ووهان العربي في مهد «كورونا»

ووهان  العربي في مهد «كورونا»

لا أخبار اللقاحات ولا انخفاض مستوى منحنيات الإصابة العالمية بـ «كوفيد - 91» كانت قادرةً على أن تحقننا بهذا القدر من التفاؤل بأن البشرية في طريقها لتجاوز المعضلة الكوفيدية، وحدها زيارتنا لمدينة ووهان فعلت ذلك؛ فقد أترعتنا بالأمل، وجعلتنا نزهو شامتين بالفيروس المهزوم في عُقرِ داره. لم تكن ووهان قبل «الحدث الكوفيدي» مدينةً مغمورةً، لكنها لم تكن المدينة الأشهر في العالم، كما حدث لها خلال الفترة من يناير وحتى ديسمبر من العام المنصرم 2020م؛ إذ كانت ووهان - خلال هذه الفترة - أكثر المدن حضورًا على ألسنة المذيعين وأقلام الكُتّاب.

في‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬مقاطعة‭ ‬خوبي،‭ ‬حيث‭ ‬ووهان‭ ‬عاصمة‭ ‬المقاطعة‭ ‬ورمزها‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضري،‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬وحده‭ ‬لنتمكن‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬المحطات‭ ‬والمنافذ،‭ ‬فثمّة‭ ‬هويّة‭ ‬أخرى‭ ‬تعادل‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ - ‬بل‭ ‬وتتجاوزه‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭ - ‬إنه‭ ‬كود‭ ‬العلامة‭ ‬الصحية،‭ ‬هذا‭ ‬الكود‭ ‬المثبّت‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬الخلوية‭ ‬لمئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬قاطني‭ ‬بلاد‭ ‬التنين‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬فبراير‭ ‬2020م،‭ ‬يُعدّ‭ ‬تأشيرة‭ ‬عبورنا‭ ‬لجميع‭ ‬المنافذ،‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬التنقل‭ ‬وحتى‭ ‬أبواب‭ ‬المؤسسات؛‭ ‬فمستلزماتك‭ ‬لمواصلة‭ ‬الطريق‭ ‬واضحة‭: (‬اعرض‭ ‬الكرت‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وضع‭ ‬القناع‭ ‬الطبي‭ ‬جيدًا‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الكرت‭ ‬الأخضر‭ ‬المحدَّث‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬برنامج‭ ‬تعقّب‭ ‬صحي‭ ‬تعمل‭ ‬خوارزمياته‭ ‬على‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬صاحبه‭ ‬لم‭ ‬يختلط‭ ‬بأي‭ ‬حالة‭ ‬مصابة‭ ‬بالفيروس‭ ‬المستجد‭.‬

نحن‭ ‬قادمون‭ ‬من‭ ‬مقاطعة‭ ‬جيجيانغ‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬شرق‭ ‬الصين،‭ ‬وسنصل‭ ‬إلى‭ ‬ووهان‭ ‬عبر‭ ‬القطار‭ ‬الفائق‭ ‬السرعة،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬خمس‭ ‬ساعات،‭ (‬لن‭ ‬يختلف‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرًا‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬أبعد‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الصيني‭ ‬أيضًا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬الشمال‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬الجنوب‭)‬،‭ ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬الشعرية‭ ‬التلغيزية‭ ‬أراد‭ ‬الجار‭ ‬الصيني‭ ‬المرِح‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬القطار‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬ووهان‭ ‬تتوسط‭ ‬الصين‭!‬

أعجبني‭ ‬التعبير‭ ‬وأردت‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬قل‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬المركز،‭ ‬ووفّر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات،‭ ‬لكنّني‭ ‬تذكرتُ‭ ‬أنها‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭ ‬الشاعرية‭ ‬في‭ ‬معانيها‭ ‬والرسومية‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭.‬

الرحلة‭ ‬نهارية‭ ‬والطبيعة‭ ‬خلّابة‭ ‬والمقعد‭ ‬على‭ ‬نافذة،‭ ‬ثلاثيةٌ‭ ‬جعلت‭ ‬الساعات‭ ‬الخمس‭ ‬تُطوى‭ ‬سريعًا،‭ ‬ومع‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬النزول‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬يتأكد‭ ‬موظف‭ ‬المحطة‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬قدِمنا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬آمنة،‭ ‬وجينخوا‭ - ‬مقر‭ ‬إقامتنا‭ - ‬مصنّفة‭ ‬ضمن‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬الأكثر‭ ‬أمانًا؛‭ ‬لذا‭ ‬عبرنا‭ ‬بسلاسة‭ ‬وسرعة،‭ ‬ترافقنا‭ ‬ابتسامة‭ ‬الموظف‭ ‬وهو‭ ‬يسلّمنا‭ ‬الوثائق‭ ‬التي‭ ‬اطّلع‭ ‬عليها‭ ‬سريعًا،‭ ‬وأنا‭ ‬ألمح‭ ‬ضابط‭ ‬الوثائق‭ ‬هذا‭ ‬وهو‭ ‬يحدِّق‭ ‬في‭ ‬بيانات‭ ‬القادمين،‭ ‬تذكرتُ‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيءٍ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬يدور،‭ ‬حتى‭ ‬أحوال‭ ‬المدن؛‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬المدن‭ ‬تتوجس‭ ‬خيفةً‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬قادمٍ‭ ‬من‭ ‬ووهان،‭ ‬تبدّل‭ ‬الأمر‭ ‬الآن‭ ‬وصارت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬الإحداثيات‭ ‬أمنًا‭ ‬من‭ ‬الفيروس‭ ‬المزعج،‭ ‬وباتت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترتاب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قادمٍ‭ ‬غريب‭!‬

