حكايتان عن ثورة 1919 المثقف والباشا

حكايتان عن ثورة 1919 المثقف والباشا

‭ ‬الحكاية‭ ‬الأولى‭: ‬سلامة‭ ‬أفندي‭ ‬موسى

 

كان‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬سريعة‭ ‬لقريته‭ ‬بهنباه‭ ‬بالشرقية،‭ ‬المرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يزور‭ ‬فيها‭ ‬القرية‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬أوربا،‭ ‬أحسّ‭ ‬أنه‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬عالَم‭ ‬مختلف‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬لم‭ ‬تسعفه‭ ‬ذكريات‭ ‬الطفولة‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬إيجابي،‭ ‬وتحولت‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬صور‭ ‬زاهية‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬حلم،‭ ‬كأن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭.‬

كان‭ ‬جالسًا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أبيه‭ ‬على‭ ‬مقعده‭ ‬القديم‭ ‬نفسه،‭ ‬يراجع‭ ‬حسابات‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬ورثها‭ ‬منه،‭ ‬سمع‭ ‬صوت‭ ‬صراخ‭ ‬النسوة‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬خرج‭ ‬إليهن‭ ‬مسرعًا،‭ ‬كن‭ ‬ثلاثة‭ ‬نساء‭ ‬بسمرتهنّ‭ ‬المدبوغة‭ ‬وأجسادهن‭ ‬النحيلة،‭ ‬وخلفن‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تبدو‭ ‬عليهم‭ ‬علامات‭ ‬الجوع،‭ ‬صرخت‭ ‬واحدة‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬أخذوا‭ ‬رجّالتنا‭ ‬يا‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي،‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬أرضكم‭ ‬عندما‭ ‬انقضّوا‭ ‬عليهم‮»‬‭.‬

هتف‭ ‬مندهشًا‭: ‬مَن؟‭ ‬صرخت‭ ‬الثانية‭: ‬العسكر‭... ‬السُّخْرة‭. ‬في‭ ‬كلمتين،‭ ‬لخصت‭ ‬المرأة‭ ‬المأساة‭ ‬كلها،‭ ‬عادت‭ ‬السخرة‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬الجميع،‭ ‬الإنجليز‭ ‬يجمعون‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القرى،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ليعرف‭ ‬أين‭ ‬يذهبون‭ ‬بهم،‭ ‬أحسّ‭ ‬أنه‭ ‬مسؤول‭ ‬عنهم،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬أبيه،‭ ‬أرضه‭.‬

ارتدى‭ ‬ملابسه‭ ‬وأسرع‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬البوليس،‭ ‬لكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بطابور‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الفلاحين،‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬مربوطًا‭ ‬بحبال‭ ‬غليظة‭ ‬حول‭ ‬وسطه،‭ ‬وحولهم‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬يمسكون‭ ‬السياط‭ ‬ويسوقونهم،‭ ‬يلوّحون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬فتصدر‭ ‬حفيفًا‭ ‬مرعبًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يهووا‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬ظهورهم‭.‬

الكرباج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬اللورد‭ ‬كرومر‭ ‬يتفاخر‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬ألغاه،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬وحاجة‭ ‬قومه‭ ‬الإنجليز‭ ‬إلى‭ ‬الرجال‭ ‬جعلتاه‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الموبقات‭ ‬القديمة،‭ ‬السُّخرة‭ ‬والكرباج‭.‬

رأى‭ ‬رجاله‭ ‬الثلاثة‭ ‬بين‭ ‬المربوطين،‭ ‬تقدّم‭ ‬من‭ ‬العسكري‭ ‬وأخرج‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬النقود،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينجح‭ ‬دائمًا،‭ ‬لكن‭ ‬العسكري‭ ‬هزّ‭ ‬رأسه‭ ‬رافضاً‭: ‬لقد‭ ‬تأخرت‭ ‬يا‭ ‬أفندي،‭ ‬المأمور‭ ‬يعرف‭ ‬عدد‭ ‬الأنفار‭ ‬ويقف‭ ‬في‭ ‬انتظارهم،‭ ‬الطابور‭ ‬كلّه‭ ‬مربوط،‭ ‬لو‭ ‬فككنا‭ ‬عقدة‭ ‬واحدة‭ ‬سينهار‭ ‬كل‭ ‬شيء‭... ‬أنا‭ ‬عبد‭ ‬المأمور،‭ ‬اذهب‭ ‬وتفاهم‭ ‬معه‭.‬

