النمو السكاني والتنمية!

النمو السكاني والتنمية!

 أخذت مسألة النمو السكاني موقعًا مهمًا في اهتمامات الإدارات السياسية في عدد من البلدان العربية. فقد أثيرت في أحد المؤتمرات المتخصصة، خلال شهر فبراير الماضي، مسألة عدم قدرة الدولة على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية بمصر، في ظل معدل النمو السكاني الراهن، الذي يصل إلى 2 بالمئة سنويًا.
 وأكد أن هذا المعدل يعني زيادة مليوني نسمة سنويًا، حيث إن عدد السكان قد بلغ 101 مليون نسمة، ولا شك في أنّ هناك بلدانًا عربية أخرى تعاني تبعات الزيادة السكانية التي تزيد من أعباء الدولة المتمثلة بالرعاية الصحية والإسكان والتعليم، وأهم من ذلك توفير فرص العمل للشباب المتدفقين إلى سوق العمل سنويًا، في ظل اقتصادات مأزومة.

  ‬اتّبع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬سياسات‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬التناسل‭ ‬وتنظيم‭ ‬الأسرة،‭ ‬لكنّ‭ ‬نتائج‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭ ‬ظلّت‭ ‬محدودة‭ ‬الأثر‭.‬

‭ ‬وعندما‭ ‬يتمعّن‭ ‬المرء‭ ‬بالتحولات‭ ‬الديمغرافية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭ ‬عديدة،‭ ‬فسوف‭ ‬يتبين‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬والتحولات‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تطورات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واضحة،‭ ‬مثل‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬اليابان‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭ ‬والهند‭ ‬والصين‭. ‬

وغنيّ‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬صناعية‭ ‬مرّت‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ونحن‭ ‬الآن‭ ‬نعيش‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالتطورات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والاتصالات‭.‬

‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬الإجمالية‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬نحو‭ ‬423‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭.‬

وفيما‭ ‬يلي‭ ‬نبيّن‭ ‬التطورات‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬أتيحت‭ ‬لنا‭ ‬بيانات‭ ‬مفيدة‭ ‬عنها‭. ‬

والتساؤل‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬بلغت‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬هذه‭ ‬الحجوم‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬القصيرة،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1950؟

 

معضلة‭ ‬مصر

    ‬يشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬الأكبر‭ ‬حجمًا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬لم‭ ‬يزد‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭.‬

  ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬آنذاك،‭ ‬فلسفة‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬تمثّلت‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الإقطاع‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأفدنة‭ ‬الزراعية‭ ‬على‭ ‬الفلاحين‭ ‬في‭ ‬الريف،‭ ‬كما‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وعزّز‭ ‬مجانية‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مدن‭ ‬وأرياف‭ ‬مصر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬طرح‭ ‬مسألة‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭ ‬وحاول‭ ‬تشجيع‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬الإنجاب‭ ‬وتأصيل‭ ‬الأسر‭ ‬النووية‭ ‬ورعايتها‭ ‬بالتعليم‭ ‬والوقاية‭ ‬الصحية‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭. ‬كانت‭ ‬الطبقات‭ ‬الوسطى‭ ‬والثريّة‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو،‭ ‬وبعدها‭ ‬لا‭ ‬تنجب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طفلين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير‭.‬

  ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬معلومة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثل‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬التي‭ ‬تقطنها‭ ‬العائلات‭ ‬الغنية‭ ‬أو‭ ‬المتعلمة‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬أربابها‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن‭ ‬مثل‭ ‬الأطباء‭ ‬والمحامين‭ ‬والمهندسين‭ ‬أو‭ ‬رجال‭ ‬التعليم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأسر‭ ‬كانت‭ ‬تشمل‭ ‬نساء‭ ‬متعلمات‭ ‬والبعض‭ ‬منهن‭ ‬يعملن‭ ‬في‭ ‬مهن‭ ‬أساسية‭ ‬بالإدارات‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬القطاعات‭ ‬الأهلية،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬تجاوب‭ ‬تلك‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إيجابيًا‭ ‬مع‭ ‬دعوات‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭.‬

