بحثًا عن مسرح جديد بلون العيد

بحثًا عن مسرح جديد بلون العيد

    ‬في «الرحلة البرشيدية»، وهي رحلة افتراضية في عالم افتراضي، يقدّم رجل في زيّ التاريخ الكلمة التعريفية التالية للمسرح: هو «حياة الأحياء وهو مسلك السالكين، وهو عِلْم العارفين، وهو أسئلة السائلين، وهو جهاد المجاهدين، وهو حيرة الحائرين» (ع. برشيد - الرحلة البرشيدية - إيديسوفت - الدار البيضاء).

في‭ ‬هذا‭ ‬البدء‭ ‬أقر‭ ‬وأعترف‭ ‬بما‭ ‬يلي‭... ‬أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬لستُ‭ ‬ساحرًا‭ ‬ولا‭ ‬عرّافًا‭ ‬ولا‭ ‬متنبئًا،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يمنعني‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬بأنني‭ ‬مفتون‭ ‬بالسحر‭ ‬الحلال‭ ‬وبالمعرفة‭ ‬الساحرة‭ ‬والمدهشة‭ ‬والمستفزة‭ ‬والمشاكسة‭ ‬والمشاغبة،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬ضعيف‭ ‬أمام‭ ‬الكلمة‭ ‬الشعرية‭ ‬الساحرة،‭ ‬وأمام‭ ‬الأفعال‭ ‬الخارقة،‭ ‬وأمام‭ ‬الصور‭ ‬المدهشة،‭ ‬وأمام‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬المعاني‭ ‬والأشياء‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬والواقع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬الفن‭ ‬والفكر،‭ ‬وفي‭ ‬العلم‭ ‬والصناعة،‭ ‬وإنني‭ ‬لا‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬يقظتي‭ ‬ومنامي‭ ‬إلّا‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬إعجاز‭ ‬هذا‭ ‬السحر‭ ‬المدهش‭.‬

‭ ‬إنني‭ ‬أبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬عالَم‭ ‬ضيّع‭ ‬روح‭ ‬السحر؛‭ ‬سحر‭ ‬الكلمة‭ ‬وسحر‭ ‬العبارة،‭ ‬وأبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬وفي‭ ‬اللامكان‭ ‬أيضًا،‭ ‬وأبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬وخارج‭ ‬كل‭ ‬الأزمان،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬السّحر‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلّا‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬وأنه‭ ‬يظل‭ ‬دومًا‭ ‬ذلك‭ ‬الشيء‭ ‬الغامض‭ ‬والملتبس‭ ‬والشفاف‭ ‬والماكر‭ ‬واللامحدّد‭ ‬الملامح،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬الراؤون‭ ‬إلّا‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬وأعرف‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬سحر‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬والتغريب،‭ ‬وأنّه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬جديدًا‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الغرباء،‭ ‬وأغرب‭ ‬كل‭ ‬الغرباء‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬يأتينا‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬جدًا،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نعرفه،‭ ‬ومن‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ندريه،‭ ‬وبذلك‭ ‬كانت‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأسطورية‭ ‬هي‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬والفن،‭ ‬لأنّها‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬روح‭ ‬الإبداع‭ ‬السحري،‭ ‬ولأنّها‭ ‬تظل‭ ‬شخصيات‭ ‬غريبة‭ ‬وعجيبة،‭ ‬ولأنّها‭ ‬مثيرة‭ ‬ومدهشة،‭ ‬ولأنّها‭ ‬فوق‭ ‬الطبيعة‭ ‬وفوق‭ ‬الواقع‭ ‬وفوق‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬التاريخ‭. ‬

  ‬ونعرف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الشيء‭ ‬العادي‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يحرّك‭ ‬فينا‭ ‬إلا‭ ‬الإحساس‭ ‬العادي،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مطلبي‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والأدب،‭ ‬وفي‭ ‬الفكر‭ ‬والمسرح،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬الأفكار‭ ‬المسطحة‭ ‬لا‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬العقل،‭ ‬ولا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭ ‬والروح،‭ ‬وأنّ‭ ‬كل‭ ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬يستفزني،‭ ‬ولا‭ ‬يحرجني،‭ ‬ولا‭ ‬يتحدّاني،‭ ‬ولا‭ ‬يخلخل‭ ‬مفاهيمي،‭ ‬لا‭ ‬أعوّل‭ ‬عليه،‭ ‬ولا‭ ‬أعرفه‭ ‬ولا‭ ‬أعترف‭ ‬به‭.‬

  ‬إن‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬الفنان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مكتشفًا،‭ ‬ومبتكرًا،‭ ‬وصانعًا،‭ ‬ومهندسًا‭ ‬مؤسسًا،‭ ‬ومسافرًا‭ ‬ورسولًا‭ ‬ومتنبئًا،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬فعل‭ ‬الاكتشاف‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالغرابة،‭ ‬فما‭ ‬يسحرنا‭ ‬ويبهرنا‭ ‬ويستفزنا‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬يؤسس‭ ‬فينا‭ ‬الأسئلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمؤسسة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬الأسرار‭ ‬الخفية‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬وفي‭ ‬الأشياء‭ ‬الغامضة‭ ‬والساحرة‭.‬