لم‭ ‬يجد‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي‭ ‬بدًّا‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬مع‭ ‬الطابور‭ ‬حتى‭ ‬مركز‭ ‬البوليس،‭ ‬وهناك‭ ‬رأى‭ ‬المأساة‭ ‬بصورة‭ ‬أوضح،‭ ‬كأن‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬قرية‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الاستواء‭ ‬هبط‭ ‬عليها‭ ‬النخاسون‭ ‬واستولوا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬ليس‭ ‬البشر‭ ‬فقط،‭ ‬لكنّ‭ ‬المحاصيل‭ ‬والحمير‭ ‬والجمال‭ ‬أيضًا،‭ ‬ذُهل‭ ‬من‭ ‬كمية‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬أو‭ ‬اختطافهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القرى،‭ ‬أخذوا‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬العمل،‭ ‬لم‭ ‬يهمهم‭ ‬خراب‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬بوارها،‭ ‬ولا‭ ‬مئات‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬عائلها‭ ‬الوحيد‭. ‬كان‭ ‬المأمور‭ ‬واقفًا‭ ‬فوق‭ ‬مكان‭ ‬مرتفع‭ ‬كأنه‭ ‬إله‭ ‬وثنيّ‭ ‬قديم،‭ ‬يتدافع‭ ‬الرعايا‭ ‬عند‭ ‬قدميه،‭ ‬شعر‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي‭ ‬بالرهبة‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬منه،‭ ‬نظر‭ ‬المأمور‭ ‬إليه‭ ‬طويلًا‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬مرحبًا‭ ‬يا‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي‭... ‬سأله‭ ‬في‭ ‬دهشة‭: ‬هل‭ ‬تعرفني؟

قال‭ ‬المأمور‭: ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬والدك‭ ‬من‭ ‬الملاّك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأعرف‭ ‬أنك‭ ‬تكتب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭.‬

ازدادت‭ ‬دهشة‭ ‬سلامة؛‭ ‬وهل‭ ‬تقرأ‭ ‬لي‭ ‬أيضًا؟‭ ‬قال‭ ‬المأمور‭: ‬أحيانًا،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكذب‭ ‬عليك‭ ‬وأدّعي‭ ‬أنني‭ ‬أفهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تكتبه،‭ ‬أتابع‭ ‬القليل‭ ‬وأفهم‭ ‬الأقل‭.‬

قال‭: ‬عمومًا‭... ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جئت‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬قال‭ ‬المأمور‭ ‬ببساطة‭: ‬أعرف،‭ ‬جئت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬أخذناهم‭ ‬من‭ ‬أرضك،‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬للجميع‭ ‬يا‭ ‬أفندي،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭.‬

يتحدث‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬باستهانة‭ ‬وعفوية‭ ‬كأنه‭ ‬يؤدي‭ ‬مهمة‭ ‬بسيطة،‭ ‬قال‭ ‬سلامة‭ ‬منفعلًا‭: ‬لكنكم‭ ‬تخطفون‭ ‬البشر‭ ‬ضد‭ ‬إرادتهم‭.‬

ظل‭ ‬المأمور‭ ‬هادئًا‭: ‬إنها‭ ‬الأوامر،‭ ‬وأنت‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬أوامر‭ ‬الإنجليز‭ ‬لا‭ ‬تُردّ،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭.‬

مازال‭ ‬سلامة‭ ‬معترضًا‭: ‬أنتم‭ ‬هكذا‭ ‬تفرّغون‭ ‬القرى‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬وتقتلون‭ ‬الزراعة‭.‬

قال‭ ‬المأمور‭: ‬وماذا‭ ‬نفعل؟‭ ‬الإنجليز‭ ‬يجهزون‭ ‬لحملة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬أنفار‭ ‬يقومون‭ ‬بمد‭ ‬خط‭ ‬السكة‭ ‬الحديد‭ ‬عبر‭ ‬سيناء‭ ‬وتعبيد‭ ‬الطرق‭ ‬وتوصيل‭ ‬أنابيب‭ ‬المياه،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هنا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بمصر،‭ ‬وسيحدث‭ ‬طوال‭ ‬الحرب‭.‬

أوشك‭ ‬سلامة‭ ‬أن‭ ‬يُجنّ‭ ‬من‭ ‬الطريقة‭ ‬الهادئة‭ ‬للمأمور،‭ ‬صاح‭ ‬فيه‭: ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬جريمة،‭ ‬لقد‭ ‬أعدت‭ ‬السّخرة‭ ‬والكرباج،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬بذلك،‭ ‬سأفضح‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

