تهوّد الخزر

تهوّد الخزر

على الرغم من الخلاف الفكري والتاريخي الشديد حول آراء وأفكار المفكر اليهودي الهنغاري الأصل آرثر كوستلر حول انتشار الديانة اليهودية بالاعتناق وليس بالعرق، وبالتالي فمعظم اليهود الحاليين ليسوا من الساميين، ومن هنا تسقط فكرة «الشعب المختار»، فإن بعض الكتاب الغربيين يرى أن كتاب كوستلر «السبط الثالث عشر» كان موجها إلى المثقفين الأوربيين، وكان يحاول من خلاله أن يخفف من حدة عداوة الغرب لليهود، قائلا لهم: إن يهود أوربا ليسوا من أحفاد بني إسرائيل الذين يتهمهم العالم المسيحي بقتل المسيح بل هم أوربيون اعتنقوا الديانة اليهودية، لكن السحر انقلب على الساحر». وهناك من قال إن كوستلر نفسه اعترف بخطئه الفادح «بعدما شاهد من استخدام كتابه للتشكيك بأحقية اليهود في أرض إسرائيل»، علمًا أن كوستلر «كان من دعاة الصهيونية والعودة إلى أرض إسرائيل، كما شغل منصب مساعد لزئيف جبوتنسكي أحد زعماء الحركة الصهيونية». ونعرض في هذا العدد لكتاب آرثر كوستلر «إمبراطورية الخزر وميراثها» الذي ترجمه حمدي متولي وصدر عن دار الجليل بدمشق عام 1985، إيمانًا منا بأن الكلمة النهائية، أو الكلمة الفصل، في هذا الموضوع الشائك لم تقل بعد.

(العربي)

إن تهوّد الخزر هو أكبر مثال في التاريخ على انتشار الديانة اليهودية بالاعتناق كأي ديانة أخرى مثل الإسلام والمسيحية والبوذية. فقد أثبتت الدراسات التاريخية المدعومة بالأدلة العلمية أن الأغلبية الساحقة من يهود العالم اليوم، وهم اليهود الأشكناز، ينحدرون من أصل خزري ولا علاقة لهم باليهود القدماء أو بني إسرائيل على الإطلاق.

وقد كان لقبائل الخزر قبل اعتناقهم اليهودية دولة عند سواحل بحر قزوين الشمالية، تأسست بعد أن نزح إليها أسلافهم الترك من موطنهم الأصلي في أواسط آسيا. فأصل الخزر هو نفس أصل السلاجقة والغز الذين اعتنقوا الإسلام بعد نزوحهم من موطنهم الأصلي.

ولاعتناق الخزر لليهودية قصة واضحة كل الوضوح نستمدها من مختلف المصادر التاريخية، وهذه المصادر جميعها مذكورة في كتاب اليهودي آرثر كوستلر، الذي يروي فيه تفاصيل اعتناق الخزر لليهودية لأسباب كانت تتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها مملكتهم، لقربها من مناطق الصراع بين المسلمين والبيزنطيين، بالإضافة إلى مختلف القبائل البدائية التي كانت تعيش في حالة حرب مستمرة.

وتشير المصادر التاريخية أن أحد ملوك الخزر قرر اعتناق الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهذا بالتالي أدى إلى اعتناق أسر الطبقة الحاكمة للديانة نفسها. أما الشعب فقد كان يتكون من جماعات بدوية وطوائف متنوعة منها؛ المسلمون والمسيحيون واليهود والوثنيون وغيرهم من أتباع الأديان البدائية. وكانوا يعملون في التجارة والزراعة ومختلف أنواع الحرف، ومنهم جنود في الجيش الخزري. ولكن بعد اعتناق ملوكهم لليهودية بدأ الخزر بالتحول إلى دين ملوكهم الجديد، حتى أصبح عدد المتهودين منهم يشكل الأغلبية بسبب تكاثرهم وتكاثر نسلهم من بعدهم، ومع مرور الزمن تحولت بلادهم تدريجيًا، لتصبح الدولة الوحيدة في العالم، التي كانت تدين رسميًا بالديانة اليهودية في تلك العصور.

ولمزيد من التوضيح ننقل هنا بعض ما جاء في كتاب كوستلر من تفاصيل حول تاريخ الخزر وتحوّلهم إلى اليهودية، إذ يقول: «شغلت دولة الخزر، - وهم شعب من أصل تركي - موقعًا رئيسيًا إستراتيجيًا على المعبر الحيوي الواقع بين البحر الأسود وبحر قزوين، حيث كانت القوتان الشرقيتان العظميان تواجه إحداهما الأخرى، وقد قامت بدورها كعازل يحمي بيزنطة من الغارات الهمجية الجامحة لقبائل الاستبس الشمالية (البلغار والمجر والبتشنج وغيرها، ثم الفايكنغ والروس). ولكن ثمة حقيقة على القدر نفسه من الأهمية، وربما أكثر، وذلك من وجهة نظر كل من الدبلوماسية البيزنطية والتاريخ الأوربي - هذه الحقيقة هي أن جيوش الخزر نجحت في إيقاف الاجتياح العربي في أكثر مراحله المبكرة تدميرًا. وهكذا فقد حالت دون الانتصار الإسلامي على أوربا الشرقية».

حروب العرب والخزر

ثم ينقل بعض أقوال الدكتور دنلوب من جامعة كولومبيا عن حروب العرب والخزر، منها قوله: «كانت بلاد الخزر - تعترض الطريق الطبيعي لتقدم العرب، فخلال سنوات قليلة من موت محمد (632م ص) كانت جيوش الخلافة التي تهب كالعاصفة متجهة صوب الشمال خلال حطام إمبراطوريتين، وتجرف أمامها كل شيء، كانت قد وصلت إلى الحاجز الجبلي العظيم للقوقاز، الذي إذا تسنّى اقتحامه في أي وقت صار الطريق مفتوحًآ إلى أقطار أوربا الشرقية. وواجه العرب على امتداد القوقاز - في واقع الأمر - قوة عسكرية منظمة منعتهم بشكل فعّال من مد انتصاراتهم في هذا الاتجاه. وهكذا فإن حروب العرب والخزر التي استمرت لأكثر من مائة سنة، والتي تعرف على الرغم من ذلك على نطاق ضيق، تحظى بأهمية تاريخية جديرة بالاعتبار». وفي المعركة الأخيرة عام 737م انتصر العرب على الخزر، ولكنهم لم يتمكنوا من فتح القسطنطينية. وتتلخص أهمية هذه الحروب من الناحية التاريخية في أن المسلمين كانوا قد انتهوا من فتح الأندلس خلال ثلاث سنوات ودخلوا فرنسا، وهكذا طوقت جيوشهم القارة الأوربية من جهتي الشرق والغرب في آن واحد، ولكن حصون العاصمة البيزنطية المنيعة حالت دون سقوطها بيد العرب من ناحية الشرق، وفي الغرب صدت جيوش شارل مارتل تقدم العرب في معركة بواتييه عام 732م.

ويقول كوستلر عن هذا الحدث: «وبعد سنوات قليلة، ربما سنة 740م اعتنق ملك الخزر وبلاطه والطبقة العسكرية الحاكمة الدين اليهودي، وصارت اليهودية هي دين الدولة عند الخزر. ولاشك أن هذاالقرار قد أدهش معاصريهم بالدرجة نفسها التي أدهش بها الدارسين المحدثين عندما اطلعوا بالصدفة على هذه الواقعة في المصادر العربية والبيزنطية والروسية والعبرية». ثم يورد شرح المؤرخ المجري الدكتور أنتال بارثا لقضية تهود الخزر وقوله: «يجب أن تستدعي اهتمام القارئ إلى قضية الدين الرسمي لمملكة الخزر، لقد صار الدين اليهودي هو العقيدة المعترف بها لدى الطبقة الحاكمة في المجتمع، وليس ثمة حاجة إلى القول إن قبول الدين اليهودي كعقيدة رسمية لشعب وثني غير يهودي يمكن أن يكون موضوعًا لتأملات مثيرة، ومع ذلك فسنقصر أنفسنا على ملاحظة أن هذا التحول الرسمي الذي تم دونما اعتبار للدعوة المسيحية البيزنطية، وللنفوذ الإسلامي في الشرق، ورغم الضغط السياسي لهاتين القوتين، هذا التحول إلى دين لم يكن يلقى دعمًا من أي قوة سياسية، بل كان يقابل بتبرم من جميع القوى تقريبًا، هذا التحول قد باغت كل المؤرخين المعنيين بالخزر، ولا يمكن أن يعتبر أمرًا عارضًا، بل ينبغي النظر إليه باعتباره دلالة على السياسة المستقلة التي تنتهجها هذه المملكة».

وهنا يقول كوستلر: إن هذه الدويلة «كانت تستطيع الاحتفاظ باستقلالها فقط عندما ترفض اعتناق أي من المسيحية أو الإسلام، لأن كلا من الخيارين كان سيؤدي بها تلقائيا إلى الانضواء تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية أو خليفة بغداد». ويضيف مستطردا: «لم تدخر أي من القوتين جهدًا في تحويل الخزر إلى المسيحية أو الإسلام، ولكن كل ما أسفرت عنه هذه الجهود هو تبادل البعثات الدبلوماسية، والزيجات الملكية، وعقد الأحلاف العسكرية المستندة إلى المصالح الذاتية المتبادلة، ولقد وطدت مملكة الخزر عزمها معتمدة على قوتها العسكرية، وعلى مناطق إمدادها الخلفية من القبائل الخاضعة لها - على الاحتفاظ بمركزها». ويشير موضحا الظروف والأوضاع التي أدت لهذاالتحول بقوله: «إن صلات الخزر الوثيقة ببيزنطة وحاضرة الخلافة قد كشفت لهم أن عقيدتهم الشامانية البدائية لم تكن فقط همجية ومتخلفة عن مقتضيات عصرهم، بالمقارنة بمنافستيها العقيدتين التوحيديتين، ولكنها كانت أيضا عاجزة عن أن تضفي على رجال الحكم تلك الهيبة الروحية والشرعية التي يتمتع بها رئيسا القوتين الدينيتين العالميتين: أي الخليفة والإمبراطور، وعلى الرغم من ذلك فإن التحول إلى أي من العقيدتين المتنافستين كان يعني حتمًا الذوبان فيها، وانتهاء الاستقلال، ومن ثم يمكن أن ينتفي الغرض من التحول، أيمكن أن يكون هناك ما هو أكثر معقولية من اعتناق عقيدة ثالثة...».

ويشير إلى أن الخزر كانوا يعرفون اليهود واليهودية وعلى علاقة بهم قبل تهودهم فيقول: «والحقيقة أنهم كانوا يعرفون اليهود حق المعرفة، وكانوا مطلعين على طقوسهم الدينية منذ مالا يقل عن قرن من الزمان قبل التهود، وجاء ذلك نتيجة للدفق المستمر للاجئين فرارًا من الاضطهاد الديني في بيزنطة، كذلك وإلى مدى أقل من أقطار آسيا الصغرى، ولهذا فقد صارت ملجأ طبيعيًا لحركات الهجرة الجماعية لليهود الخاضعين للحكم البيزنطي والمهددين بإخراجهم من ديانتهم بالقوة...»، ونستطيع أن نصور جذب دولة الخزر لأعداد أكبر من اليهود بعد انتشار اليهودية فيها، وتحولها رسميا إلى دولة يهودية، هذاعلى الرغم من اقتناع اليهود بضرورة وجودهم في مختلف الأقطار ليستفيدوا من الاحتكارات وتعاطي الربا واستغلال الشعوب لجني الأرباح.