 

احزم‭ ‬المنافذ‭... ‬ودَعِ‭ ‬الحياة‭ ‬تستمر

داخل‭ ‬المدينة‭ ‬العملاقة‭ ‬ندرك‭ ‬بوضوح‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬وفعالية‭ ‬الفلسفة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الظاهرة‭ ‬الكوفيدية،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬اتبعت‭ ‬الصين‭ ‬نظام‭ ‬الإغلاق‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬البدء،‭ ‬انتقلت‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬احزم‭ ‬المنافذ‭ ‬جيدًا،‭ ‬وفي‭ ‬الداخل‭ ‬دع‭ ‬الناس‭ ‬يمارسون‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬معمولٌ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬المركزي‭ ‬إلى‭ ‬أصغر‭ ‬المؤسسات؛‭ ‬فإجراءات‭ ‬الدخول‭ ‬مشددة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬طبيعية،‭ ‬وهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬برأيي‭ ‬نموذجي‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬ثنائية‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمناخ‭ ‬الصحي‭ ‬الآمن‭.‬

صاخبة‭ ‬هي‭ ‬المدينة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لتجعلك‭ ‬تُقسِم‭ ‬أنها‭ ‬تنتقم‭ ‬من‭ ‬شهور‭ ‬الخوف‭ ‬والحرمان‭ ‬التي‭ ‬كابدتها‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬الأول‭ ‬ضد‭ ‬الفيروس‭ ‬الشرس،‭ ‬شوارعها‭ ‬الآن‭ ‬ضاجّة‭ ‬بالحياة،‭ ‬وعروضها‭ ‬الفولكلورية‭ ‬تحاصرك‭ ‬أنّى‭ ‬يمّمت‭ ‬وجهك،‭ ‬والثقل‭ ‬التاريخي‭ ‬والحالي‭ ‬للمدينة‭ ‬يجعلها‭ ‬تكبر‭ ‬في‭ ‬عينيك‭ ‬بطريقة‭ ‬أُسيّة‭.‬

وحتى‭ ‬مع‭ ‬السرعة‭ ‬الضوئية‭ ‬التي‭ ‬انتشر‭ ‬بها‭ ‬اسم‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬خلال‭ ‬بدايات‭ ‬الجائحة،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نصنّفها‭ ‬ضمن‭ ‬مصفوفة‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬اكتسبت‭ ‬شهرتها‭ ‬ومكانتها‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬كارثة؛‭ ‬فالمدينة‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬مثّلت‭ ‬عاصمة‭ ‬الأرض‭ ‬الصينية‭ ‬خلال‭ ‬فترتين‭ ‬زمنيتين؛‭ ‬فكانت‭ ‬عاصمة‭ ‬الصين‭ ‬عام‭ ‬1927م‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬حزب‭ ‬الكومينتانغ،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬بذات‭ ‬المهمة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1937م‭ ‬إبّان‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬واليابان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬ضمن‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬الصين‭ ‬مساحة‭ ‬وكثافة‭ ‬سكانية،‭ ‬فالمدينة‭ ‬تتعملق‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬النهرين‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ (‬اليانغتسي‭ ‬والهان‭)‬،‭ ‬وتصل‭ ‬مساحتها‭ ‬الإجمالية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬2800‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬مساحتها‭ ‬تساوي‭ ‬تقريبًا‭ ‬7‭ ‬أضعاف‭ ‬مدينة‭ ‬عملاقة‭ ‬مثل‭ ‬نيويورك‭! ‬ويقطنها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬مليون‭ ‬نسمة؛‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬اسمها‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬وثائق‭ ‬الدولة‭ ‬هو‭ ‬ووهان‭ ‬الكبرى‭.‬

أسأل‭ ‬الرفيق‭ ‬الصيني‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬الاسم‭ ‬ووهان،‭ ‬وهل‭ ‬له‭ ‬ارتباط‭ ‬ما‭ ‬بقومية‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬هان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الصيني،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬يجيبني‭ ‬بابتسامة‭ ‬وخجل‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أعرف‮»‬‭.‬‭ ‬

وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬يمتاز‭ ‬بها‭ ‬الصينيون‭ ‬عمومًا؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يفتيك‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬شيءٍ‭ ‬ما،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متأكدًا‭ ‬من‭ ‬صحته،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬طرحنا‭ ‬نحن‭ ‬الاثنين‭ ‬السؤال‭ ‬على‭ ‬د‭. ‬فاي‭ ‬هونغ،‭ ‬أستاذة‭ ‬للتاريخ‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬اللغات‭ ‬والآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬ووهان،‭ ‬أجابت‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬التسمية‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالـ‭ ‬‮«‬هان‮»‬‭ ‬كقومية،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬تجميعًا‭ ‬لحروف‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الثلاث‭ ‬التي‭ ‬اتحدت‭ ‬عام‭ ‬1951م‭ ‬لتكوّن‭ ‬ووهان‭ ‬التي‭ ‬نعرف،‭ ‬وهذه‭ ‬المدن‭ ‬هي‭ ‬‮«‬وو‭ ‬تشنج،‭ ‬خانكوا،‭ ‬هانيينج‮»‬،‭ ‬وبروح‭ ‬الأستاذة‭ ‬الحريصة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬طلابها‭ ‬ما‭ ‬تشرحه‭ ‬لهم،‭ ‬أخرجت‭ ‬ورقة‭ ‬وكتبت‭ ‬عليها‭ ‬أسماء‭ ‬المدن‭ ‬الثلاث،‭ ‬ثم‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬الأحرف‭ ‬المختارة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مدينة،‭ ‬وجمعتها‭ ‬لتظهر‭ ‬لنا‭ ‬كلمة‭ ‬ووهان،‭ ‬ووضعت‭ ‬خطين‭ ‬تحت‭ ‬الكلمة‭ ‬المستنتجة‭ ‬وابتسمت‭ ‬لنا،‭ ‬حييتُ‭ ‬الأستاذة‭ ‬وأخبرتُها‭ ‬أنها‭ ‬المرّة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أرى‭ ‬فيها‭ ‬برهانًا‭ ‬رياضيًا‭ ‬يُثبَت‭ ‬بواسطته‭ ‬اسم‭ ‬مدينة‭.‬

 

شفرة‭ ‬هزيمة‭ ‬الفيروس‭ ‬

منذ‭ ‬الليلة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬قضيناها‭ ‬في‭ ‬ووهان،‭ ‬أدركتُ‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬قد‭ ‬أفسدت‭ ‬خطتنا‭ ‬وترتيباتنا،‭ ‬حتى‭ ‬أنني‭ ‬أخبرتُ‭ ‬الرفاق‭ ‬بذلك،‭ ‬قلتُ‭ ‬لهم‭ ‬إننا‭ ‬قدمنا‭ ‬لنرى‭ ‬ووهان‭ ‬المنكوبة،‭ ‬لكنّها‭ ‬كشفت‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬وجهٍ‭ ‬آخر‭ ‬تمامًا،‭ ‬جئنا‭ ‬لنرى‭ ‬ووهان‭ ‬مدينة‭ ‬الفيروس،‭ ‬لكنها‭ ‬أرتنا‭ ‬ووهان‭ ‬مدينة‭ ‬البصريات‭ ‬والمتاحف‭ ‬والجامعات،‭ ‬أقودُ‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬ووهان،‭ ‬وأخبر‭ ‬الفريق‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المدينة؛‭ ‬فأضعُ‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬سنزورها‭:‬

‭(‬السوق‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬أولى‭ ‬الحالات‭ ‬ظهرت‭ ‬فيه‭ - ‬المستشفى‭ ‬العملاق‭ ‬الذي‭ ‬بُني‭ ‬وجُهِّز‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ - ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬مستشفيات‭ ‬ميدانية‭ ‬طارئة‭ - ...)‬،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الإحداثيات‭ ‬التي‭ ‬حددناها‭ ‬بدقة،‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬كشف‭ ‬الوجه‭ ‬الفيروسي‭ ‬لووهان؛‭ ‬فسوق‭ ‬الحيوانات‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودًا،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬مكانًا‭ ‬عاديًا‭ ‬تنبتُ‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬التجمعات‭ ‬الليلية‭ ‬العادية‭ ‬التي‭ ‬يمكنك‭ ‬ملاحظتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدن‭ ‬الصين،‭ ‬فيها‭ ‬محالٌّ‭ ‬صغيرة‭ ‬تبيع‭ ‬المنتجات‭ ‬اليومية‭ ‬والملابس‭ ‬والفـواكه‭ ‬الطـازجة،‭ ‬ومسـتشفى‭ ‬هوشنشان‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬أنشئ‭ ‬خصيصًا‭ ‬لمصابي‭ ‬‮«‬كوفيد‭ - ‬19‮»‬‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تعدّ‭ ‬الأسرع‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬لمنشأة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ - ‬بدأ‭ ‬إنشاؤه‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬وأصبح‭ ‬قيد‭ ‬التشغيل‭ ‬بطاقة‭ ‬استيعابية‭ ‬بلغت‭ ‬1000‭ ‬سرير‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬فبراير‭ ‬2020،‭ - ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مخصصًا‭ ‬لحالات‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬كوفيد‮»‬‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬منشآت‭ ‬البنية‭ ‬الصحية‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬ووهان‭. ‬وكل‭ ‬الملاعب‭ ‬الرياضية‭ ‬والمراكز‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مستشفيات‭ ‬ميدانية،‭ ‬وجدنا‭ ‬أنها‭ ‬عادت‭ ‬لأداء‭ ‬مهمتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬مكتظة‭ ‬بممارسي‭ ‬الرقص‭ ‬والتمارين‭ ‬الرياضية‭.‬

