عزيزي العربي

عزيزي العربي

تفاعلاً مع استطلاع يافا: هوية عرب يافا.. مستلبة
السيد رئيس تحرير مجلة العربي
تحية طيبة وبعد،

أنا واحد من مدمني قراءة مجلة العربي الغراء منذ عددها الأول، وما زلت أحتفظ بها كذخر ثقافي ومعرفي.. ما إن تلقيت عددكم الأخير (يوليو 2011) وفيه استطلاع عن مدينتي الحبيبة يافا التي هجرتها عام 1948 حتى انكببت على قراءة الاستطلاع بشغف ولهفة، إذ إنني مسكون بيافا وأتحرق شوقا لمتابعة أحوالها، فالشكر كل الشكر لكاتبي الاستطلاع الدكتور تحسين يقين والشاعر عبدالحكيم جاموس على ما بذلاه من جهد واضح في إبراز معالم يافا وتاريخها العريق، وإبداء الألم على ما آلت إليه من بؤس وعذاب، وما ألحقوه بأهلها من فقر وضياع واستلاب لهويتهم العربية.

لقد تمنيت لو أن هذين الكاتبين الفاضلين أكملا لنا الصورة عن صمود أهلنا في يافا، وكفاحهم المتواصل رغم تعرضهم لأبشع ألوان القهر والتنكيل، مما زادهم صلابة وتحديا، وتشبثا بوطنهم وهويتهم.. وإن النفر القليل الذين قابلهم كاتبا الاستطلاع، والذين أحجموا عن الكلام رهبة، وتهربوا من الإجابة عن أي من الأسئلة، لا أشك أن هؤلاء المهمشين قد مروا بتجارب مرعبة مع جلاديهم.. وأما الذين ورد بعض الحديث على ألسنتهم فكانوا ثلاثة.. أولهم إمام المسجد الذي تحدث بود مكتفيا بالسؤال عن أهلنا في الضفة الغربية! والثاني كان بائع كعك اكتفى هو الآخر بالافتخار بكعك يافا على غيره! والثالث كان صياد سمك طاعنا في السن لم نسمع على لسانه إلا المفاخرة بسمك يافا والتحسر على ميناء يافا أيام مجده وعزه، قبل أن يتم إغلاقه منذ 42 عاما.. وبالنسبة لما ذكره الأديبان الفاضلان عن زيارتهما للمسرح العربي اليهودي في يافا ومشاهدتهما بروفاته بالعبرية من دون أن يتبينا العرب من اليهود، فالواقع أن هذا المسرح تابع لبلدية تل أبيب يافا وغاياته معروفة، حيث إن المخطط الصهيوني يرمي إلى طمس الشخصية العربية، وخاصة في المدن المختلطة، وهذه المدن هي يافا، حيفا، عكا، اللد والرملة. ولابد لي أن أوضح هنا أنه جرى في بداية الخمسينيات من القرن الماضي محاولة إقناع أهلنا في فلسطين، الذين كانوا معزولين تماما عن محيطهم العربي بكتابة «اللهجة الفلسطينية المحكية» بأحرف عبرية بدلا من العربية الفصحى وأحرفها! وبالطبع لم ينخدع أهلنا وقاموا بدفن هذا المشروع في مهده.. بقي أن أذكر لكم أنه يوجد في يافا مسرح ذو صبغة عربية أصيلة، واسمه «مسرح السرايا العربي» ويعمل على إدارته الفنية حيفاوي رفيع الثقافة هو الأستاذ/ أديب جهشان.

كم وددت لو أن كاتبي الاستطلاع، اللذين أكن لهما كل إعجاب وتقدير، قاما بلقاء بعض مثقفي يافا؛ وهم كثر، ولديهم الجرأة والشجاعة على الحديث المستفيض عن معاناتهم وطموحاتهم.. وكان ذلك ميسورا لهما للغاية لو أنهما عرجا على أحد أو بعض الأماكن التالية: عيادات الأطباء، مكاتب المحامين، الصيدليات، حوانيت التجار البارزين في يافا، بالإضافة للأندية والجمعيات.. وعلى رأس هؤلاء هناك «الرابطة لرعاية شئون عرب يافا» وهذه الرابطة تعرف نفسها بأهدافها المعلنة كما يلي:

