حديث الشهر

الطريق إلى السلام

أخطر النزاعات الإقليمية في العالم هو النزاع العربي الإسرائيلي الذي استمر حتى الآن نشطاً ما يقارب نصف قرن من الزمن، كانت له جذوره التاريخية قبل ذلك بما يساوي نصف قرن آخر.

أخطر النزاعات لأنه لم يقتصر على حروب عديدة بين إسرائيل وجيرانها العرب فقط - على الرغم من المعاناة والألم والخسائر البشرية والمادية التي تخلفها الحروب، وقد خلفت بالفعل من الألم الإنساني ما ينوء شعب واحد بحمله - بل لأن تأثيره امتد فوق ذلك أيضاً، ليؤثر في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلدان قريبة وبعيدة من النزاع، فسقطت دول وتلاشت أنظمة وظهرت أنظمة جديدة وتعددت الاجتهادات وصُرفت بلايين الدولارات وقُتل أو استشهد الآلاف من العرب وغيرهم في أثناء تصاعد وتائر هذا الصراع، الذي اختلف فيه أهله بقدر ما اختلف عليه الغرباء. وامتد تأثيره ليدخل كعامل من عوامل التكوين الثقافي والاجتماعي في العقل العربي طيلة أكثر من نصف قرن، كما تعدى هذا التأثير ليضغط على أفكار وتوجهات ويعيد صياغة رؤى ويسهم في تكوين شرائح وقوى اجتماعية برزت أو تلاشت في عديد من المجتمعات العربية.

وعند إيجاد بداية جسر لتسوية هذا النزاع فإن مستقبل العلاقات الدولية سواء أكانت بين العرب وغيرهم أو بين العرب وإسرائيل، أو بين إسرائيل وغيرها من الدول، سوف يتغير تغيراً جذرياً لم يكن متوقعاً أو محتملاً حتى لسنوات قليلة ماضية، وستشهد المنطقة عصراً آخر مختلفاً عن عصر نصف القرن الماضي.

وحيث إن النقلات التاريخية لا تأتي من فراغ فإن هناك أسباباً عديدة ومدخلات كثيرة أدت إلى الوصول إلى بوابة السلام في المؤتمر الدولي الذي انعقد في مدريد العاصمة الإسبانية التاريخية.

ومن مصادفات القدر أن تكون إسبانيا، التي شهدت أرضها منذ خمسة قرون مضت اضطهاد العرب المسلمين واليهود على حد سواء، بعد أن شهدت قمة التعاون الحضاري الإسلامي - اليهودي - المسيحي الذي استمر لعدة قرون، أن تكون من جديد ملتقى تاريخيا للعرب واليهود في ظروف أخرى ولأسباب أخرى مختلفة.

قلنا إن هناك أسباباً ومدخلات عديدة أوصلت الأطراف المعنية بتسوية النزاع إلى مؤتمر السلام في مدريد من بينها ما أعقب حرب أكتوبر 1973 من خطوات سياسية قادتها وقتها مصر - السادات، فقد وجدت مصر بقيادة الرئيس محمد أنور السادات أن استمرار النزاع العربي الإسرائيلي في الظروف والمعطيات التاريخية السائدة غير مقبول أو ممكن، ونظرت إلى النصر النسبي الذي حققته الجيوش العربية المتحالفة في حرب أكتوبر 1973 على أنه مرحلة جديدة يجب الاستفادة منها حيث برهنت تلك الحرب على أن القوة الإسرائيلية غير مطلقة. وحيث إن العودة إلى حلقة جديدة من الصراع المسلح تعني فيما تعنيه وضع المصادر الاقتصادية والبشرية والتنموية الشحيحة لبلدان المنطقة في حالة حرب طويلة تستنزف البقية الباقية من احتمالات تمويل التنمية، وفي نفس الوقت لن يحقق استمرار الصراع المسلح في المدى الزمني المعقول أية نتائج إيجابية.

وقد انقسم العالم العربي بعد تلك الخطوات الأولى، في طريق السلام المصري/ الإسرائيلي، إلى قسمين أحدهما مؤيد لتلك الخطوات عَاِلم بدوافعها ومتفهم لتلك الدوافع، والقسم الآخر رافض لتلك الخطوات، مسبباً رفضه بأسباب كثيرة بعضها عاطفي.

