النورس الأخضر أحمد محمد المعتوق

النورس الأخضر

شعر

فيما مضى كان هناك عند مَهبط الصباح
أريكةٌ من سندس وطائرٌ مهفَهف الجناح
كريشة خضراءَ في قرارة الضياءْ
يُوزع الشموع في القُرى
ويَعرشُ الكروم في السهول، كُلّ ليلة
يَمر بالبيوت هاتفاً كمزنة ندَية قراحً
فتحلم الطيور والصبايا
وتدفأُ الفراخُ، يرتقي الصغار أسطحَ المنازلْ
وعندما تَحينُ ساعة السحرْ
يَطيرُ نحوَ ركنها - كما يُقالُ -
صاعداً على سلالم الهواءْ
لشرفة من العقيق مَدّ حولها الفضاءْ
فتستفيقُ، تغزلُ الوشاح للحبيب أو تُمسّدُ الجَناحْ
بلهفة تضمهُ، تعال يا حبيبُ نَعرش الضياءْ
وثمّ يهتفان: زادنا، الرحيل
يا رفيقُ حانَ موعدُ السفرْ
وكانَ - مثلما حكَت طيورُ قرية قريبة من شاطىء النهارْ-
يَجيُء في المساء حَيثُ مركب الحبيب راسياً
ليُبحرَ الصباحَ باكراً يَنط من على سارية المساء نحو ركنه المباح
يَلتقطُ اللؤلؤ من مائدة النجومِ
يُسامرُ البحارةَ النشاوى
ويحتسي من ذائب الحياة في كؤوسهمْ
ونشوة بأغنيات ليَلهم
وقبل أن يطوفَ هاتفُ المسير
يهب يملأُ الدوارق الرحابَ بالنبيذ والعطور
وَيملأُ السلالَ بالبهارْ
يُرصّعُ الشواطىء الفساحَ بالمرايا
ويَنقشُ الصورة فوق مخملِ البحارِ من جديدْ
فتُبحُر المياهُ موجةٌ تدفٌ خلف موجة
ويخفقُ الشراعُ حول جسمه الصغير
النورسُ الغريبُ عادَ متعبا وموسمُ الشتاء
كمثلما الصدى الكئيب عادَ، لا شواطىء السكونْ
تعاقرُ النجومَ ليلةً
ولا الرمال حولَها تهَب للصباحْ
لا تهَم موجةٌ تَمد من ردائها ذوائباً لموعد الرواحْ
تَرنح الشراعُ والبحارةُ الرَفاقُ بُح صوتهم
وصَوّحت جداولُ النداءْ
في الليل عادَ أطفأ الشتاءُ زهوةَ الغديرِ
فلا يحومُ حولَ هدأة الغدير طائر
والطيرُ في السكون مُرعب مُولّه أسيرْ
والشمسُ لا تُطل من شُبّاكها الأسمرِ
أو تُلوّحُ المنديلَ من بعيدْ
زُمُرّدٌ حباتُه كـما الدموع على الرمال بُعثرتْ
براحة الأصيل
تَناثرتْ تبعثَر الضياءُ حولها
وماتزالُ لهفةُ الرحيل
تُؤرّقُ الضلوعَ كالصَراخ كالعويل
كما النهير أخضرُ تأرجحَ الغروبُ في ضفافه
النورسُ الغريبْ
سواعداً يمد للنهار من جَناحه، يناشدُ النهار
تعالَ نهارْ!
يناشد البحارَة النشاوى
ويسأل المساءَ حيثُ ملتقى النجوم هاهُناكَ في المساءْ
فَيرجعُ الصدى متعتعاَ مرنح الخُطى
تعالَ يا نهار تعال يا نهارْ.

 

أحمد محمد المعتوق 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات