جمال العربية: لغةُ وإبداعُ لغة دَقْرَطة ومَقْرَطة
من البحوث اللغوية الطريفة التي قامت بها لجنة الألفاظ والأساليب في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، البحث الذي تقدم به عضو اللجنة وعضو المجمع الدكتور محمد حسن عبدالعزيز، وكان عنوانه: «دقرطة أم مقرطة أم ماذا؟ أي»: جعله أو صيّره ديمقراطيًّا.
ويستهل البحث المقدم بقوله: انتشر في هذه الأيام الحديث عن الديمقراطية وضرورتها في تحديث العالم العربي والإسلامي، وعن محاولات الولايات المتحدة, خاصة لفرض نوع من الديمقراطية الغربية على العالم العربي، بغض النظر عن ملاءمته أو مخالفته لثقافة عالمنا العربي وهُويَّته.
وذاع بين الناس كلمة دمقرطة أو دقرطة أو مقرطة ترجمة للكلمة الأجنبية Democrartizstion التي تعبّر عن هذا المعنى، واشتقوا منها فعلاً Democratize ,to make or to become Democratic بمعنى: يجعله أو يصيّره ديمقراطيًّا.
ولما كانت الترجمة طويلة، والتكافؤ بين اللغتين يقتضي ترجمة الكلمة بكلمة لا بجملة، فقد ذاع بينهم قولهم: يدقرط، أو يمقرط. فما القول في هذا الاستعمال؟
أجاز المجمع اشتقاق الاسم الجامد المعرّب من غير الثلاثي على «فَعْلَل» ولازمه «تَفعْلل».
وبتطبيق هذا القرار على الاستعمال المعروض تبين أنه:
لا يجوز اشتقاق فعل خماسيّ «دمقرط»، فلا تعرف العربية فعلاً خماسيّ الأصول حتى نقيس عليه، وليس سائغًا لذلك أن نأخذ منه المضارع ونشتق منه صفات.
يجوز اشتقاق الرباعي وتصريفه بيسر، كما يقضي بذلك قرار المجمع، فنقول: دَقْرَط ومقرط، بيد أني أرجِّح الأولى، لأنها تبدأ بأول حروف الكلمة الإنجليزية وتذكّر بها، وهو المعهود في أمثالها مما عُرّب حديثًا، مثل: تلْفن، وأمْرَكَ، وبلْقنة، وبلْشفة، ومَكْيجَة...إلخ.
وقد أجازت اللجنة ومجلس المجمع ومؤتمره استعمال لفظي «دَقْرَطة ومقرطة» بمعنى جعل الحكم ديمقراطيًّا، حيث يشيع على الألسنة والأقلام من محدث الكلام قولهم: مَقرْطَ الحكم أو دقرطه، أي جعله أو صيّره ديمقراطيًّا. ولا مانع من هذا الاستعمال، لأنه يجري على قاعدة أقرّها المجمع بجواز الاشتقاق من الاسم الجامد المعرّب من غير الثلاثي على «فَعْلَلَ» متعدِّيًا، وعلى «تَفعْلَل» لازمًا.
تترَّسَ بكذا وتمتْرسَ بكذا:
كما تقدم الدكتور محمد حسن عبدالعزيز ببحث آخر عن هذين التعبيرين يقول فيه: مما يشيع على ألسنة المحدثين وأقلامهم تعبير: «تترَّس بكذا» أي توقَّى به وهذا مما جاء في المعاجم. ولكنهم يقولون أيضًا: «تَمتْرس» في المعنى نفسه.
وفي اللسان والتاج: تترَّس بالتُّرسْ، أي: توقَّى، وحكى سيبويه: اتَّرسَ، إذا توقَّى بالتُّرْس.
وفي الأساس: تترَّسْتُ من نِبال الزمان. ولم تنقل المعاجم غير هذين الفعلين.
وفي المعاجم: الترس من السلاح: المُتوقَّى به، وجمعه: أتراس، وتِرَسَة. والمِتْرَسُ: التُّرْس. والجمع: متارس. وجاء في الوسيط: المِتْراس: ما يوضع في طريق العدوّ لعرقلته، والجمع: متاريس.
ولم ترد «تمتْرسَ» في المعاجم، ويُعترض عليها، لأن الميم فيها عُوملت توهُّمًا على أنها أصلية، ولم يُنقل غير هذين الفعلين.