حوَّل‭ ‬المأمور‭ ‬بصره‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬يا‭ ‬عسكري‭... ‬جاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واحد،‭ ‬أمرهم‭: ‬ضعوا‭ ‬القيود‭ ‬حول‭ ‬يدي‭ ‬الأفندي،‭ ‬سنرحّله‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬يفطن‭ ‬سلامة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬كان‭ ‬العساكر‭ ‬يحيطون‭ ‬به‭ ‬وهم‭ ‬يمسكون‭ ‬القيود،‭ ‬انصرف‭ ‬المأمور‭ ‬وتركهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفيق‭ ‬سلامة‭ ‬من‭ ‬دهشته‭ ‬أيضًا،‭ ‬كان‭ ‬العساكر‭ ‬قد‭ ‬قيّدوه‭ ‬بالفعل‭ ‬بسرعة‭ ‬واحترافية،‭ ‬ثم‭ ‬دفعوه‭ ‬وسط‭ ‬بقية‭ ‬الجموع،‭ ‬انتبه‭ ‬لبقية‭ ‬الفلاحين‭ ‬وهم‭ ‬يحيطون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬يشمّ‭ ‬رائحة‭ ‬عرَقهم،‭ ‬ويشعر‭ ‬بنبضات‭ ‬خوفهم،‭ ‬بحث‭ ‬بعينيه‭ ‬عن‭ ‬رجاله‭ ‬الثلاثة،‭ ‬نظروا‭ ‬إليه‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل،‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

أدرك‭ ‬فجأة‭ ‬أنه‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬على‭ ‬الدرجة‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والإذعان،‭ ‬وأن‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مطلقة،‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬معاني‭ ‬الحرية‭ ‬والإخاء‭ ‬التي‭ ‬سمع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬ولا‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬كما‭ ‬درسها‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬الأمور‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬تغوص‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬العبودية‭ ‬القديمة‭.‬

ظلت‭ ‬أفواج‭ ‬الفلاحين‭ ‬تتزايد‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬أقنان‭ ‬بلا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬وفي‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬كانت‭ ‬الجمال‭ ‬والحمير‭ ‬التي‭ ‬صادروها،‭ ‬ظلوا‭ ‬هكذا‭ ‬واقفين‭ ‬عطشى‭ ‬وجوعى‭ ‬ومنهكين‭ ‬تحت‭ ‬الشمس،‭ ‬يحيط‭ ‬بهم‭ ‬سياج‭ ‬من‭ ‬العسكر‭ ‬يمسكون‭ ‬الكرابيج،‭ ‬أحسّ‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬وعيه،‭ ‬لكنه‭ ‬نظر‭ ‬طويلًا‭ ‬إلى‭ ‬وجوههم‭ ‬الخانعة‭ ‬والصابرة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يتذمّر‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬الثورة،‭ ‬كانوا‭ ‬مستسلمين‭ ‬لقدرهم،‭ ‬للمقدّر‭ ‬والمكتوب،‭ ‬كما‭ ‬همس‭ ‬له‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭.‬

بعضهم‭ ‬كان‭ ‬مشفقًا‭ ‬عليه،‭ ‬وبعضهم‭ ‬كان‭ ‬شامتًا‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬شدة‭ ‬ذهوله‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يفرّق‭ ‬بين‭ ‬الشفقة‭ ‬والشماتة،‭ ‬انكسر‭ ‬فيه‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬الحلم‭ ‬بالاشتراكية‭ ‬العادلة،‭ ‬لأنه‭ ‬بالفعل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬عدالة،‭ ‬والاشتراكية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬البؤس،‭ ‬سأله‭ ‬أحدهم‭: ‬أين‭ ‬فلسطين‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عنها‭ ‬يا‭ ‬أفندي؟‭ ‬

قال‭ ‬في‭ ‬صوت‭ ‬خافت‭: ‬إنها‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬نموت‭ ‬فيها‭.‬

أصبحت‭ ‬رائحة‭ ‬الزحام‭ ‬خانقة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬هواء‭ ‬صالح‭ ‬للتنفس،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬متماسكًا،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬استمرار‭ ‬توافد‭ ‬الناس،‭ ‬اقترب‭ ‬منه‭ ‬أحد‭ ‬الفلاحين‭ ‬الثلاثة‭ ‬وربت‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬لا‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي،‭ ‬شدّة‭ ‬وتزول،‭ ‬كلمات‭ ‬التصبير‭ ‬التي‭ ‬يرددونها‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬ولا‭ ‬تزول‭ ‬أي‭ ‬شدة‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يدفعوا‭ ‬ثمنها‭ ‬مضاعفًا،‭ ‬ثم‭ ‬سرت‭ ‬همهمة‭ ‬بين‭ ‬الجميع،‭ ‬وصاح‭ ‬عسكري‭ ‬ضخم‭ ‬الجثة،‭ ‬قفوا‭ ‬في‭ ‬طوابير،‭ ‬بنظام‭ ‬يا‭ ‬بهايم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نسير‭ ‬لمحطة‭ ‬السكة‭ ‬الحديد،‭ ‬همهم‭ ‬الجميع‭ ‬محتجين،‭ ‬ولوّح‭ ‬العسكر‭ ‬بالسياط‭ ‬فصمتوا‭ ‬جميعًا،‭ ‬ووجد‭ ‬سلامة‭ ‬نفسه‭ ‬مدفوعًا‭ ‬للسير‭ ‬معهم،‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬كم‭ ‬ساروا،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬خائفًا‭ ‬من‭ ‬لسعة‭ ‬السياط،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يلبس‭ ‬حذاء،‭ ‬بينما‭ ‬البقية‭ ‬حفاة،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يلهث‭ ‬مثلهم‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬العطش‭ ‬ومن‭ ‬مشقة‭ ‬السير‭ ‬ومن‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل‭.‬

