ وما هي قدرة الصناعة الإعلامية على معالجة الأحداث المهمة. هذا ما يتعرض له الكاتب Edwin Diamondفي كتابه The Media Show.

هذا الكتاب الذي يعد من أحدث الكتب التي صدرت بعد حرب تحرير الكويت ويلقي مزيدا من الضوء على خفايا الإدارة الإعلامية للحرب، وكيفية التنافس بين الشبكات الإعلامية الدولية في تغطية أحداث هذه الحرب.

مأزق الإعلام الروسي

يبدأ إدوين دياموند كتابه هذا باستعراض حدثين مهمين أثرا في الصناعة الإعلامية وهما: تفكك المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، وتوجه المعسكر الغربي نحو التوحد والتجمع في كتل قوية تنتهج سياسة إعلامية تبرز بوضوح أهمية هذا التكتل.

وتحدث الكاتب في الفصل الأول من كتابه عن الفكر الإعلامي في الاتحاد السوفييتي عقب الدعوة إلى الانفتاح على العالم التي تبناها الرئيس "جورباتشوف" موضحا أن التغيرات في الفكر الإعلامي السوفييتي بقيت تغيرات في الشكل فقط ولم تصل إلى المضمون، وأن المحاولات التي بذلها العاملون في محطات التلفزيون والإذاعة بقيت تحت رقابة المكتب السياسي للحزب الشيوعي. ويذكر على سبيل المثال برنامج "فريميا" (الوقت) وهو أهم برنامج إخباري يذيعه التلفزيون الروسي، وكيف أن هذا البرنامج يعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فكر الحزب الشيوعي، رغم نزعات التحرر التي يتزعمها جورباتشوف.

ورغم التيارات التحررية التي نادى بها جورباتشوف إلا أن وسائل الإعلام خطت خطوات مترددة بين الأمام والخلف، ولذلك فقد الشعب السوفييتي اهتمامه بما يذيعه برنامج "فريميا" وذلك لعدم استطاعته التعبير بصدق عن مشاعر الشعب، ويكفي مثالا على ذلك أنه لم يتناول موضوع تشيرنوبل بطريقة واضحة أو كاملة.

ومجمل القول في هذا المجال، أنه رغم محاولات جورباتشوف والتوجه الكامل نحو التحرر والإصلاح، فإن التلفزيون ظل في حاجة ماسة إلى تغيير كبير ليصبح معبرا عن مصالح الشعب.

هيمنة الشركات الرأسمالية على الإعلام الغربي

وبينما ظل التشرذم والانفصال يسود المعسكر الشرقي، كان العالم الغربي بزعامة الولايات المتحدة ينتهج أسلوبا مختلفا تماما، بل ينتهج نفس أسلوب الاتحاد السوفييتي سابقا في السيطرة على وسائل الإعلام، وذلك من خلال امتلاك الوسائل ودمجها داخل تكتلات اقتصادية قوية تستطيع تمويلها، بل نجد أن بعض المؤسسات المالية التي لا تعمل في مجال الإعلام تسعى لامتلاك بعض المؤسسات الإعلامية، وبالتالي تستطيع أن تحدد نوعية الأفكار التي تنشرها تلك الوسائل. وقد نتج عن امتلاك بعض الشركات التي تصنع أجهزة الإعلام للشركات المتخصصة في الإعلام، سيطرة الأولى على المادة الإعلامية التي تبثها الأخرى، ومن الملاحظ أنه في خلال الفترة من 1985 وحتى 1990 تم تطور كبير في أجهزة الإعلام خاصة بعد التوسع في الاستفادة من الأقمار الصناعية، وأكبر مثال على ذلك ما حدث يوم 26 يناير 1991 حيث استطاع العالم أن يتابع الحرب البرية في منطقة الخليج من خلال انتشار مجموعة كبيرة من المراسلين، خاصة من وكالة CNN التي تولى مراسلوها موافاة العالم بتقارير من بغداد.

