السمنة قدر أم خطيئة؟

السمنة قدر أم خطيئة؟

يسجل التاريخ الحياتي المعلن والسري لكل سمين العديد من محاولات تخفيض الوزن الفاشلة. فبعد النجاحات المبكرة المشجعة التي تلي ممارسة أحد أنواع حميات تخفيض الوزن أو بعد تعاطي بعض الأدوية المخفضة للوزن والاكتواء بنار الجوع لا تلبث بعد بعض الوقت أن ترجع الكيلوجرامات القليلة المفقودة إلى مواقعها السابقة، بعد وقت أقصر من ذلك الذي لزم للتخلص منها. ويحالف النجاح ما بين 20 ـ 39% فقط من كل الأشخاص الذين نجحوا في تخفيض أوزانهم في الحفاظ على هذه الأوزان الجديدة لعدة أشهر، وتقل هذه النسبة لتصل إلى 10 ـ 20 % وبعد انقضاء سنة على محاولة تخفيض الوزن.

وبينما يؤكد المصابون بالسمنة في معظم الأحوال أنهم مازالوا مستمرين في تناول كميات من الطعام تقل عن تلك التي دأبوا على تناولها قبل الشروع في محاولة تخفيض الوزن، فإن الأهل والأصدقاء في الغالب يلزمون رفضهم ابتلاع مثل هذه الأقوال، معربين بشكل أو بآخر عن اعتقادهم كون الأمر ما هو إلا نتاج لين العريكة. وحتى في الحالات التي لا ينفك فيها السمين عن تناول الطعام مع الآخرين، ورغم وضوح عدم احتواء وعاء طعامه أكثر مما تحتويه تلك التي يغرز فيها مجاوروه ملاعقهم، فأن هذا لا يجنبه في كثير من الأحيان سماع الاتهام بتناول مقادير اضافية من الطعام خلسة. ولا يشتكي المصابون بالسمنة عادة من عدم تصديق العوام لهم فقط، بل تطال شكواهم أيضا الكثير من الأطباء والاخصائيين.

ورغم أنه لا طريق يؤدي إلى السمنة لا يمر بالافراط في تناول الطعام، ورغم أن الكثير من الشكوك والاتهامات التي توجه للمصابين بالسمنة لها في بعض الحالات أساس من الواقع، فإن الدراسات الطبية الحديثة تفيد بأن طريق العودة إلى الوزن المثالي تمر عبر مسالك وعرة مختلفة، وتميل إلى إضفاء المصداقية على الكثير مما يقوله المصابون بالسمنة.

ظاهرة اليويو

اليويو عبارة عن لعبة أطفال مشهورة تتكون من قطعتين مستديرتين متماثلتين ومتقابلتين وبينهما فراغ يخرج منه خيط يربطه اللاعب بأحد أصابعه، وكلما هز اللاعب يده إلى الأعلى أو إلى الأسفل تنفدع بقية الأجزاء إلى أبعد ما يسمح لها به طول الخيط مبتعدة عن يد اللاعب، غير أنها لا تلبث أن تعود إلى وضعها السابق. وقد وجد الاخصائيون فيما ما يحدث للسمان بعد كل محاولة من محاولات تخفيض الوزن، من جهة فقد الوزن وعودته بعد وقت قصير إلى ما كان عليه في السابق مشابهة لحالة اليويو فأطلقوا عليها اسم ظاهرة اليويو. وتعتبر هذه الظاهرة العامل الرئيسي المسبب لفشل معظم طرق تخفيض الوزن على المدى الطويل، كما تخلق الأساس الربحي لطرق وعلاجات تخفيض الوزن.

ويمكن تشبيه الجسم بآلة لتوليد الطاقة واستخدامها، ففيه يتم الحصول من الطعام المتناول على الطاقة اللازمة لوظائف الجسم المختلفة. وتختلف حاجة كل شخص من الطاقة حسب جنسه وسنه وحجم جسمه ومجموعة أخرى من العوامل أهمها مقدار المجهود الذي يبذله الشخص في حياته اليومية. ويقدر أن الشخص الراشد غير السمين يحتاج من الطاقة إلى 28 كالوري لكل كيلوجرام من وزنه في اليوم تقريبا إذا زاول عملا مكتبيا غير مجهد. وهذا يعني أن شخصا وزنه 70 كيلوجراما يحتاج إلى تناول كمية من الطعام تعطي مقدارا من الطاقة قدره 1960 كالوري لكي يستطيع العيش دون أن يزيد أو ينقص وزنه. وعندما يتناول الإنسان كمية من الطعام تعطي كمية من الطاقة أكثر من تلك التي يحتاج إليها، يقوم الجسم بتخزين الفائض على هيئة نشاء حيواني وشحم. ويتم تخزين الشحم في خلايا معينة بالجسم تدعى الخلايا الدهنية. ولا تشكل كميات النشا الحيواني أي أهمية تذكر في موضوعنا هذا فكمياتها مهما زادت لا تتجاوز كيلوجرامات قليلة.

وكل طرق تخفيض الوزن تقوم على فكرة أساسية وحيدة، هي توفير مقدار من الطعام للجسم تقل الطاقة التي تنتج عنه عن المقدار الذي يحتاج إليه الجسم، سواء كان ذلك بإنقاص كمية الطعام أو تغيير نوعيته ـ كاسبتدال الأطعمة الدسمة بالخضراوات ـ أو برفع طلب الجسم من الطاقة إلى مستوى يزيد عما يتوافر له منها عن طريق الغذاء وذلك بممارسة رياضة مجهده. وهذا المقدار غير المتوافر من الطاقة يقوم الجسم بتوفيره بنفسه عن طريق حرق كميات من النشا الحيواني والشحم المخزن بالجسم.

وكان يعتقد في السابق أن احتياج شخص ما من الطاقة ثابت تقريبا، إذا لم يتغير مقدار الجهد الذي يبذله في حياته اليومية. غير أنه تبين من دراسة أسباب ظاهرة اليويو أن هذه القاعدة ليست ثابتة. حيث اتضح أنه عند انخراط المصاب بالسمنة في ممارسه إحدى حميات تخفيض الوزن، لا يلبث الجسم بعد مرور عدة أيام أن يتحول إلى نظام مقنن من استهلاك الطاقة في تأديته وظائفه المختلفة، عاملا بالمثل المعروف (على قدر طول لحافك مد رجليك). ويمكن تشبيه العملية بسيارة يلزمها 11 لترا من البنزين لقطع 100 كيلومتر ولكنها تكتفي بمقدار 4 لترات فقط لقطع نفس المسافة، إذا ما قلت كمية البنزين التي ملئت بها في الأيام الأخيرة عن 8 لترات.

وقد اتضح أيضا أن الجسم يظل محافظا على المستوى المنخفض من استهلاك الطاقة بعد انتهاء عملية الحمية، وذلك لكي يعيد ملء مخازنه المعتادة من الشحم إلى مستواها السابق في أسرع وقت ممكن. وهذا الأمر يؤدي في كثير من الأحيان إلى اصابة السمين بالحيرة، فرغم أنه خفف من شدة الحمية تحت تأثير الجوع الشديد، فإنه لا يجد سببا لعودة التكتلات الشحمية السابقة، خاصة أنه يعرف قبل غيره استمراره في تناول كميات من الطعام تقل كثيرا عن تلك التي كان يتناولها قبل بدء عملية تخفيض الوزن.

هرمون اللبتين

كما اتضح أن لجسم الإنسان آلية معينة تسمح له بالحفاظ على وزنه في حدود معينة، وإن كانت تختلف بين شخص وآخر. فقد اتضح من دراسة تأثير هرمون اكتشف في السنوات الأخيرة ودعي باسم اللبتين أنه في الحالات السوية عندما تزيد كمية الشحم المخزنة في خلايا الشحم بالجسم فإن هذه الأخيرة تزيد من إفرازها لهذا الهرمون الذي يؤدي فيما يؤدي إلى الإقلال من الشهية وحث الجسم على زيادة استهلاك الدهون المخزنة وبالتالي العمل إلى إعادة الوزن إلى حدوده السابقة. غير أن الدراسات التي أجريت بينت أنه رغم احتواء أجسام المصابين بالسمنة على كميات كبيرة من هرمون اللبتين فإن ذلك لا يؤدي إلى حدوث التأثير المعتاد لهذا الهرمون، ويبدو أن أجسام هؤلاء فقدت الاستجابة الطبيعية لتأثيره. ويعتقد كثير من الباحثين أن عوامل وراثية تدس أنفها في هذا الأمر.

ويمنع الجسم أيضا نضوب مخزونه من الشحم عن حد معين، فعندما تشعر الخلايا الدهنية بأن مخزونها قد قل عن ذلك الحد تقلل إفرازها من اللبتين، وهذا يؤدي بدوره بين عوامل أخرى متعددة إلى زيادة الشعور بالجوع وإلى الإقلال من استهلاك الشحم المخزن ومحاولة زيادة تخزينه. وبعد مرور عدة أشهر على البدء بممارسة الحمية يصل تأثير هذه العوامل إلى الذروة، فيصبح الشعور بالجوع دكتاتورا مسيطرا على مشاعر المريض، بحيث لا يجد أمامه إلا التوقف عن الحمية أو التخفيف من شدتها للفرار من هذا الكابوس. ولكن ما أن يتم التقليل من شدة الحمية حتى يبدأ الجسم بتخزين الشحم من جديد. ويسهل تحول الجسم إلى التقشف في استخدام الطاقة إمكان تخزين كميات كبيرة من الشحم بسرعة.

 

أحمد عبدالسلام بن طاهر