لكن‭ ‬الشمس‭ ‬كانت‭ ‬أرحم‭ ‬قليلًا‭ ‬من‭ ‬السياط،‭ ‬فخففت‭ ‬من‭ ‬حرارتها،‭ ‬وبدا‭ ‬مبنى‭ ‬محطة‭ ‬الزقازيق‭ ‬العتيق‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬دفعوهم‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬الساحة،‭ ‬أحسّ‭ ‬أنه‭ ‬نقطة‭ ‬ضئيلة‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬أحد‭ ‬وسط‭ ‬هؤلاء‭ ‬الخلق،‭ ‬وقف‭ ‬المأمور‭ ‬أعلى‭ ‬سلالم‭ ‬المحطة‭ ‬يتأمل‭ ‬الجميع‭ ‬صامتًا،‭ ‬مثل‭ ‬نخّاس‭ ‬يتأمل‭ ‬بضاعته،‭ ‬ثم‭ ‬ظهر‭ ‬ضابط‭ ‬إنجليزي،‭ ‬سار‭ ‬بخطوات‭ ‬عسكرية‭ ‬حتى‭ ‬وقف‭ ‬بجانبه،‭ ‬ورفع‭ ‬صوته‭ ‬متحدثًا‭ ‬للجميع‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ثم‭ ‬توقّف‭ ‬ليترك‭ ‬الفرصة‭ ‬للمأمور‭ ‬حتى‭ ‬يترجم‭ ‬ما‭ ‬قاله،‭ ‬قال‭ ‬المأمور‭: ‬يقول‭ ‬لكم‭ ‬الميجور‭ ‬إنكم‭ ‬تابعون‭ ‬الآن‭ ‬لجيش‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬وعليكم‭ ‬أن‭ ‬تطيعوا‭ ‬أوامره،‭ ‬سنوفر‭ ‬لكم‭ ‬الطعام،‭ ‬وسيأخذ‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬خمسة‭ ‬قروش‭ ‬كاملة‭ ‬يوميًا‭.‬

سكت‭ ‬المأمور‭ ‬قليلاً‭ ‬ليستمع‭ ‬للكلمات‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬كان‭ ‬صوت‭ ‬الضابط‭ ‬قد‭ ‬ارتفع‭ ‬واحمر‭ ‬وجهه‭ ‬بشدّة،‭ ‬ارتفع‭ ‬صوت‭ ‬المأمور‭ ‬أيضًا‭: ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أحذركم،‭ ‬هذه‭ ‬أيام‭ ‬حرب،‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬منكم‭ ‬يحاول‭ ‬الهرب‭ ‬سنطلق‭ ‬عليه‭ ‬الرصاص‭.‬

ظلوا‭ ‬يحدّقون‭ ‬في‭ ‬الاثنين‭ ‬دون‭ ‬صوت‭ ‬كأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يخصّهم،‭ ‬ولكن‭ ‬العساكر‭ ‬فرقعوا‭ ‬السياط‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ودفعوهم‭ ‬داخل‭ ‬المحطة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬القطارات‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬اندفع‭ ‬سلامة‭ ‬معهم‭ ‬وقد‭ ‬فقد‭ ‬كل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬لكنّ‭ ‬المأمور‭ ‬كان‭ ‬واقفًا‭ ‬على‭ ‬الباب،‭ ‬أشار‭ ‬للعسكري‭ ‬أن‭ ‬يجرّه‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الصفوف‭ ‬المندفعة‭ ‬ويوقفه‭ ‬أمامه‭.‬

أمر‭ ‬العسكري‭: ‬فُكّ‭ ‬قيوده‭... ‬لم‭ ‬يصدّق‭ ‬سلامة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬يديه،‭ ‬نظر‭ ‬المأمور‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬إشفاق‭: ‬لعلك‭ ‬استوعبت‭ ‬الدرس‭ ‬جيدًا‭ ‬يا‭ ‬سلامة‭ ‬أفندي،‭ ‬احمد‭ ‬ربنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصًا‭ ‬مثلي‭ ‬عندهم‭ ‬ضمير،‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬الآن،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لأن‭ ‬تكتب‭ ‬عنه‭.‬