إلا أن التاريخ اتخذ مجراه وجرت مياه كثيرة في النهر العربي والدولي، فكانت للمفاوضات المصرية/ الإسرائيلية - رغم عسرها - نتائج ملموسة استطاعت مصر في نهايتها أن تعيد شبه جزيرة سيناء إلى السيادة المصرية وتحررها من الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن ذاك الطريق سهلاً أو ميسوراً، فقد كان على مصر أن تحارب باتجاهين: الأول هو ضد العناد والتسويف الإسرائيلي، وكانت قضية طابا أعلى مراحله وأشدها صعوبة. والاتجاه الثاني مع إخوة لها من العرب لم يستطيعوا وقتها فهم المسببات الموضوعية التي جعلت مصر تتخذ تلك الخطوات.

إلا أن نموذج المفاوضات المصرية/ الإسرائيلية ونتائجه وما تمخض عنه من دروس كان أحد الدوافع التي أدت في النهاية لجلوس العرب وإسرائيل إلى مائدة المفاوضات في مدريد في الشهر الماضي، وكان أحد أهم الدروس المصرية هو أن السلام يعني إنهاء حالة الحرب والتفرغ لحل مشكلات البناء والتنمية، ولا يعني بالضرورة قبول التأثير الإسرائيلي أو القطيعة مع العرب. ومن الأسباب الأخرى التي قادت إلى مؤتمر السلام في مدريد ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة في الاتحاد السوفييتي، فقد أدت الإصلاحات السياسية التي تمت في الاتحاد السوفييتي وفي أقطار أوربا الشرقية إلى انحسار الالتزام السوفييتي السابق بقضايا الشرق الأوسط، وقد تصاعد هذا الالتزام لأسباب مصلحية وأيديولوجية في إطار الحرب الباردة منذ صفقة السلاح المصرية/ التشيكية في وسط الخمسينيات، مروراً بصفقات السلاح المباشرة بين الاتحاد السوفييتي وأقطار عربية محيطة بإسرائيل وانتهاءً بالدعم العسكري والسياسي المباشر.

إلا أن ما قام به جورباتشوف في الاتحاد السوفييتي من إصلاحات سياسية واقتصادية وما رافقه وتلاه من سقوط "النظام القديم"؛ وهو التغير الجذري في حكومات دول أوربا الشرقية، وقيام ألمانيا الموحدة، ثم سقوط المحاولة الأخيرة لوقف عجلة الإصلاحات عندما فشل الانقلاب في موسكو في أغسطس الماضي، كل ذلك أدى إلى تأكيد التيار الزاحف في عالمنا الجديد وهو أنه لا عودة إلى الماضي، وليس من مصلحة العالم أن ينقسم إلى قسمين متعارضين لهدف التعارض.

وقد قابل ذلك من طرف آخر زيادة في الالتزامات السياسية للولايات المتحدة. ومن الغريب أنه لسنوات قليلة مضت كان المحللون السياسيون يعتقدون أن عهد رونالد ريجان هو بمثابة نهاية عصر، ولكن تلك النهاية كان يُنظر إليها على أنها تدهور في قوة الولايات المتحدة. وقد تناولت الصحافة الأمريكية وعدد من الكتاب والمفكرين الأمريكيين مظاهر هذا التدهور، والإشارة هنا يمكن أن تتجه إلى كتابين أحدهما كتاب إلين بلوم "انغلاق العقل الأمريكي" والثاني لبول كيندي "صعود وسقوط القوى العظمى"، ولكن جاءت الوقائع لتؤكد نهاية عصر وبداية عصر جديد ولكنه عصر على عكس ما هو متوقع، عصر جاء بالولايات المتحدة الأمريكية لتقود العالم بلا منازع ولكن بطريقة جديدة ومختلفة.