  ‬إن‭ ‬وجود‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعه،‭ ‬ووجود‭ ‬الكلمة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعها،‭ ‬ووجود‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬سياقه،‭ ‬ووجود‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬زمانه،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يؤسس‭ ‬الغرابة‭ ‬السحرية‭ ‬دائمًا،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬الفن،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬الصناعة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬غرابة‭ ‬شرقية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬غرابة‭ ‬غربية،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الشرق‭ ‬موطنًا‭ ‬للوحي‭ ‬والأنبياء،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الغرب‭ ‬موطنًا‭ ‬للفلاسفة‭ ‬والعلماء،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الطريق‭ ‬بينهما‭ ‬طريقًا‭ ‬للحرير‭ ‬وللتوابل‭ ‬وللحكايات‭ ‬الغريبة‭ ‬والعجيبة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬السّحر‭ ‬عند‭ ‬الآخر‭ ‬الغريب‭ ‬والبعيد‭ ‬دائمًا،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬ارتضيتُ‭ ‬لنفسي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬غريبًا‭ ‬في‭ ‬أرضي‭ ‬وفي‭ ‬موطني،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬مختلفًا‭ ‬ومخالفًا‭ ‬في‭ ‬فكري‭ ‬ومسرحي،‭ ‬وفي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬شاعرًا‭ ‬بين‭ ‬العلماء،‭ ‬ومجنونًا‭ ‬بين‭ ‬العقلاء،‭ ‬وعاقلًا‭ ‬عند‭ ‬المجانين،‭ ‬وحداثيًا‭ ‬عند‭ ‬المحافظين،‭ ‬ومحافظًا‭ ‬عند‭ ‬الحداثيين،‭ ‬ويمينيًا‭ ‬عند‭ ‬اليساريين‭ ‬ويساريًا‭ ‬عند‭ ‬اليمينيين،‭ ‬وغربيًا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬وشرقيًا‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬بهذا‭ ‬عصيًا‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬وعلى‭ ‬التصنيف،‭ ‬وعصيًا‭ ‬على‭ ‬التوصيف‭ ‬والتصفيف،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬أكتبه‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬النقاد،‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬الانطباعات‭ ‬العابرة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المتفرجين‭ ‬ومن‭ ‬شهود‭ ‬الزور‭ ‬ومن‭ ‬المشاهدين‭ ‬العابرين‭.‬

‭ ‬وأعرف‭ ‬أنني‭ ‬كائن‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬عالَم‭ ‬يمشي،‭ ‬وبأنني‭ ‬مواطن‭ ‬حُر‭ ‬في‭ ‬أوطان‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حُرّة،‭ ‬وأعرف‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لحرّيتي‭ ‬أي‭ ‬معنى،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بإمكاني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬حيث‭ ‬أشاء،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬مَن‭ ‬أريد‭ ‬كما‭ ‬أريد،‭ ‬ومع‭ ‬من‭ ‬أريد،‭ ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬أريد،‭ ‬أمّا‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬يمينيًا‭ ‬فقط،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬هنا‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬عالَم‭ ‬فيه‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬هُنا‮»‬‭ ‬والـ‭ ‬‮«‬هناك‮»‬،‭ ‬وفيه‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار،‭ ‬وفيه‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب،‭ ‬وفيه‭ ‬الأعلى‭ ‬والأسفل،‭ ‬وفيه‭ ‬الأمام‭ ‬والخلف،‭ ‬فإنّ‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬منتهى‭ ‬الغباء‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬وهو‭ ‬منتهى‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬حريّة‭ ‬الذات،‭ ‬وعلى‭ ‬حرية‭ ‬الفكر،‭ ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬إفقار‭ ‬لغنى‭ ‬الوجود‭ ‬والموجودات،‭ ‬وفيه‭ ‬اختزال‭ ‬للأماكن‭ ‬والجهات،‭ ‬وفيه‭ ‬مصادرة‭ ‬للأرواح‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬السياسية‭ ‬والقبَلية‭ ‬والحزبية‭ ‬الشعوبية‭ ‬والطائفية‭ ‬والفئوية‭ ‬الضيقة‭.‬

