حدائق الأسطح قبعات خضراء لمدن الأسمنت

حدائق الأسطح قبعات خضراء لمدن الأسمنت

مع زيادة المساحات الأسمنتية في التخطيط المعماري بالمدن الجديدة، بدأ المهندسون وإخصائيو البستنة يتخذون من أسقف البيوت مكانا لحديقة، تكاد تشبه القبعة الخضراء وسط فضاء المدن الأسمنتية.

الحدائق سليلة المساحات الخضراء في الصوبات الملحقة بالبيوت والمساكن، خاصة أن نصف ما يبنى اليوم في العالم هو شقق، وليس بيوتا منفصلة، ولذلك تكبر الحاجة لدى المصمم لإضافة حديقة في الشرفة أو على السطح، تكون ملاذا للعين والرئة.

حدائق الأسقف أصبحت تضيف للسعر الحقيقي للعقار، وطبقا للإحصاءات فإن مساحة خضراء في شرفة أو مطل يمكنها أن تضيف 8 في المائة على سعر بيع المنزل و25 في المائة على المبيعات في مطعم!

والواقع أن حدائق الأسطح ليست كما يعتقد الكثيرون ظاهرة حديثة جدا، فكلنا يتذكر الصورة الأسطورية لحدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع والتي شيدت على الأرجح خلال إعادة بناء نبوخذ نصر الثاني لمدينة بابل، كي تعوض زوجته آميتيس عن الفضاء الأخضر الذي افتقدته منذ غادرت وطنها ميديا.

لقد وصف تلك الحدائق ـ بعد 200 سنة من تدميرها ـ الكاتب زيركسيس (حوالي 482 قبل الميلاد)، بأنها مصاطب حجرية نبيلة، ويقول الكاتب اليوناني سيركليز (مؤرخ القرن الأول الميلادي) إنها كانت تعلو مائة قدم وتمتد بعرض مائة قدم أخرى. ومن الواضح أن أسلوب زرع مدرجات الجبال لايزال مستخدما حتى اليوم.

وكانت النقطة المهمة التالية في حدائق السطح لدى الرومان في بومبي، ولولا أن البركان الذي غمر المدينة سنة 79 ميلادية احتفظ لنا بمبنى يجسد تلك الحدائق المعلقة ما كنا وصلنا إلى بواكير حدائق الأسطح في تلك الثقافة الغابرة.

كان السقف المدرج بمنزلة أحجية تمتد حتى بوابة الشمال الغربي في بومبي مع شرفة على شكل حرف «U» بطول حدود الشمال الغربي والجنوب، وتمت زراعة النباتات مباشرة في التربة، التي تستند إليها مباشرة شرفة الرواق بالأطراف الثلاثة.

هناك حدائق أخرى في العصور الوسطي مثل تلك الموجودة في جبل سان ميشيل بفرنسا، وحديقة ميديتشى كاريجي في إيطاليا. أما أبرز حدائق السطح بالقرنين السابع عشر والثامن عشر فكانت حديقة «الكرملين» في موسكو وقد دمرت عام 1773 لإفساح الطريق أمام «الكرملين» الذي نعرفه اليوم.

كانت الحدائق ترفا كبيرا لطبقة النبلاء الروس وفي القرن السابع عشر تم إنشاء حديقة فسيحة من طابقين، تبلغ مساحتها عشرة أفدنة، وتصل من شرفة علوية، وبطريقة تدريجية، حتى حافة نهر الفولجا بموسكو، وكانت تملؤها الشجيرات والكروم مع لوحات تعطي وهما بصريا بالفضاء الفسيح.

ومع مطلع القرن العشرين ارتبط مصطلح «الروف جاردن» بالمسرح الأمريكي،» وخاصة مع تشييد سقف المسرح الأمريكي بمدينة نيويورك.

كما دشنت حديقة سقف ديري وتومس عام 1938 كجزء من متجر شهير، وكانت مضافة لأحداث النبلاء والملوك حتى خرجت من المحل التجاري عام 1978 وكان بها أكثر من 500 شجرة.

كما صممت بعض مباني مركز روكفلر من قبل المهندس المعماري رالف هانكوك (الذي أنشأ حديقة ديري وتومس)، وقد طورها كثيرا، والمثير للإعجاب أنه أحضر 3000 طن من التربة السطحية حتى في المصاعد!

إن أسقف المدن العربية تحتج علينا، لأنها جرداء على الأغلب، وعلينا أن نستلهم من تاريخنا ما يعيد اللون الأخضر لفضاءاتنا.
---------------------------------
* كاتبة ومترجمة من مصر.

 

 

سناء محمود*