ظاهرة تحجيم الأخبار

يستعرض الكاتب في الفصل الثاني من كتابه "ظاهرة تحجيم الأخبار" ويقارن ما تفعله وكالات الأنباء الأميركية مثل CBS - ABC - NBC من أهداف تسعى لتحقيقها بالحقيقة الواضحة، وهي أن هذه الوكالات تعكس وجهة نظر مالكها أكثر مما تعكس أهدافها وبالتالي تلجأ إلى تحجيم الأخبار بدلا من إعطائها مزيدا من العمق والوضوح. ويستعرض الكاتب في هذا الفصل كيف أن وكالات الأنباء المشهورة أصبحت تعتني بالدرجة الأولى بالميزانية والمصروفات ومعدل تحقيق الأخبار، كما أصبح مالكو هذه الوكالات حريصين جدا على إدخال نظم محاسبة ونظم تدقيق لكي يتابعوا المصروفات حتى لو استدعى ذلك إغلاق بعض المكاتب في الدول الأخرى. وقد لجأت هذه الوكالات أيضا إلى تخفيض عدد العاملين والاعتماد على كفاءات أقل من هؤلاء الذين كانوا يعملون لجعل هذه الوكالات الإعلامية عالمية التأثير والتغطية.

وقد قامت بعض هذه الوكالات بعمليات استطلاع للرأي اتضح منها انصراف بعض المشاهدين عن البرامج الرسمية لهذه الوكالات، لعدم إعطائها الأخبار بالشكل المطلوب. وبناء على هذه الاتجهات فإن الكاتب يتوقع مزيدا من انحسار مهمة وكالات الأنباء ومزيدا من التركيز على الربح المكتسب بكل الوسائل. وفي النهاية يلخص الكاتب رأيه مذكرا أن العاملين في الوكالة لن يكونوا مبدعين ما لم يكن لدى رؤسائهم القدرة على الخلق والإبداع وما لم تتوافر الشروط المواتية لكل العاملين على الابتكار، وما لم يتم رفع معنويات العاملين وإعطائهم الإحساس أن هذا الحقل ليس للاستعراض فقط ولكن الهدف الرئيسي منه هو الاستماع إلى وجهات النظر والعمل على المضي قدما بالوكالة على أساس مكافأة المجدين من العاملين.

اختفاء البرامج التسجيلية

يأخذ الكاتب على المحطات التلفزيونية الرئيسية بالولايات المتحدة أنها لم تعد تعطي البرامج التسجيلية الاهتمام الكافي، بل إنه يمكن القول إن هذا النوع من البرامج قد أصبح في عداد الموتى، وفي المقابل تهتم هذه المحطات بالبرامج القصيرة المربحة والتي تحقق ازدهارا ونجاحا ماديا. وقد استعرض الكاتب بعض البرامج التي تبثها هذه المحطات وهي تلك البرامج التي تتحدث عن الجنس، ورغم أن هذه الموضوعات ذات أهمية خاصة وأنها يجب أن تغطى بشكل شامل، إلا أن هذه البرامج أصبحت سطحية ولا تدخل في أعماق الموضوعات التي تثيرها. ويذهب الكاتب إلى القول بأن معدي هذه البرامج يرجعون عدم كفاية المادة وقصر وقت البرامج إلى الذوق العام لدى الجمهور الذي لم يعد قادرا على مشاهدة برامج طويلة تعالج موضوعا واحدا وبشكل عميق، ولكن هذا غير صحيح، لأن هذه المحطات لا تريد أن تنفق أموالا على البحوث والدراسات اللازمة لإعداد هذه البرامج.

ورغم التقدم التكنولوجي الكبير الذي شاهده هذا العصر والذي كان يمكن تسخيره لصالح البرامج التسجيلية وإثرائها بالمعلومات، إلا أن ذلك قد استعمل بشكل ملحوظ للهروب من البرامج التسجيلية إلى البرامج السطحية، وهذا الاتجاه ليس مقصورا على محطات التلفزيون وحدها بل تعدى إلى الصحافة وأصبحت الصحافة أكثر اهتماما بالشخص الذي يقدم التحقيقات عن مادة التحقيقات نفسها.

محطة CNN والأخبار عند الطلب

يمتدح الكاتب إدوين دياموند أسلوب أداء محطة CNN ويقارنها بالمحطات الأخرى، ويركز بالدرجة الأولى على البرامج الإخبارية.حيث يوضح أن CNN تغطي الخبر بكل تفاصيله، وقد ثبت ذلك بوضوح أثناء حرب الخليج حيث قامت بالحضور الحي في منطقة الخليج وقد قام مراسلوها بإرسال تقارير عن سير العمليات الحربية من البنتاجون - الرياض - تل أبيب - عمان - وبغداد. كما قامت محطة CNN بتغطية أخبار مؤتمر القمة في فيينا الذي حضره الرئيسان ريجان وجورباتشوف.