الفلسفة الجديدة

يطيب للبعض أن يركن للمقارنة بين الحاضر والماضي فيتحدث مثلاً عن واقع العلاقات مع الغرب مقارناً لها مع الموقف الصليبي التاريخي بالموقف اليوم، أو بمقارنة موقف الغرب اليوم بالموقف الغربي الاستعماري في السابق، وهي مقارنة غير تاريخية، فالتحولات الكبرى التي حدثت في أوربا وأمريكا بعد "العصر الاستعماري"، وهي تحولات هيكلية في الداخل وفي الخارج، هذه التحولات تعود في جوهرها إلى حركة ديمقراطية واسعة وعميقة تطورت ونضجت في النصف الثاني من القرن العشرين، وجعلت من اتصال الغرب في مرحلتنا التاريخية مع الشرق الأوسط ليس اتصالاً استعمارياً بل اتصالا تنويرياً يعتمد على قاعدة حقوق الإنسان والديمقراطية وتوازن المصالح. وبالتالي فإننا أمام تشكيلة تاريخية جديدة تختلف عن تلك التي أوجدت الصراع في العصور الوسطى (الحملة الصليبية)، أو التي أوجدت الاستعمار في العصور الحديثة، وصعوبة اكتشاف هذا التحول لدى الكثيرين اليوم هو الذي يجعلهم لا يستطيعون فهم ما يجري حولهم ويقفون مشدوهين أمام تسارع الأحداث.

وليس باليسير اكتشاف التحول في العلاقة الجديدة بين الغرب والشرق إلا بسبر أغوار المجتمعات الغربية اليوم، كيف تفكر وكيف تتفاعل، وفهم الأبعاد التاريخية لهذا التحول من السيطرة إلى السلم والتعاون.

ولقد ساهم أخيرا بعض العرب في الوصول إلى مائدة المفاوضات في مدريد عن طريق فهمهم الصحيح للتحولات الكبرى الجارية حولنا وفي العالم. كما لا يزال البعض من العرب ينظرون من خلال المنظار القديم أو حتى الأقدم، وهم مشدوهون بما يحدث، نتيجة عقود من التثقيف الخاطئ والممارسات الخاطئة والمزايدات الكلامية.

مجموعة المدخلات التي وصفناها سابقاً هي التي مهدت للوصول إلى مقاعد التفاوض العربي - الإسرائيلي في مدريد.

العالم مع السلام

الدعوة لمؤتمر السلام في مدريد كانت دعوة مشتركة من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لكل من سوريا ومصر ولبنان والفلسطينيين والأردن وإسرائيل. كما مثلت الأمم المتحدة والسوق الأوربية المشتركة ومجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون المغاربي كمراقبين. الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يعتقدان أن [هناك فرصة تاريخية من أجل دفع عجلة السلام في منطقة الشرق الأوسط]. توجيه الدعوة على هذا المستوى وبهذه الأهمية، وحضور الرجل الأول في كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لافتتاح المؤتمر ورعايته يعني - ضمن ما يعنيه - تصميم العالم على هجر الصراع والبدء في مرحلة الوفاق.

وقد كانت إسرائيل منذ نشوئها تدّعي أنها [تتمنى] أن تتم مفاوضات مباشرة بينها وبين العرب، وكان العرب دائماً [يتمنعون] في الظاهر عن إجراء هذه المفاوضات، وعندما أوشكت هذه المفاوضات أن تحدث، كاد العكس تماماً أن يحدث أيضاً، فالعرب يقبلون وإسرائيل تضع شروطاً قاسية، ولكن المجتمع الدولي كان قد قرر وانتهى الأمر. المحادثات المباشرة مبنية على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338. القرار 242 - الذي أصبح أشهر قرار في تاريخ المنظمة الدولية، وكذلك في تاريخ منطقة الشرق الأوسط المضطربة صدر في سنة 1967 بعد حرب يونيو (حزيران) من ذلك العام بين العرب وإسرائيل، وقتها احتلت إسرائيل أرضا عربية تعادل ثلاثة أضعاف مساحتها قبل تلك الحرب المشئومة، وقد كان المؤمل أن تتقلص مساحة إسرائيل عندما بدأت الحرب فزادت هذه المساحة بعد أن صمتت المدافع. القرار يطالب [بانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أرض محتلة] وكذلك يؤمن حقوق [كل الدول في المنطقة أن تعيش بسلام في حدود آمنة ومعترف بها].