  ‬إن‭ ‬من‭ ‬حقّي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬الجسد‭ ‬المتمدد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬الواحد‭ ‬المتعدد‭ ‬بالأعمار‭ ‬وبالحالات‭ ‬وبالمواقف‭ ‬وبالمقامات،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أخون‭ ‬هويّتي‭ ‬الوجودية،‭ ‬وأكون‭ ‬أنا‭ ‬غير‭ ‬أنا،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬الحقيقة‭ ‬البسيطة‭ ‬التالية،‭ ‬وهي‭ ‬أنني‭ ‬مهما‭ ‬ارتفعت‭ ‬وحلّقت‭ ‬في‭ ‬السماوات‭ ‬العالية،‭ ‬ومهما‭ ‬تغرّبت‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬والأوطان،‭ ‬ومهما‭ ‬غيّرت‭ ‬الأزياء‭ ‬واللغات،‭ ‬فإنني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬البدء‭ ‬ونقطة‭ ‬الانطلاق،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬أنبتتني،‭ ‬وجعلت‭ ‬أغصاني‭ ‬ترتفع‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى، وجعلت‭ ‬عروقي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتربة‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ويسعدني‭ ‬أن‭ ‬أحلّق‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬كل‭ ‬الثقافات،‭ ‬ولكن‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬ثقافتي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬أرضي،‭ ‬وبغير‭ ‬هذا‭ ‬فإنني‭ ‬سأضيع‭ ‬وأضيع‭ ‬قرائي‭ ‬معي،‭ ‬ولقد‭ ‬دخلت‭ ‬المسرح،‭ ‬معتقدًا‭ ‬أنه‭ ‬فنّ‭ ‬من‭ ‬الفنون،‭ ‬فإذا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬وإذا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬الدنيا‭ ‬وهو‭ ‬كل‭ ‬التاريخ،‭ ‬واقتنعت‭ ‬أيضًا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ (‬أساسًا‭ ‬مؤسسة،‭ ‬ومن‭ ‬مهام‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬أنها‭ ‬تعلّم،‭ ‬وتربّي،‭ ‬وتهذّب،‭ ‬وتطهّر‭ ‬‮«‬الكثارسيس‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬لذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬اليوم‭ ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬بالأمس‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الإنسان‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المغرب‭ ‬الجديد،‭ ‬وأن‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الثقافي،‭ ‬وأن‭ ‬تحمي‭ ‬هويته،‭ ‬وتصون‭ ‬وجوده،‭ ‬وتجدد‭ ‬لغته،‭ ‬وتظهر‭ ‬ثقافته‭ ‬وقيمه‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عنوانه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوجود،‭ ‬وتربطه‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بثقافته‭ ‬وبلُغته‭ ‬وبتراثه‭ ‬وبأعياده‭ ‬وبزمنه‭ ‬وبعصره‭ ‬وبمحيطه‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬وحيوي‭ ‬منه‭.‬

  ‬وحتى‭ ‬تلعب‭ ‬الثقافة‭ ‬المسرحية‭ ‬المغربية‭ ‬دورها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬فإنّ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬سياسة‭ ‬ثقافية‭ ‬واضحة،‭ ‬وتدرك‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بالخبز‭ ‬وحده‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأن‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنمية‭ ‬العقل‭ ‬والنفس‭ ‬والروح‭ ‬والوجدان‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭).‬

 

في‭ ‬مدرسة‭ ‬المسرح‭ ‬والحياة‭ ‬

‭ ‬نحن‭ ‬نتعلّم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ونتعلم‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬هذه‭ ‬قناعتنا‭ ‬في‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬ونحن‭ ‬نؤكد‭ ‬دائمًا‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬المسرح‭ ‬نتعلّم‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مدنيين،‭ ‬واجتماعيين،‭ ‬ومواطنين،‭ ‬وديمقراطيين،‭ ‬ومحتفلين‭ ‬ومعيّدين‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وشاهدين‭ ‬ومشاهدين،‭ ‬وأن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬وما‭ ‬نحياه‭ ‬بحسّ‭ ‬نقدي،‭ ‬وألّا‭ ‬نقبل‭ ‬إلّا‭ ‬ما‭ ‬يقبله‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق،‭ ‬وأن‭ ‬نكون‭ ‬جريئين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الظلم‭ ‬والقهر،‭ ‬وفي‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الأعطاب‭ ‬والاختلالات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭).‬

  ‬وهذا‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي،‭ ‬كما‭ ‬رأيناه،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أرادنا‭ ‬أن‭ ‬نراه،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمه‭ ‬إلّا‭ ‬بفهم‭ ‬السياق‭ ‬الذي‭ ‬ساقه،‭ ‬وبفهم‭ ‬المناخ‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري‭ ‬والجمالي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬الذي‭ ‬نشأت‭ ‬فيه‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬فهم‭ ‬حقيقي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬فإنّه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لتمثُّلها‭ ‬بشكل‭ ‬متكامل،‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬التاريخي،‭ ‬وداخل‭ ‬سياقاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والجمالية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬ساقتها‭. ‬

  ‬لقد‭ ‬ظهرت‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬‮«‬النكسة‭ ‬الحزيرانية‮»‬‭ ‬لسنة‭ ‬1967،‭ ‬ولهذا‭ ‬كانت‭ ‬ثورة‭ ‬فكرية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬هي‭ ‬ثورة‭ ‬أملتها‭ ‬هزّة‭ ‬وجدانية‭ ‬وفكرية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬هزة‭ ‬تاريخية‭ ‬قوية‭ ‬وعنيفة،‭ ‬وهي‭ ‬مُرّة‭ ‬أيضًا‭ ‬مرارة‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لعبًا‭ ‬بالأشكال‭ ‬والألوان‭ ‬والأضواء‭ ‬وبالأزياء‭ ‬والأقنعة،‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬محاولة‭ ‬عبثية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬التميّز‭ ‬والتفرّد،‭ ‬ولم‭ ‬تهتمّ‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬الغاضبة‭ ‬بالتمييز‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬والماضي،‭ ‬ولم‭ ‬تقطع‭ ‬الطريق‭ ‬بين‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬نحن‮»‬‭ ‬والآخر،‭ ‬ولم‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬الاحتفالية‭ ‬الشعبية‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ولقد‭ ‬ركّزت‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات،‭ ‬وحوار‭ ‬اللغات،‭ ‬وحوار‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية،‭ ‬وحوار‭ ‬الأفكار،‭ ‬وحوار‭ ‬الأمكنة‭ ‬والأزمنة،‭ ‬وبهذا‭ ‬كان‭ ‬التيار‭ ‬الاحتفالي‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا،‭ ‬وأكثر‭ ‬شمولًا،‭ ‬وأكثر‭ ‬انغراسًا‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬المتحركة،‭ ‬وأكثر‭ ‬قربًا‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والحياة‭ ‬معًا،‭ ‬وأكثر‭ ‬قربًا‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفية‭ ‬المختلفة‭ ‬والمتنوعة،‭ ‬والتي‭ ‬جعلها‭ ‬أساسًا‭ ‬لفلسفته‭ ‬وفكره،‭ ‬ولإبداعاته‭ ‬المجددة‭ ‬والمتجددة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬النظرية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تأثيث‭ ‬الفضاء‭ ‬المسرحي‭ ‬وفي‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬المسرحي‭.‬

  ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬إذن‭ ‬هو‭ ‬الأصل،‭ ‬وهو‭ ‬أبو‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬وكل‭ ‬العلوم،‭ ‬وهو‭ ‬بهذا‭ ‬فلسفة‭ ‬مصورة‭ ‬ومحكية،‭ ‬وهو‭ ‬فكر‭ ‬بلغة‭ ‬اليومي،‭ ‬وهو‭ ‬حوار‭ ‬بأصوات‭ ‬متعددة،‭ ‬وهو‭ ‬حضور‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬الاحتفالي‭ ‬وهو‭ ‬فعل‭ ‬وفاعلية‭ ‬وانفعال‭ ‬وتفاعل‭ ‬و‭(‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬الأب،‭ ‬له‭ ‬بوابة‭ ‬كبيرة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬والأحياء،‭ ‬وعلى‭ ‬الواقع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وعلى‭ ‬الحق‭ ‬والحقيقة،‭ ‬وعلى‭ ‬الجمال‭ ‬والكمال،‭ ‬وعلى‭ ‬الفعل‭ ‬والتفاعل‭ ‬والانفعال،‭ ‬وعلى‭ ‬المدينة‭ ‬والمدنية،‭ ‬وعلى‭ ‬الكائن‭ ‬والممكن،‭ ‬وعلى‭ ‬المحسوس‭ ‬والمتخيل،‭ ‬وعلى‭ ‬الخرافي‭ ‬والأسطوري،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬البوابة‭ ‬ندخل‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬ذواتنا‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية،‭ ‬ومنها‭ ‬وبها‭ ‬نعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ونعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬العالم‭ ‬أيضًا،‭ ‬وبهذا‭ ‬المسرح‭ ‬نتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬نصبح‭ ‬مواطنين،‭ ‬ونتعلم‭ ‬كيف‭ ‬نفكر،‭ ‬ونتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬نتحرر‭ ‬بالتفكير‭ ‬الحر،‭ ‬ونتعلم‭ ‬كيف‭ ‬نلتقي‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام،‭ ‬ونتعلم‭ ‬كيف‭ ‬نقتسم‭ ‬معهم‭ ‬اللحظة‭ ‬الاحتفالية‭ ‬الحية،‭ ‬وكيف‭ ‬نقتسم‭ ‬معهم‭ ‬الحالة‭ ‬الشعورية‭ ‬الجميلة‭ ‬والنبيلة،‭ ‬وكيف‭ ‬نقتسم‭ ‬معهم‭ ‬أسئلة‭ ‬القضايا‭ ‬العامة‭ ‬والمشتركة،‭ ‬وبهذا‭ ‬المسرح‭ ‬نكون‭ ‬اجتماعيين‭ ‬أيضًا،‭ ‬نؤمن‭ ‬بالجوار‭ ‬والتساكن،‭ ‬ونكون‭ ‬ديمقراطيين،‭ ‬ونؤمن‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬التعدد‭ ‬والاختلاف،‭ ‬وبغير‭ ‬هذا،‭ ‬فإنّه‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لهذا‭ ‬الذي‭ ‬نسميه‭ ‬المسرح،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬أن‭ ‬يعلّم،‭ ‬وأن‭ ‬يهذّب،‭ ‬وأن‭ ‬يربّي،‭ ‬وأن‭ ‬يجعلنا‭ ‬متسامحين،‭ ‬فبالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬خلل‭ ‬ما،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬بأي‭ ‬اسم‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬اسم‭ ‬المسرح‭).‬

  ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬يشكّل‭ ‬عمودها‭ ‬الفقري،‭ ‬وتمثّل‭ ‬الإبداعات‭ ‬المسرحية‭ ‬كتابة‭ ‬وإنجازًا‭ ‬أهم‭ ‬وأخطر‭ ‬تجليات‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬ولهذا‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي‭ ‬طبيعته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وله‭ ‬بصماته‭ ‬المميزة،‭ ‬وله‭ ‬إضافاته‭ ‬المعرفية‭ ‬والجمالية،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬له‭ ‬كتابته‭ ‬الدرامية‭ ‬الجديدة‭ ‬والمتجددة،‭ ‬ولهذه‭ ‬الكتابة‭ ‬شكلها‭ ‬ومضمونها،‭ ‬ولها‭ ‬فنّياتها‭ ‬وتقنياتها،‭ ‬ولها‭ ‬شكلها‭ ‬الجمالي‭ ‬وعمقها‭ ‬الفكري‭ ‬والفلسفي،‭ ‬ولها‭ ‬حسّها‭ ‬الواقعي‭ ‬وحدسها‭ ‬الصوفي،‭ ‬ولها‭ ‬شخصياتها‭ ‬التي‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬التاريخ‭ ‬والواقع،‭ ‬ويتحاور‭ ‬فيها‭ ‬المحسوس‭ ‬والمتخيل،‭ ‬ويتعايش‭ ‬فيها‭ ‬الكائن‭ ‬والممكن‭ ‬والمُحال،‭ ‬ولها‭ ‬لغتها‭ ‬الإبداعية‭ ‬المميزة،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬شعرية‭ ‬أو‭ ‬شاعرية،‭ ‬ولها‭ ‬أحداثها‭ ‬الغريبة‭ ‬والعجيبة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تكرّر‭ ‬الواقع،‭ ‬ولكنّها‭ ‬تعيد‭ ‬صياغته‭ ‬وتركيبه‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬مختلف،‭ ‬وهي‭ ‬أحداث‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬المفاجآت،‭ ‬وهي‭ ‬منسابة‭ ‬ومتدفّقة‭ ‬في‭ ‬حركيّتها‭ ‬الدائمة،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الماء‭ ‬والهواء،‭ ‬وهي‭ ‬بهذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬أي‭ ‬حدّ‭ ‬معيّن،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬نهاية‭ ‬مغلقة،‭ ‬ولهذه‭ ‬الكتابات‭ ‬المسرحية‭ ‬أيضًا،‭ ‬عناوينها‭ ‬المثيرة‭ ‬والمدهشة‭ ‬والمستفزة،‭ ‬ولها‭ ‬فضاءاتها‭ ‬السحرية،‭ ‬ولها‭ ‬أجواؤها‭ ‬العيدية‭ ‬والاحتفالية‭ ‬والطقوسية‭ ‬الغنية‭ ‬والباذخة،‭ ‬ولها‭ ‬أسئلتها‭ ‬الجريئة‭ ‬والحارقة،‭ ‬ولها‭ ‬مسائلها‭ ‬الوجودية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والفلسفية‭ ‬الكونية‭.‬

  ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي‭ ‬أيضًا،‭ ‬له‭ ‬إخراجه‭ ‬المختلف‭ ‬والمغاير،‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬الشمولية‭ ‬والتكامل،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬الحوار‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية،‭ ‬وبين‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفية‭ ‬المتعايشة،‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬الصناعات‭ ‬المختلفة‭ ‬والمتنوعة،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحياء‭ ‬لحظة‭ ‬مسرحية‭ ‬شاملة‭ ‬وغنيّة؛‭ ‬لحظة‭ ‬عيدية‭ ‬تمتاز‭ ‬بغناها‭ ‬الجوّاني‭ ‬والبرّاني‭ ‬معًا،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬متخيّلها،‭ ‬ومن‭ ‬غناها‭ ‬الفكري،‭ ‬وانتهاء‭ ‬إلى‭ ‬غنى‭ ‬أصواتها،‭ ‬وأضوائها،‭ ‬وأشكالها،‭ ‬وألوانها،‭ ‬وحركاتها،‭ ‬وأزيائها،‭ ‬وكلماتها‭ ‬وعباراتها،‭ ‬وغنى‭ ‬التعبيرات‭ ‬الجسدية‭ ‬والروحية‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإخراج‭ ‬الاحتفالي‭ ‬يتم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬المكشوف،‭ ‬وتكون‭ ‬كل‭ ‬الحركات‭ ‬وكل‭ ‬السكنات‭ ‬وكل‭ ‬التعبيرات‭ ‬حيّة؛‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭ ‬الآنية،‭ ‬ومن‭ ‬الغناء‭ ‬الحي،‭ ‬ومن‭ ‬الأداء‭ ‬المباشر،‭ ‬والتي‭ ‬تتمرد‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬التسجيلات‭ ‬الصوتية‭ ‬الخارجية،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بتغيير‭ ‬الملابس،‭ ‬وبتبادل‭ ‬الأدوار‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الكواليس،‭ ‬والتي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬المسرحية‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الستارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬التلاقي‭ ‬الاحتفالي،‭ ‬وهو‭ ‬لحظة‭ ‬للكشف‭ ‬والمكاشفة،‭ ‬ولحظة‭ ‬للبوح‭ ‬الصادق،‭ ‬ولحظة‭ ‬للتعري‭ ‬الفكري‭ ‬والوجداني‭ ‬والروحي،‭ ‬أمام‭ ‬الذات‭ ‬وأمام‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأمام‭ ‬التاريخ‭.‬

 