فرك‭ ‬سلامة‭ ‬يديه،‭ ‬لعلّ‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬القيد‭ ‬يخف‭ ‬قليلًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬ينسى،‭ ‬أو‭ ‬يمتنع‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬وقودًا‭ ‬للثورة‭ ‬القادمة‭.‬

‭ ‬الحكاية‭ ‬الثانية‭: ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬زغلول

 

قال‭ ‬له‭ ‬الرجل‭ ‬باعتداد،‭ ‬وبلهجة‭ ‬عربية‭ ‬واضحة‭: ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬مستر‭ ‬إكس‭ ‬اسمًا‭ ‬يليق‭ ‬بكل‭ ‬عملاء‭ ‬المخابرات‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كان‭ ‬شابًا‭ ‬إنجليزيًا‭ ‬مرحًا،‭ ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬سعد‭ ‬باشا،‭ ‬فالوقت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسمح‭ ‬بأي‭ ‬مزاح،‭ ‬جو‭ ‬حارّ‭ ‬وخانق،‭ ‬بيوت‭ ‬ملونة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬متهالكة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬خليج‭ ‬عدن‭ ‬الذي‭ ‬بلا‭ ‬موج،‭ ‬الجو‭ ‬حار‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الحاكم‭ ‬رغم‭ ‬المراوح‭ ‬التي‭ ‬تطنّ‭ ‬في‭ ‬السقف،‭ ‬كان‭ ‬الحاكم‭ ‬قد‭ ‬أخلاها‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكرًا‭ ‬حتى‭ ‬يجتمع‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قادمًا‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬لندن،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬وحده،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬معه‭ ‬ستة‭ ‬باشوات‭ ‬آخرين‭ ‬حُكم‭ ‬عليهم‭ ‬أيضًا‭ ‬بالنفي،‭ ‬سيذهبون‭ ‬جميعًا‭ ‬برفقته‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سيلان،‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬نُفي‭ ‬إليه‭ ‬عرابي،‭ ‬وظل‭ ‬فيه‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬مريضًا‭ ‬وعلى‭ ‬حافة‭ ‬الموت،‭ ‬فهل‭ ‬سيكون‭ ‬مصيرهم‭ ‬مثله؟

كانت‭ ‬السفينة‭ ‬التي‭ ‬حملتهم‭ ‬من‭ ‬السويس‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭ ‬في‭ ‬عدن‭ ‬حتى‭ ‬تأتي‭ ‬سفينة‭ ‬أخرى‭ ‬لتحملهم‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬أبعد‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬المنفى،‭ ‬كانت‭ ‬نهاية‭ ‬تعيسة‭ ‬لثورة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لشيء‭ ‬أن‭ ‬يكتمل‭ ‬والإنجليز‭ ‬جاثمون‭ ‬على‭ ‬الجسد‭ ‬المصري‭ ‬التعيس،‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ترحيلهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬وكلما‭ ‬ارتفع‭ ‬صوت‭ ‬صافرة‭ ‬سفينة‭ ‬في‭ ‬الميناء‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬سفينتهم،‭ ‬كانوا‭ ‬يشعرون‭ ‬جميعًا‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬المجهول‭.‬

سعد‭ ‬باشا،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يدري‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬سيعود‭ ‬من‭ ‬المنفى‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬لكن‭ ‬أحدًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشكو،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬خبّأ‭ ‬خوفه‭ ‬في‭ ‬أعماقه،‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬التهمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأرواح،‭ ‬معظمها‭ ‬أرواح‭ ‬غضّة‭ ‬فتية‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬فماذا‭ ‬تساوي‭ ‬أرواحهم‭ ‬أمام‭ ‬هؤلاء؟‭ ‬

ولكن‭ ‬حاكم‭ ‬عدن‭ ‬استدعاهم‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬وقال‭ ‬لسعد‭ ‬باشا‭ ‬إنه‭ ‬تلقى‭ ‬أوامر‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬تطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يؤجل‭ ‬سفرهم‭ ‬إلى‭ ‬سريلانكا‭ ‬قليلًا،‭ ‬فهناك‭ ‬شخصية‭ ‬ستأتي‭ ‬خصيصًا‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬لمقابلة‭ ‬سعد‭ ‬باشا،‭ ‬كان‭ ‬الحاكم‭ ‬باردًا‭ ‬ومتعاليًا،‭ ‬ولم‭ ‬يقدّم‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬شعاعًا‭ ‬ضئيلًا‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬أضاء‭ ‬نفوسهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬هل‭ ‬تراجعت‭ ‬بريطانيا‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬النفي،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬شيئًا‭ ‬ما‭.‬