العرب والإسرائيليون بعد ذلك لم يصلوا إلى اتفاق لتفسير ذاك القرار خاصة في نقطته الأولى، فنحن اعتبرنا معنى ذلك القرار أنه يعني [كل الأراضي المحتلة] في الحرب، وإسرائيل تصر على أنها [بعض الأراضي]. المضحك أن مفهوم [كل] و [بعض] الأراضي تغير أيضاً مع الزمن، فعندما طُلب من الحكومة الإسرائيلية اليمينية تحديد ما تعنيه بمفهومها [بعض الأراضي] ردت أن [بعض] تعني تلك الأراضي التي قد أرجعت إلى العرب وهي شبه جزيرة سيناء!

قرار مجلس الأمن 338 اتخذ في أثناء حرب أكتوبر 1973، وطالب هذا القرار بوقف إطلاق النار - وقتها - وبتطبيق قرار 242.

قرارات أخرى لمجلس الأمن خاصة بالنزاع العربي الإسرائيلي يعود تاريخها إلى الأربعينيات، فهناك على سبيل المثال قرار مجلس الأمن رقم 181 الذي صدر في نوفمبر 1947، والذي وافق على خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين عربية ويهودية، والذي نشير إليه دائماً في أدبياتنا ب "قرار التقسيم".

وكذلك قرار مجلس الأمن رقم 425 الذي أصدره المجلس في مارس 1978 والذي يطالب إسرائيل بوقف العمليات العسكرية ضد [الأراضي اللبنانية، وأن تسحب قواتها العسكرية منها]. تطبيق هذه القرارات من جانب الشرعية الدولية هو حقل اختبار لحالة صراع نموذجية بها من التعقيد والتداخل الكثير، كما يقاس بها مدى قدرة النظام العالمي الجديد - من خلال دور الأمم المتحدة وقيادة الولايات المتحدة - على النجاح أو الفشل.

النظام الدولي الجديد مبني على قواعد محددة منها التطبيق الواضح والأكيد لقرارات اتخذها مجلس الأمن، وهذه القرارات مبنية بدورها على حقائق قانونية وتاريخية.

من هذه الحقائق عدم جواز الاحتفاظ بالأراضي التي اغتصبت عنوة بقوة السلاح، فالنظام الدولي يعطي من الحرمات للحدود الدولية ما لم يتوافر في السابق. فالنظام الدولي السابق تغاضى مثلاً، وبعضه اعترف بابتلاع جوزيف ستالين لدول البلطيق، كما كرس ذاك النظام منطقتي النفوذ السوفييتية والأمريكية في كوريا على جانبي خط العرض 38 ْ كدولتين مستقلتين، ودخل ذاك النظام في حرب عندما جرت محاولة لتعديل ذاك التقسيم في كوريا في سنة 1950، كما تغاضى ذاك النظام عن دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان، بل وعدّ ذلك أمراً واقعاً.

أما النظام العالمي الجديد فهو غير ذلك، لا يوافق على اختراق الحدود الدولية بقوة السلاح، حتى جمهوريات البلطيق التي مضى على (دمجها) زمن طويل استطاعت أن تحصل على استقلالها، وكان المثال الأوفى والأوضح في النظام الجديد رفضه القاطع لمغامرة صدام حسين ونظام بغداد عندما اجتاحت جحافله المدججة بالسلاح بلداً صغيراً وجاراً مسالماً هو الكويت.

الكويت وحل النزاع

لن يستطيع كاتب أو محلل أو رجل تاريخ أو سياسة يتعرض لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي منذ الآن وفي المستقبل أن يتجاهل دور الكويت وما حل بها وكيف عالجت الشرعية الدولية كارثة احتلالها وباختصار (مثالها) في الموقف الدولي تجاه النزاع العربي الإسرائيلي.

لقد مهدت دماء شهداء الكويت ودموع نسائها الثكالى وحسرة شبابها وعذابات "شيبانها" طريق السلام في الشرق الأوسط.