ورغم تفوق CNN على المحطات الأخرى في اختيار نوعية الأخبار وطريقة بثها إلا أن هناك بعض أوجه القصور فيها، ويتمثل ذلك في عدم الدقة في الحكم على الأخبار والوقت الذي يحدد لكل خبر بحيث تخصص وقتا أطول للخبر المهم والعكس.

الإعلامي النجم وإثراء النبأ

يستعرض الكاتب هنا العديد من أسماء عمالقة برامج الأخبار في القنوات التلفزيونية، ومدى نجاحها في جذب العديد من المشاهدين، وكذلك مدى تأثير برامجهم على الإعلانات التجارية التي تحقق للمحطات دخلا ملحوظا. ثم يتناول بعد ذلك بعض أقطاب البث التلفزيوني المباشر في القنوات المختلفة بمزيد من التحليل، ويذكر أن وأن رازر في محطة SBC وتام بركاو في NBC كانا يعملان أيضا كمراسلين لمحطتيهما داخل البيت الأبيض وأن بعض الفرص كانت تعرض عليهما للانتقال من وكالتيهما لما يمثلانه من ثقل في مجال أعمالهما إلا أنهما كانا يرفضان ذلك، ويحث كل محطة أن يكون لها مثل هذه الشخصيات حيث إنها تلعب دورا مهما في نجاح هذه المحطة كما أنها تكسب المزيد من المشاهدين. ولا ينسى الكاتب أن يضيف "بيتر جنجر" إلى عمالقة العمل التلفزيوني، قائلا إن هؤلاء الثلاثة رغم وجود فوارق بينهم، إلا أنهم أثبتوا أنهم رجال أخبار ومراسلون يستطيعون متابعة الحدث وإثراء النبأ وليسوا مطلقا قارئي أخبار، إنهم نجوم إعلاميون بكل معنى الكلمة.

متاعب التغطية الإعلامية الحية

في هذا يعرض إدوين دياموند محاولة الثنائي ديانا سوير وسام دونالسو في نقل الحدث على الهواء من خلال برنامجهما "أحداث يومية مبكرة". وقد بدأ هذا البرنامج على أنقاض الخطوط القديمة لبرامج الأخبار، والتي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على المادة المسجلة وليس على النقل المباشر من مكان الحدث. وقد أثار البرنامج عند بداية إذاعته بعض الاهتمام، خاصة أنه كان مختلفا عن البرامج الأخرى، حيث كان يبث بعض تعليقات الأشخاص الذين كان يقابلهم، كما كان ينقل انفعالات وتعليقات نجمي البرامج "سام وديانا" وقد قام النجمان بزيارة العديد من الأماكن حيث التقطا على الهواء مباشرة ما يغطي الأحداث، ولم يعتمدا على السيناريو سابق الإعداد، بل اعتمدا على الانفعالات الحية المباشرة، كما اعتمدا على إذاعة آراء المشاهدين الذين يجريان مقابلات معهم.

غير أن هذا البرنامج لم يستمر براقا للجمهور كما بدأ، بل أصبح بعض المشاهدين ينصرفون عنه، ولم يستطع أن يستمر في المنافسة مع البرامج المماثلة على المحطات الأخرى التي تعتمد على البرامج السابقة الإعداد. وقد أرجع معدو هذا البرنامج هذا التراجع إلى أنهم قد بهروا بوسائل التكنولوجيا مما جعلهم يركزون على النقل الحي مهما كان الحدث. وهكذا لم يحقق البرنامج الغاية التي استحدث من أجلها وهي تقديم منتج إعلامي مختلف، كما أنه لم يستطع المحافظة على المنافسة مع البرامج الأخرى لأنه لم يحاول أن يتضمن ما يكنه الشعور الإنساني واهتم فقط بالنقل الحي الذي أضحى مشكلة في حد ذاته. ومن ثم عاد البرنامج إلى الأساليب المعروفة وهي التحرير والتسجيل ثم العرض.