بعد‭ ‬الانتظار‭ ‬لعدة‭ ‬أيام،‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الشاب،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يبدو‭ ‬موظفًا‭ ‬مهمًا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يبدُ‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬شيئًا‭ ‬مهمًا،‭ ‬كان‭ ‬وجهه‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانفجار‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬شعوره‭ ‬بالغيظ،‭ ‬الرطوبة‭ ‬تجعل‭ ‬جسده‭ ‬مغطى‭ ‬بعرق‭ ‬غزير،‭ ‬وسعد‭ ‬باشا‭ ‬يرتدي‭ ‬حلّة‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الشاركستين‭ ‬الأبيض،‭ ‬ومصرًا‭ ‬على‭ ‬ارتداء‭ ‬الطربوش‭ ‬الأحمر‭ ‬القاني،‭ ‬كان‭ ‬العميل‭ ‬يؤكد‭ ‬إظهار‭ ‬مدى‭ ‬أهميته،‭ ‬قال‭: ‬أنا‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬إم‭ ‬أي‭ ‬6‭... ‬لعلك‭ ‬سمعت‭ ‬عنه؟‭ ‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬ببعض‭ ‬المرارة‭: ‬كثيرًا،‭ ‬وعانيت‭ ‬من‭ ‬تقاريره‭ ‬الزائفة‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭.‬

رفع‭ ‬العميل‭ ‬يده‭: ‬أرجوك‭ ‬لا‭ ‬تظلمنا،‭ ‬تقاريرنا‭ ‬دائمًا‭ ‬صحيحة،‭ ‬لكن‭ ‬السياسيين‭ ‬يتصرفون‭ ‬كعادتهم‭ ‬بحماقة‭.‬

هزّ‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬رأسه‭ ‬وقال‭: ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نضيع‭ ‬وقتنا،‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬قادمًا‭ ‬لاستجوابي‭ ‬حول‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬فأنا‭ ‬لست‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لإفادتك‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭.‬

ضحك‭ ‬الشاب‭ ‬ضحكة‭ ‬جافة،‭ ‬وقال‭: ‬عزيزي‭ ‬الباشا،‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تتخيلون،‭ ‬ولذلك‭ ‬نحكمها‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬بأقل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭.‬

شعر‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬بالإهانة‭ ‬من‭ ‬غرور‭ ‬هذا‭ ‬الشاب،‭ ‬وفكر‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬والانصراف،‭ ‬لكنه‭ ‬قال‭: ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬أحداث‭ ‬الثورة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬معلوماتكم‭ ‬خاطئة‭.‬

اعترف‭ ‬الشاب‭ ‬في‭ ‬هدوء‭: ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬نُعط‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الدراسة،‭ ‬لأنّ‭ ‬صوتهم‭ ‬كان‭ ‬خافتًا‭ ‬دائمًا،‭ ‬لكننا‭ ‬تعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬يفكر‭ ‬ساستهم‭ ‬وزعماؤهم،‭ ‬قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬مسلّمًا‭: ‬ربما‭.‬

وسادت‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الصمت،‭ ‬أخذ‭ ‬العميل‭ ‬خلالها‭ ‬يتفحصه‭ ‬بعينيه،‭ ‬وبدا‭ ‬الباشا‭ ‬متململًا،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬قال‭ ‬العميل‭ ‬بجدية‭: ‬أنا‭ ‬أحمل‭ ‬لك‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬السرية،‭ ‬حتى‭ ‬حاكم‭ ‬عدن‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عنها‭ ‬شيئًا‭. ‬

لم‭ ‬يتحرك‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬ملامح‭ ‬سعد‭ ‬باشا،‭ ‬ولم‭ ‬يبد‭ ‬متلهفًا‭ ‬لسماعها،‭ ‬لكن‭ ‬العميل‭ ‬أخذ‭ ‬نفسًا‭ ‬طويلًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقول‭: ‬تريد‭ ‬حكومة‭ ‬جلالتها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنت‭ ‬ملكًا‭ ‬على‭ ‬مصر‭.‬

رفع‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬وجهه‭ ‬مستغربًا،‭ ‬وهمس‭: ‬أنا‭... ‬ملك؟‭! ‬وقال‭ ‬في‭ ‬نفسه‭: ‬اهدأ،‭ ‬أنت‭ ‬فلاح‭ ‬ابن‭ ‬فلاح،‭ ‬فلا‭ ‬تدع‭ ‬هذا‭ ‬العميل‭ ‬الإنجليزي‭ ‬يتلاعب‭ ‬بك،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬بصوت‭ ‬مسموع‭: ‬وماذا‭ ‬ستفعلون‭ ‬في‭ ‬الملك‭ ‬فؤاد؟