فقد امتحنت الشرعية الدولية في موضوع الكويت كما لم تُمتحن قط من قبل، فعندما كان العالم يتجمع باتجاه إقامة نظام جديد، جاءت مغامرة نظام بغداد الآثمة لتسرع بهذا التجمع:

أولاً: كي يقف أمام صلف نظام بغداد وعنته.

ثانياً: ليتولى تطبيق المبادئ الجديدة على جميع الدول بما فيها إسرائيل.

ومن المفارقات المؤلمة أن تكون الكويت هي أحد البلدان الرائدة في دعم نضال الفلسطينيين وقضايا العرب المصيرية، فقد وقفت بقوة مع حركات التحرير العربية في كل مكان من الجزائر إلى عدن وكانت قضية الكويت الوحيدة في المحافل الدولية هي القضية الفلسطينية، وقد تعاطف أهل الكويت مع حركة الانتفاضة الفلسطينية إلى أبعد الحدود فمدوها ليس بالدعم المعنوي والمادي فحسب، بل الإعلامي والبشري أيضاً.

وكان يدفعها في كل ذلك انتماؤها العربي والإسلامي وإيمانها بالحق ورفع ميزان العدالة.

وما قامت به الدبلوماسية الكويتية في هذا المقام يقصر عنه الحصر والوصف، فقد كانت سفارات الكويت في الخارج لها قضية واحدة هي القضية الفلسطينية، وتعرضت من جراء هذا الموقف إلى ضغوط ومضايقات تحملتها بفخر دون مِنَّة، لأنها آمنت كما آمن كل المخلصين من العرب بأن الموضوع الفلسطيني هو معيار الحق والعدل والسلام.

ومن المؤلم والمحزن أنه بعد كل تلك المواقف الصلبة والواضحة من الكويت وأبناء الخليج تأتي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كي تساعد وتدعو وتثير كل قواها السياسية والإعلامية وكوادرها النشيطة مع الباطل ومع نظام صدام حسين الذي عامل العراقيين معاملة دون مستوى البشر ثم انقض على الكويت والكويتيين ورَوَّع أمنهم وشتت جمعهم وقتل رجالهم واختطف نساءهم.

وكان موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من هذا الأمر الجلل فجيعة ما بعدها فجيعة، فقد وقفت ضد كل ما طالبت وتطالب به سياسياً وإعلامياً لنصرة قضيتها، وبررت من الأعمال العراقية في الكويت ما كنا وكانت تشجبه، من أعمال مثيلة تقوم بها إسرائيل وفي الأرض العربية المحتلة، وكان موقف هذه القيادات هو قمة الاستهتار وقصر النظر عندما ضربت بالمبادئ العظيمة عرض الحائط.

ومع ذلك كله فقد فرقت الكويت بين المنظمة وقيادتها وبين الأخيرة والشعب الفلسطيني، ووقفت رغم جراحها وألمها وحزنها على أبناء بررة غيّبهم النظام العراقي في سجونه، وقفت على المنابر العالمية تطالب بتحقيق العدالة للفلسطينيين، لأن العدالة لا تتجزأ.

الاستقرار

إن الاستقرار هو حجر الزاوية في النظام العالمي الجديد، والاستقرار مبني على العدل، فإن فقد العدل، فُقد الاستقرار. والتعايش بين الشعوب لابد أن يرسخ على قاعدة احترام حقوق الآخرين، والدروس التي خرج بها العالم من حرب تحرير الكويت من براثن نظام دكتاتوري بشع تصلح أن تُعمم. من هذه الدروس أن القوة العمياء لا تُحِقُّ حقاً ولا تديم باطلاً، وأن استقلال الدول والشعوب هو أمر مقدس يجب ألا يتطاول عليه أحد لأي سبب من الأسباب، وكذلك فإن حق الشعوب في العيش في أمان في ظل احترام لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية هو أهم معالم طريق النظام الدولي الجديد.

ومهما كان طريق السلام طويلاً وشاقاً، فإنه يستحق كل العناء الذي يُبذل من أجله، لأن الخيارات الأخرى محدودة ونتائجها غير مضمونة وطريقها وعر مليء بالألم والجثث والتعصب والقهر والفقر، وليس أمامنا خيار إلا طريق السلام.