الحفاظ على الوجود العربي الفلسطيني في يافا، كأقلية عربية فلسطينية لها احتياجاتها الخاصة، وكذلك الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية للمدينة.. ومن أهدافها أيضا رفع مستوى التعليم من خلال تحسين أوضاع المدارس وزيادة عدد الأكاديميين.. ومن إنجازاتها قيامها بالتوجه للمحكمة العليا كلما دعت الحاجة لانتزاع ما يمكنها انتزاعه من حقوق.. ونذكر على سبيل المثال إفشال مشروع هدم بناء السرايا التاريخية الشهيرة، والعمل على إعادة ترميمها بتأييد عالمي من اليونيسكو.. ونذكر أيضا حماية250 منزلا في حي العجمي كانت في طريقها للهدم، حيث قام ساكنوها بإعادة ترميمها بتمويل من مؤسسة «تعاون» الفلسطينية التي تنشط في دعم أهلنا في الداخل.

كما قامت الرابطة عبر تاريخها الطويل منذ العام 1979 بإعادة ترميم المساجد وخاصة مسجد يافا الكبير، وكان آخرها جامع السكسك الواقع في وسط يافا والذي تم تحريره قبل عامين ونيف من براثن الحارس على أملاك الغائبين، بعد أن كان مؤجرا كمصنع للبلاستيك!

ولابد لنا أخيرا أن ننوه بما يلي من إنجازات الرابطة:

1- مشروع دار الأسرة والطفل العربي.

2- المركز الثقافي العربي (مكتبة وغرفة حاسوب وقاعة محاضرات).

3- مطبعة يافا/ إسناد اللغة العربية.

4- مشروع صيانة وإعمار المساجد.

5 - تأسيس مدرسة يافا العربية الديمقراطية عام 2004.

وبالطبع فإن هذه المشاريع تلقى الدعم المادي والمعنوي من أهلنا في الداخل.. ومن فاعلي الخير في الشتات من أبناء يافا الأوفياء، وأخص بالذكر صندوق يافا الخيري بالكويت، ولجنة أصدقاء يافا في عَمان بالأردن. كما أن هناك جمعيات خيرية وثقافية أخرى في يافا تنشط جميعها في أعمال الخير والحفاظ على الهوية العربية بإصرار وعناد، وأهمها بالطبع الجمعية الأرثوذكسية التي تمتاز بعراقتها، إذ تمتد جذورها إلى ما قبل نكبة فلسطين عام 1948.

أكرر الشكر والتقدير لمجلتنا الزاهرة «العربي» وللأديبين الفاضلين، الدكتور تحسين يقين والشاعر عبدالحكيم جاموس.. والسلام عليكم.

تحسين علي الكريدلي - الأردن

  • تعقيب من «العربي»

ستتابع «العربي» التنقيب ونشر كل ما تصل إليه من معلومات تؤكد حيوية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ولتأكيد حقوقهم وعروبة يافا وغيرها من المدن الفلسطينية، والوطن الفلسطيني كله، ونشكر الأستاذ تحسين على هذه المعلومات، و«العربي» على استعداد لنشر ما يصلها من الداخل الفلسطيني وكل ما يدعم هذه الجهود التي لن تتوقف.

  • تعقيب

تعقيبًا على مقال «اكتشاف الماء في الكون» للدكتور علي حسين عبدالله المنشور في العدد 632 - يوليو 2011 في الصفحة 159 أود أن أذكر النقاط التالية:

- ورد أن ذرة الهيدروجين تملك إلكترونا واحدا ويملك الأكسجين 16 إلكترونا، والصحيح أن ذرة الأكسجين تملك 8 إلكترونات توضع حول النواة في طبقتين رئيسيتين، تحوي الطبقة الأولى 2 إلكترون والطبقة الثانية 6 إلكترونات.