قال‭ ‬العميل‭: ‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬دوره‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يتحكّم‭ ‬في‭ ‬زمام‭ ‬البلاد،‭ ‬لقد‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬وربما‭ ‬نخوض‭ ‬حربًا‭ ‬أخرى‭ ‬ونريد‭ ‬مَن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬الشارع‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬في‭ ‬إيجاز‭: ‬وما‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬تريدونه؟

قال‭ ‬الرجل‭: ‬تقريبًا‭... ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬بالفعل‭.‬

قال‭ ‬الباشا‭: ‬هكذا‭ ‬تكون‭ ‬الصفقة‭ ‬ناقصة،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مقابل‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬فعلًا،‭ ‬أنت‭ ‬على‭ ‬حق،‭ ‬وحتى‭ ‬تكون‭ ‬الأمور‭ ‬واضحة،‭ ‬وهذا‭ ‬يثبت‭ ‬أنك‭ ‬ستكون‭ ‬ملكًا‭ ‬جيدًا،‭ ‬سكت‭ ‬قليلًا‭ ‬كأنه‭ ‬يتدبر‭ ‬كلماته،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬نريد‭ ‬أولًا‭ ‬أن‭ ‬تقر‭ ‬بمبدأ‭ ‬أهمية‭ ‬فرضنا‭ ‬الحماية‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬وأن‭ ‬تقدّم‭ ‬عن‭ ‬طواعية‭ ‬كل‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬نطلبها،‭ ‬وثانيًا‭ ‬ترك‭ ‬السودان‭ ‬لنا‭ ‬نديره‭ ‬بمعرفتنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تدخّل‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

سكت‭ ‬الباشا‭ ‬قليلًا‭ ‬كأنما‭ ‬يقيّم‭ ‬العرض،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬أقف‭ ‬ضد‭ ‬دعاوى‭ ‬الاستقلال‭ ‬التي‭ ‬يطالب‭ ‬بها‭ ‬الناس،‭ ‬والتي‭ ‬كنت‭ ‬أتصدرهم‭ ‬فيها‭ ‬وأتعرّض‭ ‬للنفي‭ ‬الآن‭ ‬بسببها‭.‬

أكّد‭ ‬العميل‭: ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نفي‭... ‬سنبدأ‭ ‬معًا‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭.‬

قال‭ ‬الباشا‭: ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬أرضى‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬قواعدكم‭ ‬وامتيازاتكم‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬كما‭ ‬هي‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نوفر‭ ‬لكم‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة،‭ ‬نحن‭ ‬خائفون‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬قياصرة‭ ‬روسيا‭ ‬الشيوعيين‭ ‬ومن‭ ‬سلاطين‭ ‬تركيا‭ ‬المتخلفين‭.‬

قال‭ ‬سعد‭: ‬وتريد‭ ‬منّي‭ ‬أن‭ ‬أوفر‭ ‬لكم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬مصري‭ ‬يعملون‭ ‬بالسخرة‭ ‬خلف‭ ‬خطوطكم‭ ‬الحربية،‭ ‬حتى‭ ‬يتفرغ‭ ‬جيشكم‭ ‬للقتال‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬ربما‭ ‬نريد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون،‭ ‬الحرب‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقًا‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭: ‬وتريد‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬أوافق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تأخذوا‭ ‬كل‭ ‬رصيد‭ ‬مصر‭ ‬الاحتياطي‭ ‬من‭ ‬الذهب‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬لقد‭ ‬أخذناه‭ ‬بالفعل،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬أمنًا‭ ‬في‭ ‬خزائننا‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭: ‬وتريد‭ ‬منّا‭ ‬أن‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حتى‭ ‬تنكلوا‭ ‬بهم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتدخل‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬وما‭ ‬شأنكم‭ ‬بالسودان،‭ ‬لماذا‭ ‬تتدخلون‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬هناك؟

قال‭ ‬سعد‭ ‬بمرارة‭: ‬إنه‭ ‬ثمن‭ ‬باهظ‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬تطلبونه‭.‬

قال‭ ‬العميل‭ ‬محاولاً‭ ‬أن‭ ‬يرضيه‭: ‬أنت‭ ‬تعلم‭ ‬بالطبع‭ ‬أن‭ ‬فؤاد،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬ملكًا،‭ ‬حين‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬إيطاليا‭ ‬كان‭ ‬مفلسًا،‭ ‬وكان‭ ‬مدينًا‭ ‬بمبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬لأناس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وفي‭ ‬إيطاليا‭ ‬أيضًا،‭ ‬لكننا‭ ‬دفعنا‭ ‬كل‭ ‬ديونه‭ ‬وهو‭ ‬يعدّ‭ ‬الآن‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬مصر،‭ ‬هذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ملكًا‭.‬