وقد جاء في القديم: تمسكن، وتمدرع، وتمنطق، وتمندل، وتمخرق، من المسكنة والمِدْرَعة والمنطقة والمنديل والمخرقة.
وأضاف الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية السابق في كتابه «تيسيرات لغوية، ص 98 102» إلى هذه الأمثال الستة التي ذكرها ابن جني أربعة أمثلة وردت في المعاجم القديمة هي: تمرأى، وتمرفق، وتمكحل، وتموْلى.
وتوسّع المحدثون في استعمال هذه الصيغة، فقالوا: تمركز وتمحور وتمخطر وتمفصل... إلخ، الأمر الذي دعا المجمع إلى إجازة ما جاء على وزن «تَمفْعلَ» من أفعال.
وأجازت لجنة الألفاظ والأساليب ومجلس المجمع ومؤتمره ما عرضه الدكتور محمد حسن عبدالعزيز، وكان قرارها: ترى اللجنة إجازة تعبير تترَّس بكذا وتَمتْرسَ به بمعنى: توقَّى به.
حمزة شحاتة
الشاعر السعودي حمزة شحاتة وشعره، صفحة لها تفرّدها وخصوصيتها في ديوان الشعر السعودي الحديث والمعاصر. هنا مذاق مختلف لشاعر مختلف متمرد، ثائر على القيود والمواضعات، ساخر من زمانه وأحداثه وشخوصه، منفتح الوجدان على ما في الحياة من مرارات كثيرة وأفراح نادرة، مغموسة الريشة دومًا في قارورة المعاناة واللهب الخلاّق، الذي يشعل حرائقه فيما يُشكّل قصائده وترانيمه ولوحاته وملاحمه، في شعر عامر بالحساسية، متوهج بالعرامة والكبرياء.
حمزة شحاتة شاعر جدة، الذي أبدع لها أجمل ما قيل فيها من شعر، وشاعر بولاق في القاهرة- الحيّ الذي ارتبط به وبفاتنته فألهمه أروع قصائده في الحب والانعطاف الإنساني والانحناء أمام الجمال، جمال النفس والروح، وجمال السّمْت والتشكيل.
وفي قصيدته «يا فتنة النهر» نموذج رائع لتغنيه بهذه الجميلة التي يسميها شمس بولاق، والتي تنتسب في الآصرة المصرية إلى آمون رب الشمس الذي عبده المصريون القدماء، أول شعوب الأرض انشغالاً بالتوحيد، الذي جاء به إخناتون، وهي قصيدة تذكرنا بكافية الشريف الرضيّ: وزنًا وقافية وبوْحًا، وقدرة على تجسيد السرّ المنطوي، والعزلة، ومنْحة الليل، وأسطورة الجمال، وأسباب السحر التي تشكِّل الجمال، والنجوى الظامئة، وملاهي الحور في ملاعبها الراعشة الأضواء، فتنة بعد فتنة، وصورة جمال بديع بعد صورة جمال، وتحليق في آفاق شعرية بلغ بها الشعر السعوديّ ذروته وأسمى تجلياته.
وفي الطريق الذي عبّده الشريف الرضي حينما قال:
ثم مضى فيه شوقي حين أبدع قصيدته في «زحلة» مغايرًا البحر الشعري من البسيط إلى الكامل وملتزمًا بقافية الشريف الرضيّ وهو يقول:
وصولاً إلى قوله:
ومن بعدهما جاء علي الجارم مواصلاً نهج شوقي وزنًا وقافيةً وهو يقول:
في هذا الطريق الطويل الممتلئ بالغنائية والشجن وترجيع النغم والاتكاء على الكاف الوارفة الظلال المحتضنة لجمال البيت الشعري والهاجعة في ختامه، تجلّت شاعرية حمزة شحاتة وهو يقول عائدًا إلى البحر الشعري الذي خاض عبابه الشريف الرضيّ وارتاح إلى موسيقاه:
***
***
***
***
***
***
وفي ختام قصيدته الطويلة يقول حمزة شحاتة:
ويبقى عطر حمزة شحاتة من بعده في شعره، دالاًّ على انتمائه لرومانسية الشعر في مصر التي عاش فيها الشطر الأكبر من شعره وفي العالم العربي، ولقد كان وهو في مصر قريب الأنفاس من إبراهيم ناجي وعلي محمود طه والهمشري ومحمود حسن إسماعيل وأحمد رامي وغيرهم من الرومانسيين العظام.