نهاية مملكة

ولكن إذا كان الهدف من تهوّد الخزر هو استقلالهم والحفاظ على وجودهم ووجود دولتهم، فهذا الهدف لم يتحقق على المدى البعيد. إذ إن مملكتهم سرعان ما بدأت بالاضمحلال تدريجيًا بعد قرون قليلة من اعتناقهم لليهودية على إثر ما تلقته من ضربات على يد قبائل الروس الإسكندنافيين الذين كانوا يغيرون عليهم من الشمال باستمرار، حتى كادوا أن يقضوا على مملكة الخزر في القرن العاشر الميلادي. وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة استمر وجود مملكتهم إلى القرن الثالث عشر، بينما كانت أحوالهم تتدهور تدريجيًا من جراء كثرة حروبهم مع جيرانهم من جميع الجهات، إلى أن اجتاحتها أخيرًا جحافل المغول المدمرة فمحتها من الوجود. ولكن نهاية مملكة الخزر لم تكن نهاية للخزر أنفسهم، إذ إن انهيار دولتهم أدى إلى تشتتهم في مختلف أقطار أوربا الشرقية وبشكل خاص في أوكرانيا وبولندا والمجر ولتوانيا ومناطق أخرى من روسيا. فكان أثر هذه الضربة القاضية القادمة من جهة الشرق أن دفعت بالمشردين الخزر باتجاه الغرب، وهي هذه الأقطار من أوربا الشرقية، التي وجد الخزر في مدنها وقراها الكثيرة ملجأ لهم ولأحفادهم الذين بلغ عددهم الملايين بعد قرون قلية من تشردهم على أيدي المغول وانقراض مملكتهم الهزيلة.

وسرعان ما نسي أحفادهم أصلهم الخزري - التركي بعد أن طغت على تكوينهم الفكري والنفسي النزعة العنصرية التي تقوم عليها العقيدة اليهودية والتي صبغتهم بصبغتها الانعزالية المزرية، فعاش أغلبهم في أحياء خاصة بهم في وسط المدن، وهي أحياء «الجيتو»، التي اشتهرت بالتخلف والمرض والقذارة. كما عاشوا في الأرياف في قرى خاصة بهم كانت تسمى «شتتل»، وهي كلمة توحي بضيق الأفق والفكر المتحجّر. ومارسوا جميع الأعمال التجارية والحرفية والزراعية دون استثناء كأي مجتمع آخر، واشتهر كبارهم بممارسة الربا والسيطرة على التجارة والاقتصاد واحتكار المواد الخام والسلع الأساسية وصك النقود وجباية الضرائب وجمع الذهب. ويذكر كوستلر أحد هؤلاء المرابين (صفحة 178) في بلاد المجر، وهو الكونت تيكا أمين مال الخزانة الملكية، فيقول عنه: «وهو يهودي من أصل خزري، وأحد ملاك الأرض الأغنياء، ومن الواضح أنه كان أحد أعلام المال والدبلوماسية..». ويصف وجود اليهود في بلاد المجر بقوله: «وهكذا فإن انتماء الأغلبية العددية والاجتماعية لسكان هنغاريا اليهود في العصور الوسطى إلى الأصل الخزري قد تم تعزيزه بالوثائق بشكل جيد نسبيا، وقد يظن أن هنغاريا تمثل حالة خاصة في ضوء العلاقات المجرية - الخزرية المبكرة، ولكن الحقيقة أن تدفق الخزر إلى هنغاريا كان مجرد جزء من الهجرة الجماعية الشاملة من الاستبس الأوراسية تجاه الغرب، أي تجاه أوربا الوسطى والشرقية، ولم يكن الخزر هم الشعب الوحيد الذي بعث بفروعه إلى هنغاريا...» هذا مع العلم أن أكبر تجمع لهؤلاء المتهودين كان في بولندا وأوكرانيا وروسيا، إذ بلغ عددهم أكثر من ستة ملايين نسمة قبل هجرتهم المتتالية إلى أمريكا وفلسطين في العصر الحديث. ويصف كوستلر انتباه بعض المؤرخين إلى أصل هؤلاء المتهودين الحقيقي ومحاولتهم لتصحيح الخطأ الشائع بين الناس، وهو الاعتقاد بأن أصل هؤلاء اليهود يعود إلى فلسطين، فيقول: «والصورة العامة التي تنبثق عن هذا الفتات المتناثر من المعلومات هي هجرة قبائل وجماعات الخزر إلى هذه المناطق من أوربا الشرقية، وعلى الأخص إلى روسيا، وبولندا، حيث وجدت فيها في فجر العصر الحديث أكثر تجمعات اليهود، وقد دعا ذلك مؤرخين كثيرين إلى الحدث بأن نسبة كبيرة وربما أغلبية اليهود الشرقيين، ومن ثم يهود العالم، قد يكونون من الخزر وليسوا من أصل سام».

