إلى أن نلتقي أنور الياسين

  إلى أن نلتقي

ليبق الفرح دائما

يعتقد الإنكليز أن السعادة مستحيلة، ويقولون في تبرير هذا الاعتقاد إن الإنسان ما بين الخامسة عشرة والعشرين يملك الوقت ويملك العافية ولكنه لا يملك المال، وبالتالي فإنه عاجز عن التمتع بالحياة، وكذلك فإن هذا الإنسان ما بين العشرين والستين يمتلك المال ويمتلك العافية ولكنه لا يمتلك الوقت للاستمتاع بالحياة، أما ما بين الستين والثمانين فإن الإنسان يمتلك المال ويمتلك الوقت ولكنه يفتقر إلى العافية وبالتالي فإنه يبقى عاجزا عن الحصول على السعادة، ومن هنا يعتقد الإنكليز، ربما بسبب مناخ بلادهم الأقرب إلى الكابوس، أن الإنسان يكتب تاريخه بالدمع وليس بالفرح. وربما كان هذا صحيحا لدى بعض الشعوب التي تكتب تاريخها بالمآسي، وتحتفل بذكرى تلك المآسي بطقوس يفيض فيها الألم والبكاء، إلا أن الفرح يبقى نسيج الحياة ونسغها، وهذا الفرح يعتمد على مثلث الوقت والعافية والمال باعتباره قاعدة السعادة، ويضيف إليه الحب بكل أهواله ومشقاته. وفي هذا تقول رواية تحمل عنوان "ليبق فرحي دائما" إن أهالي إحدى القرى الجبلية كانوا يعملون على إنتاج محاصيلهم بشكل جماعي، وبالتالي فقد كان لديهم فائض من الوقت والمال والعافية، ورغم أنهم لجأوا إلى زراعة الأزهار والورد بعد أن فاضت محاصيل الخضار والحبوب لديهم، إلا أن هذا لم يستهلك الفائض من وقتهم، وهنا قرروا أن يقوموا بمساعدة غزلان جبلهم على ممارسة الحب، وذلك أن الغزلان الذكور كانت تعيش في قمة الجبل بينما تعيش الإناث في سفحه، وفي موسم الحب كانت الغزالة الأنثى تطلق رائحة المسك من جسدها فيكاد الذكر يفقد توازنه ويندفع من قمة الجبل، غير عابئ بالصخور والشعاب، باتجاه الوادي، وكان الكثير من الذكور تفك رقابها وهي تحاول تلبية نداء الحب، ومن هنا فقد نظم الأهالي حملة شعبية كاسحة، أمسكوا خلالها بذكور الغزلان وحملوها إلى الإناث في سفح الجبل، غير أن ما جرى بعد ذلك فاجأهم، إذ إن إناث الغزلان توقفت عن إرسال رائحة المسك التي كانت بمثابة رسائل حب، وهو ما أدى بدوره إلى "برودة" الذكور، فتوقفت عن ممارسة الحب، ولم يعد أمام الأهالي من خيار إلا إعادة الذكور إلى رأس الجبل لتجرب حظوظها في الحب أو ...الموت فرحا.

ولعل في أمثال هذه الرواية ما يفيد بعض المربين وواضعي المناهج المدرسية الذين يتفننون في تنكيد حياتنا وحياة أطفالنا بالحديث عن شقاء الإنسان وعذاب القبر وأهوال السعير. ويحاولون جهدهم اقتلاع الابتسامة من شفاه أطفالنا باعتبارها من الكبائر، ويجعلون من الوجه الكالح والعابس مثلا أعلى في الدنيا كما في الآخرة، فيمهدون بذلك الدرب أمام حكم الطغاة الذين تقتصر مهمتهم على اقتلاع الفرح من حياة الشعوب، وتعميم "البرودة" في العلاقات الإنسانية بحيث يصبح المواطن الصالح عاجزا حتى عن.. الحب.!

 

أنور الياسين