- ورد في المقال أيضًا: وبما أن عدد الإلكترونات التي تحيط بالهيدروجين أقل من التي تحيط بالأكسجين لذلك تكون الإلكترونات جدارا غير سميك حول نواة الهيدروجين فتكون المحصلة النهائية لذرة الهيدروجين تأثيرا موجبا، أما إلكترونات الأكسجين فتشكل طبقة سميكة حول نواته فيكون الطابع الغالب على الأكسجين الشحنة السالبة. والصحيح أن الذي يحدد كهربائية ذرة العنصر هو ميلها لفقدان أو اكتساب إلكترونات إلى الطبقة السطحية ليكتمل عدد إلكترونات الطبقة السطحية إلى 8 إلكترونات (ما عدا الهيدروجين الذي تكتمل طبقته الوحيدة بإلكترونين).

- ورد في الفقرة نفسها أن هذا الاختلاف في الشحنة بين الهيدروجين والأكسجين في جزيء الماء يؤدي إلى وجود تجاذب خفيف بينهما وهو ما يسمى برابطة الهيدروجين. والصحيح أن الرابطة في جزيء الماء بين الهيدروجين والأكسجين هي رابطة تشاركية قطبية فيوصف جزيء الماء بأنه جزيء قطبي. أما الرابطة الهيدروجينية فهي التي تنشأ بين جزيئات الماء المتجاورة، حيث يتم التجاذب الكهربائي بين الهيدروجين الكهرجابي من الجزيء الأول وبين الأكسجين الكهرسلبي من الجزيء المجاور، وبالتالي فإن الرابطة الهيدروجينية تؤدي إلى تجمع (تكدس) جزيئات الماء مع بعضها بعضا، وبالتالي فإن الماء يكون بالحالة السائلة في الدرجة العادية من الحرارة، بالرغم من كتلته الجزيئية المنخفضة بسبب إمكانية تشكل الرابطة الهيدروجينية بين جزيئاته ولولا هذه الرابطة لكان الماء بالحالة الغازية في الدرجة العادية من الحرارة.

محمد فتحي عبد الحق - سورية

أنا والشيخ مسعود ومجلة العربي

الأستاذ الدكتور سليمان إبراهيم العسكري المحترم
تحية معطّرة بأريج الإعجاب ومؤطرة بمعاني الاحترام.

أحييكم، وأنا أجد في نفسي رغبة في الكتابة إليكم، وإعجابًا بما قدمتموه للقارئ العربي، كما لا يخالجني شك في أن أكون محقًا عندما أرى أن مجلة العربي احتضنت البيئة التي يتنفس فيها المثقف العربي الجو المعافى. وهذا هو الضمان لديمومتها، ولأنها شديدة اللهفة إلى كل عمل جاد وجديد، لإطلاق قوة تقدمها من عنانها، وتقديم كل ما تتسع له الإمكانيات الحديثة لقرائها.

لذا ليس ثمة مناص من الكتابة إليكم، حول علاقتي بالمجلة وعلاقة الآخرين بها، على مدى خمسين عامًا أو أكثر.

أخي العزيز الأستاذ الدكتور سليمان العسكري: هذا هو السبب الذي دعاني لأخص مجلة العربي الغرّاء بالمقال الذي بين يديك.

أليس لي حق على المجلة التي عشت معها أكثر من خمسين عامًا في أن تنشر مقالتي؟ أم أن النشر فيها للعناوين الكبيرة والمعروفة فقط؟!

ما أكثر المواقف التي يعيشها الإنسان في حياته، إلا أن بعضًا منها لا تستطيع السنون أن تنال منها، بل تبقى في الذاكرة ما عاش الإنسان سواء أكانت حلوة أم مرة. ومواقفي مع مجلة العربي - وما أكثرها - حلوة جميعها، حتى التي كادت أن تضعني في دائرة المساءلة أمام السلطات التي تعاقبت على حكم العراق منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

فالموقف الأول، ساحة «أم البروم» التي تتوسط منطقة العشّار بمحافظة البصرة، الساحة التي خلدها الشاعر الكبير بدر شاكر السياب بقصيدة حملت اسمها، رجل يتخذ من جهتها الشرقية، عند مدخل شارع «المغايز» الموصّل بين الساحة وشارع الكويت، مكانًا لبيع الصحف والمجلات. يحييه والدي بتحية الإسلام، ويسأله عن المجلة، وقبل أن يذكر والدي اسم مجلة العربي، يبادره البائع قائلا: فهمت أنها مجلة العربي الكويتية. نعم، وكيف الحصول عليها؟ احجز نسختك بالاشتراك - قالها من دون أن يرفع رأسه - شرط أن تأتي في اليوم الثاني من كل شهر صباحًا.. وإلاّ طيب، هذا هو بدل الاشتراك فيها لمدة نصف سنة.