أداء‭ ‬لا‭ ‬تمثيل

في‭ ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي‭ ‬أداء‭ ‬مسرحي‭ ‬لا‭ ‬نسميه‭ ‬تمثيلًا،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬التمثيل‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬المدرسي‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬الصدق‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬التعييد‭ ‬المسرحي‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ضروريًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للمسرح‭ ‬الاحتفالي‭ ‬‮«‬منهجيته‮»‬‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأن‭ ‬يعتمد‭ ‬الأداء‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنهجية‭ ‬على‭ ‬الصدق،‭ ‬وعلى‭ ‬الشفافية،‭ ‬والتلقائية،‭ ‬والانسيابية،‭ ‬والحيوية،‭ ‬واجتناب‭ ‬تكرار‭ ‬شخصيات‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لأنّ‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تركيب‭ ‬شخصيات‭ ‬جديدة،‭ ‬لواقع‭ ‬جديد،‭ ‬شخصيات‭ ‬تكون‭ ‬مهمتها‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬المسرحي‭ ‬الجديد،‭ ‬وذلك‭ ‬بشكل‭ ‬جديد،‭ ‬وبإحساس‭ ‬جديد،‭ ‬وبوعي‭ ‬جديد،‭ ‬وبمنطق‭ ‬جديد،‭ ‬وبفعل‭ ‬وانفعال‭ ‬جديدين‭ ‬أيضًا‭.‬

  ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬العناصر‭ ‬الاحتفالية‭ ‬في‭ ‬الأزياء‭ ‬أيضًا،‭ ‬وفي‭ ‬الاكسسوارات‭ ‬التي‭ ‬تصبح‭ ‬لها‭ ‬وظائف‭ ‬جديدة،‭ ‬وفي‭ ‬الإضاءة،‭ ‬وفي‭ ‬الغناء،‭ ‬وفي‭ ‬الإنشاد‭ ‬الديني،‭ ‬وفي‭ ‬التراتيل‭ ‬الصوفية،‭ ‬وفي‭ ‬طبيعة‭ ‬المكان‭ ‬المسرحي،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬تشترط‭ ‬الاحتفالية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مسرحًا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬بناية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬لهذه‭ ‬البناية‭ ‬كلّ‭ ‬مقومات‭ ‬المسرح‭ ‬الإيطالي‭ ‬العمرانية‭ ‬والهندسية،‭ ‬لأنّ‭ ‬الأساس،‭ ‬في‭ ‬التلاقي‭ ‬الاحتفالي‭ ‬دائمًا،‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬الاحتفال،‭ ‬وهو‭ ‬الإنسان‭ ‬المحتفل،‭ ‬وهو‭ ‬الحالة‭ ‬الشعورية‭ ‬والانفعالية‭ ‬والوجدانية‭ ‬والروحية‭ ‬التي‭ ‬تصاحب‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال،‭ ‬وهو‭ ‬القضية‭ ‬العامة‭ ‬والمقتسمة‭ ‬التي‭ ‬يتضمنها،‭ ‬وهو‭ ‬المناخ‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يلفّ‭ ‬كل‭ ‬المحتفلين،‭ ‬وهو‭ ‬السياق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يحيا‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬المسرحي،‭ ‬وهو‭ ‬لحظته‭ ‬الآنية‭ ‬الحيّة،‭ ‬وهو‭ ‬ذاكرته‭ ‬الغنية‭ ‬بالصور‭ ‬والمشاهد‭ .‬

  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسرح‭ ‬نبحث‭ ‬أساسًا‭ ‬عن‭ ‬التناغم،‭ ‬وبغير‭ ‬هذا،‭ ‬فإنّه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مسرح‭ ‬الوجود‭ ‬سيمفونية‭ ‬احتفالية‭ ‬بأصوات‭ ‬متعددة،‭ ‬وعن‭ ‬معنى‭ ‬هذه‭ ‬الموسيقى‭ ‬المؤسسة‭ ‬للبهجة‭ ‬والفرح‭ ‬يقول‭ ‬الاحتفالي‭ ‬‮«‬هي‭ ‬صوت‭ ‬يكلّم‭ ‬صوتًا‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الأصوات‭...‬‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬بهذا‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬أكبر‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬آلات‭ ‬العزف،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صوت‭ ‬آلة‭ ‬من‭ ‬الآلات‭ ‬فهي‭ ‬‮«‬هي‭ ‬صوت‭ ‬الروح‭... ‬روح‭ ‬الكون‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬الكلمة‭ ‬الشعرية‭ ‬موسيقى‭ ‬بغير‭ ‬آلة‭ ‬موسيقية،‭ ‬وفي‭ ‬الرقص‭ ‬إيقاع‭ ‬موسيقي‭ ‬بغير‭ ‬آلة‭ ‬موسيقية،‭ ‬وفي‭ ‬الطبيعة‭ ‬موسيقى‭ ‬بغير‭ ‬آلة‭ ‬موسيقية‭.‬

  ‬ولعل‭ ‬أجمل‭ ‬وأنبل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الموسيقى‭ ‬الكونية‭ ‬هو‭ ‬حوار‭ ‬الأصوات‭ ‬فيها،‭ ‬وتناغمها،‭ ‬وتكاملها،‭ ‬وهي‭ ‬أنّها‭ ‬تتكلم‭ ‬لغة‭ ‬واحدة،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬الطبيعة‭ ‬الحيّة،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬أبغض‭ ‬إلى‭ ‬الاحتفالي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬النشاز،‭ ‬ومن‭ ‬فوضى‭ ‬الأصوات‭...‬‮»‬‭ ‬و‭(‬الموسيقى‭ ‬يا‭ ‬صاحبي‭ ‬هي‭ ‬روح‭ ‬الوجود،‭ ‬وهي‭ ‬روح‭ ‬كل‭ ‬الموجودات،‭ ‬وروح‭ ‬كل‭ ‬المخلوقات‭ ‬والمصنوعات‭... ‬هي‭ ‬لغتها‭ ‬الأولى‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬أفصح‭ ‬وأبلغ‭ ‬وأصدق‭ ‬كل‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬الحي،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬وفي‭ ‬الكون،‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كلامي‭ ‬وصمتي،‭ ‬وفي‭ ‬حركتي‭ ‬وسكوني،‭ ‬وفي‭ ‬يقظتي‭ ‬وأحلامي،‭ ‬وفي‭ ‬خيالاتي‭ ‬وأحلامي،‭ ‬ومَن‭ ‬يدري،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬شخيري‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭ ‬أيضًا‭)!‬