المعالجة الإعلامية للإيدز والمخدرات

ينتقد الكاتب أساليب تغطية مرض نقص المناعة المكتسبة، ويستعرض التغطية لهذا المرض من قبل التلفزيون والإذاعة والصحافة، ويقسم مرحلة التغطية هذه إلى ثلاث فترات، الفترة الأولى من مارس وحتى أغسطس 1983 وفي تلك المرحلة اقتصرت تغطية هذا المرض على ما يذاع خلال نشرات الأخبار، والفترة الثانية من يوليو إلى سبتمبر 1985 وخلال تلك الفترة انتشر خبر إصابة الممثل روك هدسون بهذا المرض، والفترة الأخيرة من أكتوبر وحتى ديسمبر 1985 وخلال تلك الفترة بدأت البرامج التلفزيونية، ونشرات الأخبار بالإذاعة والمقالات الصحفية تتحدث عن مرض الإيدز وعلاقته بممارسة الجنس، وخلال تلك الفترة تعددت المقالات والبرامج التي راحت تعدد أسبابا كثيرة لهذا المرض، ولكن جميع هذه الأسباب لها علاقة بالجنس، خاصة ممارسته في الأندية المخصصة لهذه العلاقات الشاذة بشكل عام. وأهم الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام في هذا المجال أنها كانت تستعمل تعبيرات تجرح الذوق العام، خاصة أن تلك البرامج موجهة لكل الأعمار.

ويعلق الكاتب على وفاة روك هدسون وبيتر دالون وكيف أن أسلوب الإعلام قد أثار موجة من الاحتجاج من أصدقاء هؤلاء الأشخاص، ومنهم من نفى تماما علاقتهما بمرض الإيدز، في حين أن بعض الأنباء أكدت العلاقة بين وفاتهما ومرض الإيدز. وأوضح أن وسائل الإعلام يجب ألا تنزلق في معالجات هابطة لمثل هذه الأحداث، ويجب أن تحتفظ لدى المشاهد أو القارئ بوجه حضاري يتفادى التمادي في موضوع الجنس وتأثيراته المختلفة خاصة إذا تعلق هذا بموت أحد المشاهير.

ثم ينتقل بعد ذلك إلى المخدرات وكيفية معالجة وسائل الإعلام لتعاطي الكوكايين على وجه الخصوص، وكيف أن هذه المعالجة الإعلامية اتسمت بالمبالغة أكثر مما ينبغي، وصورته بشكل مخالف للواقع. وفي صيف عام 1986 بدأت محطات الإعلام الثلاثة المعروفة في إذاعة برامج عن خطر تعاطي الكوكايين وانتشاره في معظم المناطق الأميركية، وقد حلل الكاتب التغطية الإعلامية للكوكايين إلى ثلاث فترات، من مارس إلى مايو 1986، ومن يونيو إلى أغسطس من ذات العام، ثم من سبتمبر إلى نوفمبر 1986، وقد اقتصرت الفترة الأولى على كيفية الوقاية من هذا الخطر. وخلال الفترة الثانية أصبحت التغطية لهذا الموضوع تصل إلى خمس ساعات، ثم جاءت الفترة التالية لتظهر رد فعل الفترات السابقة، وكيف أن التغطية الإعلامية قد تعدت الحدود في هذا المجال، وقد ظهرت بعض البرامج التسجيلية المعدة في هذا المجال.

ويمضي الكاتب في كتابه "صناعة الإعلام" يستعرض بعض المواضيع المهمة مثل محاكمة "جون جوتي" والتغطية الإعلامية لها وكذلك ظاهرة الإرهاب والرهائن، ويستعرض حياة بعض الشخصيات المهمة مثل "نانسي ريجان" والحملة الانتخابية لعام 1988، وعدة موضوعات أخرى تتعلق بإدارة بوش.. إلخ.

وفي النهاية يصف الكاتب وسائل الإعلام المرئية بأنها هي الأبرز والأسرع في تغطية الأخبار، مثال على ذلك قضية نورييجا في بنما. وقد أحدث هذا الإعلام المرئي تطورا كبيرا في أدوات الإعلام، وأصبحت الصحافة متأثرة به وتأخذ عنه أكثر مما يأخذ عنها.

 

إدوين دياموند







غلاف الكتاب





جورباتشوف





متاعب التغطية الإعلامية الحية