وحل اليوم الموعود، اليوم الثاني، من يذهب؟ والدي خارج المحافظة بمهمة تخص عمله، تطوعت والدتي - وبدل أن تذهب إلى البيت، جاءت إلى المدرسة، وحلّت ضيفة على مديرها. ما الأمر؟ لا شيء، هذه مجلتك - وكنت يومذاك في الصف الخامس الابتدائي، ليتجمع حولها معلمو المدرسة، والمجلة تنتقل من يد إلى أخرى. يطبع معلم اللغة العربية الأستاذ علي السعودي قبلة حارة على خدي، مازلت أشعر بحرارتها رغم السنين الخمسين التي مرت عليها، وذلك لصدقها ولحبي لهذا المعلم الذي كان يكسب نفوسا تتعلق به، وقلوبا تتجمع حوله ولأنه أيقظ مشاعرنا، وأحيا عقولنا، وملأ نفوسنا حياة، بعد أن أرشدنا إلى الطريق الصحيح.

فلا والله ما هاجرت حتى
تعبتُ ولم أجدْ من ذاك بدا

نعم، هاجرت إلى القطر الليبي الشقيق لأعمل مدرسًا في إحدى ضواحي مدينة سبها، بعد الحصار الذي فرض على العراق، جراء حماقة النظام الصدامي بحق دولة الكويت وأهلها - وأتعرف على شيخ حلّ عندي محل صديق تصلني به الهواية والحب الجارف لعالم الكتب، وطفقت أعرض ألواحًا من حياتي، أستعرض فيها حبي للكتب ولمجلة العربي خصوصا، فأحسست بأن خيوطا من المشاعر تصل بيني وبين هذا الشيخ، وتنقل إلى نفسي خلجات نفسه.

وتتجلى هذه الهواية في الدعوة لوليمة غداء في بيت هذا الشيخ. قرعت الباب، لم يجب أحد، فعالجت الرتاج، فانفتح من نفسه، ودخلت فإذا منظر لا أنساه ما حييت، غرفة مكتبة تشغل مساحة واسعة من الدار. أجلت فيها النظر، فإذا الكتب نسقت بحسب مواضيعها، وإذا المجلات أعدت إعدادا، تراءت لعيني كأنها رتبت حسب نظام ديوي المعروف في تنظيم المكتبات. ولم يترك هذا الشيخ جدارا ولا زاوية من زوايا الغرفة إلا ووضع فيها رفوفًا، فاستحالت إلى مكتبة تتدفق روعة وجمالا وليس في هذه الغرفة من أثاث غير الكتب والمجلات وغير صور للزعيم الراحل جمال عبدالناصر. وأعجب ما كان يعجب له الناظر في هذه المكتبة، هدايا مجلة العربي السنوية، وقد أطرت بأحسن ما تكون الأطر الذهبية والفضية بحسب لون الهدية.

وأقبلت على المكتبة أزداد منها دنوًا، حتى كاد أنفي يلامس زجاجها. وفجأت نظرت بعين البصيرة إلى المكتبة، فوقفت مبتهجًا، فأحسست بأن روحي انفصلت عن جسدي، وطارت فوق مجلة العربي، وتنفست مستنشقا رائحة ورقها المميز، فكاد يكون لنفسي صدى في هذه المجلة. فما أعرف مشهدًا أبهج إلى عيني وأدعى إلى التأمل من مشهد الكتب، حقًا إنها متعة عين وبهجة قلب، ورحم الله الجاحظ عندما قال مادحًا الكتاب: «ذلك الوعاء الذي ملئ علمًا وحكمة وموعظة».