قال‭ ‬سعد‭: ‬لست‭ ‬مدينًا‭ ‬لأحد‭.‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬لكنك‭ ‬مقامر،‭ ‬تدمن‭ ‬لعبة‭ ‬البوكر،‭ ‬وقد‭ ‬خسرت‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬القمار‭ ‬الكثير‭.‬

رفع‭ ‬الباشا‭ ‬يده‭: ‬أرجوك‭ ‬توقّف،‭ ‬لقد‭ ‬توقفت‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭.‬

لم‭ ‬يبال‭ ‬العميل‭ ‬باعتراضه‭: ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬ملكًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إليها‭ ‬وتلعب‭ ‬كما‭ ‬تريد،‭ ‬وسترى‭ ‬كيف‭ ‬يخسر‭ ‬الجميع‭ ‬المبالغ‭ ‬الطائلة‭ ‬أمامك‭ ‬وهم‭ ‬سعداء‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬يفقد‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬هدوئه‭: ‬لن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬خطاياي‭ ‬السابقة،‭ ‬ولا‭ ‬تحاول‭ ‬إغرائي‭.‬

وسكت‭ ‬قليلًا،‭ ‬كأنه‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يسترد‭ ‬انفاسه،‭ ‬ثم‭ ‬صاح‭ ‬فجأة‭: ‬لماذا‭ ‬أنا؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تختارون‭ ‬أميرًا‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬محمد‭ ‬علي؟‭ ‬

قال‭ ‬العميل‭: ‬لدينا‭ ‬تسعة‭ ‬منهم،‭ ‬مفلسون‭ ‬وعلى‭ ‬استعداد‭ ‬لعقد‭ ‬أيّ‭ ‬صفقة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬بلا‭ ‬فائدة،‭ ‬يشبهون‭ ‬الجالس‭ ‬على‭ ‬العرش‭.‬

قال‭ ‬سعد‭: ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬تواصلوا‭ ‬البحث‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أصلح‭ ‬لهذا‭ ‬المنصب‭.‬

صاح‭ ‬العميل‭ ‬مندهشًا‭: ‬كيف‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬صفقة‭ ‬مثل‭ ‬هذه،‭ ‬إنها‭ ‬صفقة‭ ‬لا‭ ‬تُرفض؟‭!‬

قال‭ ‬سعد‭: ‬إنها‭ ‬تتطلب‭ ‬شخصًا‭ ‬متقلبًا،‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬بلده‭ ‬وأهله،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬كيف‭ ‬أكون‭ ‬ملكًا‭ ‬وأنا‭ ‬أتلقى‭ ‬الأوامر‭ ‬منكم‭ ‬وأعيش‭ ‬تحت‭ ‬ظلّ‭ ‬حرابكم؟

أنتم‭ ‬تدعونني‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار،‭ ‬وتحرضون‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬قتلي،‭ ‬ولو‭ ‬طاوعتكم‭ ‬فلن‭ ‬نستقل‭ ‬عنكم‭ ‬أبدًا،‭ ‬المنفى‭ ‬أفضل‭ ‬لي‭ ‬أنا‭ ‬ورفاقي‭.‬

قال‭ ‬العميل‭ ‬بسخرية‭: ‬لكنك‭ ‬لن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬سيلان،‭ ‬لقد‭ ‬زارها‭ ‬وزير‭ ‬خارجيتنا‭ ‬اللورد‭ ‬كروزون،‭ ‬وقال‭ ‬إنها‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الجنّة،‭ ‬وقد‭ ‬نفي‭ ‬إليها‭ ‬زعيمكم‭ ‬عرابي‭ ‬وأحضر‭ ‬منها‭ ‬أشجار‭ ‬المانجو‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭: ‬وأين‭ ‬تذهبون‭ ‬بي‭ ‬إذن؟‭ ‬قال‭ ‬العميل‭: ‬سنريكم‭ ‬الجحيم‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬سوف‭ ‬تحملكم‭ ‬السفينة‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سيشل‭.‬

قال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭: ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬حكمكم‭.‬

ونهض‭ ‬وسار‭ ‬خارجًا‭ ‬من‭ ‬الغرفة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬رفاقه‭ ‬الستة‭ ‬في‭ ‬انتظاره،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬جاءت‭ ‬السفينة‭ ‬وحملتهم‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬سيشل‭ ‬■