اللون نتاج ضوئي
الإدراك اللامُطلق واللاحسّي في لغة الجمال، يختلف تمامًا عما تراه العين المجردة، ويصبح لعلوم فيزياء اللون أهمية قصوى لا يختلف عليها لا العارف بمعانيها أو ذلك الذي يرى فقط بعين لا تتجاوز الرؤية فيها مفهوم اللون المبسط. إن الفيزيائي لا ينظر للّون كشكل من أشكال الجمال، بل هو لغة وأرقام ولوغاريتمات يتداخل فيها العلمي بالمادي وتتجاوز إطارها المعرفي.
إن اللون والضوء شيئان متلازمان، ومن دون الضوء الذي يحلل لنا معلومة اللون وماهيته، لا يمكننا أن ندرك اللون وطبيعته ولا حتى معرفة تشكيلاته، إذًا، فاللون هو نتاج ضوئي خالص، وهو المعنى الدي تطرقنا له في بداية حديثنا.
من هنا، فاللون - فيزيائيًا - هو شكل من أشكال الضوء، ولعل إسحق نيوتن حين سلّط حزمة من الضوء على منشور زجاجي، فقام المنشور بتحليل حزمة الضوء إلى مكوناتها الأساسية، وهي ما يُعرف بألوان قوس قزح، التي نراها ولا ندرك أنّها نتاج ضوئي خالص بقوة أشعة الشمس، فتمتزج لتصير بذلك البهاء المطلق الذي تراه العين المجردة كألوان، لكنّ تحليلها يجعلها نتاجًا ضوئيًا.
خلال دراستنا في مادة التعبير التشكيلي كنّا قد تعلّمنا أن أساس الألوان يعتمد على ثلاثة ألوان أساسية، هي الأحمر والأصفر والأزرق، مع أن اللونين الأبيض والأسود هما لونان محايدان، وهو ما ذهبت إليه كل مدارس ومعاهد الفنون عبر العالم، لكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، والتي توظّف لغة الألوان في أجهزتها تؤكد أنه يوجد في الطبيعة أحد عشر لونًا أساسيًا، إلّا أنه بمزج أي منها مع آخر يمكن أن نصل إلى عدد لانهائي من أطياف اللون، ويقال إن الكمبيوتر يميّز بين 256 مليون نقطة ضوئية مختلفة، وأن العين البشرية تميّز أكثر من ذلك بكثير.
كما أن للألوان تأثيرًا في نفوسنا، وهنا تبين تلك العلاقة - التي وضعها فينا الله جلّت قدرته - بين ما هو جمالي نتاج لخلق مع ما هو مخلوق أن للكون دلالات/ ولكل دلالة لغة/ ولكل لغة مقدار وعلم وتفسير يتجاوز لغة الحديث إلى ما هو أعمق وأدقّ، ولعل أهل العلم الذين يخوضون في فيزياء اللون انطلاقًا من آيات الله البينات يعرفون جيدًا أن هذه الألوان أصلها ضوء وأصل الضوء ظلام، وهو نقطة البدء.
لغة اللون
تمعّنوا معي لغة اللون كما وردَت الألوان في القرآن الكريمِ في مواضع عدة بصيغةِ المفرد والجمع، أما صيغةُ المُفرد: لون... فوَردت مرتين في آيةٍ واحدةٍ مِن سورة البقرة، وهي قوله تعالى «قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسرُّ الناظرين» (سورة البقرة - الآية 69).
أما لفظة ألوان... فوردت في سبعةِ مواضع في 6 آياتٍ، منها قوله تعالى «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات للعالمين» (سورة الروم - الآية 22)، ومنها أيضًا قوله تعالى «وما ذرَأَ لكم في الأرض مختلفا أَلْوَانُهُ إن في ذلك لآية لقوم يذكرون» (سورة النحل - الآية 13).
إن المتأملَ في الألوانِ ودلالاتها في القرآنِ الكريم يدرك أنه لا بدّ من علاقةٍ وتأثير لتلك الألوان على النُّفوسِ والأرواح، ولا بدّ من أسرارٍ وراءَ تلكَ اللَّفتات واللَّوحاتِ البديعة في القرآن، فقد قال علماء النَّفس إنّ تأثير الألوانِ فينا شديد، وإنَّ الألوان تؤثر في سعادتنا وكآبتنا، وفي أقدامنا وأجسامنا، وربما أشْعَرَنا ذلكَ اللَّون بالحرارة، أو بالبرودة، بل رُبَّما أثَّر اللون في شخصية الإنسان، ونظرتِه إلى الحياةِ، فإن لكلّ لون سرًّا وتأثيرًا ■