وفجأة شعرت بخطوات عنيفة على مقربة مني - إلا أنه لم يرفع بصره إليّ، وأكبر الظن أنه آثر أن يديم النظر إلى كتبه، فلم أضمر له لومًا. وبدأ يتحدث عن تاريخ ليبيا ببساطة وشغف، مستوعبًا أيامها دون أن تصيبه زلة لسان، أو نسيان حادثة، أو وطأة عمر مديد، أو ترجيح كفة من دون أن يشفعها بسمتها التي ترفعها في خط بيانها الخصيب، وانتمائها الشرعي الصحيح من التاريخ.

سرت إلى النفس غبطة، عندما قال وهو يشير إلى ركن مجلة العربي: «هذه هي تحفة أهل الكويت إلى العالمين العربي والإسلامي، وهذه تحفة أخرى من هذا البلد الصغير بمساحته الكبير بعطائه.. ويعني مجلة «عالم الفكر».

أما أنا، فكأني أناشده أن يحقق لي مأربًا عزيزًا عليّ، فصبرت وتجملت بالصبر، ثم جاءت اللحظة التي يعيا اللسان فيها ليتكلم، وبرقة الذهن قبل المخاطبة - كما يقول الجاحظ - وجدت نفسي أفكر في شيء ما، كما يفكر الصب المستهام فيمن سرقت لبّه. ولإشفاقي على نفسي من أن أكون مردودا في الاستعارة، أخذت أردد قول الشاعر عبدالمحسن الكاظمي وأستوحي من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرحل بين يدي حاجته يستنزل بها الكريم».

روحي وما ملكتْ يدي
لك يا حبيبَ القلب تهدي

ومن أراد الوصول فليلتمس له مركبًا يصل به إلى حيث يريد، ومركبي الذي أتيت به مضيّفي، هو اللفظ الكريم والمعنى الشريف، وما يجب لكل مقام من المقال.. لذا سعيت جاهدًا إلى احتواء هذه الدلالات بخاصها وعامها، حتى لا أكون أمامه ذا محصلة محدودة بالسؤال الآتي: ما الذي تصبو إليه من ضيافتك لي؟ ولكن سؤالا من هذا النوع، كان جوابه حاضرًا في ذهن الشيخ. قال: يابن أخي، أرى أن تجانب الإفصاح في مواضع الحقيقة، أفضل لك من الكناية عنها، لأني أعرف ما يجول في خاطرك الساعة.

وترامى إلى سمعي صوت الشيخ، وهو يقول لي: انظر، أما قرأتَ هذين البيتين؟! وأشار بيده إلى لوحة مؤطرة بإطار فضي كتب عليها بيتان من الشعر بخط جميل:

ألا يا مستعيرَ الكتب عني
إنّ إعارتي للكتب عارُ
فمحبوبي من الدنيا كتاب
فهل أبصرتَ محبوبا يعارُ؟!

واستطرد قائلاً: إنهما لابن مدينتك البصرة. مَنْ؟ إنه الشيخ عبدالقادر باشا أعيان العباسي رحمه الله، وهما منشوران في مجلة العربي باستطلاعها عن البصرة ومكتبة هذا الشيخ قبل أكثر من أربعين عامًا.

قلت له: إنك أحكمتَ عليّ الحصار بهذين البيتين. حينها أدركتُ أن ذا النفس الكبيرة أبعد الناس عن التباهي بأي شيء، لكن شيخنا يتباهى بأن له مثل هذا الكنز الكويتي.

وأخيرًا، ليس ثمة مناص من الاعتراف علنًا، والإفصاح عما في مكنونات نفسي طواعية، بأني ممن يستبقون الخطو نحو أقرب مكتبة لاقتناء مجلة العربي منذ أكثر من خمسين عامًا، عندئذ يخيّل لي، بأني فزت بمحبوبتي قربا وامتلاكا.

أما الشيخ مسعود عبدالرحمن، الذي فتح لي باب قلبه، قبل أن يفتح باب مكتبته، فله مني الدعاء بالعمر المديد، ومن الله التوفيق وأقول له: إن الثقافة لا تقاس بشهادة، بل بخبرة الحياة الطويلة، وبصحبة خير الجلساء، والبحث عن المعرفة، وإظهار المعنى بوضوح الدلالة وصواب الإشارة.

هذا هو الموقف الثاني مع «العربي» الكويتية، ويا له من موقف.

سعد عبادي أحمد - العراق