إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

قد تكون وردة

«لا أستطيع أن أكتب الآن»، هكذا يرد عليك أي مبدع تسأله عن آخر إنتاج له بعد ثورة 25 يناير في مصر، وباستثناء السينمائيين التسجيليين، وبعض عروض المسرح التوثيقي السياسي لا تجد شيئا ذا بال يمكن أن يستوقفك سواء في ساحة الشعراء أو الرواية أو القصة أو السينما أو المسرح.

يبرر المبدعون هذه الاستجابة المتأنية لحدث كبير مثل ثورة 25 يناير بحاجتهم إلى مسافة زمنية كافية لاستيعاب ما حدث، خاصة أن غالبية كبيرة منهم وهم المبدعون الشبان كانوا قد شاركوا على نطاق واسع في أعمال الثورة، وباتوا في الميادين وكتبوا الشعارات ومارس بعضهم فنونه في أوساط الثائرين، فكتبوا الأشعار وقرأوا أشعار الآخرين وغنوا أغنيات الشيخين درويش وإمام عيسى، وأنشأوا علاقات حميمة مع بشر لم يعرفوهم من قبل واستهلكوا في هذه المشاركة طاقة هائلة بذلوها بكرم وحب.

«إن رياح الثورة تطفئ شعلة الإبداع» هكذا قال الكاتب البريطاني أوسكار وايلد أحد مؤسسي مدرسة «الفن للفن» الذي أضاف «إن الأدب لا يتأذى حين يترفع عن المشكلات الاجتماعية اليومية، بالعكس إنه بذلك يسمو ويدنو من غايته النبيلة في الرقي بالناس إلى قمة أوليمب الفن، لا النزول إلى حفرة الناس المهلكة».

وهكذا وضع أوسكار وايلد الثورة بين العادي واليومي وهو ما تكذبه الوقائع التاريخية عن العمل الثوري كذروة في حياة الشعوب تصعد بها إلى الأوليمب أو أبعد، كما تجاهل الأعمال الفنية الخالدة عن الثورات.

ولما كان العمل الثوري هو نفسه عملية صعود ذاتي من قبل ملايين البشر إلى قمة الأوليمب، فإنه صحيح تماما أن الحاجة للأدب والفن في هذه الحالة تتراجع لأن فعل البقاء ثم الارتقاء تجري ممارسته واقعيًا، وفعل الحرية الذي طالما كان حلم المبدعين يتحول إلى عمل يومي لطالما تشوقوا له.

يقول الكاتب الأمريكي بول أوسير: لم تعد الكتابة بالنسبة لي فعل حرية بل فعل بقاء «وهو قول يعبر بعمق عن البيئة التي يعمل فيها كاتب تتوافر له كل الحرية من دون أي قيود، فيصعد الهم الوجودي إلى مقدمة المشهد ليصبح فعل البقاء هو الحافز الرئيسي للكتابة بعد الحرية المتحققة فعلا».

وفي الميادين العامة في مصر مارس المبدعون الفعلين معاً الحرية والبقاء وبدا الأمر كأنه اكتمال عملي للمشروع الذي بدأه كل منهم حين دخل إلى عالم الإبداع.

ومن المؤكد أننا سوف نتلقى - ولو بعد حين -سيلًا من الأعمال المبدعة التي ترتقي إلى مقام الفعل الثوري وتحمل نبضه ورحيقه.. ألم يقل الروائي صنع الله إبراهيم «إن الثورة بالنسبة لي قد تكون وردة».
--------------------------
* كاتبة من مصر

 

فريدة النقاش