  ‬لكنّ‭ ‬المعضلة‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬الفئات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬أفرادًا‭ ‬غير‭ ‬متعلمين‭ ‬أو‭ ‬محدودي‭ ‬التعليم‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬هيّنًا‭ ‬لنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬تحديد‭ ‬النسل‭ ‬في‭ ‬الأرياف‭ ‬أو‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬بالمدن‭ ‬الكبرى‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬المتوارثة‭ ‬لم‭ ‬تسعف‭ ‬الإدارات‭ ‬الحكومية‭ ‬لتحقيق‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوّة‭.‬

 

المغرب

‭ ‬إذا‭ ‬انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬ديمغرافي‭ ‬عربي‭ ‬آخر،‭ ‬فماذا‭ ‬نجد؟‭ ‬ليكن‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬هو‭ ‬المغرب،‭ ‬كما‭ ‬يتبيّن‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬بلغ‭ ‬3‭.‬6‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭. ‬ومعلوم‭ ‬أنه‭ ‬بلد‭ ‬يتمتع‭ ‬بمساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬711‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭.‬

  ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬12‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وكان‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬2‭.‬7‭ ‬بالمئة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬7‭.‬2‭ ‬أطفال‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الإنجاب‭. ‬لكن‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية‭ ‬تبدّلت‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬تحسُّن‭ ‬الأوضاع‭ ‬التعليمية‭ ‬والمتغيرات‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬لذلك‭ ‬سجلت‭ ‬الإحصاءات‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬1‭.‬2‭ ‬بالمئة،‭ ‬وتراجع‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬إلى‭ ‬طفلين‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الإنجاب‭.‬

  ‬ربما‭ ‬ساهم‭ ‬تطوّر‭ ‬الحياة‭ ‬الأسرية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ودخول‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وتحسُّن‭ ‬المستويات‭ ‬التعليمية‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬النتائج،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬ألّا‭ ‬نغفل‭ ‬مسألة‭ ‬العزوف‭ ‬عن‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬أيضًا‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية،‭ ‬تتمثّل‭ ‬في‭ ‬تضاؤل‭ ‬فرص‭ ‬العمل،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬للمتعلمين‭ ‬وأصحاب‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية،‭ ‬وهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬تشمل‭ ‬بلدان‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

‭ ‬لكنّ‭ ‬المجتمع‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يظل‭ ‬مجتمعًا‭ ‬شابًا،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬35‭ ‬سنة‭ ‬نحو‭ ‬62‭.‬5‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يظل‭ ‬بلدًا‭ ‬ينعم‭ ‬بإمكانات‭ ‬اقتصادية‭ ‬مهمة،‭ ‬ولحُسن‭ ‬الحظ‭ ‬هناك‭ ‬إدارة‭ ‬سياسية‭ ‬عصرية،‭ ‬وتعمل‭ ‬بموجب‭ ‬آليات‭ ‬ديمقراطية‭ ‬واقعية،‭ ‬ويتم‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭.‬

 

عودة‭ ‬إلى‭ ‬مصر

  ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬نشير‭ ‬إليها،‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنمو‭ ‬السكاني‭ ‬يتساءل‭ ‬المرء‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للإدارة‭ ‬المصرية‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬مسألة‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬وتحفز‭ ‬المواطنين‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬النسل‭ ‬والانتصار‭ ‬للأسرة‭ ‬النووية‭ ‬المتعلمة‭ ‬والمنتجة؟‭ ‬

غنيّ‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬التحديات‭ ‬صعبة،‭ ‬وتتطلب‭ ‬جهودًا‭ ‬مضنية،‭ ‬تعليمية‭ ‬وثقافية،‭ ‬ناهيك‭ ‬بتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وهناك‭ ‬مشكلة‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬يذكر‭ ‬تقرير‭ ‬متخصص‭ ‬للمعهد‭ ‬القومي‭ ‬للتخطيط‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الفقراء‭ ‬ارتفع‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬12‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬فرد‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬2021،‭ ‬وقد‭ ‬حدد‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬مستوى‭ ‬الفقر‭ ‬للفرد‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬بدخل‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬3‭.‬2‭ ‬دولارات‭ ‬في‭ ‬اليوم‭. ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬بارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬قد‭ ‬يساوي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬نحو‭ ‬400‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬الدخل‭ ‬السنوي‭ ‬للفرد‭ ‬يعادل‭ ‬4000‭ ‬دولار‭. ‬لكن‭ ‬الفقر‭ ‬مازال‭ ‬قاتلًا‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الراهنة،‭ ‬فإنّ‭ ‬معدل‭ ‬الفقر‭ ‬قابل‭ ‬للارتفاع‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬البلاد‭ ‬حلولًا‭ ‬مقنعة‭ ‬لمعضلة‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭.‬

 

تونس

‭ ‬قدّر‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بلغ‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬عام‭ ‬2019‭. ‬تونس‭ ‬تتمتع‭ ‬باتساع‭ ‬قاعدة‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬وتحسّن‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬واعتماد‭ ‬ثقافة‭ ‬مدنية،‭ ‬وهذه‭ ‬عوامل‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬قيم‭ ‬حضرية‭ ‬تعزز‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأسرية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬تمكّنت‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬حيث‭ ‬سجّل‭ ‬معدلًا‭ ‬للنمو‭ ‬السكاني‭ ‬بحدود‭ ‬1‭.‬1‭ ‬بالمئة‭ ‬عام‭ ‬2019‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬بلغ‭ ‬2‭.‬2‭ ‬طفل‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الإنجاب،‭ ‬وظل‭ ‬معدل‭ ‬العمر‭ ‬المتوسط‭ ‬للذكور‭ ‬والإناث‭ ‬في‭ ‬تحسّن‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1950،‭ ‬فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عامًا‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬إلى‭ ‬77‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬لكنّ‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تراجعت‭ ‬منذ‭ ‬ثورة‭ ‬الياسمين‭ ‬والتغيير‭ ‬السياسي‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬وأصبح‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬السياحة‭ ‬كمصدر‭ ‬أساسي‭ ‬للدخل‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للمواطنين،‭ ‬يعاني‭ ‬تراجع‭ ‬أعداد‭ ‬الزائرين‭ ‬وتعطّل‭ ‬أعمال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنادق‭ ‬والنُّزل‭ ‬السياحية،‭ ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬تعطّل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬السياحية‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الخدمية‭.‬

‭ ‬أيضًا،‭ ‬أدت‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وتقدّر‭ ‬نسبة‭ ‬الفقراء‭ ‬بـ‭ ‬22‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬السكان‭. ‬إذًا‭ ‬فإنّ‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الديمغرافي‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬أوضاع‭ ‬الفقر،‭ ‬أيضًا‭.‬

 

لبنان

‭ ‬قدّر‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬بنحو‭ ‬6.5‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة؛‭ ‬منهم‭ ‬910‭ ‬آلاف‭ ‬سوري،‭ ‬و470‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سلبي،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬أعداد‭ ‬المهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬بسبب‭ ‬تأزّم‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وانسداد‭ ‬المعالجات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬التوتر‭ ‬السياسي،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬سورية‭. ‬وقدّر‭ ‬النمو‭ ‬السالب‭ ‬للسكان‭ ‬
بـ‭ ‬0‭.‬44‭ ‬بالمئة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬ظل‭ ‬منخفضًا،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتعدّ‭ ‬طفلين‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الإنجاب‭.‬

‭ ‬يسكن‭ ‬اللبنانيون،‭ ‬في‭ ‬غالبيتهم،‭ ‬بالمدن‭ ‬الرئيسية،‭ ‬ومنها‭ ‬بيروت‭ ‬وصيدا‭ ‬وطرابلس‭ ‬وصور‭ ‬ومدن‭ ‬أخرى‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬والشمال‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬التاريخ‭ ‬اللبناني‭ ‬المعاصر،‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬شهدت‭ ‬تطورات‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬التعليم،‭ ‬وأنشئت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬جامعات‭ ‬متميزة،‭ ‬مثل‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬والجامعة‭ ‬اليسوعية‭ ‬والجامعة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬ناهيك‭ ‬بمعاهد‭ ‬التعليم‭ ‬المهني‭ ‬المتميزة‭. ‬

وقد‭ ‬تمكّن‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬عمالة‭ ‬ماهرة‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة‭ ‬منذ‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬واستقبلت‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬أعدادًا‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬لكن‭ ‬البلد‭ ‬غرق‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬اقتصادية‭ ‬متردية،‭ ‬تفاقمت‭ ‬بعد‭ ‬تأزُّم‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬وتفشي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تعطّل‭ ‬الأعمال‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭. ‬

وتقدّر‭ ‬التقارير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الموثوقة‭ ‬أن‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬قد‭ ‬انكمش‭ ‬بنسبة‭ ‬19‭.‬2‭ ‬بالمئة‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وقدرت‭ ‬منظمة‭ ‬لجنة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لغرب‭ ‬آسيا‭ (‬ESCWA‭) ‬أن‭ ‬55‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬لبنان‭ ‬ربما‭ ‬غرقوا‭ ‬في‭ ‬مستنقعات‭ ‬الفقر‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬إذًا‭ ‬هناك‭ ‬أوضاع‭ ‬تتجاوز‭ ‬معضلة‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬وتعطل‭ ‬إمكانات‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

 

‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭... ‬هل‭ ‬ثمّة‭ ‬فرق؟

‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬النموذج‭ ‬الديمغرافي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬النماذج‭ ‬الطبيعية،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬أعداد‭ ‬الوافدين‭ ‬وتتزايد‭ ‬مساهمتهم‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المواطنين‭.‬

‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عصر‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬سعت‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬لتبني‭ ‬نموذج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي،‭ ‬واعتمدت‭ ‬على‭ ‬عمالة‭ ‬وافدة‭ ‬لتشغيل‭ ‬مختلف‭ ‬المرافق‭ ‬والأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ولتوفير‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬التعليمي‭ ‬والصحي‭.‬

  ‬لكنّ‭ ‬توزيع‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬يتفاوت،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬نحو‭ ‬34‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬والكويت‭ ‬4‭.‬4‭ ‬ملايين،‭ ‬والإمارات‭ ‬10‭ ‬ملايين،‭ ‬وعُمان‭ ‬5‭ ‬ملايين،‭ ‬وقطر‭ ‬2‭.‬8‭ ‬مليون،‭ ‬والبحرين‭ ‬1‭.‬7‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وتتفاوت‭ ‬نسبة‭ ‬المواطنين‭ ‬بين‭ ‬بلد‭ ‬وآخر،‭ ‬حيث‭ ‬تبلغ‭ ‬72‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬و73‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬عمان،‭ ‬و30‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬و15‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬و47‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬و10‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬قطر‭.‬

  ‬وساهمت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬مسألة‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬وأهمية‭ ‬معالجة‭ ‬تشوّهاتها‭ ‬وإصلاح‭ ‬أسواق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مساهمة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬إصلاح‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬يتطلب‭ ‬وضوحًا‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التنمية،‭ ‬وتأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬التي‭ ‬تكرّست‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬زمني‭ ‬تجاوز‭ ‬الآن‭ ‬70‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الخليجية‭. ‬

ويجب‭ ‬التنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الوافدين‭ ‬ينتمون‭ ‬لفئات‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬المتدنية‭ ‬التعليم،‭ ‬والتي‭ ‬تقتنع‭ ‬بأجور‭ ‬ورواتب‭ ‬متواضعة،‭ ‬وهناك‭ ‬نسبة‭ ‬مهمة‭ ‬تنتمي‭ ‬للعمالة‭ ‬المنزلية‭. ‬تشكّل‭ ‬هذه‭ ‬السمات‭ ‬للعمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬معطيات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الخليجية‭ ‬والأنماط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭. ‬

ربما‭ ‬تؤدي‭ ‬التطورات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الراهنة‭ ‬وتراجع‭ ‬الإيرادات‭ ‬النفطية‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تمكُّن‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬مستويات‭ ‬الرفاهية‭ ‬السائدة‭ ‬ومراجعة‭ ‬فلسفة‭ ‬الدعم‭ ‬وتحفيز‭ ‬المواطنين‭ ‬لدفع‭ ‬ضرائب‭ ‬ورسوم‭ ‬للخزائن‭ ‬العامة،‭ ‬وتأكيد‭ ‬مساهمة‭ ‬المواطنين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬منشآت‭ ‬ومؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بما‭ ‬يتطلّب‭ ‬إصلاح‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬للتركيز‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬المهني‭.‬

 

‭ ‬أسرع‭ ‬معدلات‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬العالم

  ‬قدّر‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الخليج‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬بنحو‭ ‬53‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬شاملًا‭ ‬الوافدين،‭ ‬لكنّ‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يعدّ‭ ‬من‭ ‬أسرع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬المجتمع‭ ‬السكاني‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬35‭ ‬سنة،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬بالمئة‭.‬

  ‬وبلغ‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬2‭.‬4‭ ‬بالمئة‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬يظل‭ ‬هذا‭ ‬المعدل‭ ‬مرتفعًا‭. ‬ربّما‭ ‬ستعمل‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتوجهات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وعُمان‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تدفُّق‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انخفاض‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بمعدلات‭ ‬الخصوبة،‭ ‬التي‭ ‬تُحسب‭ ‬لكل‭ ‬النساء،‭ ‬مواطنات‭ ‬أو‭ ‬وافدات،‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مؤشرًا‭ ‬واضحًا،‭ ‬نظرًا‭ ‬لانخفاض‭ ‬أعداد‭ ‬النساء‭ ‬الوافدات‭ ‬مقارنة‭ ‬بالوافدين‭ ‬من‭ ‬الذكور،‭ ‬لذلك‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬معدلات‭ ‬الخصوبة‭ ‬أعلى‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬المواطنات‭.‬

  ‬وتشير‭ ‬البيانات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬الخصوبة‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الإنجاب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬1‭.‬5‭ ‬و2‭.‬9‭ ‬طفل‭. ‬غنيّ‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬المعدل‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬معدلات‭ ‬الزواج‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬مازالت‭ ‬مرتفعة‭ ‬والإنجاب‭ ‬يظلّ‭ ‬متسارعًا‭.‬

  ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وقيم‭ ‬الزواج‭ ‬والإنجاب،‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬مجتمعات‭ ‬تؤثر‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬وتسعى‭ ‬لكسب‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬للأبناء،‭ ‬بما‭ ‬يمكّنهم‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬قدراتهم‭ ‬وإبداعاتهم،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭.‬

 

المأزق‭ ‬التنموي

  ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشاكل‭ ‬عديدة‭ ‬تواجه‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬وتنظيم‭ ‬الأسرة‭. ‬تؤكد‭ ‬البيانات‭ ‬أن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ولبنان،‭ ‬لم‭ ‬يسعف‭ ‬البلدان‭ ‬ويحرّرها‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬الفقر‭. ‬

‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لصياغة‭ ‬مفاهيم‭ ‬تنموية‭ ‬ملائمة‭ ‬تؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬ضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬للمواطنين‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬مداخيلهم‭ ‬وظروفهم‭ ‬المعيشية‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬الحلول‭ ‬يسيرة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معطيات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬والأوضاع‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬فيها،‭ ‬لكنّ‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لمعالجة‭ ‬التشوهات‭ ‬وتوفير‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬الملائم‭ ‬والاستقرار‭ ‬الأمني،‭ ‬بما‭ ‬يمنح‭ ‬مجتمع‭ ‬الأعمال‭ ‬الثقة‭ ‬بنجاح‭ ‬المشاريع‭ ‬والأعمال‭ ‬ويدفع‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب‭ ‬لتوظيف‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬ذات‭ ‬الجدوى‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بميزات‭ ‬نسبية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬للإنفاق‭ ‬الاستثماري‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬عناصر‭ ‬الجدوى‭ ‬متوافرة‭ ‬فيه‭.‬

‭ ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإنّ‭ ‬مسألة‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تفهّم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الربط‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬المستحقة‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تبنّي‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تنموية‭ ‬مفيدة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬نمو‭ ‬سكاني‭ ‬معقول‭ ‬وبرامج‭ ‬تعليم‭ ‬مجدية‭ ‬ورعاية‭ ‬صحية‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع‭ ‬وبيئة‭ ‬عمل‭ ‬اقتصادي‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬الحكومات‭ ‬وتدار‭ ‬بموجب‭ ‬مفاهيم‭ ‬عصرية؟

‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُثار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬قناعات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مفيدة‭! ‬■