 

في‭ ‬المؤسسة‭ ‬الاحتفالية

  ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬إذن،‭ ‬وبخلاف‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يظن‭ ‬البعض،‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بأن‭ ‬تقترح‭ ‬شكلاً‭ ‬تعبيريًا‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وأن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬ذلك،‭ ‬لكنّها‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬اقتراح‭ ‬مؤسسة‭ ‬مسرحية‭ ‬متكاملة؛‭ ‬مؤسسة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬ومن‭ ‬الأحياء،‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ومن‭ ‬قضايا‭ ‬الناس،‭ ‬وأهم‭ ‬شروط‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هو‭ ‬ألّا‭ ‬تكون‭ ‬إطارًا‭ ‬بيروقراطيًا،‭ ‬وألّا‭ ‬تكون‭ ‬تابعة‭ ‬للإدارة‭ ‬وللسلطة‭ ‬الحكومية،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ألّا‭ ‬تكون‭ ‬شركة،‭ ‬وألّا‭ ‬تكون‭ ‬تابعة‭ ‬للسلطة‭ ‬المالية،‭ ‬فتضيع‭ ‬منها‭ ‬هويتها،‭ ‬وتخسر‭ ‬حرّيتها،‭ ‬وتفرّط‭ ‬في‭ ‬حقيقتها،‭ ‬وتصبح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مؤسسة‭ ‬للإعلان‭ ‬التجاري‭ ‬والإشهاري،‭ ‬وأن‭ ‬يصبح‭ ‬المبدع‭ ‬فيها‭ ‬عبدًا‭ ‬للشباك،‭ ‬وذلك‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حرًّا‭ ‬ومستقلًا،‭ ‬إن‭ ‬الفعل‭ ‬المسرحي‭ ‬إبداع‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وشرط‭ ‬الإبداع‭ ‬الحرية،‭ ‬و‭(‬أكثر‭ ‬المجتمعات‭ ‬إبداعًا‭ ‬هو‭ ‬أكثرها‭ ‬حرية‭ ‬وديمقراطية،‭ ‬وهي‭ ‬بالضرورة‭ ‬أكثرها‭ ‬احتفالية‭).‬

  ‬إن‭ ‬المؤسسة‭ ‬الاحتفالية‭ ‬ليست‭ ‬فرقة،‭ ‬وليست‭ ‬تعاونية،‭ ‬وليست‭ ‬شركة،‭ ‬وليست‭ ‬مرفقًا‭ ‬إداريًا،‭ ‬لكنّها‭ ‬أسرة‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬أسرة‭ ‬فنية‭ ‬للإبداع‭ ‬الفكري‭ ‬والأدبي‭ ‬والفني،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الكل‭ ‬يلتف‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬قناعة‭ ‬واحدة،‭ ‬ويسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬تصوُّر‭ ‬نظري‭ ‬له‭ ‬شقّ‭ ‬مهني‭ ‬متعلّق‭ ‬بالمسرح،‭ ‬وشقّ‭ ‬فكري‭ ‬متعلّق‭ ‬بمستقبل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبمستقبل‭ ‬الإنسان‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الحرة،‭ ‬يكون‭ ‬المبدع‭ ‬سيّد‭ ‬نفسه،‭ ‬ويكون‭ ‬مالك‭ ‬فنّه،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬موظف،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الدولة،‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬أجير،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬التجاري‭.‬

  ‬ولهذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬نقدها‭ ‬المسرحي‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهو‭ ‬نقد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والقلب‭ ‬معًا،‭ ‬وهو‭ ‬فكر‭ ‬وفنّ‭ ‬وعلم‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬إبداع‭ ‬يحاور‭ ‬الإبداع،‭ ‬وهو‭ ‬اجتهاد‭ ‬يكمل‭ ‬الاجتهاد‭ ‬الفني،‭ ‬ويضيف‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬رؤيته‭ ‬ومن‭ ‬لمساته‭ ‬الفنية‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬وهو‭ ‬بهذا‭ ‬نقد‭ ‬آخر‭ ‬مختلف،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬النقد‭ ‬المدرسي‭ ‬المعروف‭ ‬والمألوف،‭ ‬وغير‭ ‬النقد‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الاتباعي‭ ‬والمنفعل،‭ ‬وغير‭ ‬النقد‭ ‬الانطباعي‭ ‬البسيط‭ ‬والساذج،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬متابعات‭ ‬نقدية‭ ‬وصفيّة،‭ ‬ومجرد‭ ‬حاشية‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬وعلى‭ ‬متنها‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النقد‭ ‬الاحتفالي‭ ‬يحضر‭ ‬الذوق،‭ ‬وتتحقق‭ ‬متعة‭ ‬القراءة،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬تصويبات،‭ ‬أو‭ ‬ملاحظات،‭ ‬أو‭ ‬تنبيهات،‭ ‬أو‭ ‬اعتراضات،‭ ‬وتشطيبات،‭ ‬أو‭ ‬مخالفات‭ ‬يحررها‭ ‬الناقد‭ ‬الدركي‭ ‬للكاتب‭ ‬والمخرج‭ ‬وللممثلين‭ ‬والتقنيين،‭ ‬ولكل‭ ‬الشركاء‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭.‬