هل‭ ‬من‭ ‬شفرة‭ ‬ما‭ ‬قادت‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي‭ ‬والحياتي‭ ‬في‭ ‬المدينة؟‭ ‬قدّمنا‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬للبروفيسور‭ ‬دن‭ ‬جيانج‭ (‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الفيروسات‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬الجامعي،‭ ‬وأحد‭ ‬الكوادر‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬ملحمة‭ ‬المدينة‭ ‬ضد‭ ‬الغازي‭ ‬المتوّج‭)‬،‭ ‬ليجيبنا‭:‬

‮«‬الرؤية‭ ‬الحكومية‭ ‬الصحيحة،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬والاستجابة‭ ‬المجتمعية‭ ‬النموذجية،‭ ‬هذه‭ ‬باختصار‭ ‬وصفة‭ ‬الخلاص‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬ووهان‮»‬،‭ ‬ويضيف‭:‬

‮«‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للقطاع‭ ‬الصحي‭ ‬هنا‭ ‬قوية،‭ ‬فإذا‭ ‬أضفت‭ ‬إليها‭ ‬العوامل‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬ومعها‭ ‬التبنّي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬محصلة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬إلّا‭ ‬انتصارًا‭ ‬ساحقًا‭ ‬ومدينةً‭ ‬آمنةً‭ ‬من‭ ‬الفيروس،‭ ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬الآن‮»‬‭.‬

اكتفينا‭ ‬منه‭ ‬بهذه‭ ‬الإفادة،‭ ‬ولم‭ ‬نسأله‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬أنني‭ ‬قلتُ‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬لقد‭ ‬أوتي‭ ‬هذا‭ ‬البروفيسور‭ ‬جوامِع‭ ‬الكلم،‭ ‬فأجاب‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬وباختصار‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أردنا‭ ‬السؤال‭ ‬عنه‭.‬

ضجيج‭ ‬مبهج‭ ‬يملأ‭ ‬المدينة،‭ ‬وشغف‭ ‬بالحياة‭ ‬تقرأه‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬سكانها،‭ ‬وكأن‭ ‬أشهر‭ ‬النكبة‭ ‬جعلتهم‭ ‬يعيدون‭ ‬اكتشاف‭ ‬كم‭ ‬أن‭ ‬أشياءً‭ ‬كثيرةً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬تستحق‭ ‬الحياة‭.‬

أعرف‭ ‬مدن‭ ‬الصين‭ ‬الكبرى،‭ ‬وكلها‭ ‬تنام‭ ‬باكرًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ووهان‭ ‬الآن‭ ‬مدينة‭ ‬لا‭ ‬تنام‭! ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬محصورًا‭ ‬على‭ ‬يومي‭ ‬الإجازة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬قدمنا‭ ‬فيها،‭ ‬هكذا‭ ‬ظننتُ‭ ‬في‭ ‬البدء،‭ ‬لكنّ‭ ‬الأمر‭ ‬استمر‭ ‬طوال‭ ‬أيام‭ ‬إقامتنا‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬تعدت‭ ‬أيام‭ ‬الإجازة‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬تقول‭ ‬حكومة‭ ‬ووهان‭ ‬إن‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬إعادة‭ ‬التشغيل،‭ ‬لكنني‭ ‬أراها‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬القصوى،‭ ‬فووهان‭ ‬الأولى‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تستقبل‭ ‬أفواج‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬بالصين،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نلحظ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منعطف‭ ‬موظفي‭ ‬شركات‭ ‬التفويج‭ ‬السياحي‭ ‬الداخلي‭ ‬بقمصانهم‭ ‬الملونة‭ ‬ومكبرات‭ ‬الصوت،‭ ‬يقودون‭ ‬صفوف‭ ‬الزوار‭ ‬للطواف‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬الأشهر‭.‬

نستأذن‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الأفواج‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬صورة‭ ‬نوثِّق‭ ‬بها‭ ‬الحالة‭ ‬السياحية‭ ‬الغزيرة،‭ ‬فتلبي‭ ‬الموظفتان،‭ ‬بمرح،‭ ‬وتستغلان‭ ‬الفرصة‭ ‬لتمنحانا‭ ‬كرت‭ ‬التعريف‭ ‬بالشركة‭ ‬التي‭ ‬تعملان‭ ‬لمصلحتها‭.‬

خلال‭ ‬فترات‭ ‬الانتقال‭ ‬في‭ ‬المدينة؛‭ ‬سواءً‭ ‬على‭ ‬المترو‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة،‭ ‬أستغل‭ ‬الوقت‭ ‬لتصفّح‭ ‬ما‭ ‬التقطته‭ ‬عدسة‭ ‬الزميلة‭ ‬ولاء‭ ‬من‭ ‬صور،‭ ‬لأكتشف‭ ‬أن‭ ‬ثمّة‭ ‬شيئين‭ ‬يكادان‭ ‬يشكلان‭ ‬عاملًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬لأغلب‭ ‬الصور‭: ‬‮«‬القناع‭ ‬الطبي‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ - ‬الورد‭ ‬المحمول‭ ‬على‭ ‬الأكفّ‮»‬،‭ ‬القناع‭ ‬الطبي‭ ‬وأمره‭ ‬معروف،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حكاية‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الورد‭ ‬والأزهار؟‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬عيد‭ ‬للحب،‭ ‬أو‭ ‬مناسبةً‭ ‬ما؟‭ ‬