أبناء الفولجا

ويقول إن الحقيقة الآن هي: «أن الأغلبية العظمى من اليهود الباقين في العالم هم من أصل أوربي شرقي، ومن ثم من أصل خزري، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا قد يعني أن أسلافهم لم يأتوا من وادي الأردن، وإنما من الفولجا، لم ينحدروا من كنعان وإنما من القوقاز، ويصير من المعتقد فجأة أنهم يمثلون بدايات الجنس الآري، وأنهم أوثق انتماء وراثيًا إلى قبائل الهون والبوجر والمجر، منهم إلى ذرية إبراهيم واسحق ويعقوب، وإذاصارت القضية على هذا النحو، إلا يصير مصطلح معاداة السامية خاويًا من المعنى، وهو المصطلح الذي قام على سوء الفهم الذي اشترك فيه القتلة وضحاياهم. إن قصة إمبراطورية الخزر - بينما تنبثق ببطء من الماضي - توشك أن تبدو كمالو كانت أقسى عمليات الخداع، التي ارتكبها التاريخ حتى الآن».

ثم يذكر كتاب من تأليف المؤرخ اليهودي بولياك صدر عام 1944 وعنوانه «خزاريا» يصرّح فيه مؤلفه بقوله إن الحقائق تتطلب: «منهجًا جديدًا لتناول كل من مسألة العلاقات بين يهود الخزر وغيرهم من الجماعات اليهودية، ومسألة المدى الذي يمكن أن نصل إليه في اعتبارنا أن هؤلاء اليهود الخزر يمثلون نواة التجمع اليهودي الكبير في أوربا الشرقية.. إن أبناء هذاالتجمع، يمثلون الآن الأغلبية العظمى من اليهودية العالمية».

ويتطرق كوستلر إلى أبحاث علمية وفحوصات مختبرية أجريت على العديد من اليهود للكشف عن صفاتهم الوراثية وتعيين أصلهم وانتمائهم القومي والعرقي. ومن أهم نتائج هذه الفحوصات والأبحاث ما يثبت من دون أي شك انتماء اليهود إلى عدة أجناس، وعدم وجود أي روابط عرقية أو قومية أو وراثية بين تجمعات اليهود في أقطار العالم المختلفة، فقد أثبتت هذه الأبحاث أن كل جماعة من هذه الجماعات اليهودية المشتتة تنتمي إلى عرق أو قومية مختلفة، بحيث تنتمي كل جماعة إلى العرق نفسه الذي ينتمي له الشعب الذي يعيش هؤلاء اليهود في وسطه. وهذه جميعها أدلة دامغة تثبت أن اليهودية هي ديانة فقط انتشرت بالاعتناق، وليست قومية أو عرقا كما يتوهم اليهود، وما فكرة «الشعب المختار» التي أعمتهم إلا فكرة عنصرية لفّقها لهم كهنتهم الذين اختلقوا مختلف الأباطيل والادعاءات الكاذبة.