  ‬ولهذا‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي‭ ‬فكره‭ ‬النظري‭ ‬أيضا،‭ ‬وله‭ ‬فلسفته‭ ‬التي‭ ‬ينهض‭ ‬عليها،‭ ‬وله‭ ‬مساره‭ ‬وخطّ‭ ‬سيره،‭ ‬وله‭ ‬لغته‭ ‬وأدوات‭ ‬اشتغاله،‭ ‬وله‭ ‬طريقته‭ ‬ومنهجه،‭ ‬وله‭ ‬كونه‭ ‬الذي‭ ‬يتحرّك‭ ‬فيه،‭ ‬وله‭ ‬أفقه‭ ‬الذي‭ ‬ينجذب‭ ‬إليه،‭ ‬وله‭ ‬مدينته‭ ‬الفاضلة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأسيسها،‭ ‬وله‭ ‬لغته‭ ‬الفردوسية‭ ‬التي‭ ‬يبحث‭ ‬عنها‭ ‬وتبحث‭ ‬عنه،‭ ‬وله‭ ‬قيمُه‭ ‬التي‭ ‬يدافع‭ ‬عنها،‭ ‬وله‭ ‬معاركه‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬مرغمًا،‭ ‬وله‭ ‬أعماره‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وله‭ ‬أعماره‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يحياها‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬وله‭ ‬فعله‭ ‬وانفعاله‭ ‬وتفاعله،‭ ‬وله‭ ‬أدلّته‭ ‬وحججه‭ ‬التي‭ ‬يرفعها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التيارات‭ ‬الفكرية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬وجه‭ ‬المسارح‭ ‬الأخرى‭.‬

  ‬هذه‭ ‬إذن،‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬غيرها‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬وعميقة،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يميّز‭ ‬المسرح‭ ‬الاحتفالي،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يعطيه‭ ‬طابعه‭ ‬الخاص،‭ ‬ويجعل‭ ‬منه‭ ‬حركة‭ ‬فكرية‭ ‬وإبداعية‭ ‬معاصرة،‭ ‬ويجعلها‭ ‬أيضًا‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الحدث‭ ‬الثقافي،‭ ‬مغربيًا‭ ‬وعربيًا‭ ‬وكونيًا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬العام،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬اليوم،‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬وعن‭ ‬جدواها،‭ ‬وعن‭ ‬حدودها،‭ ‬وعن‭ ‬مسائلها‭ ‬النظرية‭ ‬والفنية‭ ‬والتقنية،‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬كاملة،‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬محافظًا‭ ‬على‭ ‬جدّته‭ ‬وجديته،‭ ‬وعلى‭ ‬حرارته‭ ‬وآنيته،‭ ‬وظل‭ ‬يستفز‭ ‬الأذهان‭ ‬ويتحداها،‭ ‬معرفيًا‭ ‬وجماليًا‭ ‬وأخلاقيًا،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬له‭ ‬أجوبة‭ ‬جامعة‭ ‬ومانعة،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يدلّ‭ ‬دلالة‭ ‬قاطعة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاحتفالية‭ ‬ليست‭ ‬حلم‭ ‬ليلة‭ ‬صيف،‭ ‬وليست‭ ‬موضة‭ ‬عابرة،‭ ‬وليست‭ ‬نزوة‭ ‬مجنونة،‭ ‬لكنّها‭ ‬مشروع‭ ‬تاريخي‭ ‬وحضاري‭ ‬موسع؛‭ ‬مشروع‭ ‬له‭ ‬مشروعيته‭ ‬الآنية‭ ‬والمستقبلية،‭ ‬وله‭ ‬أسباب‭ ‬نزوله،‭ ‬وله‭ ‬شروط‭ ‬وجوده‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية،‭ ‬وله‭ ‬مرجعيّاته‭ ‬المعرفية‭ ‬والجمالية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬والعربية،‭ ‬وفي‭ ‬الثقافة‭ ‬العالمية‭ ‬أيضًا‭.‬

  ‬ولأنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الاحتفالي‭ ‬هو‭ ‬سؤال‭ ‬صدامي‭ ‬واستفزازي،‭ ‬فقد‭ ‬أسس‭ ‬حوله‭ ‬نقاشًا‭ ‬واسعًا‭ ‬وعريضًا،‭ ‬وأنشأ‭ ‬الاختلاف،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الرؤية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الموقف،‭ ‬وتعدّدت‭ ‬بشأنها‭ ‬الأفكار،‭ ‬وتداخلت،‭ ‬وتناقضت،‭ ‬وتضاربت،‭ ‬وبقي‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي‭ ‬عليه‭ ‬معلّقًا‭ ‬إلى‭.. ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية■