حاجة الطفل للحب نبيه غبره

حاجة الطفل للحب

حاجة الطفل للحب هي كحاجته للطعام والشراب، وهو أشد حاجة له عندما لا يتمتع بالصفات التي تجعله محبوبا. فالحب للطفل ضرورة تربوية أولية، فبه يتطور تطورا طبيعيا، عقليا وعاطفيا واجتماعيا. إنه ليس ترفا أو تسلية أو متعة. كما أنه ليس دعوى باللسان أو عصبية. إنه سلوك يتسم بالود واللطف والرقة، وينم عن الاحترام والتفهم والتقدير.

الإنسان عموما بحاجة إلى الحب منذ ولادته وحتى يموت. هذا ما يقرره علماء النفس. فالكبير السوي الذي يتمتع بشخصية سليمة، يكون قادرا على حب الغير، كما يكون محبوبا من قبل الغير، فهو يحب ويحُب. وهو بذلك يثبت إنسانيته وسلامته وصحته.

والطفل - ويظل الإنسان طفلا حتى البلوغ حسب التعريف العلمي - بحاجة أشد إلى الحب لأسباب رئيسية ثلاثة:

1 - ليكون سعيدا مطمئنا: فالإنسان حين ولادته يكون في حالة شديدة من العجز - بل أشد المخلوقات عجزا واعتمادا على الغير كما يقرر علماء علم الحياة - لا حول له ولا قوة ولا حيلة. وهو هالك لا محالة إن لم يحظ بالأمومة العطوفة الحانية.

2 - وليتطور طبيعيا في النواحي العقلية، فالإنسان يمتلك طاقات عقلية محدودة. والطفل السعيد يستطيع أن يوظف هذه الطاقات في تجميع المعلومات والخبرات وتصنيفها والاستفادة منها. وهو نشط يحب التعلم والتجربة والممارسة. وأما الطفل المحروم من الأمومة المحبة فهو يكون أميل إلى الاكتئاب، حزينا، قلقا، قليل النشاط والانتباه، متأخرا في التطور العقلي أو الذكائي.

3 - ولكي يتطور عاطفيا واجتماعيا بشكل طبيعي أيضا: فالطفل المحبوب في صغره السعيد في بيئته يكون أقدر على حب الناس وعقد الصداقات الحميمة والثقة بالغير في كبره. وأما الطفل الذي حرم الحب والحنان في صغره، فمن الصعب عليه أن يبادل الآخرين الحب في كبره، أو أن يعقد الصداقات الحميمة أو أن يثق بالغير. بل على العكس، يكون ذا عاطفة باردة، ضعيف الثقة بالناس.

الحب منذ الولادة

وما يؤكد لنا حاجة الطفل إلى الحب منذ ولادته أننا نجده يكف عن البكاء فور حمله وضمه إلى الصدر، فيهدأ غضبه ويبطؤ نفسه، وتسترخي أعضاؤه، ويطمئن فؤاده. يفعل ذلك وهو ابن ساعات. ومن هذا المنطلق أصبح البعض يستحسن إعطاء الوليد بعيد ولادته لأمه، تضمه إلى صدرها وتلقمه ثديها قبل إلباسه، تحية استقبال مفعمة بالحب، حتى يكون الطفل أكثر سعادة وانسجاما في مستقبل حياته.

وعندما يدخل الطفل شهره الثاني نراه يسر بالحمل والمداعبة. وعندما يبلغ الشهر الرابع قد يبكي إن ترك وحده في الغرفة، ويصبح حريصا على صحبة أمه أو الآخرين. وأما في الشهر التاسع من العمر فإن الطفل يبكي غيرة إن حمل أحد والديه غيره من الأطفال.

كيف ومتى ينتقص حب الأهل لأطفالهم؟

أحوال كثيرة نستطيع أن نجمل أهمها في ثلاث مجموعات هي:

1 - عند جهل الأهل بقيمة الحب وإظهاره في التربية والتنشئة:

فالأهل عادة يغدقون الحب على أطفالهم في أشهرهم الأولى، ويتحملون إزعاجاتهم بكل رحابة صدر، وبحنان زائد.

ولكن.. ما أن يكبر الطفل ويصبح واعيا متفتحا، قادرا على المشي والتنقل، محبا للتجربة والاختبار والاكتشاف، كثير الحركة والنشاط، كثير الطلبات والإزعاج، حتى تختلف معاملة كثير من الأهل لأطفالهم، وتتسم بالغلظة والشدة، وكثرة التوجيه والأمر والنهي، وكثرة العقاب على أشياء لا يرى فيها الطفل إلا كل ما هو طبيعي وسليم ومنطقي.

وإذا ما كبر الطفل وأصبح في سن المدرسة، فقد يرهق بما يطالب به من أنماط سلوكية معينة، ومن مستويات في الحفظ والأداء والتعلم. وقد يتبنى الأهل مواقف غاية في السوء، ولا تدل إلا على الكراهية إذا ما دققنا النظر فيها، وذلك بغية تحسين سلوك الطفل ومستواه. فقد يلجأون إلى الشدة والتهديد والانفعالات الشديدة، وإلى المعاقبة والتعنيف والتوبيخ، وإلى الاستهزاء والانتقاص وما شاكل عن الأساليب والطرق التي لا تتفق مع محبة الأبناء.

والخطأ يكمن في عدم معرفة المستوى التطوري للطفل، وفي عدم معرفة حاجات الطفل العقلية والنفسية والعاطفية، وتوفير الوسائل المادية لتنميتها والسلوك المناسب لها، مما يؤدي إلى المواقف العشوائية والتصادم المستمر ما بين شخصية الطفل النامية النشطة الفعالة وشخصية الأهل والمربين. فحب الطفل يقتضي تفهمه واحترامه وتوفير الجو الودود والوسائل المناسبة ليتطور بشكل طبيعي. والحب يجب أن يكون ظاهرا، ومترجما في سلوك الأهل بشكل عملي.

غير مرغوب فيه

2 - في حال كون الطفل غير مراد أصلا: وهذا السبب آخذ بالازدياد مع الأسف. فهناك أسباب قديمة، كان يكون الطفل من الجنس غير المرغوب فيه. أو لأنه ابن الزوج، أو ابن الزوجة، أو يتيما، أو ربيبا، أو للظروف الاقتصادية أو المعاشية أو الاجتماعية غير المناسبة. وهناك أسباب جديدة كأن يحصل الإنجاب رغم إرادة وتخطيط أحد الزوجين.

3 - في حال وجود عيب حقيقي في الطفل: فقد يكون الطفل مصابا بتشوه خلقي أو مكتسب، وقد يكون قميئا قليل الحظ من الجمال أن قزما، وقد يكون متخلفا عقليا قليل الذكاء.

الحاجة للحب

وتشتد حاجة الطفل للحب عندما لا يكون محبوبا، ويحدث ذلك في حالتين:

الأولى: عند الطفل الطبيعي العادي. وذلك يوميا لسبب اعتيادي، عندما يسلك سلوكا مزعجا بسبب تعب أو ملل أو جوع أو ألم أو مرض، وما شابه من الأسباب الدارجة، ففي مثل هذه الأحوال يحتاج الطفل إلى إظهار الحب والحنان وإلى التفهم والتعاطف، لا إلى الصراخ والتهديد والشدة والفظاظة.

الثانية: عند الطفل المعيب الذي ذكرناه آنفا، فهذا الطفل بحاجة إلى مزيد من التعاطف والتفهم والقبول لتعويض ما قد ينشأ عن عدم قبول الناس له، ولأنه أكثر عرضة للأزمات النفسية من الطفل العادي.

ما مدى انتشار السلوك المنافي لحب الأطفال؟

قد يعترض قارئ فيقول إن الكاتب يبالغ وهل يعقل ألا يحب والد ولده؟ والجواب أنه من الطبيعي والبديهي أن يكون الابن محبوبا، ولكن ما نريد أن نؤكد عليه هو وجوب أن يكون سلوكنا تجاه أبنائنا سلوك المحبين، وموقفنا موقف المحبين ومعاملتنا معاملة المحبين. فما في القلب والدعوى شيء والتطبيق شيء آخر. والطفل لا يدرك إلا الطريقة التي يعامل بها.

لقد قال الدكتور الرميحي في مقدمته لكتاب العربي "الطفل العربي والمستقبل" : "وللتعميم دون التخصيص، فإن هناك رسائل تأتينا تشكو مر الشكوى من معاملة الوالدين القاسية، خاصة من قبل بعض الآباء وبعض الأمهات، إلى درجة أننا نكاد نقول: إننا مجتمع في معظمه قاسي القلب..". وذلك بعد أن اطلع على رسائل الأطفال إلى "العربي الصغير" وأعتقد أن الدكتور قد تأثر كثيرا بما اطلع عليه من هذه الرسائل. وأنا أميل إلى القول بأننا مجتمع في معظمه يعامل أطفاله معاملة قساة القلوب. والمعاملة القاسية غير المتماشية حب الطفل، منتشرة فعلا في جميع البيئات ولكن على مستويات ونسب مختلفة.

ونسترشد ببعض ما ورد عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي تدل على معاملته البرة الرحيمة للأطفال:

- قال أنس (خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدرى الناس به): ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- قال أسامة بن زيد بن حارثة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه وكان يقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمنا ويقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.

 

نبيه غبره