عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

أعلام عظام، وأحداث جسام

يعترف التاريخُ عبر مروياته المدونة، وأوراقه الموثقة، وحكاياته الشفاهية بالمثل، بأن أحداثه الجسام يقف وراءها أعلام عظام، حملوا على عاتقهم مهمة دفع عجلته للأمام، حاملة عربته لمصير البلدان، وطموحات الأمم، وأحلام الشعوب.

لكن الثورات العربية الأخيرة في تونس ومصر وليبيا، التي أطاحت بأنظمة الاستبداد في تلك البلدان، تفتح صفحة جديدة في كتابة التاريخ، وهي سطور كتبتها تلك الجموع الحاشدة التي آمنت بأن الفرد لم يعد قادرًا وحده على حلم التغيير، وأن الجموع الحاشدة، المؤمنة بقدرها، وقدراتها، القارئة لماضيها، والناقدة لحاضرها، يمكن أن تكتب مستقبلها. ولكن من يحرك تلك الجموع؟ أليست هي الأفكار التي تراكمت، وقدمها أعلامٌ، سواء كانوا زعماء، أو مفكرين، أو مؤرخين، أو علماء، أو كل من كان على وعي بأهمية تحريك مياه المعتقدات البالية، بأحجار الأفكار الجديدة؟

من هنا يطرح رئيس التحرير انشغال المفكر الكويتي الراحل د.خلدون النقيب بمحاولة تحديد موقع المجتمع العربي في السياق التاريخي، عبر جهد منهجي مزج علم الاجتماع بالتحليل التاريخي، وهو الذي دعا - وستظل أبحاثه شاهدة على نضاله - إلى قيام الدولة المدنية بديلاً لدولة القبيلة، ضمن انحيازه التام لقيم العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء والمهمشين، وهو ما يفتح باب قراءة أعماله في ملف خاص كرسناه له في هذا العدد، فأفكاره - مجردة - هي التي نادت بها اللافتات التي حملها المطالبون بمجتمع عربي جديد. والأمر نفسه في قراءة لأعلام أمتنا، حيث نقرأ تناول السينما العربية لشخصية الرئيس جمال عبدالناصر، ووعي الرفض لدى الشاعر أمل دنقل، وهما اللذان حضرا، بشكل أو آخر، في تلك الثورات العربية.

هكذا تكتمل الدائرة، ويقدم لنا التاريخ رؤيته، بأن الأحداث لها من يلهمها، وأن أفكار هؤلاء الأعلام حاضرة في الذهن، ومحركة للفعل. وهو ما يوجب علينا إعادة قراءة لمنجز أعلامنا، وربطه بما تحقق من أحلام، وربما التفكير فيما عجزنا عنه، ومثل إحباطات تاريخية كذلك.

ولأنها لاتزال ديوان أدب الرحلة العربية المعاصرة، تسافر «العربي» إلى روندة، الأندلسية الرابضة فوق جبل حدودي بين البرتغال وإسبانيا، وكان سقوطها نذيرًا بالخطر الذي أجهز على مملكة غرناطة، وأنهى الحضور الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية.

وبعد تدشينها لمجلة «العربي العلمي»، التي بدأت ملحقًا للمجلة، تبدأ «العربي» هذا العدد تقديم ملحق جديد للبيت العربي، حيث إننا نؤمن بأهمية إعادة بنائه - معماريا ومجتمعيا واقتصاديا وفنيا - بما يسمح بتكامله مع مستقبل أفضل، وهي دعوة لرفد الملحق الجديد بآراء وأفكار تجعله ينضم إلى سلاسل إصدارات «العربي» في المستقبل.

وهناك قراءات أخرى تدعوكم لها مجلة العربي بين العلوم والفنون والآداب، فأهلاً بكم على متن صفحات هذا العدد الحافل.

 

المحرر