ويقوم كوستلر في نهاية كتابه بشرح ما حاول أن ينقله إلى القارئ من معلومات حول تاريخ الخزر وقصة اعتناقهم لليهودية فيقول: «في الجزء الأول من هذا الكتاب، حاولت أن أتتبع تاريخ إمبراطورية الخزر اعتمادًا على المصادر القليلة الموجودة، وفي البابين الخامس والسابع من الجزء الثاني قمت بتجميع الأدلة التاريخية، التي تثبت أن الأغلبية العظمى من اليهود الشرقيين (يهود أوربا الشرقية) ويهود العالم، هي من أصل تركي - خزري وليست من أصل سامي. وفي هذا الباب الأخير حاولت أن أظهر اتفاق الأدلة الأنثروبولوجية مع التاريخ في رفض الاعتقاد الشائع بوجود جنس يهودي منحدر من القبيلة التوراتية. فالانثروبولوجيون يرون أن مجموعتين من الحقائق تنقضان هذاالاعتقاد، وهما: الاختلاف الواسع بين اليهود فيما يتعلق بالخصائص الجسدية، وتماثلهم مع الشعوب غير اليهودية التي يعيشون بينها، وينعكس كل ذلك في الإحصاءات الخاصة بطول القامة ودليل الجمجمة وفصائل الدم ولون الشعر والعيون وغيرها، وأيا كان مانتخذه من هذه المقاييس الأنثروبولوجية كمؤشر فإنه يُظهر تماثلا بين اليهود والشعوب غير اليهودية المضيفة لهم، أكثر ما بين اليهود الذين يعيشون في أقطار مختلفة». ويضيف كوستلر أسبابا أخرى لتنوع أصل اليهود غير سبب اعتناق أسلافهم للديانة اليهودية، منها الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود على الرغم من تحريم كهنتهم له، ثم كثرة حالات الاغتصاب التي كانت تحدث في زمن الحروب والثورات والمذابح،

وقد عمل اليهود كل ما بوسعهم لإخفاء هذه الحقائق التاريخية المدعومة بالأدلة العلمية والتي تفضح أصلهم الهجين وانحدارهم من هذه الجماعات المتهودة التي لا تربطها بفلسطين وسكانها القدماء أي علاقة على الإطلاق، وقد استمروا بكل عناد وغباء في صلفهم وتحجرهم الفكري وانحرافهم النفسي الذي أعماهم، زاعمين أن أصلهم يعود إلى الأنبياء المرسلين مثل: إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وسليمان، وكل هذا هراء وهوس وافتراء يخالف الواقع ويتنافى مع حقائق الدين والتاريخ.

ويذكر كوستلر على سبيل المثال (صفحة 21) كيفية تستّر اليهود على الحقائق التي تكشف أصلهم ونسبهم الحقيقي، فيقول: إن الفصل المتعلق بتهود الخزر في الموسوعة اليهودية «كتب بغرض واضح هو تجنب الأفكار المثيرة المتعلقة بعقيدة الشعب المختار»، بحيث تظل الحقائق الجوهرية مطمورة تحت طبقات كثيفة من عمليات الخداع والتمويه، ويستمر اليهود بالزعم بأنهم شعب مختار يتفوق على جميع الشعوب وينحدر من نسل الأنبياء، ويدعون بأن أصل أجدادهم يعود إلى فلسطين، وشعوب العالم تصدقهم بكل سذاجة ودون اعتراض، فأصبح حتى العرب يعتقدون أن فلسطين هي وطن اليهود، حتى نسي بعضهم أنها أرض عربية لا ينتمي لها إلا أصحابها الشرعيون وهم الفلسطينيون، وقبلوا بهؤلاء الدخلاء ليغتصبوا هذه الأرض العربية ويحولوها إلى وطن قومي يهودي قائم على ادعاءات كاذبة وأباطيل ملفقة، بينما تظل حقائق التاريخ وأدلة العلم في طيات الكتب لا يهتم باستخراجها أحد. فقد كان من واجب العرب مواجهة مخططات الصهيونية في بداية مراحلها الأولى باستخراج أدلة التاريخ العلمية التي توضح أصل اليهود وأجدادهم الخزر وغير الخزر ونشر هذه الحقائق على نطاق عالمي وفي الدوائر الرسمية الدولية ليعرفها الناس وكل من له علاقة بهذه القضية، خصوصًا اليهود أنفسهم ليعرفوا أصلهم وأصل أسلافهم المتهودين.
------------------------------
* كاتب من الكويت.

 

طارق خالد الحجي