 

اليانغتسي‭ ‬والعبور‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬

‮«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مما‭ ‬ذكرت‮»‬،‭ ‬يجيب‭ ‬سائق‭ ‬التاكسي،‭ ‬ويضيف‭: ‬‮«‬الأمر‭ ‬اعتيادي‭ ‬في‭ ‬أوخان؛‭ ‬فاقتناء‭ ‬الورد‭ ‬والأزهار‭ ‬وتبادلها‭ ‬سلوك‭ ‬اعتيادي‭ ‬يألفه‭ ‬الأوخانيون،‭ ‬أساسه‭ ‬أن‭ ‬ووهان‭ ‬تعتبر‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬المدن‭ ‬الصينية‭ ‬إنتاجًا‭ ‬للورد‭ ‬والأزهار،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬النادرة‭ ‬منها،‭ ‬حتى‭ ‬أنك‭ ‬إذا‭ ‬سألت‭ ‬ووهانيًا‭ ‬أصليًا‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬بلدته،‭ ‬فسوف‭ ‬يجيبك‭ ‬بأربعة‭ ‬أشياء‭: ‬‮«‬خوان‭ ‬خو‭ ‬لو‭ - ‬اليانغتسي‭ - ‬ثورة‭ ‬1911‭ ‬م‭ ‬
‭- ‬أزهار‭ ‬الكرز‮»‬‭.‬

و‮«‬خوان‭ ‬خو‭ ‬لو‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬برج‭ ‬الرافعة‭ ‬الصفراء،‭ ‬رمز‭ ‬ووهان‭ ‬وأيقونتها،‭ ‬وهي‭ ‬قلعة‭ ‬بُنيت‭ ‬عام‭ ‬223م‭ ‬إبان‭ ‬حكم‭ ‬الممالك‭ ‬الثلاث،‭ ‬وأشهر‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬البرج‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬طوابق،‭ ‬الذي‭ ‬يوفّر‭ ‬إطلالة‭ ‬مهيبة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬اتجاهاتها،‭ ‬وقد‭ ‬اضطررنا‭ ‬لقطع‭ ‬تذاكر‭ ‬الدخول‭ ‬مرتين‭ ‬لدخول‭ ‬البرج؛‭ ‬فنظام‭ ‬السياحة‭ ‬فيه‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الزيارة‭ ‬النهارية‭ ‬والليلية،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1800‭ ‬عام‭ ‬تعرّض‭ ‬هذا‭ ‬البرج‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الدمار،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬عام‭ ‬1884‭ ‬م،‭ ‬وأعيد‭ ‬بناؤه‭ ‬وترميمه‭ ‬بالصورة‭ ‬الحالية‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬ليصبح‭ ‬ضمن‭ ‬أكثر‭ ‬المعالم‭ ‬شهرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الصين‭ ‬ككل‭.‬

أما‭ ‬اليانغتسي،‭ ‬فهو‭ ‬نهر‭ ‬الصين‭ ‬العظيم،‭ ‬الذي‭ ‬تغفو‭ ‬ووهان‭ ‬على‭ ‬ضفتيه،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬سبق‭ ‬تشييد‭ ‬أول‭ ‬جسرٍ‭ ‬عليه‭ ‬عام‭ ‬1955م،‭ ‬حيث‭ ‬يمتد‭ ‬هذا‭ ‬الجسر‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬1665‭ ‬مترًا،‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬طابقين؛‭ ‬الأول‭ ‬لمرور‭ ‬القطارات‭ ‬والثاني‭ ‬لمرور‭ ‬السيارات‭ ‬والمركبات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتتخلل‭ ‬الجسر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ ‬والأرصفة،‭ ‬وقد‭ ‬وفّر‭ ‬لنا‭ ‬صعود‭ ‬برج‭ ‬الرافعة‭ ‬إطلالة‭ ‬جميلة‭ ‬على‭ ‬الجسر‭ ‬تذكرتُ‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج‭ ‬بعد‭ ‬افتتاح‭ ‬الجسر،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬ماو‭ - ‬وكان‭ ‬شاعرًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬سياسيًا‭ ‬وزعيمًا‭ ‬شهيرًا‭:‬

جسرٌ‭ ‬يطير‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭ ‬

ويحوّل‭ ‬الخندق‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬سلس

 

وحينما‭ ‬كان‭ ‬ماو‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬النهر‭ ‬سباحةً،‭ ‬ومن‭ ‬يومها‭ ‬تحتفل‭ ‬ووهان‭ ‬بيوم‭ ‬العبور؛‭ ‬فتقيم‭ ‬ماراثون‭ ‬سباحة‭ ‬سنويًا‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬هواةُ‭ ‬ومحترفو‭ ‬السباحة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأقطار‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة‭ ‬1911،‭ ‬فووهان‭ ‬مدينة‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬الإقطاعي‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬الصين‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬عام،‭ ‬فقد‭ ‬اندلعت‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬1911،‭ ‬لتدخل‭ ‬الصين‭ ‬بعدها‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭.‬

وتخليدًا‭ ‬لذكرى‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬أقيم‭ ‬متحف‭ ‬باسم‭ ‬متحف‭ ‬ثورة‭ ‬1911،‭ ‬وقد‭ ‬سرّنا‭ ‬أنه‭ ‬سُمِح‭ ‬لنا‭ ‬باصطحاب‭ ‬الكاميرا‭ ‬والتصوير‭ ‬بحريّة‭ ‬داخل‭ ‬المتحف‭ ‬الشهير،‭ ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬والتاريخية‭ ‬لمقتنيات‭ ‬هذا‭ ‬المتحف‭ ‬والمتاحف‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬ووهان،‭ ‬لاحظنا‭ ‬ظاهرة‭ ‬الرقمنة‭ ‬المتحفية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬المتاحف‭ ‬الصينية‭ ‬تمتاز‭ ‬بها،‭ ‬إذ‭ ‬تُدمج‭ ‬أحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭ ‬لتخدم‭ ‬حفظ‭ ‬وعرض‭ ‬أعرق‭ ‬المقتنيات‭ ‬الأثرية‭ ‬بصورة‭ ‬تحافظ‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬شعور‭ ‬الزائر‭ ‬بأنه‭ ‬يدخل‭ ‬فعلًا‭ ‬ليتجول‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ؛‭ ‬فتقنية‭ ‬الأبعاد‭ ‬الثلاثة‭ ‬والتصاميم‭ ‬والأضواء‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬تمامًا‭ ‬حقبة‭ ‬الثورة،‭ ‬جعلتني‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬ووهان‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وبدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أتجولُ‭ ‬في‭ ‬أزقتها‭ ‬وأسمع‭ ‬نباح‭ ‬كلابها‭ ‬وطلقات‭ ‬بنادق‭ ‬الثوار‭ ‬في‭ ‬فجر‭ ‬أيامها‭.‬

هذه‭ ‬النهضة‭ ‬المتحفية‭ ‬لم‭ ‬نلحظها‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الثورة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬قابلناها‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬مقاطعة‭ ‬خوبي،‭ ‬الذي‭ ‬يتمركز‭ ‬وسط‭ ‬ووهان،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المتاحف‭ ‬القومية‭ ‬للأمة‭ ‬الصينية،‭ ‬كما‭ ‬لمسناها‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬متحف‭ ‬الثورة‭.‬

وأما‭ ‬رابع‭ ‬أضلاع‭ ‬المستطيل‭ ‬الووهاني‭ ‬هذا،‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬أزهار‭ ‬ووهان‭ ‬ووردها،‭ ‬فلم‭ ‬أجد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬مقاطع‭ ‬شعرية‭ ‬لشاعر‭ ‬صيني‭ ‬شاب‭ ‬كتب‭ ‬قصيدة‭ ‬عن‭ ‬ووهان‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬معاناتها‭ ‬مع‭ ‬الفيروس،‭ ‬رابطًا‭ ‬بين‭ ‬زنابق‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬وهويتها،‭ ‬فيقول‭ ‬بلسان‭ ‬المدينة‭:‬

 

في‭ ‬الربيع‭ ‬أنا‭ ‬رومانسية‭ ‬كأزهار‭ ‬الكرز‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الجامعات‭ ‬

وفي‭ ‬الصيف‭ ‬أنا‭ ‬مشغوفة‭ ‬كزنابق‭ ‬اللوتس‭ ‬الطافية‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬دنغهو‭ ‬

في‭ ‬الخريف‭ ‬أنا‭ ‬لطيفة‭ ‬مثل‭ ‬زهر‭ ‬القصب‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬هانكو‭ ‬

وفي‭ ‬الشتاء‭ ‬أنسج‭ ‬معطفي‭ ‬من‭ ‬زهور‭ ‬البرقوق‭ ‬المتفتحة‭ ‬على‭ ‬سفح‭ ‬جبل‭ ‬موشان

 

وعلى‭ ‬ذكر‭ ‬الأزهار‭ ‬والورد،‭ ‬تمتلك‭ ‬ووهان‭ ‬حدائق‭ ‬ومتنزهات‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬كرم‭ ‬الطبيعة‭ ‬وحنكة‭ ‬الهندسة‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ - ‬كما‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬في‭ ‬الصين‭ - ‬نهضة‭ ‬ملحوظة،‭ ‬والشجرة‭ ‬مقدسة‭ ‬لدى‭ ‬الصينيين‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬لكنّها‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قداسة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تنتمي‭ ‬لتلك‭ ‬الأصناف‭ ‬النادرة‭ ‬أو‭ ‬المعمّرة،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬تعيش‭ ‬هنا،‭ ‬فستصبح‭ ‬معتادًا‭ ‬رؤية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬تحمل‭ ‬صورًا‭ ‬من‭ ‬بطاقة‭ ‬الهوية‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬والتي‭ ‬يُظهِر‭ ‬الكود‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭: ‬الرقم‭ ‬الوطني‭ ‬للشجرة‭ ‬وتاريخ‭ ‬نشأتها‭ ‬أو‭ ‬انتقالها،‭ ‬وحتى‭ ‬ملفها‭ ‬الطبي‭ ‬أيضًا‭!‬

تستوقفنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأشجار،‭ ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حمل‭ ‬بعض‭ ‬الأشجار‭ ‬المهمة‭ ‬هوياتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬ستجد‭ ‬بعض‭ ‬الأشجار‭ ‬المنقولة‭ ‬حديثًا‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تدخّل‭ ‬طبي‭ ‬والقربة‭ ‬الطبيّة‭ (‬المغذية‭) ‬معلّقة‭ ‬عليها‭ ‬والمحلول‭ ‬العلاجي‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬لحاء‭ ‬الشجرة‭ ‬وشعيراتها،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬لمريضٍ‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬المشفى‭.‬

 

شيكاغو‭ ‬الشرق‭ ‬ووادي‭ ‬البصريات‭ ‬

تطرب‭ ‬ووهان‭ ‬لمسمّى‭ ‬شيكاغو‭ ‬الشرق‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أنّه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬عن‭ ‬شيكاغو‭ ‬إنها‭ ‬ووهان‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬العكس؛‭ ‬فووهان‭ ‬أعرق‭ ‬وأكبر‭ ‬وأكثر‭ ‬حداثةَ‭ ‬الآن،‭ ‬وتربطها‭ ‬بأنحاء‭ ‬القارة‭ ‬الصينية‭ ‬أساطيل‭ ‬قطارات‭ ‬فائقة‭ ‬التقنية‭.‬

ووهان‭ ‬مدينة‭ ‬ذكية،‭ ‬ويكفي‭ ‬لإثبات‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نستعرض‭ ‬إنتاجها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الألياف‭ ‬الضوئية‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬عماد‭ ‬اقتصاد‭ ‬الإنترنت،‭ ‬لنكتشف‭ ‬أنها‭ ‬تنتج‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬66‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬كابلات‭ ‬الألياف‭ ‬الضوئية‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬وتحتكر‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬مما‭ ‬يستهلكه‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬المهم‭.‬

ليلًا،‭ ‬وفي‭ ‬طريقنا‭ ‬للإطلالة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الويتان،‭ ‬نعبرُ‭ ‬بوابةً‭ ‬باذخة‭ ‬الجمال‭ ‬هندسةً‭ ‬وإضاءةً،‭ ‬بوابة‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬ضفةٍ‭ ‬مفتوحةٍ‭ ‬ليس‭ ‬إلّا‭! ‬ونحن‭ ‬ندلف‭ ‬هذه‭ ‬البوابة‭ ‬إلى‭ ‬الضفة،‭ ‬أدركتُ‭ ‬كم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬مغرمة‭ ‬بالاستعراض‭ ‬الهندسي‭ ‬منذ‭ ‬القدم؛‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬اختارتها‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬مدينة‭ ‬إبداعية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصميم‭.‬

هذا‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬والتقنية‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬طبيعي‭ ‬لحالة‭ ‬التميز‭ ‬التعليمي‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تفاخر‭ ‬بأنها،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجامعي‭ ‬2018‭ ‬‭ ‬2019،‭ ‬تحتل‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المدن‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الطلاب‭ ‬الجامعيين،‭ ‬حيث‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بكين‭ ‬وشنغهاي،‭ ‬وانضمت‭ ‬لتكون‭ ‬أحد‭ ‬مراكز‭ ‬العلوم‭ ‬والتعليم‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬الصين‭.‬

وضــمـن‭ ‬تصــنيف‭ ‬الجـامعـات‭ ‬الصــينـية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬فإن‭ ‬6‭ ‬جامعات‭ ‬من‭ ‬جامعات‭ ‬ووهان‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف،‭ ‬وفي‭ ‬بدايات‭ ‬2019‭ ‬اختارت‭ ‬المجلة‭ ‬الشهيرة‭ (‬مجلة‭ ‬الطبيعة‭) ‬جامعة‭ ‬ووهان‭ ‬ضمن‭ ‬الجامعات‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬الأقوى‭ ‬عالميًا،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تزور‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة،‭ ‬فلا‭ ‬تتوقع‭ ‬أنك‭ ‬ستدخل‭ ‬مبنىً‭ ‬رسميًا‭ ‬مقسمًا‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬بقية‭ ‬المؤسسات؛‭ ‬لأنّ‭ ‬الجامعة‭ ‬هنا‭ ‬مدينة‭ ‬متكاملة،‭ ‬هنا‭ ‬ثمّة‭ ‬شوارع‭ ‬وأسواق‭ ‬ومجمعات‭ ‬سكنية‭ ‬وفنادق،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬هذه‭ ‬المدن،‭ ‬دخلنا‭ ‬جامعة‭ ‬ووهان،‭ ‬واتجهنا‭ ‬في‭ ‬البدء‭ ‬نحو‭ ‬مبنى‭ ‬المكتبة‭ ‬المركزية‭ ‬للجامعة،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أعرق‭ ‬مباني‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬عام‭ ‬1893،‭ ‬وهو‭ ‬مبنى‭ ‬أنيق‭ ‬يحمل‭ ‬خصائص‭ ‬العمارة‭ ‬الصينية‭ ‬القديمة،‭ ‬ويتربع‭ ‬أعلى‭ ‬رابية‭ ‬تتوسط‭ ‬المدينة‭ ‬الجامعية‭ ‬العملاقة،‭ ‬ويمتلك‭ ‬هذا‭ ‬المبنى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البوابات‭ ‬العتيقة‭ ‬التي‭ ‬تقودك‭ ‬عبر‭ ‬سلالم‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬المبنى‭ ‬الرئيس‭ ‬وباحاته‭ ‬الجميلة‭. ‬كانت‭ ‬مباني‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭ ‬المدنية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬المكتبة،‭ ‬فأردنا‭ ‬الإطلالة‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬البهاء‭ ‬المعماري‭ ‬في‭ ‬ووهان،‭ ‬وهناك‭ ‬وجدنا‭ ‬طلاب‭ ‬أحد‭ ‬المستويات‭ ‬مع‭ ‬أساتذتهم‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬منهمكين‭ ‬في‭ ‬الرّسم‭ ‬الحر،‭ ‬سألتُ‭ ‬الأستاذ‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬بإمكاننا‭ ‬الانضمام‭ ‬لمحاضرته،‭ ‬فرحّب‭ ‬بنا‭ ‬ومد‭ ‬يده‭ ‬بورق‭ ‬أبيض‭ ‬وأقلام‭ ‬رصاص‭ ‬قائلًا‭: ‬ارسم‭... ‬لم‭ ‬أجرؤ‭ ‬على‭ ‬الرسم،‭ ‬لكنني،‭ ‬وأنا‭ ‬ألحظ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المثابرة،‭ ‬أدركتُ‭ ‬سبب‭ ‬كون‭ ‬ووهان‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬مدن‭ ‬الإبداع‭ ‬التصميمي‭.‬

 

مدينة‭ ‬تقدس‭ ‬الأطباء‭ ‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬كوزموبوليتانية‭ ‬اكتسبت‭ ‬ثقافتها‭ ‬بالتدريج‭ ‬نتيجة‭ ‬لمرور‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الثقافات‭ ‬والأجناس‭ ‬عليها،‭ ‬وهذا‭ ‬عائد‭ ‬بالأساس‭ ‬لوجودها‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬اليانغتسي‭ ‬والهانشو،‭ ‬ولكونها‭ ‬مثّلت‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الموانئ‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬حكم‭ ‬أسرة‭ ‬تشينج‭ ‬الملكية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬تمثّل‭ ‬مع‭ ‬بكين‭ ‬وسوجو‭ ‬وفوشان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُعرف‭ ‬لدى‭ ‬الصينيين‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬أهم‭ ‬المراكز‭ ‬التجارية‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬الدنيا‮»‬،‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬أكسبته‭ ‬إياها‭ ‬شهور‭ ‬الفيروس‭ ‬دفعةً‭ ‬واحدة‭ ‬قد‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬اكتسبته‭ ‬المدينة‭ ‬ببطء‭ ‬خلال‭ ‬عقود،‭ ‬ومن‭ ‬المكتسبات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬نلاحظ‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإجلال‭ ‬المجتمعي‭ ‬لأصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الطبية،‭ ‬فهم‭ - ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الطالبة‭ ‬شي‭ ‬ناي‭ - ‬التي‭ ‬حكت‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬ووهان‭ ‬أيام‭ ‬الحجر،‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن‭ ‬الطبية‭ ‬كانوا‭ ‬فعلًا‭ ‬الجنرالات‭ ‬النبلاء‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬كوفيد‭ - ‬19‮»‬،‭ ‬وأنهم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينالوا‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والامتنان‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬ينالونه‭ ‬حاليًا‭.‬

وعند‭ ‬ختام‭ ‬رحلتنا‭ ‬التي‭ ‬امتدّت‭ ‬لأيام‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬الرمز،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬زقاق‭ ‬هوبو،‭ ‬وهو‭ ‬مكان‭ ‬أثري‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تلحظ‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الووهانيين‭ ‬يعشقون‭ ‬المأكولات‭ ‬البحرية‭ ‬والجاوتزا‭ ‬والشعيرية‭ ‬الجافة،‭ ‬كما‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تستمتع‭ ‬بتذوّق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطباق‭ ‬الصينية‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬الأكل‭ ‬الصيني‭.‬

زرنا‭ ‬ووهان‭ ‬وتذوّقنا‭ ‬أطباقها،‭ ‬فكانت‭ ‬مدينة‭ ‬لذيذة،‭ ‬وتتبعنا‭ ‬بنيتها‭ ‬الحديثة‭ ‬ورأيناها‭ ‬فريدة‭ ‬ذكية،‭ ‬زرنا‭ ‬معالمها‭ ‬وحدائقها،‭ ‬فألفناها‭ ‬عريقة‭ ‬وجميلة،‭ ‬وتتبعنا‭ ‬ملحمتها‭ ‬مع‭ ‬الفيروس‭ ‬المرعب‭ ‬فوجدنا‭ ‬ووهان‭... ‬المنتصرة‭ ‬■