هو.... هي

  هو.... هي

ابن عمي العزيز

تحدث إلي أحمد في التليفون. طلب مني موعدا خارج المنزل. كما طلب مني عدم إبلاغ والدي به. قال بالنص "حذار أن يعلم أي في أفراد أسرتك بالموعد". وعندما سألته عن السبب، أجاب "مصيبة ستحل عليك وعلي".

خفت وارتعشت. لم أنم طوال الليل. ومن الصباح الباكر أبلغت والدتي أني سأزور صديقة لي. تحدثت إلى صديقتي وطلبت منها أن تسمح لي باستخدام اسمها في إخفاء موعدي مع أحمد.

ذهبت إليه. وجدته مرتبكا. بادرت بالسؤال "ما هي المصيبة؟".

أجاب، "تحدث أبي معى أمس وأبلغني أنه يريدني أن أتزوجك".

"تتزوجني ..أنا.. أصبح زوجتك؟"

أجاب "نعم .. تصوري الكارثة".

أحمد وأنا صديقان، حبيبان، ابنا عمومة. أبوه عمي. أبي عمه.

منذ أن كنا صغارا كان أبي يناديه "يا زوج ابنتي" وكان عمي يقول لي مازحا "يا زوجة ابني". لكننا كبرنا معا.. في مسكنين متجاورين وفي مدرسة واحدة. كنا دائما نلعب معا كما كنا نتشاجر كثيرا. يعرف صديقاتي وأعرف أصدقاءه. كم من مرات خرجنا معا وعدنا معا. لم أشعر لحظة إلا أنه أخ لي. أشكو له مشاكلي. ويشكو لي مشاكله.

يغار مني لأنني أتفوق عليه في الرياضيات. كما أنه كثيرا ما ساعدني في فهم الأدب العربي والأدب الفرنسي. أهوى العلوم ويعشق أحمد الأدب والفن. يتابع كل ما يطرح في السوق من قصص وشعر ومسرحيات. أما أنا فأعد نفسي لأن أعمل مهندسة في مصنع أو شركة.

لكن المشكلة كما أتصورها هي أن أسرتينا تريدان منا أن نتزوج، لا من أجل الزواج ذاته، وإنما من أجل الحفاظ على الثروة.

كان جدي ثريا. امتلك عقارات وأراضي، كما امتلك مالا سائلا. عندما توفي، أورث ولديه، أبي وعمي، ثروة طائلة. احتفظ بها الاثنان ونمياها. بجانب كونهما شقيقين أصبح كل منهما شريكا للآخر في استثمارات أخرى بجانب العقارات والأراضي والمال السائل. أتصور أنهما يريدان الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة، لذا يطالبان أحمد ويطالباني بأن نتزوج.

من وجهة نظري لن تصنع الثروة السعادة الزوجية. إنما تتشكل هذه السعادة عن عناصر. أخرى.. ليس من بينها ثروة جدي التي تركها ولا ثروة أبي وعمي التي امتلكاها.

كان أحمد على حق عندما طلب مني عدم إبلاغ أسرتي بالموعد الذي طلبه مني. كما أنه كان على حق عندما قال لي إن مصيبة ستحل عليه وعلى. في حديثه معي طلب مني الرأي.. قلت له "نرفض الزواج".

سألني "وإذا ما هددني أبي؟".

أجبته.. "هل يمكن أن نخضع للتهديد ثم نفقد حياتنا؟".

اتفقت معه على أن نرفض الفكرة من أساسها.

تركت أحمد ابن عمي العزيز.. وأسرعت بالاتصال بأشرف زميلي في الجامعة.. الشاب العصامي ابن الأسرة الفقيرة.. طلبت منه موعدا سريعا.

.. هي ..

هو.... هي
ابنة عمي الغالية

عدت إلى المنزل بعد أن أمضيت وقتا رائعا مع رانيا. عند دخولي المنزل ناداني والدي.. أسرعت إليه. سألني "أين كنت طوال النهار. لم تحضر لتناول الغداء في المنزل .. لقد قلقت عليك".

أجبته "كنت عند محمود صديقي .. ثم خرجنا معا وتناولنا الغداء في النادي.. ثم عدت بعد أن أوصلته إلى منزله".

يبدو أن والدي اكتشف الكذب الأبيض. سألني "كل هذا الوقت مع محمود؟" أجبته "نعم .. ومع أصدقاء آخرين في النادي". كنت أريد التخلص من متابعته لي. بكل صراحة، كنت أريد أن أخلو إلى نفسي لأستعيد شريط ذكريات اليوم مع رانيا.. زميلتي الجامعية التي أحبها.

تحب رانيا المسرح وتريد التخصص في النقد المسرحي. تتابع كل جديد فيه. أدير معها مناقشات طويلة حول الأدب والشعر والمسرح. لا أمل التحدث معها، مادامت الحوارات تدور حول هذه الاحتمالات المشتركة.

هي ابنة لأستاذ جامعي. استفادت كثيرا من علم أبيها ومكتبته. شدتني إليها بعد عدة زيارات قمت بها لتناول الشاي والاطلاع على بعض أمهات الأدب والثقافة في مكتبة والدها. أسرة مثقفة. الأب أستاذ جامعي والأم باحثه في علم الاجتماع. رانيا هي الابنة الوحيدة. لذلك كثف الوالدان اهتمامهما بها. يتعاملان معها بقدر عال من الليبرالية. مناقشاتهم ديموقراطية مفتوحة بكل أدب وتقدير واحترام.

نلتقي منذ مدة طويلة.. منذ أسبوعين طلبت منها أن تبلغ والدها أنني سوف أفاتح والدي في أمر زواجي منها. قبل أن أبلغ والدي كانت هي قد فاتحت والديها.. استقبلا الأمر بكل بساطة وترحاب.

والآن يطلب مني أبى الجلوس أمامه .. ثم يفاتحني في أمر الزواج من ليلى ابنة عمي. لم أجبه وإنما قفزت واقفا. انزعج وطلب مني إجابة على طلبه. رفضت الكلام. أسرعت إلى ليلى وطلبت منها موعدا سريعا.

بعد عودتي من لقائها قررت أن أفاتح أبي.

اعرف أنه يريدني أن أتزوج من ليلى حتى تؤول إلينا معا ثروة الأسرة. إنها ابنة عمي التي أحبها كما أحب شقيقتي. كم من مرات لعبنا معا وكم من مرات تشاجرنا ثم تصالحنا.

ما أني أعرف أنها على علاقة بشاب عصامي رائع اسمه أشرف. لقد علمت ذلك من بعض أصدقائي. لكني لم. أبلغها علمي بهذا. تركت لها فرصة التعرف عليه. وأنا على يقين أنها ستأتي إلي لتبلغني بأمر أشرف وزواجها منه لحظة وصولهما إلى اتفاق.

علم أننا - ليلى وأنا - مقدمان على فترة شديدة الحساسية. فترة بها مصاعب كثيرة. لابد لنا من مواجهة هذه العقليات المتخلفة التي تريد أن تقضي على مستقبلنا لمجرد الاحتفاظ بالثروة والمال.

إذا سيحدث لو تزوجت من رانيا.. وتزوجت ليلى أشرف؟

لن تضيع هذه الثروة وإنما ستتحقق لنا السعادة. سأدخل الآن غرفة أبي وأفاتحه في أمر زواجي من رانيا... وليكن ما يكون.

اتصلت بليلى.. لم أجدها.. توقعت أن تكون مع أشرف.

هو..